قرار مفاجئ.. هذه تداعيات "نهاية الحياد" الإسباني بشأن قضية الصحراء الغربية
سلطت صحيفة فرنسية الضوء على زيارة رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، إلى المغرب بدعوة من العاهل محمد السادس، بعد عودة العلاقات بين الرباط ومدريد إلى الدفء عقب إعلان مدريد في مارس/ آذار 2022، دعم مبادرة "الحكم الذاتي" المغربية لتسوية النزاع في إقليم الصحراء الغربية.
وقالت صحيفة "لوبوان" إن "هذه الزيارة التي يجب أن تطوي صفحة الخلاف، بعيدة كل البعد عن أن تكون مصدرا للإجماع، إضافة إلى أنها تأتي في سياق دولي مضطرب".
واستقبل ملك المغرب محمد السادس، سانشيز، في 7 أبريل/نيسان 2022 بالعاصمة الرباط، ضمن زيارة رسمية لإنهاء أزمة دبلوماسية استمرت قرابة عام.
وشمل برنامج الزيارة، محادثات رسمية مع الملك محمد السادس، ودعوة لـ"إفطار رمضان"، حيث يُنظر إلى هذه الدعوة في مدريد على أنها "علامة صداقة قوية جدا"، وفق "لوبوان".
قرار مفاجئ
وفي 18 مارس/آذار 2022، أعلنت مدريد على الملأ دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تصفها بأنها "الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل هذا النزاع" بشأن قضية إقليم الصحراء، "الأمر الذي فاجأ الجميع".
هذه اللفتة التي توقعتها الرباط، جعلت من الممكن وضع حد لما يقرب من عام من الأزمة الدبلوماسية الكبرى مع مدريد، والتي نجمت عن استقبال زعيم جبهة "البوليساريو"، إبراهيم غالي، العدو اللدود للرباط، في أبريل/نيسان 2021 لمعالجته في إحدى المدن الإسبانية إثر إصابته بكورونا.
وأثارت تلك الأنباء حينذاك غضب الرباط، وبلغت ذروتها بوصول أكثر من 10 آلاف مهاجر منتصف مايو/آيار 2021 إلى جيب سبتة الإسباني، جراء تخفيف القيود من الجانب المغربي.
وتلى ذلك استنكار مدريد ما وصفته بـ"الابتزاز" و"العدوان" من جانب الرباط، التي استدعت من جانبها سفيرها لدى إسبانيا، والذي عاد حديثا إلى هناك في 20 مارس/آذار 2022.
بعد أيام قليلة من تطبيع العلاقات بين الجارتين، أصبح ممكنا بقرار إسبانيا تقديم الدعم العلني في 18 مارس 2022، لخطة "الحكم الذاتي" المغربية لإقليم الصحراء، وهي منطقة صحراوية شاسعة غنية بالفوسفات ومياه مليئة بالأسماك.
وتقترح الرباط، التي تسيطر على ما يقرب من 80 بالمئة من هذه المنطقة، خطة حكم ذاتي تحت سيادتها بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، "لكنه لم يتحقق أبدا".
حد للحياد
ومن خلال دعم الخطة المغربية، وضع رئيس الوزراء الاشتراكي، سانشيز، حدا لعقود من حياد إسبانيا بشأن هذه القضية، مما أثار حفيظة حلفائه اليساريين في الحكم والمعارضة اليمينية في إسبانيا، والجزائر، ودعم الانفصاليين الصحراويين من "البوليساريو"، ولكن أيضا مورد غاز لمدريد.
في هذا السياق من التوترات المتزايدة، أشارت مجموعة النفط والغاز العامة الجزائرية "سوناطراك" إلى أنها لا تستبعد "إعادة حساب" أسعار الغاز المسلم إلى إسبانيا.
ومنذ بداية الأزمة في أوكرانيا، انفجرت أسعار الغاز والنفط، لكن الجزائر قررت الحفاظ على أسعار تعاقدية صحيحة نسبيا لجميع عملائها.
ومع ذلك، لا يُستبعد إجراء إعادة حساب للأسعار مع "عميلنا الإسباني"، كما قال الرئيس التنفيذي للشركة، توفيق حكار، لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.
وذكرت لوبوان أنه "إذا تم اتخاذ القرار، فستكون له تداعيات كبيرة، حيث تبحث أوروبا عن بدائل للغاز الروسي، وبالتالي يجب عليها إقناع الجزائر بزيادة قدرتها على التسليم".
