تعديل دستور الأردن "بأمر ملكي".. بداية أم نهاية للإصلاح السياسي؟

12

طباعة

مشاركة

في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بدأ البرلمان الأردني مناقشة حزمة تعديلات دستورية أحالتها إليه لجنة حكومية تشكلت بأمر ملكي، يرى محللون أنها مخالفة للدستور وتخلط بين السلطات، وتهدف لزيادة صلاحيات الملك.

التعديلات، التي وافق مجلس النواب على بعضها في جلسة 2 يناير/كانون الثاني 2022 رجح معارضون أن يكون لها علاقة بتحجيم الإسلاميين أو بادعاءات للملك عبد الله الثاني عن تعرضه لمحاولة انقلاب في 3 أبريل/نيسان 2021 لها علاقة بشقيقه الأمير حمزة.

والملك هو من أمر رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي، في 10 يونيو/ حزيران 2021، بتشكيل اللجنة من 92 عضوا، ممثلين عن أطياف سياسية مختلفة، وسلمت التعديلات المقترحة في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وفوجئ الأردنيون بإضافة الحكومة نصوصا جديدة على توصيات اللجنة، لم تكن موجودة سابقا، تتعلق أغلبها بمنح الملك صلاحيات إضافية، بتعيين وإقالة كبار السياسيين والقضاة ورجال الأمن.

ويحتاج إقرار المواد حتى تكون نافذة، المرور بمراحل دستورية، حيث تحول إلى مجلس الأعيان (الغرفة الثانية) لمناقشتها، وحال الموافقة عليها تتحول إلى الملك للمصادقة عليها، ومن ثم تعلن بالجريدة الرسمية لتصبح سارية المفعول.‎

تعديلات مثيرة للجدل

وأرسلت "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية" 22 تعديلا دستوريا لكن الحكومة أضافت ثمانية تعديلات مثيرة للجدل لتصل إلى 30، بحسب موقع "عمان نت" في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وعلى عادة الأنظمة السلطوية، قال الملك أن التعديلات جزء من "الإصلاح السياسي"، وهدفها توسيع قاعدة المشاركة في عملية صنع القرار، وإحياء الأحزاب السياسية.

لكن محللين ومعارضين قالوا إن هدفها تحجيم وتغيير قاعدة سيطرة الإسلاميين، لاسيما حزب جبهة العمل الإسلامي (الإخوان) على المعارضة في الأردن.

ولا يزال الحزب الإسلامي أقوى الأحزاب بعد أكثر من 30 عاما على استئناف الحياة السياسية في المملكة رغم وجود أكثر من 50 حزبا سياسيا.

وتقلصت نتائج الحزب في انتخابات 2020 إلى 10 مقاعد من أصل 130، مقابل 16 في انتخابات 2016، بسبب قانون الانتخابات الجديد وانقسامات داخلية، في حين لم يفز أي من مرشحي الأحزاب القومية أو اليسارية بأي مقعد.

وأجبر القلق من استمرار وتزايد شعبية الإسلاميين، النظام الأردني على تغيير قانون الانتخابات من نظام الأصوات المتعددة، بدعوى فوز الإسلاميين به، إلى الصوت الفردي، بحسب موقع "مونيتور" الأميركي في 13 أكتوبر 2021.

وتبدو التعديلات انقلابا ملكيا على الدستور، هدفها تقليص إمكانية الإصلاح السياسي في المملكة، وتقييد حرية حركة الإسلاميين، مستغلة أجواء الثورة المضادة على الربيع العربي في الدول العربية كافة، وتراجع الحريات، وفق مراقبين.

كما تبدو محاولة لتلافي ووأد أي ربيع عربي في الأردن الذي ظل مهددا به منذ 2011، بسبب تزايد الأزمة الاقتصادية ونضوب الدعم الخليجي والأجنبي.

وانتقد نواب بالبرلمان مجمل التعديلات وجرت مشاجرات خلال مناقشتها بالأيدي، وطالبوا بالمقابل بسن قوانين لمكافحة الفساد، وإقرار حريات سياسية أكبر، وتوفير فرص عمل، وهي مطالب رفعتها مظاهرات سابقة.

وتمرير التعديلات على عجل عبر البرلمان الذي يسيطر عليه العشائر المؤيدة الملك، دون أي مراجعة حقيقية لنصوصها، وتجاهل رغبات الشعب، قد يكون من الأسباب التي تزيد من مستويات عدم الرضا الشعبي.

واظهر استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية في مارس/آذار 2021 أن 37 بالمئة فقط من الأردنيين يثقون في مجلس النواب الحالي و70 بالمئة لا يتابعون مداولاته، وشارك أقل من 30 بالمائة في انتخابات 2020.

رابع تعديل

مر الدستور الأردني بتعديلات عدة كان أولها عام 1954، لكن منذ بداية الربيع العربي في 2011 أجريت أربعة، طال أولها تعديل 38 مادة، أي ما يعادل ربع مواد الدستور تقريباً.

