إعلان "إفلاس لبنان".. هذه انعكاساته على الحسابات البنكية لسياسيين عراقيين

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم تكن انعكاسات إعلان لبنان إفلاسه على الداخل اللبناني فحسب، وإنما وصلت ارتدادات ذلك إلى العراق، وطالت الكثير من كبار السياسيين الذين أودعوا أموالا طائلة في البنوك اللبنانية خلال السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.

وفي 4 أبريل/نيسان 2022، أعلن سعادة الشامي، نائب رئيس الحكومة، "إفلاس الدولة ومصرف لبنان المركزي"، مؤكدا أن "الخسائر سيجري توزيعها على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين"، في تصريح جسد أزمة اقتصادية خانقة يعيشها لبنان منذ نحو ثلاثة أعوام.

ورغم نفي الحكومة اللبنانية أن تكون تصريحات نائب رئيس الحكومة إعلانا رسميا بإفلاس البلاد وإن كانت تعاني بنوكها واقتصادها من أزمات حقيقية وطاحنة، فإن الحديث عن إفلاس بيروت كشف الكثير عن الأموال العراقية المهربة في بنوك لبنان.

أموال سياسيين

على ضوء الإعلان عن إفلاس لبنان، تداولت حسابات عراقية عديدة على "تويتر"، أسماء سياسيين وقادة مليشيات شيعية في العراق، والحديث عن خسارتهم مئات ملايين الدولارات كانوا قد أودعوها في وقت سابق بالبنوك اللبنانية.

ونشر الناشط عدي العتابي، الذي يطرح نفسه أنه قريب من التيار الصدري، على حسابه عبر "تويتر" في 6 أبريل قائمة بأسماء الشخصيات العراقية والمبالغ التي خسروها.

وجاء فيها أن "أبو فدك عبد العزيز المحمداوي رئيس أركان الحشد الشعبي يمتلك 600 مليون دولار، كانت مودعة باسم كل من بشير المالكي، جابر العيداني، حازم العيداني".

وأضاف العتابي أن "زعيم مليشيا بدر هادي العامري يمتلك 280 مليون دولار مودعة باسم حسام المالكي. وكذلك زعيم مليشيا كتائب سيد الشهداء لديه 325 مليون دولار مودعة باسم عبد الرحمن المالكي. إضافة إلى أن النائبة والسياسية البارزة حنان الفتلاوي لديها 8 ملايين دولار في بنوك لبنان".

ورغم التداول الواسع لهذه المعلومات، وأن السياسيين العراقيين كان نصيبهم كبيرا في الخسائر نتيجة إفلاس لبنان، فإن الأطراف الواردة أسماؤها لم يصدر عنها أي تصريحات للتعليق على الموضوع.

لكن مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، قال خلال مقابلة تلفزيونية في 11 أبريل إن "الأموال المودعة من بعض السياسيين العراقيين في البنوك اللبنانية، لن تعود إلى مودعيها أبدا".

وأضاف مستشار الكاظمي بلهجة عراقية دارجة، قائلا: "خلي يمسحون أيديهم بالحايط"، مشيرا إلى أن "الأموال في البنوك اللبنانية ذهبت، وليس هناك أمل بعودتها. لن يقبض ساسة العراق من اللبنانيين 10 فلوس".

ويودع بعض الساسة والمسؤولين العراقيين أموالهم التي تقدر بمليارات الدولارات خارج العراق، كإجراء احترازي للمستقبل، وضمان عدم إعادتها من الجهات الرقابية الحكومية في حال جرى فتح ملفات الفساد المالي ومحاسبة من يقف وراءها.

ويعاني العراق بعد عام 2003 من فساد مالي ينخر مؤسسات الدولة العراقية، وفق تقارير دولية ومحلية، وسط عجز حكومي عن محاسبة من يقف خلف الفساد؛ كونهم يتحكمون بالمشهد السياسي والأمني العراقي.

وفي 23 مايو/أيار 2021، كشف الرئيس العراقي برهم صالح، أن بلاده خسرت ألف مليار دولار منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 بسبب "استشراء الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة".

أموال الإقليم

لا يتوقف الأمر عند السياسيين فقط، وإنما أموال إقليم كردستان العراق من تصدير النفط والتي كانت محتجزة في بيروت، قد تكون هي الأخرى تواجه المصير ذاته، ولا يمكن بعد اليوم استعادتها من البنوك اللبنانية.

وفي 5 أبريل 2022، كشف النائب في برلمان إقليم كردستان العراق، علي حمه صالح، عن تجميد نحو 650 مليون دولار من أموال الإقليم في بيروت، بعد إعلان السلطات اللبنانية عن إفلاس الدولة.

