خصم وحكم وجلاد.. هكذا لخصت قضية البحيري نموذج قيس سعيد للحكم في تونس

12

طباعة

مشاركة

أنهى نائب رئيس حركة النهضة، وزير العدل السابق نور الدين البحيري شهره الأول منذ اختطافه من أمام منزله بالعاصمة تونس من قبل فرقة أمنية مجهولة، وبأوامر مباشرة من قائد سلطة الانقلاب قيس سعيد.

وأثارت الحادثة ردود فعل غاضبة من طيف واسع من الناشطين السياسيين والحقوقيين، الذين تحركوا منذ الساعات الأولى لاختطافه بحثا عن مكان احتجازه وسط أنباء متداولة عن تدهور وضعه الصحي.

واعتبرت هذه العملية سابقة خطيرة بعد عشر سنوات من الثورة، ورافقتها إدانة دولية غير معلنة كشف عنها أخيرا الرئيس التونسي قيس سعيد.

كما صدرت بيانات تطالب بإطلاق سراح البحيري فورا من قبل المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية.

إلا أن هذا الضغط قوبل بمزيد من التعنت من قبل سعيد الذي يسعى إلى التضييق على أي حراك سياسي مناهض للانقلاب مثلما حصل في ذكرى الثورة في 14 يناير/كانون الثاني 2022، وأدى إلى مقتل الناشط رضا بوزيان بعد إخفائه قسريا لمدة 5 أيام.

ويعد البحيري (63 عاما) من أوائل السياسيين الذين تصدوا لقرارات سعيد في 25 يوليو/ تموز 2021 بتجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، مؤكدا أن ذلك "انقلاب على الدستور وثورة 2011" ودخل معه في صراع سياسي حاد.   

اختطاف واختفاء

عبرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن عميق انشغالها إزاء تدهور أوضاع حقوق الإنسان في تونس، على خلفية اعتقال البحيري والمسؤول الأمني السابق فتحي البلدي واحتجازهما في وجهة غير معلومة، دون إصدار مذكرة بذلك.

واعتبرت المفوضية، في بيان بتاريخ في 11 يناير أن "هاتين الواقعتين تعكسان ممارسات لم تشهدها تونس منذ عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وتثيران تساؤلات جدية بشأن الاختطاف والإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي".

وحثت المفوضية السلطات التونسية على الإفراج الفوري عن البحيري والبلدي أو توجيه تهم قضائية لهما بالشكل المناسب وفقا للمعايير القانونية الواجبة في الإجراءات الجنائية.

وذكّرت بتفاصيل الحادثة قائلة إن "قوات أمنية بملابس مدنية كانت قد اعترضت البحيري في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2021 أمام منزله في تونس العاصمة وأجبروه على ركوب سيارتهم، دون إبراز مذكرة توقيف".

ولم تعرف عائلته مكانه إلى أن نقل إلى مستشفى ببنزرت (شمال) في 2 يناير، حيث لا يزال تحت حراسة الشرطة إلى اليوم، واعتُقل في اليوم نفسه وفي ظروف مماثلة الموظف السابق بوزارة الداخلية فتحي البلدي ولم يُكشَف عن مكانه حتى 4 يناير.

وعبرت المفوضية عن قلقها "إزاء ممارسات قوى الأمن التونسية، وقمعها المعارضة عبر الاستخدام غير المناسب لتشريعات مكافحة الإرهاب، ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري"، معتبرة أن ذلك "يثير مخاوف جدية بشأن إقامة العدل بشكل عادل ونزيه ومستقل".

مخالفات رئاسية

وبعد مرور شهر على الواقعة، يقول المحامي سمير ديلو، رئيس هيئة الدفاع عن البحيري إنه على جميع الأصعدة والمستويات ما قام به رئيس الجمهورية تشوبه مخالفات.

ويضيف لـ"الاستقلال" أنه من الناحية الدستورية لا يمكن لقيس سعيد أن ينافس القضاء في صلاحيات إثارة التتبع والجزم بالإدانة، فهو يوجه الاتهام، ويؤدي دور النيابة العمومية، ويصدر الأحكام بقوله إن "البحيري يستحق الإعدام" وهذا من صميم اختصاص القضاء وحده. 

ويتابع: ومن الناحية السياسية غير مقبول أيضا، لأنه لا يمكن لسعيد أن يكون الخصم والحكم في نفس الوقت، فالبحيري معارض سياسي له ولإجراءاته، وكل ما يجرى في إطار الخصومة السياسية.

