بعد انتشار تزييف صور الفتيات.. كيف تحمين نفسك من الابتزاز الإلكتروني؟

محمد أيمن | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

اهتز الشارع المصري على وقع قصة انتحار الفتاة "بسنت خالد شلبي" بعد تعرضها لابتزاز إلكتروني بنشر صور مخلة مفبركة لها على مواقع التواصل الاجتماعي، ففضلت الطالبة الشابة (17 عاما) الانتحار على مواجهة أسرتها والمجتمع. 

وفي 25 ديسمبر/ كانون الأول 2021 تلقت النيابة المصرية بلاغا من والد الطالبة بسنت يتضمن تناولها قرصا يستخدم لحفظ الغلال، متأثرة بنشر شخصين صورا مخلة منسوبة لها، وانتشارها بقريتها في محافظة الغربية قبل أن تتوفى في اليوم التالي.

وأضاف بيان النيابة أن والد الفتاة وشقيقتها أفادا بأن شخصين اخترقا هاتف المجني عليها، وحصلا منه على صورها الشخصية، ووضعاها على جسد فتاة عارية باستخدام تطبيقات لتعديل الصور والفيديوهات، وقدمت شقيقتها هاتف بسنت المحمول ورسالة تركتها قبيل وفاتها تؤكد فيها أن الصور المنشورة لا تخصها.

وحظيت الواقعة بتفاعل واسع من الشارع المصري الذي طالب بالقصاص لبسنت بعد أن فقدت حياتها بسبب الابتزاز الإلكتروني، فيما سارع مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية للتعليق على قضية الفتاة، قائلا إن "ابتزاز الناس بالصور المزيفة إفك وبهتان محرم".

ووفق دراسة أعدتها لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب المصري، شهد شهرا  سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، تقديم 1038 بلاغا بشأن جرائم ابتزاز إلكتروني. 

التزييف العميق

وبحسب الخبير في الأمن الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي عمر الشال، كانت بداية ظهور جرائم الابتزاز عبر الإنترنت مع نهايات تسعينيات القرن الماضي.

ويضيف لـ"الاستقلال" أن ظهور هذه الجرائم تزامن مع تطوير برامج بدائية للتعديل على الصور الفوتوغرافية، قبل أن تتطور لاحقا إلى تطبيقات التزييف العميق، التي تشمل حاليا إمكانية التعديل على مقاطع الفيديو المصورة. 

ويوضح الشال أن هذه التطبيقات باتت تعتمد على الذكاء الاصطناعي لصناعة محتوى أقرب للحقيقة؛ وهو مايعرف بـ"التزييف العميق" (deap facke).

 وبحسب الخبير الإلكتروني كلما تم إدخال عدد أكبر من صور الضحية إلى هذه التطبيقات؛ كلما كان المنتج النهائي أكثر إقناعا لمشاهديه.

ويتابع: مع بدء ظهور الإنترنت انتشر مصطلح "لاتصدق إلا الأشياء التي تراها بعينيك"، لكن اليوم "حتى الأشياء التي نراها بأعيننا يجب ألا نصدقها للوهلة الأولى"، بسبب التطورات الرهيبة في مجال التزييف العميق.

وعن كيفية إنتاج هذه المقاطع وتكلفتها؛ كشف الشال أن برامج التعديل على الصور والفيديو كانت مرتفعة جدا في بداياتها، لكن مع التطور الحاصل في هذا المجال؛ يمكن بعشرة دولارات إنتاج مقاطع إباحية لأي شخص؛ طالما توافرت الصور اللازمة من زوايا مختلفة للضحية.

ومع الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي واتجاه الكثير من المستخدمين لنشر صورهم الخاصة على تلك المواقع؛ يمكن لأي شخص أن يكون عرضة للابتزاز الإلكتروني، وذلك على الرغم من اتجاه العديد من الدول العربية لتشريع القوانين اللازمة لمواجهة جرائم الإنترنت.