وكتب صالح تدوينة عبر موقع "فيسبوك" قال فيها: "أرسلت في عام 2015 رسالة إلى رئيس حكومة إقليم كردستان (نيجيرفان بارزاني) وأشرت فيها إلى أن بيع النفط عبر مرتضى لاخاني الباكستاني خطير، لكن لم ينصتوا لي، وفي النتيجة جرى تجميد ما يقارب من 650 مليون دولار في لبنان".

وأضاف البرلماني الكردي علي حمه صالح في تدوينته المقتضبة، أن "الأموال المجمدة، هي إيرادات نفط إقليم كردستان في حساب الشركة القبرصية الخاصة بمرتضى لاخاني".

ومرتضى لاخاني، هو رجل أعمال باكستاني، ظهر اسمه في ظل الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق في تسعينيات القرن العشرين، إبان حكم نظام صدام حسين.

ووصف لاخاني نفسه حينها، بأنه "رجل شركة غلينكور في بغداد"، ويعمل في إطار مساعدة الشركة في شراء الخام العراقي.

ويفيد تحقيق لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية، بأن لاخاني كان يستخدم حساب شركته في بنك "ميد" اللبناني، بصفته غرفة مقاصة للثروة النفطية الجديدة في كردستان العراق.

وفي 31 مارس/آذار 2022، نشرت شركة "ديلويت" الدولية للتدقيق، تقريرا حول صادرات نفط الإقليم لعام 2021 يفيد بأنه جرى تصدير أكثر من 152 مليون برميل من النفط عبر ميناء جيهان التركي وبمعدل سعر بلغ 59.4 دولارا أميركيا. 

وأشار التقرير إلى أن عائدات النفط المباعة بلغت 9 مليارات دولار، ذهب أكثر من خمسة مليارات دولار إلى النفقات النفطية، فيما بلغ مجموع الإيرادات حوالي أربعة مليارات دولار. 

وأظهر أن "294 مليون دولار و 310 ملايين يورو من عائدات نفط الإقليم محتجزة في لبنان".

ضربة للفاسدين

وفي السياق ذاته، قال محمد رحيم الربيعي رئيس "شبكة النهرين لدعم النزاهة والشفافية" وعضو ائتلاف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، إن "الأزمة المالية التي عانى منها لبنان منذ 3 أعوام، شكلت ضربة كبيرة لجميع الفاسدين الذين هربوا أموالهم من العراق ووضعوها هناك".

وأضاف الربيعي في تصريح نقلته صحيفة "الصباح" العراقية الرسمية في 9 أبريل أن "الأموال يعود أغلبها إلى فاسدين عراقيين تسلموا مناصب حساسة طوال الفترة الماضية، أو أحزاب سياسية هربت النفط والثروات الطبيعية وما شابه، وأودعت تلك الأموال في المصارف اللبنانية".

وأشار إلى أن "الموضوع شمل أيضا صغار الموظفين الذين أودعوا مئات الآلاف من الدولارات نتيجة عمليات مشبوهة في هذه البنوك".

ولفت إلى أن "مافيات الفساد عملت على ابتزاز تلك المصارف بعد أن أغلقت بشكل تام دون جدوى، ومثل إعلان الحكومة اللبنانية مثل هذه القرارات (رصاصة الرحمة) على الفاسدين العراقيين وأموالهم الموجودة في المصارف اللبنانية".

من جهته، عزا الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، أسباب إيداع أموال السياسيين والتجار العراقيين في بيروت إلى "سهولة تهريبها وغسيلها".

وأشار إلى أن "اعتماد مبدأ عدم المساءلة عن غسيل الأموال في المصارف اللبنانية حفز سياسيين وتجارا على إيداع أموالهم هناك، وجعل للبنان الحصة الأسد من تلك الأموال".

وعلى الصعيد ذاته، قال الخبير المالي اللبناني نسيب جبريل رئيس قسم البحث والتحليل الاقتصادي في مجموعة بنك "بيبلوس"، إن جميع المودعين سواء كانوا لبنانيين أو أجانب تضرروا بالأزمة التي حصلت في سبتمبر/أيلول 2019 جراء شح السيولة في المصارف اللبنانية والقيود التي وضعت على استخدام الودائع والسحوبات.

وأضاف جبريل أن "التعسر في تسديد الالتزامات بالعملات الأجنبية للسندات السيادية، زاد من شح السيولة ومن القيود على السحوبات المصرفية".

ولفت إلى أن "هناك مسؤولية لإعادة رسملة مصرف لبنان حسب قانون النقد والتسليف في البلد، ولا يمكن للسلطات أن تحمل المودع في القطاع المصرفي اللبناني جزءا من هذه الخسائر بغض النظر عن جنسيته".

وكانت تقارير قد نشرتها وكالات محلية عراقية في 9 أبريل قدرت حجم الأموال العراقية المودعة بشكل غير رسمي في المصارف اللبنانية بقرابة 18 مليار دولار، بينما رفعت تقارير أخرى التقديرات إلى أكثر من 50 مليار دولار أميركي.