عرقلة بوتين للاتفاق النووي.. كيف تنعكس على علاقة روسيا وإيران؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

فاجأت روسيا الإيرانيين عندما ربطت إتمام الاتفاق النووي بإنهاء العقوبات الأميركية على موسكو بعد غزوها أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.

وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن العقوبات الغربية على بلاده أصبحت حجر عثرة أمام إحياء الاتفاق النووي الموقع بين إيران والقوى الدولية عام 2015.

وقال لافروف، خلال تصريحات في 5 مارس/آذار 2022: "هناك مشكلات لدى الجانب الروسي. طلبنا من زملائنا الأميركيين تقديم ضمانات مكتوبة بأن العقوبات لن تؤثر على حقنا في التعاون الحر والكامل التجاري والاقتصادي والاستثماري والتقني العسكري مع إيران".

غضب إيراني

تصريحات الوزير الروسي أثارت انتقاد مسؤولين إيرانيين لما وصفوه بالتدخل في المراحل النهائية للمحادثات التي تهدف إلى إحياء اتفاق طهران النووي مع القوى الكبرى، بحسب ما أوردت وكالة "تسنيم" الإيرانية شبه الرسمية.

ونقلت الوكالة في 5 مارس 2022 عن مسؤولين إيرانيين (لم تكشف هويتهم) قولهم إن المطالب الروسية تهدف إلى ضمان مصالح موسكو في مجالات أخرى وإنها "غير بناءة".

وأوضحت أن روسيا تسعى من خلال تأجيل إحياء الاتفاق بين إيران والقوى الغربية وتأخير عودة طهران إلى سوق النفط العالمية إلى رفع أسعار الخام وزيادة عائداتها من الطاقة.

ومن جانب آخر، نقلت وكالة "رويترز" في 6 مارس 2022 عن مسؤول إيراني كبير (لم تكشف هويته) أن بلاده تنتظر توضيحا من موسكو بشأن تصريحات الوزير لافروف.

وقال المسؤول الإيراني "من الضروري أن نفهم بوضوح ما تريده موسكو. إذا كانت مطالبهم تتعلق بالاتفاق النووي فلن يكون من الصعب إيجاد حل لها"، مضيفا: "لكن الأمر سيكون معقدا إذا كانت الضمانات التي تطالب بها روسيا تتجاوز الاتفاق النووي".

ونقلت عن محلل الشؤون الإيرانية هنري روما، قوله إن إحياء الاتفاق النووي بدون روسيا "أمر صعب ولكن من المحتمل أن يكون ممكنا على الأقل في المدى القريب".

وأضاف "إذا استمرت روسيا في وضع العراقيل أمام المحادثات فإنني أعتقد أنه لن يكون أمام الأطراف الأخرى وإيران أي خيار سوى التفكير (بشكل خلاق) في السبل التي يمكن من خلالها إنجاز الاتفاق دون تدخل موسكو".

بدوره، أشار كبير المسؤولين الأمنيين بإيران علي شمخاني، في 5 مارس 2022 إلى أن المفاوضين يقيمون العناصر الجديدة التي أثرت على المحادثات في فيينا، مؤكدا أن طهران تعدل مبادراتها من أجل التعجيل بالاتفاق.

"خارج السياق"

على الجانب الأميركي، سعى وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى تبديد الحديث عن مثل هذه العقبات التي تحدث بها نظيره الروسي، بالقول: إن العقوبات المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا ليس لها علاقة باتفاق نووي محتمل مع إيران.

وفي حديث لشبكة "سي بي إس" الأميركية في 5 مارس 2022، قال بلينكن "العقوبات المفروضة على روسيا لا علاقة لها بالاتفاق النووي الإيراني واحتمالات العودة إليه. فهذه أمور مختلفة تماما وليست مرتبطة ببعضها بأي شكل من الأشكال".

وأضاف وزير الخارجية الأميركي أن الاتفاق المحتمل مع إيران بات وشيكا، لكنه أشار إلى عدم التوصل إلى حل لاثنتين من القضايا المتبقية "بالغة الصعوبة".

واعتبرت الولايات المتحدة أن المطالب الروسية الجديدة "خارجة عن السياق" وقد تؤخر نجاح المفاوضات الهادفة إلى إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.

وأضاف بلينكن أن "من مصلحة موسكو بغض النظر عن أي شيء آخر أن تكون إيران غير قادرة على امتلاك سلاح نووي أو ألا تمتلك القدرة على إنتاج سلاح بسرعة كبيرة". وتابع "يبقى هذا الاهتمام ساريا بغض النظر عن علاقتنا بروسيا منذ غزوها لأوكرانيا".

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في 5 مارس 2022 عن مسؤولين غربيين، قولهم إن "التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي قد يجري هذا الأسبوع".

وبحسب الصحيفة، فقد كان مفهوما دائما أن دور روسيا المحدد في الاتفاق النووي لعام 2015 يحتاج إلى الحماية من العقوبات.

ويشمل ذلك تلقي اليورانيوم المخصب من إيران واستبداله بـ"الكعكة الصفراء" (يورانيوم مركز يستخدم لإعداد وقود للمفاعلات النووية) والعمل على تحويل منشأة "فوردو" النووية الإيرانية إلى مركز أبحاث، فضلا عن تسليم مواد نووية أخرى لمنشآت.