وأخلاقيا، شدد على أن "هناك قلّة ذوق، فالرجل يرقد على فراش المرض في العناية المركزة بين الحياة والموت، وليس من المناسب، حتى إن كان هناك مبررات، لرئيس الجمهورية أن يقوم بذلك في هذا التوقيت، وكان من الأفضل له أن يهتم بما ينفع التونسيين". 

ويؤكد أن هيئة الدفاع لا تتعامل مع وضعية البحيري على أنها قضية عادية، بل مع قضية اختطاف وإخفاء قسري واحتجاز تعسفي، وقمنا بجميع الإجراءات القضائية في الداخل والخارج.

ويشير المحامي التونسي إلى أنه بالفعل بدأ التحقيق في هذه الشكاوى ضد من أصدر القرار ومن نفذوه، و"قمنا بالإجراءات القضائية أمام الهيئات الأممية التي تعنى بالإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي".

نفي رسمي

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية دعت في بيان بتاريخ 7 يناير السلطات التونسية إلى الإفراج فورا عن البحيري "المحتجز تعسفا"، وفق توصيفها.

وقال إريك غولدستين، مدير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإنابة في المنظمة بالبيان إن "اعتقال البحيري والبلدي في عملية أشبه بالاختطاف يُظهر تنامي التهديد للحمايات التي تمنحها حقوق الإنسان منذ استحواذ سعيد على السلطة في يوليو 2021".

وأضاف أنه "على السلطات الإفراج عن البحيري والبلدي فورا، أو توجيه الاتهام إليهما بموجب القانون إذا كان لديها أدلة على جريمة فعلية. فالمسألة بهذه البساطة".

ورغم هذا الكم من الانتقادات والمطالبات الحقوقية بوقف هذه الإجراءات إلا أن سعيّد متمسك بها، وضاعف في هجومه على القضاء متهما إياه بتعطيل القضايا، في استمرار لنفس الاتهامات التي أطلقها وزير الداخلية توفيق شرف الدين. 

وقال سعيد، خلال اجتماع مع رئيسة الوزراء نجلاء بودن في 20 يناير إنه "ليس من دعاة الدكتاتورية"، وهو نفي كرره في مناسبات عديدة.

كما ألمح في نفس الاجتماع إلى أنه يواجه ضغوطا وانتقادات من عواصم غربية بشأن وضعية الحقوق والحريات في تونس، قائلا "بعض العواصم الغربية تحت تأثير بعض الدوائر المالية تُريد أن تقول إننا لا نحترم القانون"، نافيا ذلك.

اتهامات ملفقة

وضعية البحيري ودخوله في إضراب جوع أحرج السلطة القائمة في تونس، ووضعها في مفترق طرق بين أن تواصل في عملية احتجازه وبين أن تتراجع وتطلق سراحه وتخرج في ثوب المخطئ، مع ما يحمل ذلك من ردود فعل سلبية لدى مؤيدي سعيد الذين لم يلمسوا أي إنجاز له منذ 6 أشهر.

وحتى التهم التي أطلقها وزير الداخلية توفيق شرف الدين للبحيري لم تجد طريقها للتحول إلى اتهامات رسمية.

ففي ندوة صحفية في 3 يناير، زعم شرف الدين أن قراري الإقامة الجبرية بحق البحيري والبلدي يتعلقان بشبهات جدية حول تقديم جوازات سفر وهويات تونسية بطريقة غير قانونية لأشخاص لم يفصح عن أسمائهم.

وأكد وزير الخارجية لاحقا أن "هناك شبهة إرهاب في هذا الملف بناء على أبحاث عدلية"، على حد قوله.

وعقب ذلك، كشفت وسائل إعلام تونسية أن هذين الشخصين، هما القياديان في جماعة الإخوان المسلمين؛ المصري يوسف ندا، والسوري علي غالب همت.

إلا أن وثائق نشرها موقع "عربي21" الإلكتروني، أثبتت أن منح الجنسية التونسية لندا وهمت جاء بطريقة قانونية، وبتصديق رسمي من وزارتي الخارجية والعدل، والقنصليات التونسية في فيينا النمساوية وبيرن السويسرية.

حيث كان "ندا" و"همت" يُقيمان هناك، ولا علاقة للبحيري مطلقا بتلك الوثائق.