إشراك الإمارات نظام الأسد بمؤتمرات دولية.. عودة للحياة أم تأجيل الموت؟
فتحت الإمارات الباب على مصراعيه لحضور وزارت تابعة للنظام السوري بدعوة رسمية منها للمشاركة في "أعمال وفعاليات أحداث إقليمية ودولية رائدة" تقام على أراضيها.
وأتت هذه الخطوة التي تسير ضمن محاولات أبوظبي لإعادة تعويم النظام السوري، بعدما كسرت عزلة رئيس النظام بشار الأسد بزيارته إليها، بعد أحد عشر عاما لم يزر فيها بلدا عربيا واحدا.
إذ جرى استقبال الأسد في 18 مارس/ آذار 2022، من قبل ولي عهد أبو ظبي، الحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد، وحاكم إمارة دبي محمد بن راشد آل مكتوم.
وزراء الأسد بالإمارات
ووصل إلى الإمارات في 27 مارس وزراء من النظام السوري، هم وزير الإدارة المحلية حسين مخلوف، ووزيرة التنمية الإدارية سلام سفاف، ووزيرة الثقافة لبانة مشوح.
وشارك هؤلاء في "القمة العالمية للحكومات 2022" بدبي، وفي أعمال "أسبوع المناخ الإقليمي الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2022"، وفي منتدى المرأة في الحكومة، وفي الدورة الأولى من الاجتماع العربي للقيادات الشابة.
ويرعى حاكم إمارة دبي "القمة العالمية للحكومات 2022"، وهي تبحث التحديات الملحة التي يواجهها العالم، وتستشرف مستقبل الإنسان والعقد الجديد للعمل الحكومي، بمشاركة قادة دول ورؤساء حكومات ووزراء ومسؤولين ورؤساء منظمات دولية وخبراء عالميين ومستشرفي مستقبل.
وفي معرض حديث وزير الإدارة المحلية والبيئة التابعة لحكومة الأسد حسين مخلوف، خلال مشاركته في الاجتماعات الوزارية ضمن أسبوع المناخ، اعتبر أن التغير المناخي هو قضية عابرة للحدود وقال إنه من "حق سوريا الوصول إلى صناديق التمويل المناخية والبيئية لكونها تفي بالتزاماتها تجاه الاتفاقيات الدولية".
كما تمكن النظام في الإمارات من توقيع مذكرة تفاهم لتأطير التعاون بين وزارة الإدارة المحلية والبيئة التابعة له، والمكتب الإقليمي لغرب آسيا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، بتاريخ 30 مارس 2022.
وشكل إعادة الإمارات فتح سفارتها بالعاصمة السورية دمشق أواخر 2018، بداية العمل المكشوف مع النظام السوري، لا سيما أنها استقبلت رؤوس الأموال السورية المقربة من النظام عقب اندلاع الثورة في مارس 2011.
وكان موقف أبوظبي دائما أقرب للأسد من المعارضة السورية، وهذا ما اتضح من كلمة فيصل المقداد نائب وزير خارجية الأسد، الذي يقود الوزارة حاليا بقوله أثناء حضوره حفل افتتاح سفارة أبوظبي بدمشق، إن "سوريا لن تنسى دور الإمارات في الوقوف إلى جانبها في حربها على الإرهاب".
ولم يكن مستغربا وقوف الإمارات إلى جانب الأسد الذي شرد نحو عشرة ملايين سوري ودمر منازلهم وقتل مئات الآلاف منهم، لكن ما اتضح في الوقت الراهن أن أبوظبي كانت تتحين الوضع الدولي الملائم كي تساهم في تأهيل البنية التحتية للنظام.
العراب الرسمي
ويرى مراقبون أن الإمارات باتت حاليا العراب الرسمي لإعادة تأهيل النظام السوري وإعادته للحظيرة العربية.
وأعطت أبوظبي إشارات على أنها راغبة في إعادة إنعاش النظام السوري، وتأهيل وتطوير المنظومات والبنى التحتية في مناطق نفوذه.
