بعد تجربتها في سوريا.. روسيا تنفذ التكتيكات نفسها بحرب أوكرانيا

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة الغارديان البريطانية أن رعب الهجوم على مستشفى الولادة في مدينة ماريوبول الساحلية الأوكرانية المحاصرة أذهل العالم، لكنها لم تكن المرة الأولى التي تسقط فيها القنابل الروسية على النساء أثناء ولادتهن. 

ونظرا لأن الضربات الروسية تحول المدن الأوكرانية إلى خراب، قتل وجرح وإرهاب آلاف المدنيين، فقد أجريت مقارنات مع الحرب العالمية الثانية، ولكن كانت هناك سابقة أكثر حداثة لآلة التدمير الروسية. 

وجاءت التكتيكات وحتى بعض الجنود الروس، مباشرة من الحرب في سوريا التي انضمت إليها موسكو في عام 2015 لدعم رئيس النظام بشار الأسد.

ومنذ ذلك الحين، نفذت حملة وحشية ولكنها ناجحة في نهاية المطاف حيث ساعدت الأسد على استعادة ما يقرب من كل البلاد من أيدي المعارضة. 

وفي غضون ذلك، دمرت مدنا بأكملها وأسفرت عن قتل ما يصل إلى 24743 مدنيا في الضربات الروسية، وفقا لمرصد الأضرار المدنية Airwars.

قطع المناطق

ومن الغوطة في ريف دمشق، إلى مركز حلب الثقافي والاقتصادي الكبير، أصابت القذائف الروسية المستشفيات والمدارس والأسواق وطوابير من ينتظرون الخبز. 

وساعدت طائراتها في فرض الحصار السوري على الأرض مما أدى إلى تحويل الناس إلى أجسام هيكلية يائسة. 

وعندما وعدت روسيا وجيش النظام السوري بإيجاد طرق للخروج، قصفوا في بعض الأحيان وأطلقوا النار على المدنيين الذين حاولوا الفرار. 

وتوقع بعض المراقبين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يستورد تكتيكات سوريا إلى أوكرانيا لأن العلاقات الأسرية والصداقة الوثيقة تمتد عبر الحدود. 

وفي حين أن السوريين كانوا ضحايا بعيدين ومجهولين لمعظمهم في روسيا، فإن سكان ماريوبول يشملون الأقارب وزملاء الدراسة والزملاء السابقين.

ولكن خلال فبراير/شباط 2022، كانت الأهداف واحدة: المستشفيات والمدارس والأسواق وطوابير الخبز والمسرح. ووعدت القوات الروسية بعدم استهداف العزل ثم هاجمت المدنيين على الطرق.

وفيما يلي فحص لخمسة عناصر رئيسة من "كتاب اللعب في سوريا"، يبحث في كيفية استيراد التكتيكات من حرب ما إلى تأثير مدمر إلى حرب أخرى. 

حاصرت القوات السورية والروسية عدة مدن في سوريا لتجويعها وإجبارها على الخضوع، واحتجزت المدنيين كرهائن مع تقدم القوات على مقاتلي المعارضة. 

ربما كان حصار حلب في عام 2016 هو الأسوأ سمعة. فقد قطع على المعارضين السوريين أولا عن خطوط الإمداد الخاصة بهم ثم جرى الضغط عليهم شارعا بعد شارع، على مدار أكثر من ستة أشهر، بينما تواصل القصف العشوائي. 

وبحلول عام 2017، كان 4.9 ملايين سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية يعيشون في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها.

والآن يحدث الشيء نفسه في ماريوبول، حيث تقترب القوات الروسية من نظيرتها الأوكرانية المحاصرة بين خطوط المواجهة والبحر. 

ومع احتدام القتال، يمنع المدنيون من المغادرة وتستهدف البنية التحتية المدنية وأصبحت الحياة مقامرة يومية. 

ويبدو أن القوات الروسية تحاول فرض حصار مشابه للعاصمة كييف ومدينة خاركيف الشرقية الرئيسة، لكن حتى الآن تمكنت القوات الأوكرانية من إبقاء خطوط الإمداد مفتوحة.

البنية التحتية المدنية 

وفي كل من سوريا وأوكرانيا، جعلت روسيا وحلفاؤها من قلب المجتمعات المدنية، أماكن يذهب الناس العاديون إليها للحصول على الرعاية الطبية والتعليم والطعام والضروريات الأخرى، أهدافا عسكرية.

ويعد استهداف المدنيين عمدا غير قانوني بموجب القانون الدولي، ولكنه يمكن أن يكون فعالا أيضا، حيث ينشر الرعب ويضعف إرادة المقاتلين ويدمر المجتمع الذي يعتمدون عليه في الدعم العملي والمعنوي.