وثانيها عام 2014 مُنح بموجبها الملك حق تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات العامة وإقالتهما، بعد أن كان لرئيس الحكومة صلاحيات مشتركة فيها، ونص التعديل حرفيا، على عبارة "يمارس الملك صلاحيات منفردا" في تعيينهما.

وفي 27 أبريل/نيسان 2016 تم تعديل المادة 40 الخاصة بصلاحيات الملك مجددا، وأقر مجلس النواب تعديلا دستوريا يحصر عديدا من الصلاحيات السياسية والأمنية والقضائية بيد الملك.

فأصبح له حق تعيين ولي العهد، ونائب الملك، ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ورئيس المجلس القضائي، وقائد ومدير المخابرات ومجلس الدرك، "منفردا"، كما ورد في وكالة الأنباء الأردنية الرسمية.

ونفس هذه المادة رقم 40 جرى تعديلها مجددا في التعديلات الأخيرة ووافق عليها 115 عضوا بمجلس النواب 3 يناير 2022، مقابل سبعة معارضين، وامتناع عضو واحد، بإضافة صلاحيات جديدة للملك.

ومُنح الملك بموجبها، حق تعيين قاضي القضاة، ورئيس المجلس القضائي، والمفتي العام، ورئيس الديوان الملكي الهاشمي، ووزير البلاط الملكي، ومستشاري الملك، وقبول استقالاتهم وإنهاء خدماتهم بإرادة ملكية "منفردة" أيضا.

وضمن التعديلات إنشاء "مجلس أمن وطني" يرأسه الملك، ويتألف من رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ومديري الأجهزة الأمنية، ووزيري الخارجية والداخلية، إلى جانب عضوين موثوقين يعينهما الملك.

وضمن الـ30 بندا المعدلة من أصل 131 مادة في الدستور، هناك بنود بعضها إجرائي، تضمنت تعديلات شكلية لتجميل التعديلات السلطوية مثل إضافة كلمة "الأردنيات" بعد كلمة "الأردنيين"، وحماية ذوي الإعاقة والأمومة والطفولة.

ووصفت التعديلات السياسية الملك (المادة 32) بأنه "القائد الأعلى للقوات البرية والبحرية والجوية ورئيس مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية".

خداع الأحزاب

ضمن التعديلات أيضا، تم العبث بخريطة الدوائر الانتخابية بما يضر بحقوق تمثيل الناخبين في مناطق جغرافية واسعة، تعتبر مناهضة للملك ومؤيدة للإسلاميين.

حيث تضمن قانون الانتخابات الجديد الذي اقترحته اللجنة الملكية نظاما انتخابيا مختلطا يتكون من مستويين من التمثيل: الدوائر الوطنية العامة والدوائر المحلية.

وبموجبه ستقسم المملكة إلى 18 دائرة انتخابية محلية ودائرة عامة وطنية واحدة وسيتم تخصيص 41 مقعدا من إجمالي 138 مقعدا للدائرة العامة. 

وستكون القوائم الانتخابية الوطنية حصرية للأحزاب السياسية التي ستحتاج إلى تجاوز حد 2.5 بالمائة من إجمالي عدد ناخبي الدائرة الوطنية بموجب نظام القائمة المغلقة، بدعوى زيادة حصة مقاعد الأحزاب السياسية.

ومع أن التعديل يبدو جيدا لأنه سيزيد مقاعد الأحزاب، إلا أن صالح العرموطي، عضو حزب جبهة العمل الإسلامي ومجلس النواب كشف أنه تعديل خادع للأحزاب.

وأوضح لموقع "مونيتور" الأميركي في 13 أكتوبر 2021 أن التعديل "لا يقصر الترشح في القوائم الوطنية لأعضاء الأحزاب السياسية فقط"، ما يعني ترشيح غير الحزبيين، وإضعاف نسب مقاعد الأحزاب.

وقال ساخرا: "أنا مندهش لأن أعضاء اللجنة (من الأحزاب) لم يقرأوا الدستور" المعدل الذي يصوتون عليه.

وبموافقة البرلمان على هذا التعديل، سيصوت على حل نفسه، وتستقيل الحكومة وتجرى انتخابات جديدة هذا عام 2022.

مع هذا سعت السلطة لتعديل سيمهد الطريق لرئيس وزراء ينبثق من أغلبية برلمانية بدلا من رئيس وزراء يختاره الملك، حسبما قال رئيس الوزراء بشر الخصاونة، وهو ما يتشابه مع النظام المغربي ضمنيا، ويعنيه الملك أيضا لكن من الحزب الفائز.

الإسلاميون: انقلاب

وانتقدت الحركة الإسلامية تعديلات الدستور، وخصوصا تغيير الدوائر وتأسيس المجلس الوطني الأمني الجديد وتوسيع صلاحيات الملك وسيطرته على القضاء.