وحذر دبلوماسي غربي، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، من أن الطلب الروسي في اللحظة الأخيرة قد يجعل استكمال العودة إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015 في الوقت المناسب "مستحيلا".

"قلبت الطاولة"

وبخصوص مدى تأثر عراقيل روسيا أمام الاتفاق النووي على العلاقة الإستراتيجية بين طهران وموسكو، قال الأكاديمي والباحث السياسي عمر العادل لـ"الاستقلال" إن "التصريحات والمواقف الإيرانية ستكون حسب الاعتقاد أكثر تأنيا وترويا".

وأشار العادل إلى أن "المراحل التي وصلت إليها مباحثات الاتفاق النووي لا يمكن التفريط بها إيرانيا، وهو أمر لا يتقاطع مع حرصها على إبقاء العلاقة مع روسيا. عودتنا طهران على قدرتها في تحقيق التوازن والصبر والمناورة".

ورأى الباحث أنه "حتى الآن هي تنأى عن أن تكون طرف مساومة؛ سواءً من الولايات المتحدة أم روسيا، مثلما أن الضغوطات لا تزال إعلامية وهو أمر يمنح طهران مرونة أكبر في الوقت".

وخلص العادل إلى أنه "لعل دخول تلك التجاذبات إطارها الرسمي سيكون كفيلا بالتحول في المواقف وبشكل معلن".

وأشار إلى أن "الأيام المقبلة قد تكشف مزيدا من المواقف الروسية مع استمرار الحرب على أوكرانيا وقرب التوصل لإحياء التوافق النووي".

من جهته، قال الكاتب الفرنسي أرمين عريفي خلال مقال نشرته مجلة "لوبوان" الفرنسية في 7 مارس 2022 إن "موسكو التي ظلت حليفة الغرب ضد إيران رغم دخولها في أخطر أزمة معه منذ نهاية الحرب الباردة بسبب غزوها أوكرانيا قلبت الطاولة فجأة لتطالب الآن بضمانات بأن العقوبات الأميركية لن تعرقل تعاونها المستقبلي مع طهران".

وأوضح عريفي أن الدبلوماسيين الغربيين والروس ظلوا متحدين في فيينا لإيجاد حل للقضية النووية الشائكة، حتى اتفق ممثلو القوى العظمى (فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وروسيا والصين والولايات المتحدة) بعد شهور من المفاوضات المكثفة عمليا مع ممثلي إيران على نص يحد كثيرا من أنشطة الأسلحة النووية الإيرانية.

وهذ مقابل رفع جزء من العقوبات الأميركية الخانقة لاقتصاد الجمهورية الإسلامية.

وأضاف أنه رغم اندلاع الحرب في أوكرانيا، استمر المفاوضون الروس والأوروبيون والأميركيون والصينيون في جبهة مشتركة لحل نقاط الخلاف الأخيرة التي تسمح بعودة واشنطن وطهران إلى إطار الاتفاق النووي الأول الموقع في يوليو/تموز 2015، قبل أن تنسحب منه الولايات المتحدة من جانب واحد وتستأنف إيران برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم.

تجاوز القضية

ولكن الأزمة في أوكرانيا تجاوزت القضية النووية الإيرانية أخيرا، كما يقول الكاتب، وعندما بدا أن اتفاقا يوشك أن يوقع في النمسا، أعلن لافروف على نحو غير متوقع، في مؤتمر صحفي من موسكو، أن "هناك مشكلة من الجانب الروسي".

وأشار إلى أن روسيا، التي فرض عليها الغرب عقوبات غير مسبوقة ردا على غزوها لأوكرانيا تستهدف قطاعها المالي والمصرفي لإلحاق خسائر فادحة باقتصادها وعزله عن بقية العالم لإجبارها على تغيير موقفها، تسعى بهذه الخطوة إلى تخفيف الخناق حول مواردها المالية.

ويأتي هذا إدراكا منها لدورها الرئيس في محادثات فيينا، كحليف لطهران وبكين، وكدولة مستفيدة محتملة من فائض مخزون اليورانيوم الإيراني.

وفي 9 مارس 2022، قال الباحث كليمينت ثيرم إن "هناك ترحيبا داخل إيران بإستراتيجية التحالف مع موسكو في المجال الأمني، استنادا إلى اشتراك الدولتين في مسألة معارضة سياسة الولايات المتحدة".

لكن ذلك الترحيب مقرون بتخوفات من تزايد النفوذ الروسي داخل إيران، وفق قوله. مع ذلك، "تدرك الدولتان ضرورة التعاون الأمني في إطار حربهما المشتركة ضد الإرهاب في الجوار".

وتابع ثيرم في دراسة نشرها مركز "المستقبل" للأبحاث والدراسات المتقدمة، قائلا: "بفضل الدعم الجوي الروسي، استطاعت إيران تحسين قدرتها على نشر قوات برية خارج حدودها الوطنية (في سوريا)".

وفي المقابل استفادت روسيا من قدرة طهران على تجنيد وتعبئة المقاتلين هناك. وأخيرا، يمكن القول إن موسكو أصبحت أكثر من أي وقت مضى شريكا أساسيا لضمان بقاء إيران، بحسب تعبيره.