أرباحها قياسية.. لماذا يفرط السيسي بأكبر مجموعة مالية في مصر لصالح أبوظبي؟

محمد أيمن | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

ردا على عرض غير عادل للاستحواذ عليها من قبل بنك أبوظبي الأول، الأكبر في الإمارات، قررت المجموعة المالية المصرية "هيرميس القابضة" تعيين مؤسسة "غولدمان ساكس" الأميركية مستشارا ماليا، وشركة "وايت أند كيس" الدولية كمستشار قانوني، لتقديم المشورة لها بشأن هذه الخطوة.

وأوضحت المجموعة في بيان بتاريخ 22 فبراير/شباط 2022؛ أن مجلس إدارتها قرر تعيين مستشار مالي مستقل لإعداد دراسة القيمة العادلة للسهم في حالة تقدم البنك بعرض شراء إجباري، لإيضاح تلك القيمة للمساهمين وحماية مصالحهم.

وكان بنك أبوظبي الأول قد تقدم بعرض شراء مبدئي غير ملزم في 9 فبراير 2022، للاستحواذ على حصة الأغلبية بنسبة لا تقل عن 51 بالمئة من أسهم رأسمال المجموعة؛ بسعر شراء تقديري 19 جنيها (1.21 دولار) للسهم.

وقالت هيرميس في بيان سابق بتاريخ 15 فبراير، إن إتمام الصفقة وتحديد السعر النهائي يكون مشروطا بإجراء عملية الفحص النافي للجهالة على الشركة، والحصول على الموافقات الرقابية المطلوبة؛ وذلك من خلال عرض شراء إجباري على كامل أسهم الشركة وفقا للقانون رقم 95 لسنة 1992.

وأضاف بيان المجموعة أن مجلس إدارة الشركة يقوم حاليا بدراسة العرض، وسوف تقوم الشركة بالإفصاح عن أي مستجدات فور حدوثها، كما نصحت إدارة الشركة صغار المستثمرين بتوخي الحذر في تعاملاتهم.

مجموعة هيرميس

وتعد هيرميس القابضة، شركة مساهمة مصرية تأسست في عام 1984 تحت اسم المجموعة المالية المصرية، وتم تعديل اسمها إلى المجموعة المالية هيرميس القابضة، في عام 1996.

وحققت هيرميس القابضة، صافي ربح بلغ 71 مليون دولار منذ بداية يناير/ كانون الثاني حتى نهاية سبتمبر/ أيلول 2021، مقابل 54 مليون دولار خلال الفترة نفسها من 2020.

وعلى مستوى الأعمال المستقلة، حققت الشركة أرباحا خلال الفترة بلغت نحو 9 ملايين دولار مقابل أرباح بقيمة 11.3 مليون دولار في الفترة المقارنة من 2020.

وارتفع إجمالي إيرادات الشركة المحققة خلال الأشهر التسعة ليصل إلى 329.6 مليون دولار بنهاية سبتمبر، مقابل 297.9 مليون دولار خلال الفترة نفسها من عام 2020.

وتعد محاولة أبو ظبي شراء هيرميس هي الرابعة خلال 10 سنوات، إذ سعى رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس من قبل مع شركة بلتون للاستحواذ على 20 بالمئة منها، مقابل 16 جنيها (2.24 دولار) للسهم فى عام 2014.

وفي 2012، تم إعلان اتفاقية تحالف إستراتيجي بين هيرميس القابضة و"كيو إنفست" القطري، وفي نفس العام حاولت شركة "بلانت آي بي" تقديم عرض استحواذ منافس، إلا أن الأمر لم يتم.

وبحسب بيانات هيرميس، تنتشر المجموعة المالية المصرية بوجود مباشر في 13 دولة عبر 4 قارات وتنفذ الصفقات في مجموعة كبيرة من الأسواق الناشئة والمبتدئة تتجاوز 75 سوقا.

كما تغطي خدمات البحوث حوالي 95 بالمئة من الشركات المكونة لمؤشري MSCI Frontier وMSCI Emerging Frontier.

ويقوم قطاعا إدارة الأصول والاستثمار المباشر، بإدارة أصول مدارة تصل قيمتها لأكثر من 4 مليارات دولار، في الأسواق الخاصة والعامة من خلال العلامات التجارية التابعة لهيرميس القابضة، مثل فورتكس إنرجي، وصندوق التعليم المصري.

قدرات كبيرة

وتنفرد هيرميس القابضة بفريق عمل يضم أكثر من 6 آلاف موظف، في القاهرة ودبي وأبوظبي والرياض ومسقط والكويت وعمان وكراتشي ودكا وهانوي ونيروبي وأبوجا ولندن ونيويورك.

كما تحتل مكانة بارزة ضمن المراكز الخمسة الأولى في ترتيب وكالات بلومبرغ، وتومسون، ورويترز ريفينيتيف لأسواق رأس المال منذ عام 2015. 