ووصف الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي مراد العضايلة التعديلات الدستورية بأنها "صدمة كبيرة تؤسس لانقلاب على الدستور" وتؤشر على انغلاق الأفق في الإصلاح السياسي.

و‏أكد لقناة "اليرموك" المحلية في 23 ديسمبر 2021 أن التعديلات الدستورية "قلبت شكل النظام السياسي لنظام الملكية المطلقة".

وقبل ذلك، قال خلال مؤتمر أقامته جمعية أنصار الفضيلة (أهلية) حول مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة ‏السياسية، في 30 نوفمبر 2021 إن التعديلات الدستورية تجعل الملك في واجهة السلطة التنفيذية.

وأضاف أن ذلك لا يخدم مصلحة النظام السياسي ويشكل خطرا عليه ويمس استقراره، مع تقويض الولاية العامة للحكومة.

وأكد رفض هذه التعديلات لأنها "تغير صفة الملك من كونه مرجعا للسلطات ليكون في واجهة هذه السلطات".

واعتبر العضايلة تعديلات قانوني الأحزاب والانتخابات "لا قيمة لها على أرض الواقع بدون رفع القبضة الأمنية عن الحياة السياسية والمدنية ووقف التضييق الأمني على الأحزاب، والنقابات، ‏ومؤسسات المجتمع المدني، والعمل العام".

وفي كلمته بالبرلمان، وصف نائب الحركة الاسلامية البارز صالح العرموطي، نقيب المحامين السابق، التعديلات الدستورية بأن "لها بعدا سياسيا"، ‏وأنها "عبث".

كما اعتبر "العرموطي" في تصريحات أخري لموقع "عمان نت" في 30 نوفمبر 2021 إن "توصيات الملك هي اعتداء على الدستور"، و"انتزاع (الملك) لصلاحيات الحكومة بموجب المادة 45 التي تنص على أن الحكومة تدير مرافق الدولة كاملة".

وأضاف: "بموجب هذا التعديل، الحكومة تنازلت عن صلاحياتها لجهة غير دستورية"، ما يتعارض مع نصوص الدستور.

ولفت إلى أن "انتزاع صلاحيات الحكومة وإعطاءها إلى المجلس الوطني برئاسة الملك هو أمر خطير لأنه لا يمكن انتقاد أو استجواب الملك أو الطعن فيه لدى المحكمة".

مخاوف حقيقية

وكذلك أوضح العرموطي لموقع "ميدل إيست أي" البريطاني في 3 ديسمبر 2021 أن رئاسة الملك للمجلس الوطني معناه أنني لا يمكنني كبرلماني أخذ الملك للمحكمة لو أخطأ، وهذا هو "معني الحكم الاستبدادي".

ووصف التعديلات بأنها "اعتداء صارخ على صلاحيات السلطة التنفيذية ونزع لصلاحياتها"، ورأى في تشكيل مجلس الأمن الوطني "أمرا في غاية الخطورة وعبثا بالدستور، وردّة عن الإصلاح".

كما انتقد نزع صلاحيات تعيين قادة الأجهزة الأمنية من السلطة التنفيذية، بحجة المخاوف من الحكومات البرلمانية والحزبية المقبلة التي ستكون منزوعة الدسم بعد هذه التعديلات.

وتساءل عن سبب التوجه لإنشاء "مجلس لإدارة الشؤون الخارجية" في ظل وجود وزارة الخارجية، واصفا ما يحدث بأنه "مقدمة لإلغاء مبدأ الفصل بين السلطات".

وشاركت الحركة الإسلامية في وقفات احتجاجية ضد التعديلات الدستورية وانتقد أمينها العام اعتقال شباب وطلاب جامعات عبروا عن رفضهم لها رغم الحديث عن "تمكين الشباب وحرية العمل ‏الحزبي والسياسي".

وعارضت التعديلات قوى سياسية أردنية أخرى أبرزها "الحراك الموحد" الذي بعث برسالة للملك يقول فيها إن "استمرار نهج الاستبداد السياسي، والانفراد بتشكيل لجان، خطوة ثبت فشلها بتاريخ البلاد".

وطالب "الحراك الموحد"، المكون من تحالف لحركات شعبية معارضه، بتغيير نظام الحكم إلى "ملكي ديمقراطي" عن طريق انتخاب مجلس تأسيسي يضع دستورا جديدا للبلاد.

وقال "جمال جيت" المتحدث باسم هذه الحركة الأردنية الموحدة خلال مظاهرة بوسط عمان لموقع "ميدل إيست أي"، هذا انقلاب على طبيعة الدستور التمثيلية والملكية الوراثية.

وكان المتظاهرون يحملون لافتات كتب عليها "الدستور الذي نريده هو الذي يعيد السلطة للشعب"، و"نريد حكومات منتخبة وقضاء مستقل"، و"لا لاستمرار العبث بالدستور".