وخلال معركة حلب التي استمرت ثمانية أشهر، ورد أن المدنيين تعرضوا للأذى فيما لا يقل عن 16 هجوما على المستشفيات، وهو ما يمثل ما يصل إلى 143 حالة وفاة وفقا لـ Airwars. 

وفي جميع أنحاء سوريا، جرى توثيق عشرات الضربات على مرافق الرعاية الصحية بما في ذلك عدة هجمات ربطت مباشرة بالقوات الروسية.

وقال مارك غارلاسكو محقق جرائم الحرب الذي حلل النشاط الروسي في سوريا لصالح الأمم المتحدة: "وثقنا العديد من الهجمات على المستشفيات بالأسلحة الروسية الدقيقة مما يدل على رغبة واضحة في استهدافها، مع أنها محمية بموجب القانون الإنساني الدولي.. لقد كان صادما". 

ووثقت منظمة الصحة العالمية ما لا يقل عن 43 هجوما على منشآت الرعاية الصحية في أوكرانيا منذ بدء الحرب، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 12 شخصا.

 وعانى عدد لا يحصى من المرضى الآخرين من اضطراب رعايتهم الصحية بسبب الحصار، بما في ذلك أطفال في جناح السرطان محاصرون في تشيرنيهيف حيث نفدت منهم المسكنات.

وكذلك مجرد إطعام عائلتك يصبح غير آمن في ظل الاعتداء الروسي، وفق صحيفة الغارديان. 

ومنذ عام 2015، قتل أو جرح مدنيون في سوريا في 204 هجمات جرى الإبلاغ عنها على الأسواق من قبل القوات الروسية أو السورية، وفقا لبيانات Airwars. 

وتعرضت المدارس أيضا للهجوم، وفي سوريا قتل أطفال أثناء الدراسة. وفي أوكرانيا، بسبب توقف التعليم، لم يكن هناك طلاب في مكاتبهم عندما سقطت القنابل، ولكن كانت هناك إصابات، حيث أصاب صاروخ في ماريوبول مدرسة فنية تؤوي ما لا يقل عن 400 شخص.

وحتى في حالة عدم وقوع وفيات، فإن الإضرار بالمدارس أو تدميرها يمزق قلب المجتمع ومستقبله. وفي شرق خاركيف وحدها، قال رئيس البلدية إنه جرى تدمير 48 مدرسة، وعلى الصعيد الوطني، أصيب المئات. 

وتضررت إمدادات المياه والغاز والكهرباء في سوريا. وفي أوكرانيا، تعرضت محطة للطاقة في الشرق للهجوم حتى قبل أن تبدأ روسيا غزوها الكامل، وتعطلت إمدادات المرافق في جميع أنحاء البلاد. 

ويعد هذا أمرا مدمرا بشكل خاص في الشتاء القارس داخل أوكرانيا.

الأسلحة العشوائية

في أوكرانيا، نشرت القوات الروسية أسلحة عشوائية عند استهداف مناطق سكنية في البلدات والقرى وحولت مستوطنات بأكملها إلى أنقاض. 

ووقع أكبر دمار في مناطق ماريوبول، حيث امتدت الحرائق إلى أعمال القصف. 

لكن جرى مهاجمة مدن أخرى بهذه الطريقة، بما في ذلك شرق فولنوفاكيا وشاستيا التي استهدفت في وقت مبكر من الحرب. ويقول السكان إن 90 بالمئة من فولنافاخا دمرت أو تضررت.

الخسائر المدنية في هذا النوع من الهجمات مرتفعة حيث قتل العديد من الأشخاص، ولا يمكن دفن الجثث.

ويقضي الناجون أياما في مأوى في أقبية متجمدة بدون ماء بعد أن تضاءلت إمداداتهم الغذائية، وتبددت آمال الإجلاء مرارا وتكرارا.

ومرة أخرى، تبدو أصداء سوريا واضحة  مع مقاطع فيديو للآثار التي تذكرنا بلقطات من حلب. 

وفي سوريا، زعم أن القوات الروسية استخدمت "صواريخ الفراغ"، وهي مادة متفجرة مميتة بشكل خاص يمكنها امتصاص الأكسجين من الجو، مئات المرات في أحياء مكتظة بالسكان.

واستخدمت روسيا أيضا أسلحة أخرى عشوائية بطبيعتها في كلا البلدين، بما في ذلك القنابل العنقودية، وصواريخ غراد، أسلحة عشوائية وغير موجهة مصممة لساحات القتال المفتوحة.

ونتج الأذى المدني من الذخائر العنقودية التي أبلغ عنها في 567 حالة في سوريا، مع مقتل ما لا يقل عن 2000 مدني.