ويتصدر قطاع البحوث بالمجموعة تصنيف استطلاع مؤسسة Institutional Investor لأفضل شركات البحوث بالأسواق المبتدئة لعام 2021.

وتحظى هيرميس القابضة بمنصة خدمات التمويل غير المصرفي في السوق المصري بمحفظة تمويل تصل إلى 692.42 مليون دولار، إضافة لحصة سوقية رائدة تضم تحت مظلتها واحدة من أبرز شركات التأجير التمويلي، وكبرى شركات التخصيم في مصر.

كما تقوم بتشغيل منصة الشراء الآن والدفع لاحقا (BNPL) الحائزة على الجوائز التقديرية من قبل كبرى المؤسسات العالمية.

واحتلت المرتبة الخامسة في تصنيف شركة فوربس كواحدة من أفضل شركات تكنولوجيا الخدمات المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ومؤخرا أعلنت هيرميس القابضة، للمساهمين أنها نجحت عبر صفقة جديدة في التحول إلى بنك شامل في السوق المصري، فضلا عن كونها بنك الاستثمار الرائد بالأسواق الناشئة والمبتدئة. 

وبموجب هذه الصفقة، ستتولى هيرميس القابضة قيادة بنك الاستثمار العربي (aiBANK).

مع استحواذ صندوق مصر الفرعي للخدمات المالية والتحول الرقمي، وهو صندوق فرعي مملوك بالكامل لصندوق مصر السيادي، الشريك البارز للمجموعة المالية هيرميس القابضة، على حصة قدرها 25 بالمئة في البنك.

تخفيض حاد

لذا، يجمع خبراء عديدون على أن العرض المقدم من قبل الإمارات للاستحواذ على مجموعة هيرميس عند سعر 19 جنيها (1.2 دولار) للسهم الواحد، أقل بكثير من القيمة العادلة للسهم.

وترى وحدة أبحاث بنك الاستثمار "نعيم" أن السعر المبدئي المقدم من بنك أبو ظبي الأول الإماراتي لشراء حصة حاكمة لا تقل عن 51 بالمئة، من هيرميس يعد انخفاضا حادا بأكثر من 30 بالمئة عن القيمة العادلة الحقيقية لسهم المجموعة.

وأكدت "نعيم" في ورقة بحثية اطلع عليها "الاستقلال" أن تحليلاتها تشير إلى تقييم سهم المجموعة المالية هيرميس القابضة بحد أدنى عند  25.6 جنيها "1.63" للسهم.

وذكرت أن السعر الإرشادي المحدد في العرض والبالغ 19 جنيها للسهم، يقدر قيمة حقوق الملكية للمجموعة المالية هيرميس بحوالي 18.5 مليار جنيه (1.17 مليار دولار).

وأشارت إلى أنه على الرغم من عدم التغطية الكاملة للسهم، ولكن بشكل مبدئي فإن السعر الإرشادي (بقيمة 19 جنيها للسهم) "1.21 دولار" يمثل تخفيضا حادا (أكثر من 30%) من القيمة العادلة لأسهم المجموعة المالية القابضة هيرميس.

من جانبه، علق هاني توفيق رئيس الجمعية المصرية للاستثمار سابقا، أحد مؤسسي هيرميس على عرض بنك أبوظبي الأول للمجموعة المالية قائلا: إن هيرميس يعتبر بنك الاستثمار الأكبر في الشرق الأوسط، مبديا اعتراضه على عرض الشراء.

وشدد توفيق في مداخلة هاتفية على شاشة قناة أون المصرية في 12 فبراير، على أن سعر الاستحواذ المعروض من قبل أبوظبي لا يتناسب مع مكانة المجموعة التي تمتلك بخزائنها نحو مليار ونصف مليار جنيه نقديا.

إضافة إلى 51 بالمئة من بنك الاستثمار العربي، بجانب خطط توسعية جغرافيا وفي كافة القطاعات عبر صناديق الاستثمار، تمثل بها هيرميس قلعة ضخمة باقية في السوق المصري، ويجب ألا يتم التفريط فيها لصالح دولة أخرى، وفق توفيق.

عرض غير عادل

وأعاد العرض الإماراتي، غير العادل كما يراه خبراء، الجدل حول القطاعات التي تتركز فيها الاستثمارات الخليجية بشكل عام والإماراتية بشكل خاص، بشأن أبعادها الاجتماعية والاقتصادية على الخدمات العامة المقدمة للمصريين. 

ففي الوقت الذي يعتقد فيه بعض المتخصصين أن الاقتصاد المصري يتحسن ويتماشى مع توجهات الحكومة المصرية في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

يرى البعض الآخر أنه استيلاء على أصول موجودة وتحويل أرباحها للخارج؛ بما لا يعود بالنفع على المواطنين في النهاية ولا يوفر فرص عمل حقيقية.