ورغم أن إسبانيا خفضت أخيرا اعتمادها على الغاز الجزائري، عبر وارداتها من الغاز الطبيعي المسال، بسبب إغلاق الجزائر لخط أنابيب غاز يمر عبر المغرب، بسبب أزمة بين البلدين المغاربيين، إلا أن سانشيز يدافع عن نفسه ضد أي تداعيات لقراره.
وأكد رئيس الوزراء الإسباني أن هذا القرار ينبغي بالأحرى أن يُنظر إليه على أنه "خطوة إضافية" من أجل إنهاء "الصراع المُشفّر على مدى أربعة عقود".
لكن خصوم سانشيز، ولا سيما اليسار الراديكالي لبوديموس، حليف الاشتراكيين داخل الائتلاف الحاكم والمؤيدين لتقرير المصير للصحراويين، يتهمونه بـ"عدم السعي للتوصل إلى إجماع، واتخاذ هذا القرار، على أهميته، بصفة فردية".
وندد زعيم "البوليساريو"، بـ"التحول الجذري"، ويرى أن إسبانيا "تتخلى" عن الصحراويين لـ"مصيرهم" كما حدث عندما غادرت الإقليم عام 1975.
وبالنسبة لمدريد، فإن الهدف الرئيس لتطبيع العلاقات مع الرباط هو ضمان "تعاونها" في السيطرة على الهجرة غير النظامية، حيث إن المغرب، الذي يغادر منه غالبية المهاجرين إلى إسبانيا، اتهمه العديد من المراقبين باستخدامه الهجرة غير النظامية بطرق منظمة كوسيلة للضغط على مدريد.
وتأمل الحكومة الإسبانية أيضا أن تخفف الرباط من مطالبتها بجيوب سبتة ومليلية.
وتخضع مدينتا سبتة ومليلية، الواقعتان شمالي المغرب، لإدارة إسبانيا، حيث تعتبرهما الرباط "ثغرين محتلين".
محل إجماع
لكن العديد من المحللين يحذرون من عدم وجود "ضمانات حقيقية" حصلت عليها إسبانيا، تقول "لوبوان".
وفي الواقع، وبدعم من الولايات المتحدة وألمانيا، فإن المغرب مصمم على تسوية الصراع اللامتناهي للصحراء الغربية الذي يعارضه مع الانفصاليين الصحراويين المدعومين من الجزائر لصالحه الخاص، حتى على حساب الخلاف مع حلفائه، حسب المحللين.
وكل شيء قد تغير، عقب اعتراف واشنطن بـ"مغربية" الصحراء الغربية في ديسمبر/كانون الأول 2020، مقابل استئناف العلاقات مع إسرائيل، ومنذ ذلك الحين والرباط تدعو المجتمع الدولي إلى الاقتداء بالنموذج الأميركي في الاعتراف بمغربية الصحراء.
وبعد استقبال نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، دعا وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أوروبا في 29 مارس 2022 إلى "الخروج من منطقة الراحة الخاصة بها" شأن إسبانيا، للموافقة على خطة الحكم الذاتي فيما يتعلق بقضية الصحراء.
ويقترن هذا النداء الذي وجهه بوريطة بتحذير "لمن يظهرون مواقف غامضة أو متناقضة"، حسب قوله.
وخلال خطاب للأمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حذر محمد السادس من أن "المغرب لن ينخرط معهم في أي مقاربة اقتصادية أو تجارية من شأنها استبعاد الصحراء المغربية".
واستطردت لوبوان أنه "يمكن القول إن قضية الصحراء في المملكة المغربية هي قضية محل إجماع".
وكانت تلك المستعمرة الإسبانية السابقة- التي يسميها المغرب "مقاطعته الجنوبية"- تاريخيا جزءا من أراضيه، وهي "حقيقة ثابتة" "لن تكون أبدا على أجندة أي تعاملات"، كما صرح بذلك الملك محمد السادس.
وختمت "لوبوان" مقالها بالقول: "إذا كان الحشد الدؤوب للدبلوماسية المغربية قد آتى ثماره بالنسبة للمراقبين، ففي نظر المؤرخ، بيير فيرمرين، فإن المغاربة قد تعلموا دروس الجغرافيا السياسية الحالية على أكمل وجه".