عقوبة الابتزاز الإلكتروني

ففي مصر، تعاقب المادة الـ26 من قانون الجرائم الإلكترونية رقم 175 لعام 2018 على "استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية لربطها بمحتوى مناف للآداب العامة أو المساس بالشرف بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه (نحو 6 آلاف و365 دولارا) ولا تتجاوز ثلاث مئة ألف جنيه (نحو 19 ألف دولار)".

كذلك المادة الـ25 من القانون نفسه تعاقب من نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، معلومات أو أخبارا أو صورا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة؛ بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه (نحو ثلاثة آلاف دولار) ولا تتجاوز المئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين".

وفي العراق  قبضت وزارة الداخلية في أبريل/ نيسان 2021 على أحد المبتزين الإلكترونيين بعد أن أجبر إحدى ضحاياه على الانتحار وقال المبتز في مقطع فيديو نشرته الوزارة إنه"بدأ عمله بابتزاز الفتيات إلكترونيا منذ عام 2009".

وعن أبرز عملياته، قال المبتز العراقي إنه "كان يهدد إحدى ضحاياه بنشر مقطع الفيديو الذي صوره لها وإرساله لعائلتها، وبسبب خوف الضحية أطلقت النار على نفسها خلال الاتصال الهاتفي بينهما".

وفي 2 سبتمبر/ أيلول 2021،  أعلنت وزارة الداخلية العراقية إحباط ثلاث محاولات ابتزاز إلكتروني لثلاث فتيات من محافظات بغداد والأنبار والنجف. 

وأشارت إلى أن "الشرطة قامت بحذف محتوى الابتزاز وتأمين حسابات ثلاث فتيات أخريات".

وخلال عام 2021 سجلت الداخلية العراقية 1500 جريمة ابتزاز إلكتروني ارتكبت معظمها ضد فتيات عراقيات ترددن كثيرا في التبليغ عن المبتزين، خوفا من ردود فعل الأهل والعشيرة إضافة لضعف القوانين العراقية التي تحاسب على الجرائم.

مواجهة الابتزاز

ولمواجهة انتشار جرائم الابتزاز عبر الإنترنت؛ قال الشال إنه يجب بداية ألا يتم تصديق الصور و مقاطع الفيديو المنشورة؛ ويجب فحصها أولا من قبل مختصين في هذا المجال؛ لمعرفة مدى صحتها.

ويؤكد خبير الأمن المعلوماتي أنه لا يجب أن يخضع الشخص المستهدف لعملية الابتزاز؛ أيا كان المعروض من قبل المبتز، وعليه يجب مواجهة هذا المجرم واستباق ابتزازه بتوضيح الصورة كاملة للأسرة والدائرة القريبة، مع التأكيد على ضرورة عدم الخضوع للشخص المبتز مهما كانت الضغوط والأسباب.

ويرى الشال أن معظم المتورطين في جرائم الابتزاز عبر الإنترنت هم من أصحاب الشخصيات الضعيفة؛ التي تبحث عن الكسب المادي من وراء جرائمهم، ولذلك فإن إظهار القوة في مواجهة المبتزين قد تجعلهم يشعرون باليأس وينسحبون من المواجهة؛ للبحث عن ضحية جديدة.

ويضيف أنه يجب كذلك الإسراع بتبليغ السلطات الأمنية والقضائية المختصة لمواجهة هؤلاء المجرمين والتقدم بكل الأدلة التي تثبت تعرض الضحية للابتزاز الإلكتروني دون الانصياع للمبتز أو محاولة البحث عنه دون علم السلطات الرسمية.

لأن المبتز عند بدء جريمته في ابتزاز ضحيته يكون له اليد الطولى عبر امتلاكه المعلومات والأدوات اللازمة للمضي في عملية الابتزاز، وبالتالي في حال البحث عنه بغرض الانتقام دون معرفة السلطات الأمنية والقضائية في البلاد؛ ستكون المواجهة خاسرة بنسبة كبيرة للضحية.