 كما جرى استخدامها على نطاق واسع في أوكرانيا، من خاركيف في الشمال الشرقي إلى ميكولايف في الجنوب. 

وهناك، قال رجل لصحيفة الغارديان البريطانية إن أحد الجيران قتل وأصيب آخر بجروح بالغة جراء القنابل العنقودية التي سقطت في قريته. 

وقال رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فاضل عبد الغني: "ما فعلته روسيا في سوريا يكاد لا يوصف، هجمات مكثفة دمرت مناطق كاملة".

 وأشار إلى حصار الغوطة الشرقية الذي كان يسيطر عليه الثوار عام 2018. وأضاف: "كان لدى الروس والنظام السوري ما لا يقل عن 12 طائرة تقصف منطقة مدنية، وعندما ينتهون من ذلك، تعود 12 طائرة أخرى مكانها".

كما استخدمت روسيا حروبها لتطوير تكتيكات واختبار أسلحة جديدة. وتفاخر وزير دفاعها سيرجي شويغو باختبار أكثر من 300 نوع جديد من الأسلحة في سوريا، وفي أوكرانيا يزعمون أنهم استخدموا صواريخ جديدة تفوق سرعتها سرعة الصوت لأول مرة. 

الممرات والتضليل 

الجزء الرابع من "الدليل" هو الإعلان عن ممرات إنسانية. وفي كل من سوريا وأوكرانيا، بدا أن روسيا تقدم طرقا للهروب من المناطق الواقعة تحت الحصار أو القصف المكثف، ثم انتزعت في اللحظة الأخيرة فرصة المرور الآمن للمدنيين إلى مناطق ما بعد الصراع.

وأصبح مشهد الحافلات التي اصطفت لتنفيذ مهمة الإنقاذ ثم التي  تجبر على الانتظار مع استمرار القصف، مألوفا في سوريا، وتكرر المشهد في أوكرانيا. 

وربما تكون ماريوبول هي الأكثر شهرة في أوكرانيا. وبعد أسابيع من الهجوم والآمال الزائفة، فر عشرات الآلاف في قوافل مخصصة من السيارات الخاصة بمجرد ورود أنباء في المدينة بأن نقاط التفتيش الروسية تسمح للمدنيين بالمرور. 

أما أولئك الذين لا يملكون سيارات كان لديهم خيار وحشي بين المشي لعدة أميال أو البقاء في المدينة المدمرة.

علامة تجارية أخرى لـ "دليل سوريا" هي الإنكار المستمر والتضليل بشأن الضحايا المدنيين وجرائم الحرب.

 وحتى الآن، لم تقبل روسيا قتل مدني واحد في سوريا وليس لديها آلية معروفة لقياس الأثر المدني لأعمالها.

ومنذ غزو أوكرانيا، بدأت آلة الدعاية المحلية الخاصة بها في العمل، وحظرت حتى الحقيقة البسيطة المتمثلة في وصف الغزو بأنه حرب. وبدلا من ذلك وصفتها بأنها عملية خاصة. 

وعلى الصعيد الدولي، حاولت روسيا إنكار بعض أسوأ الفظائع التي ارتكبتها في أوكرانيا. 

وحتى المرأة الحامل التي قتلت في ماريوبول لم تترك لتموت بكرامة فيما زعمت السفارة الروسية في لندن أن صور اللحظات الأخيرة المؤلمة لها كانت "مزيفة". 

وكرر ذلك صدى الهجمات على مجموعة الخوذ البيضاء لإنقاذ المدنيين، الذين كانوا ضحايا لحملات التضليل الروسية الأكثر عدوانية. 

واكتسبت الحادثة شهرة عالمية لتصويرها عمليات الإنقاذ بعد التفجيرات، لكن المجموعة اتهمت بتزوير المذبحة التي استولوا عليها. 

حتى أن المتحدث الرئيس باسم وزارة الدفاع الروسية، الميجور جنرال إيغور كوناشينكوف، زعم بدون دليل أن القوات الأوكرانية كانت تخطط لعمل "مقاطع فيديو على مراحل" لوفيات مدنية مزيفة، في حملات "تستند إلى الأنماط التي تستخدمها الخوذ البيضاء".

وقالت سارة كيالي وهي باحثة سورية في هيومن رايتس ووتش إن الحملة في سوريا نجحت على مدى عدة سنوات في إثارة الشكوك بين الكثيرين حول أي مزاعم عن إلحاق ضرر بالمدنيين.

وأوضحت أن "ما واجهناه هو حملة تضليل معقدة شنتها وسائل الإعلام الروسية على وجه الخصوص ضد أفراد مثل الخوذ البيضاء. ولسوء الحظ، كان هذا ناجحا للغاية في العديد من الدوائر".