ولهذا شارك وزير الموارد المائية التابع للنظام السوري تمام رعد، في 21 سبتمبر/ أيلول 2021 بأعمال المنتدى العربي الخامس للمياه بمدينة دبي تحت شعار "الأمن المائي العربي من أجل السلام والتنمية المستدامة".
ولاحقا حاولت الإمارات استخدام الشركات التجارية السورية للعودة إلى ساحة الأعمال الدولية عبر حضور لافت لها في معرض إكسبو 2020، في دبي في الفترة بين 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إلى 31 مارس/ آذار 2022.
وخلال المعرض طمحت الشركات السورية القادمة من مناطق نفوذ الأسد، إظهار نفسها على أنها واثقة من قدرتها على العودة إلى ساحة الأعمال الإقليمية على الرغم من العقوبات الأميركية والأوروبية التي لا تزال تثقل كاهلها.
إذ إن المعرض شارك فيه رجال أعمال من الدائرة الضيقة للأسد، كانت لهم عقود مع شركات أجنبية في أكثر من مجال، إلا أنها فسخت عام 2011، بعد العقوبات الغربية على النظام السوري والمتعاملين معه.
فمنذ العقد الأخير شكلت الإمارات الباحة الخلفية لرجال أعمال النظام السوري وأموالهم، وحاليا تبدو أبوظبي أنها تريد أن تجعل من أراضيها منصة للأسد عبر أذرعه للتشبيك عربيا ودوليا.
وتهافت الإمارات على تطبيع العلاقات مع النظام السوري، ما كان ليتم بهذا الشكل الفج، لولا إبقاء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الباب مواربا حول طبيعة التعامل مع الملف السوري من قبل حلفائها بما يمنحهم هامشا معينا للتحرك.
فرصة الإمارات
وهذا ما يشير إليه الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، في قراءة تحليلية قدمها لـ"الاستقلال"، حول الموقف الإماراتي من النظام السوري.
وأوضح علوان أن تكثيف الإمارات إشراك وزارات النظام السوري في مؤتمرات دولية تقام على أراضيها، هو "مرتبط بأن أبوظبي وجدت فرصة بتراجع الموقف الدولي، لتحقيق مصالحها منذ عام 2018 مع نظام الأسد".
وأضاف: وهذا ينطلق أولا من استغلال الإمارات للموقف الدولي غير الحازم تجاه التعامل مع الأسد، رغم وجود قانون عقوبات قيصر، لكن دائما هناك تراخيا أميركيا وعدم اتفاق دولي على إحكام القطيعة تجاه نظام الأسد".
ثانيا، وفق الباحث علوان هو "أن الدول الحليفة لأميركا بالمنطقة وعلى رأسها الأردن والإمارات وإسرائيل وبعض دول الخليج تدعم هذا التراخي والتراجع في الموقف الدولي من الأسد.
"وبذلك يتوفر لها هامش أميركي كبير لاستدراك مصالحها سواء المصالح الاقتصادية والخطر الأمني الذي يدفع بلد مثل الأردن للتنسيق مع النظام السوري، وإلى محاولات التطبيع بين النظام وإسرائيل وبينه وبين مصر أيضا"، يتابع الباحث السوري.
ولفت علوان إلى "أن الدول التي تتواصل مع الأسد تعمل ضمن منطق السيادة والمصالح بمعنى أنها ليست مسلوبة القرار والتحركات بخلاف الفاعلين المحليين في سوريا وارتباط هؤلاء بالفاعلين الدوليين والإقليميين، وبالتالي هذه الدول سواء الإمارات وغيرها تعمل وفق السياسات الإقليمية والدولية وبما يتناسب مع تحالفاتها وعلاقاتها الخارجية".
وذهب للقول إن "اللاعب الأميركي حاليا غير مهتم بقضية انتعاش النظام السوري، أو حتى عرقلتها لتضمن عدم انهياره، لكون هذا اللاعب يعتمد على مبدأ إطالة الأزمة في سوريا وبقاء استنزاف أطراف الصراع الداخليين والخارجيين".
وأردف: "وهذا لا ينفصل عن اهتمام الولايات المتحدة بقضايا كبرى تتعلق بالصين والغزو الروسي لأوكرانيا المستجد وأزمات الطاقة، وبالتالي واشنطن ليست مهتمة راهنا بملاحقة اختراقات قانون قيصر التي تقوم بها أبوظبي وغيرها".