وفقا لتقرير المركز الأميركي للأطفال المفقودين والمستغلين، الذي بدأ في تتبع الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2013، فإن هذا النوع من الجرائم آخذ في الازدياد عاما بعد آخر.

فبين عامي 2014-2015، رصد التقرير زيادة بنسبة 90 بالمئة في حالات الابتزاز، وهو النمط الذي استمر فيما بعد، حيث بلغ المعدل 150 بالمئة خلال الأشهر الأولى من عام 2016 مقارنة بعام 2014. 

ووفقا للبيانات، فإن 78 بالمئة من الحوادث تتعلق بالأطفال الإناث، و15 بالمئة بالأطفال الذكور (لم يفصح عن جنس الطفل في النسبة المتبقية)، في حين تراوحت معدلات أعمار الضحايا وقت وقوع الحوادث بين 8-17 عاما.

وبحسب مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي "إف بي آي"، فإن جرائم الابتزاز الإلكتروني شملت الأطفال بداية من عمر الثامنة، وطالت الأطفال والمراهقين من الجنسين، ومن مختلف الخلفيات العرقية والطبقات الاجتماعية والاقتصادية. 

وبحسب منظمة الصحة العالمية، يعد الانتحار رابع سبب للوفاة بين اليافعين من الفئة العمرية ما بين 15 و19 عاما. ففي عام 2019، انتحر في مصر وحدها 3022 شخصا، بحسب إحصاءات المنظمة.

دور الأسرة

وترى الاختصاصية النفسية والاجتماعية أسماء طايع أن جرائم الابتزاز الإلكتروني عبر الإنترنت؛ يجب أن تواجه كذلك بوعي عال من قبل الأسرة بدءا والمجتمع ككل حتى يسهل التخلص منها أو على الأقل تقليص تأثيرها وضررها.

وتشدد طايع لـ"الاستقلال" على أن العبء الأكبر في مواجهة جرائم الابتزاز الإلكتروني يقع على عاتق الأسرة والوالدين تحديدا اللذين يجب عليهما إبداء الاستيعاب اللازم لأولادهم حال تعرضهم لمثل تلك الجرائم.

وتضيف طايع أنه في حالة عدم وجود هذا الاستيعاب من قبل الأسرة والوالدين؛ يجب على الضحية المتعرضة للابتزاز عبر الإنترنت؛ اللجوء إلى أحد الأقارب ذي الثقة في العائلة، حتى يتم الاتفاق على الآلية المناسبة لمواجهة هذه الجريمة.

وترى الخبيرة النفسية والتربوية أنه مهما كانت الأسباب لا يجب لضحية الابتزاز الإقدام على الانتحار أو حتى التفكير فيه؛ بسبب الخوف من الأسرة أو المجتمع أو هربا من مواجهة هذه الجريمة.

لذلك تشدد طايع على دور الأسرة المهم في بناء الوعي الديني لدى أبنائها، وزيادة الثقة بين أفرادها لمواجهة مثل هذه الجرائم حتى لا تتحول إلى جريمة أكبر منها؛ كالانتحار مثلا. 

وتحمل طايع وسائل الإعلام في العالم العربي مسؤولية مواجهة هذه الجرائم؛ في ظل الدور السلبي الذي تلعبه تلك الوسائل حاليا في تغييب المجتمع وغياب دورها الإيجابي في إحداث التوعية المطلوبة لمواجهة جرائم الابتزاز الإلكتروني.

فمعظم الأفلام والمسلسلات في الدول العربية، وفق طايع، تطرح فكرة الانتحار كوسيلة للنجاة من المشاكل والاضطرابات النفسية، وهناك زيادة في تصوير تلك المشاهد، والتأكيد أن المنتحر ضحية للمجتمع الذي يرفض دعمه.