رغم تضارب مواقفهما.. كيف أثرت حرب أوكرانيا على علاقات تركيا وأميركا؟

12

طباعة

مشاركة

بين مد وجزر، تتأرجح العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة رغم حاجة الطرفين الحليفين في حلف شمال الأطلسي "الناتو" إلى بعضهما خاصة في ظل التوتر بين واشنطن وموسكو.

ومطلع أبريل/نيسان 2022، أعلنت أنقرة إطلاق الآلية الإستراتيجية التركية الأميركية عملا بتفاهم توصل إليه الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والأميركي جو بايدن خلال لقاء جمعهما على هامش قمة قادة مجموعة العشرين بالعاصمة الإيطالية روما في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

مقاربة إيجابية

أعقب الإعلان حديث عن مقاربة إيجابية أبدتها وزارة الخارجية الأميركية بشأن بيع مقاتلات إف -16 إلى تركيا بناء على العلاقات التي تجمع بين البلدين في حلف شمال الأطلسي.

ولفتت الخارجية الأميركية في رسالة للكونغرس إلى أهمية تركيا لكونها تملك ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي وما تقدمه من خدمات مع حلفائها في الناتو.

أشارت إلى موقف تركيا من الحرب الروسية على أوكرانيا ودعم أنقرة لوحدة أراضي الأخيرة. كما أن تعاونها الدفاعي يعتبر رادعا ضد ما وصفته بالعناصر الضارة في المنطقة.

تغير الموقف الأميركي أرجعته وزارة الخارجية إلى وجود مصالح مهمة في العلاقات الثنائية بين البلدين مدعومة بالعلاقات التجارية في مجال الدفاع.

ولفتت إلى أن تركيا دفعت ثمنا كبيرا جراء العقوبات المفروضة عليها بسبب شراء منظومة "إس _ 400" الروسية.

يبدو أن الآلية المعلنة قد تفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين بعد أن ساءت منذ توقيع تركيا صفقة شراء منظومة الصواريخ المضادة للطائرات "إس-400" المتطورة من روسيا في 12 سبتمبر/أيلول 2017.

ازدادت العلاقات توترا بعد بدء تسلم أنقرة منظومة "إس _400" في 12 يوليو/تموز  2019.

إذ أعلنت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في ديسمبر/كانون الأول 2020، فرض عقوبات على أنقرة استهدفت أكبر هيئة لتطوير الصناعات الدفاعية التركية ورئيسها إسماعيل دمير وموظفين آخرين بسبب شراء المنظومة الروسية.

وقررت واشنطن تعليق مشاركة أنقرة في برنامج تصنيع طائرات "إف_35" وهو ما رفضته الأخيرة بوصفها شريكا في تصنيعها وليست مجرد مشتر.

واعتبر الجانب التركي على لسان وزير الدفاع خلوصي أكار أن العقوبات الأميركية على تركيا تهز قيم التحالف بين البلدين وتقوض الثقة بين الحليفين.

تقول أنقرة إن شراء منظومة "إس -400" ضرورة للحفاظ على أمن واستقرار تركيا وليس خيارا هامشيا.

يرى مراقبون أن حلحلة بعض الملفات بين تركيا والغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا يأتي بفضل الدور التركي في أزمة الحرب الأوكرانية من الناحية السياسية من جانب وطائرات بيرقدار التركية المسيرة التي أظهرت أهمية خاصة في هذه الحرب من جانب آخر.

وأشار تقرير لموقع المونيتور الأميركي أن الدول الغربية تتجه لرفع العقوبات عن الصناعات الدفاعية التركية بسبب دورها الإيجابي والمؤثر في حرب أوكرانيا الدائرة منذ 24 فبراير/شباط 2022 والتي أعادت إحياء الناتو وخففت نسبيا العزلة المفروض على تركيا منذ سنوات.

وذهب التقرير الذي نشر مطلع أبريل، إلى أن حرب روسيا على أوكرانيا أعادت قيمة الدور التركي في حلف "الناتو" إلى دائرة الاهتمام ما دفع أردوغان لمحاولة الاستفادة منه على أفضل وجه.

بحسب التحليلات فإن عوامل عدة برزت للدور التركي في الحرب الروسية على أوكرانيا قد تدفع لتغير التوازن في العلاقات التركية الأميركية.

أبرزها رفض تركيا القاطع للغزو الروسي وإغلاق مضيق البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية، وفقا لاتفاقية مونترو وجهود أنقرة الدبلوماسية لحل الأزمة سياسيا ما يحمل في طياته رسائل تقدير من واشنطن لأنقرة.

وكشفت الحرب الأهمية المؤسسية للناتو وموقعه الجيو سياسي فيما يتعلق بأمن أوروبا ما يؤكد الدور التركي الحاسم في الحلف.

 وبرزت تركيا كداعم أساس لحماية أمن أوكرانيا وسلامتها الإقليمية ووحدتها السياسية وإدانة الغزو الروسي رغم ما يربط موسكو وأنقرة من علاقات اقتصادية عميقة.

ولا يستبعد محللون أن تتخذ تركيا موقفا أكثر راديكالية ضد روسيا حال فشل المفاوضات واستمرار التصعيد بين موسكو وواشنطن وهو ما يمكن أن يعيد إحياء التحالف التركي الأميركي على المدى الطويل.

