السعودية اعتبرته "غير جنائي".. ماذا وراء تصعيد فرنسا في حادث رالي داكار؟
اندلع سجال حاد بين المملكة العربية السعودية وفرنسا على خلفية حادث رالي دكار بمدينة جدة في 30 ديسمبر/كانون الأول 2021.
تسبب الحادث بجروح بالغة للسائق الفرنسي فيليب بوترون (61 عاما) عندما انفجرت سيارته قبل انطلاق الرالي، حيث ربطته باريس بالإرهاب، الأمر الذي نفته الرياض.
طبيعة الحادث، وعدم استبعاد السلطات الفرنسية بأن يكون "هجوما إرهابيا" أثار العديد من التساؤلات بخصوص انعكاس ما جرى على العلاقة بين الرياض وباريس.
وكذلك أسباب تصعيد الخطاب الفرنسي، إذا كان الحادث "عرضيا" كما تصفه الجهات الرسمية السعودية.
اتهامات فرنسية
في 7 يناير/ كانون الثاني 2022، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا مقتضبا، قالت فيه إن "التحقيقات الأولية في الحادث الذي تعرضت له إحدى سيارات رالي دكار لم تشر إلى وجود شبهة جنائية".
وأضافت الوزارة السعودية في بيانها أن "المملكة تنسق مع السلطات الفرنسية المعنية لإطلاعها على الأدلة المتاحة".
يأتي ذلك بعد إعلان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في 7 يناير أن حكومته تدرس إمكانية إلغاء رالي داكار، بعد ما قال إنه ربما كان "هجوما إرهابيا في السعودية"، الذي طال سيارة السائق بوترون وأدى لإصابته بجروح خطيرة.
وقال وزير الخارجية إن مسألة وقف رالي دكار 2022 في السعودية "مطروحة" بعد انفجار أصاب آلية و"قد يكون" مرتبطا "بهجوم إرهابي"، مضيفا: "فكرنا أنه قد يكون من المجدي التخلي عن هذا الحدث الرياضي (...). ما زال السؤال بلا إجابة".
وقال المسؤول الفرنسي إنه "في مثل هذه الحالات، يجب أن نلتزم حذرا كبيرا، على الأقل وضع أجهزة حماية كافية ومعززة. أعتقد أنهم فعلوا ذلك، لكن على أي حال يبقى السؤال مطروحا".
وتابع "قد يكون حدث هجوم إرهابي ضد دكار"، داعيا السلطات السعودية إلى "التزام أكبر قدر ممكن من الشفافية".
وقبل ذلك، شددت وزارة الخارجية الفرنسية منذ البداية على أن "فرضية العمل الإجرامي (...) غير مستبعدة" وأن "التهديد الإرهابي مستمر في السعودية".
بدورها، أعلنت النيابة العامة الفرنسية لمكافحة الإرهاب خلال بيان في 5 يناير أنها فتحت تحقيقا أوليا بشبهة محاولة اغتيال، بعد الانفجار.
غير أن الخارجية السعودية أكدت على أن "الجهات المعنية وبالتعاون مع المنظمين حريصة كل الحرص على تطبيق جميع معايير الأمن والسلامة المعتمدة دوليا من أجل الحفاظ على أمن وسلامة المشاركين في رالي داكار".
وتمنت الشفاء العاجل للمصاب، مشددة على أن "نتائج التحقيقات الأولية لم يتبين منها ما يشير إلى وجود شبهة جنائية"، مؤكدة في ذلك على بيان شرطة منطقة مكة في الثاني من يناير، والذي وصف ما حصل بأنه "حادث عرضي".
بيان صادر عن #وزارة_الخارجية بشأن الحادث الذي تعرضت لهُ سيارة فريق العمل المساند لأحد السائقين المشاركين في سباق رالي داكار ٢٠٢٢م pic.twitter.com/taJLzdPQnh
— وزارة الخارجية ���� (@KSAMOFA) January 7, 2022
مصير "الرالي"
من جهته، استبعد رئيس رالي دكار "دافيد كاستيرا" إنهاء المنافسة، وقال لإذاعة "فرانس إنفو" 7 يناير إن "السؤال لم يطرح حتى اللحظة"، مبينا أن السلطات السعودية "اتخذت إجراءات أمان كافية لضمان سلامة السباق".
وقال ممثلو الادعاء الفرنسيون في 5 يناير إنهم "فتحوا تحقيقا إرهابيا" بشأن انفجار جدة، الذي أدى إلى إصابة السائق فيليب بوترون بجروح خطيرة في ساقه قبل أن يعود إلى فرنسا.
وقال نجل بوترون خلال تصريحات نقلتها تقارير في 7 يناير إن والده خرج من غيبوبة، لكن ساقيه تعانيان من "إصابات خطيرة"، من دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
وفي وقت أشار فيه منظمو السباق والسلطات السعودية إلى عدم وجود اشتباه جنائي في الانفجار، فإن فرنسا حذرت مواطنيها في المملكة وطلبت منهم توخي "أقصى درجات اليقظة من المخاطر الأمنية" في أعقاب الانفجار.
وقالت الوزارة في إرشادات محدثة في موقعها على الإنترنت "لم يُستبعد احتمال وقوع عمل إجرامي".
وكان السباق الشهير، المعروف سابقا باسم باريس داكار، ولكن يطلق عليه حاليا داكار فقط، ينطلق من باريس إلى العاصمة السنغالية داكار كمحطة أخيرة.