فيشير الباحث في الاقتصاد السياسي وائل جمال إلى أن الباحثين، ممن يعتقدون في أولوية الاستثمار الأجنبي أصلا، يفرقون بين الاستحواذات وبين ما يسمونه "استثمارات الحقول الخضراء". 

والأخيرة تؤسس نشاطا اقتصاديا جديدا وتوظف عمالة جديدة ولا تكتفي بالاستيلاء على أصول موجودة وتحويل أرباحها للخارج كما هو الحال في أغلب الأحوال.

ولعلاج تلك النقطة يوضح جمال عبر مجموعة تغريدات على حسابه في تويتر أن تصاعد عمليات الدمج والاستحواذ يجب مراقبته من أجهزة الدولة لمواجهة احتمال الأوضاع الاحتكاراية التي تسعى الإمارات لتحقيقها في مصر عبر مشاريعها الأخيرة. 

ويضيف الباحث الاقتصادي أن مشاريع الاستحواذ الأخيرة لم يترتب عليها أي رفاهية للشعب المصري، خاصة في ظل ارتفاع مستوى البطالة الذي وصل إلى 7.4 بالمئة بالربع الأخير من عام 2021.

وذلك بسبب أن معظم الاستثمارات الإماراتية في مصر تتركز في قطاعات الصحة، العقارات، السياحة، التكنولوجيا، الطاقة، المعادن الثمينة.

وقد انضم إليها أخيرا قطاعا النقل والطاقة المتجددة، وذلك بعيد عن قطاعات الزراعة والصناعة التي يمكن أن توفر فرص عمل للأيدي العاملة المصرية.

لماذا الإمارات

من جانبه يرى الصحفي الاقتصادي إبراهيم الطاهر أن فكرة الاستحواذ الإماراتي المرتقب على حصة حاكمة من مجموعة هيرميس المصرية حلقة جديدة من سلسلة الاستحواذ الإماراتي على عدد من القطاعات الهامة والمؤثرة في مصر.  

ويضيف الطاهر لـ"الاستقلال" أن سلسلة الاستحواذ الإماراتية بدأت منذ عام 2014 ومستمرة حتى الآن في عدد من القطاعات المختلفة، مثل الصحة والأغذية واليوم في القطاع المصرفي والمالي بصفة عامة. 

ويتابع أن أبرز الاستثمارات الإماراتية تتعلق بقطاع الخدمات سواء المالية أو الأمن الغذائي أو الخدمات الصحية؛ وهي تعد من القطاعات الحساسة في مصر سواء على الأمن الصحي أو الأمن الغذائي والأمن المالي.

وبحسب الطاهر فإن معظم الاستحواذات أو النفوذ الإماراتي في مصر لم يأت من فكرة الفرص الاستثمارية بقدر ما هو نوع من أنواع الاحتكار والتحكم في مفاصل الدولة المصرية بشكل رئيس.

ويصف الطاهر الاستثمارات الإماراتية بأنها سياسية أكثر من كونها ذات طابع اقتصادي، وتأتي هذه وكأنها فواتير يسددها نظام عبد الفتاح السيسي مقابل دعم الإمارات له خلال هذه السنوات الماضية في رسالة من قبل أبوظبي بأن هذا الدعم لم يكن مجانيا وأنه قد آن الآوان لكي يسدد فواتير هذا الدعم.

وشدد الطاهر على أن خطورة الصفقة الإماراتية تأتي وسط الحديث عن عجز في السيولة في القطاع المصرفي في مصر مع اضطرار البنك المركزي المصري مؤخرا لتعديل قواعد السيولة ومنح السيولة الطارئة للبنوك.

ورغم أن تداعيات الاستحواذات الإماراتية في مصر قد يبدو في ظاهرها شق إيجابي عبر انتعاش البورصة المصرية ولكنه سيكون انتعاشا وقتيا بحسب الطاهر الذي يضيف أن هناك أبعادا أخرى سلبية قد تحدث حال وقوع خلاف بين مصر والإمارات.

وقد تستخدم أبوظبي  بحسب الطاهر تلك الاستثمارات كورقة ضغط على النظام في مصر خاصة في ظل ضخامة مجموعة هيرميس المالية سواء من  حيث الأصول التي تملكها أو من حيث المجالات التي تعمل فيها.

ويعزز احتمالية استخدام الإمارات لورقة الاستثمارات كما يرى الصحفي الاقتصادي؛ الحديث الدائر حاليا عن وجود بوادر خلافات توحي بأن العلاقة بين مصر والإمارات لم تعد شيكا مفتوحا؛ كما كانت خلال السنوات الماضية.

خاصة في ظل الاتفاقيات التي وقعتها الإمارات مع إسرائيل وتركيا، وتشكل خطوات سلبية على مصر وفي القلب منها قناة السويس، يختتم الطاهر.