وأقر الكونغرس الأميركي "قانون قيصر" وبدأ بتطبيقه في 17 يونيو/حزيران 2020، وخصص لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري.
وخلص الباحث علوان للقول: "حتى لو حصل كل هذا الانفتاح تجاه النظام السوري فإنه لن يستعيد عافيته والعودة إلى ما قبل عام 2011، فالإمارات تعمل حاليا مع روسيا وليس مع الأسد، من منطلق التحديات الأمنية في المنطقة".
وختم بالقول: "وبالتالي فإن واشنطن قادرة بالنهاية على إجهاض كل محاولات تعويم نظام الأسد، وعليه فإن ما تقوم به أبوظبي فقط تأجيل موت النظام لأشهر أو سنوات".
موانع دولية
لكن رغم انفتاح الإمارات على النظام السوري بشكل علني رغم القطيعة العربية المتخذة ضد الأسد منذ عام 2011 لقمعه الثورة الشعبية ضد حكمه، إلا أن ذلك غير كاف ويدور في حلقة مفرغة، وفق مراقبين.
ويرى هؤلاء أن جل ما يبحث عن النظام السوري راهنا، هو الترويح على المستوى المحلي، بأنه بدأ يستعيد عافيته وعلاقاته مع الدول العربية، في ظل واقع معيشي مزر وانهيار لليرة السورية وبلوغها 4 آلاف مقابل الدولار الواحد.
ويعاني المواطنون في مناطق نفوذ النظام السوري من أزمة معيشية واقتصادية خانقة، وغلاء المواد الأساسية بشكل لا يتوازى مع حجم دخل الفرد الشهري.
وفي هذا السياق يرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو أن "الإمارات تحاول أن تكون عرابة إشراك نظام الأسد بالحياة السياسية العربية بعد عزلته، ولكن الوضع الاقتصادي والإقليمي غير مناسب".
وأضاف لـ "الاستقلال"، وبالتالي "من الطبيعي أن تسعى أبوظبي في زج وزارات الأسد في كل محفل يقام على أراضيها بغية إعادة تعريب النظام وتعريفه".
واستدرك: "إلا أن مسألة تعريب الأسد يجب أن تكون على المستوى الدولي وليس المحلي، ويجب أن ينعكس اقتصاديا على الواقع في مناطق نفوذ الأسد، وليس فقط حضور مؤتمرات وندوات لوزاراته؛ لكونها لن يكون لها أي مردود اقتصادي محلي، أو سياسي على المستوى الدولي".
وفي العقد الأخير تواصل رئيس النظام السوري وولي عهد أبوظبي هاتفيا مرتين، الأولى، في 27 مارس 2020 حينما اتصل ابن زايد بالأسد معلنا تقديم الدعم له للحد من انتشار فيروس كورونا، والثانية في 20 أكتوبر 2021 وبحثا فيها سبل تطوير العلاقات.
وتوج التطبيع بشكل رسمي حينما زار وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، رئيس النظام السوري في العاصمة دمشق.
كما أن دبلوماسيين سوريين سابقين أكدوا لـ "الاستقلال"، أن الإمارات هي من تدفع نحو إعادة النظام السوري إلى شغل مقد سوريا في الجامعة العربية، بعد قرار وزراء الخارجية العرب نهاية عام 2011، بتعليق عضويتها بالجامعة، وسحب أغلب الدول السفراء من دمشق، ردا على قمع ثورة الشعب السوري.
ولهذا اعتبر الأكاديمي فراس شعبو أن "ما تقوم به أبوظبي لا يمثل أي اعتراف بالنظام السوري؛ بل على العكس فإن الولايات المتحدة لم تكن مرتاحة لهذا التقارب بين الأسد والإمارات، وأبدت انزعاجها منه".
وختم قائلا: إن هناك نقطة مهمة في هذه المسألة تتلخص بأن كل تحركات الإمارات تصطدم بموانع دولية حول إعادة تعريب النظام السوري مرة أخرى أو الأهم إعادته للحضن العربي عبر بوابة الجامعة".