تحالف قديم 

وقال عصام عبد الشافي رئيس أكاديمية العلاقات الدولية، ومدير المعهد المصري للدراسات إن هناك العديد من الاعتبارات التي تحكم العلاقات التركية ـ الأميركية، وهي ليست وليدة اليوم، لكنها تمتد لعدة عقود، بدءا من التفاعل الذي يمكن وصفه بالإستراتيجي، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية.

وأضاف لـ"الاستقلال" أن تركيا أكدت أهميتها للمنظومة الغربية سواء في التعاطي مع الملف السوري أو العراقي أو التصدي للتمدد الروسي في المنطقة رغم تضارب المواقف التركية الأميركية واصطدامها ببعض تداعيات أحداث سبتمبر 2001 أو الغزو الأميركي للعراق وحتى الموقف التركي من الثورات العربية.

وتابع: "شهدت العلاقات بين أنقرة وواشنطن مزيدا من التوتر مع تقلد جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني 2021 وذلك على خلفية تصريحاته السلبية تجاه النظام التركي وسعيه للتخلص منه".

ومن قبلها محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في يوليو 2016 وتوجيه الاتهام لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما والذي كان نائبه بايدن وقتها.

ويرى أن تطورات الأحداث الإقليمية والدولية، وخاصة مع تطورات العدوان الروسي على أوكرانيا، دفعت باتجاه التهدئة بين الطرفين، مع بروز أهمية الدور التركي في ملف التفاوض الروسي ـ الأوكراني، ونظرا لارتباط تركيا بعلاقات جيدة بطرفي الأزمة.

ويؤكد أن العلاقات الأميركية ـ التركية إستراتيجية بالأساس، وما يحدث من توترات هو استثناء، وبالتالي فالحديث عن آلية مشتركة للتنسيق بين الدولتين، يجب أن يسير فعليا في اتجاه ترسيخ الروابط بينهما.

ولفت إلى أن تركيا خلال العام الأخير، تسير نحو تطبيع العلاقات مع حلفاء أميركا في المنطقة، الذين كانت تتصادم معهم خلال السنوات العشر الأخيرة، مثل السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل، بما فيها كذلك اليونان وأرمينيا.

وعدّ أن سياسات التطبيع، من شأنها تهدئة الكثير من ملفات وبؤر التوتر، وتعزيز العلاقات الأميركية ـ التركية، بما يتسق والتوجهات الإستراتيجية لواشنطن في هذه المرحلة، والتي تسعى لتكتيل الجهود في مواجهة الصين اقتصاديا، وروسيا دبلوماسيا وعسكريا.

ويرى البروفيسور أحمد أويصال رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط (أوراسام) أن إعلان الآلية الإستراتيجية بين أنقرة وواشنطن خطوة إيجابية نحو تحسين العلاقات بين البلدين الحليفين من الأساس.

وقال لـ"الاستقلال" إن تركيا والولايات المتحدة حليفتين في الناتو منذ الكماليين (عهد مؤسس الدولة الحديثة مصطفى كمال أتاتورك) لكن مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم ظهرت استقلالية أنقرة وهو ما لا ترغبه واشنطن.

فاتخذت موقفا سلبيا بدعم جماعات بي بي كا (تصنفها تركيا إرهابية) وكذلك دعمت تنظيم غولن لمحاربة حكومات العدالة والتنمية، وفق أويصال.

وأضاف أنه مع فشل التنظيمات بالعمل ضد الحكومة وظهور تركيا أقوى، فهذا قد يغير الموقف الأميركي خاصة بعد دور أنقرة في الحرب الروسية على أوكرانيا.

من جانبه أكد الدبلوماسي الأميركي السابق مفيد الديك أن إعلان الإستراتيجية قد يفتح المجال لعلاقات أقوى بين تركيا والولايات المتحدة مستقبلا خاصة أن أنقرة بدأت تنتهج سياسات مختلفة تجاه الدول الحليفة لواشنطن كدول الخليج ومصر.

وقال لـ"الاستقلال" إنه رغم أن الولايات المتحدة كانت ترغب من تركيا موقفا أكثر وضوحا أقرب وداعما للموقف الغربي وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن أنقرة أبدت موقفا غير منحاز ليساعدها في التوسط دبلوماسيا بين موسكو وكييف من أجل التوسط إلى حل.

وأضاف أن واشنطن لم تعارض الموقف التركي كلية لاسيما وأنها اتخذت موقفا مهما في إغلاق مضائق البوسفور والدردنيل ومنعت السفن الروسية من المرور وفق اتفاقية المونترو وهو موقف لا شك كان له أثر إيجابي.

وعدّ أنه "رغم أن تركيا لم تنخرط في فرض عقوبات على روسيا ولم تمد أوكرانيا بالسلاح صراحة كدول الناتو والاتحاد الأوروبي، فإن المسيرات التركية أظهرت فعالية كبيرة في أوكرانيا ما يعزز قوة أنقرة وموقفها حتى وإن كانت كييف حصلت على تلك المسيرات قبل الغزو".

وأردف أن الدور التركي المهم في المنطقة وفي حلف الناتو يجعل الولايات المتحدة تتجه إلى تقوية العلاقات مع حليف قوي وتبني مرحلة جديدة معه.

وأكد أن واشنطن لن ترفض أي مقاربات لتحسين العلاقات مع تركيا في ظل حكومة أردوغان رغم الاختلاف في ملفات كثيرة.

وتوقع أن تعمل الولايات المتحدة على دعم التعاون الاقتصادي مع تركيا في هذه المرحلة المفصلية التي تقارب الانتخابات الرئاسية عام 2023.