لكن التهديدات الأمنية على طول مساره عبر الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا دفعت لإقامته عام 2009 في أميركا الجنوبية وعام 2020 في المملكة العربية السعودية.
أبعاد سياسية
وتفسيرا لأسباب التصعيد الفرنسي، قال الكاتب السعودي، عبد الله غانم القحطاني لـ "بي بي سي" في 10 يناير إن "فرنسا أخطأت وضلت الطريق وظنوا أن هذا الاتهام (انفجار إرهابي) سيخدمهم في مجالات سياسية وهذا غير منطقي".
وأضاف القحطاني، قائلا: "أنا أصدق البيان السعودي منذ اللحظة الأولى بأنه حادث عرضي، فما مصلحة السعودية أن تخفي جريمة ضمن مسار رياضي عالمي يستهدف العالم كله؟، وبالتالي نرى أن هذا تصرف غير مسؤول من الأصدقاء في فرنسا".
ورأى الكاتب السعودي أن التصعيد "يأتي بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ديسمبر 2021 إلى السعودية والتي لم يحقق منها ما يريده تجاه لبنان وربما صفقات أخرى".
ووصف الكاتب السعودي اتهامات فرنسا لبلاده بأنها "موضوع مضحك وهزلي ولم يعد أحد يعطيه اهتماما هنا في المملكة، فهم متخبطون في وضع لا يحسدون عليه، وبكل بساطة باريس سعت إلى اختلاق موضوع لم يكن أصلا موجودا".
وتابع: "توظيف الاختلاق لحوادث إرهابية لأغراض سياسية، يدل على إفلاس سياسي وعلى رعونة حقيقية، وهذا التجني سيعود بالضرر على فرنسا، لأن السعودية لم تدعم (حزب الله اللبناني) نصر الله لعيون ماكرون".
وزاد الكاتب، قائلا: "لا نحتاج إلى وزير خارجية فرنسا أو مخابراتها، ليقيموا هل أن الارهاب يهدد السعودية من الداخل، فلسنا بحاجة إلى تقييمهم".
واستدرك: "التلميح بأن المملكة دولة غير مستقرة، هو محاولة للتأثير عليها اقتصاديا وعلى العالم الذي يأتي إليها ومحاولة لإرسال رسالة خاطئة. هدفهم الضغط على السعودية، حتى تذهب إلى باريس لتترجاهم لإيقاف الموضوع".
مؤاخذات فرنسية
وفي المقابل، رأت الأكاديمية المختصة بالقضايا العربية في باريس، سيلين جريزي، أن "السلطات الفرنسية أخذت شهادات خمسة أشخاص كلها كانت متطابقة بأن الانفجار غير تقني وحدث في جهة السيارة الأمامية".
ولفتت جريزي خلال مقابلة تلفزيونية في 10 يناير 2022 إلى أن "الإعلام الفرنسي يحاول التواصل مع الجهات السعودية لكنها رفضت في البداية الإدلاء بأي تصريح حول الموضوع".
وأشارت إلى أن "التحقيق لا يزال مفتوحا، وهناك نقاط على السعودية أن تدلي بها، فالمملكة حينما أرادت نفي الموضوع نفته بجملته، في حين أن فرنسا كانت تنتظر تقريرا مفصلا، تريد أن تبحث ملابسات القضية، وهذا لم يشف غليلها وتُرك الموضوع مفتوحا لمجموعة من التكهنات والإمكانيات".
وبينت جريزي أن "إصابة مواطن فرنسي في سباق بالمملكة قد يكون الشجرة التي تخفي الغابة".
وأردفت: "فرنسا لديها العديد من نقاط عدم التفاهم مع السعودية منها ملف جمال خاشقجي، وحقوق الإنسان، والحقوق داخل المملكة، فكل هذه النقاط تزعجها".
وفي الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018 دخل الصحفي السعودي جمال خاشقجي قنصلية بلاده في إسطنبول للحصول على أوراق زواجه من امرأة تركية، غير أنه قُتل هناك وجرى تقطيع جثته وإخفاؤها.
وخلصت الباحثة المختصة بالشؤون العربية في باريس إلى أن "فرنسا ترى أسلوب المملكة العربية السعودية في التعامل مع مجموعة من الملفات قد يكون غير ملائم".
وأوضحت: "كانت فرنسا تنتظر موقفا من السعودية داعما للبنان"، وهو ما لم يحدث حتى الآن رغم استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي الذي تسبب بأزمة بين الجانبين بعد تصريحات له انتقد فيها التدخل السعودي في اليمن.
المصادر
- رالي داكار: السعودية تقول إن "لا شبهة جنائية" في حادث أصيب خلاله سائق فرنسي
- الخليج هذا الصباح
- ماذا حدث في رالي دكار؟ السعودية ترد على مزاعم "الهجوم الإرهابي"
- شرطة مكة المكرمة تكشف نتائج التحقيق بحادث رالي داكار
- باريس لا تستبعد إيقاف رالي دكار 2022 بعد الانفجار الذي طال سيارة سائق فرنسي في السعودية
- جمال خاشقجي
- باريس تلغي اجتماعا بين وزيرة الجيوش الفرنسية ووزير الدفاع البريطاني على خلفية أزمة الغواصات