حرب على "الخانات".. كيف يوظف متطرفو الهند بوليود لمعاداة الإسلام؟

12

طباعة

مشاركة

اشتهرت استوديوهات السينما الهندية "بوليود"، بلعب أدوار مهمة في الحفاظ على التعايش السلمي بين أبناء كافة الديانات في البلاد، لاسيما الهندوس والمسلمين.

وعلى مدار السنين أنتجت "بوليود" أفلاما كثيرة تدعم وحدة الهنود دون تعصب لدين معين، مثل "قمر أكبر انطوني" الذي دعم التآخي بين الهندوس والمسلمين والمسيحيين، و"اسمي خان.. أنا لست إرهابيا" الذي دافع عن المسلمين ضد الإسلاموفوبيا.

لكن الحزب القومي الهندوسي المتطرف "بهاراتيا جانتا" الحاكم منذ 7 سنوات، بدأ يضغط لإدخال تغيير جوهري في قصص بوليود لـ"شيطنة المسلمين"، وتصويرهم بصورة كريهة كإرهابيين، ما ضاعف الهجمات الهندوسية ضدهم.

شيطنة المسلمين

ظهر هذا مؤخرا في حالتين، تمثلت الأولى في ظهور أفلام تعادي المسلمين مثل فيلم "صوريافانشي Sooryavanshi" الذي يزعم اختطاف مسلمين لفتيات هندوسيات لتحويلهن للإسلام.

واعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية هذا الفيلم في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 "تطورا خطيرا يجعل من المستحيل بعد مشاهدته، عدم التفكير في ألمانيا النازية، حيث أقام هتلر صناعة سينمائية كانت تطيعه وتصنع أفلاما دعائية ضد اليهود".

وتبع ذلك حملة هندوسية ضد ما أسموه "الحب الجهادي في بوليود"، منتقدين ظهور البطل المسلم في الأفلام الهندية وهو يقبل فتيات هندوسيات، لأن الممثل "مسلم" وليس "هنديا".

فيما تمثلت الحالة الثانية في تزايد العداء لممثلي السينما الهندية المسلمين وتشويه صورتهم بتلفيق قضايا ضدهم، مثل اتهام نجل الممثل الشهير "شاه رو خان" بالتورط في قضية مخدرات للإضرار بصورة أبيه، وصفت بأنها "مدبرة".

وقالت صحيفة "إندبندنت" البريطانية في 7 ديسمبر/كانون الأول 2021 إن ذلك يأتي ضمن محاولات القوميين الهنود المتطرفين إسكات صوت رموز بوليودالمسلمين وتشويه صورتهم.

وأشارت إلى أن سبب الحملة ضد "شاه روخ خان" آراؤه الصريحة ضد المتطرفين الهندوس، وتخوفه أن "يعيد التعصب الديني الهند إلى العصور الوسطى"، بعد تولي حزب رئيس الوزراء الحالي "ناريندرا مودي" السلطة.

ولا يقتصر التعصب الهندوسي على مهاجمة مسلمي سينما بوليود، حيث انتقل للرياضة بمهاجمة العضو المسلم الوحيد في فريق الكريكيت الهندي ووصفه بـ"الخائن" لأن أداءه أمام فريق باكستان في إحدى مباريات كأس العالم لم يعجبهم.

كما لفقت قضايا ضد طلاب مسلمين بتهم "الإرهاب"، وسجن بعضهم بتهمة "دعم باكستان" في تلك المباراة، وواجهت شركة ملابس حملة لمقاطعتها لأن عارضات الأزياء كن "بدون علامات ثقافية هندوسية".

كذلك حذر عضو برلماني من حزب بهاراتيا جاناتا شركة إطارات لإظهارها نجما مسلما (عامر خان) في إعلان لمهرجان ديوالي الهندوسي، وأجبر ممثل كوميدي مسلم على إلغاء عروضه في مومباي بعد أن هدد متطرفون هندوس بإحراق المكان.

"خانات بوليود"

رغم أن الممثل المسلم "شاه رو خان" دافع عن المسلمين في مواجهة الإسلاموفوبيا في فيلمه "اسمي خان.. أنا لست إرهابيا"، إلا أنه عجز عن الدفاع عن نفسه في بلده، بعهد حكومة الهند المتطرفة الحالية.

والسبب انتقال الحزب الحاكم المتطرف "بهاراتيا جاناتا" وأنصاره من الهجوم على متاجر وشركات المسلمين إلى تهديد بوليود، بسبب نجومية عدد من الممثلين المسلمين العاملين في أفلامها، ممن يطلق عليهم "خانات بوليود".

فهناك قرابة 10 ممثلين باسم "خان"، في بوليود، أشهرهم الثلاثي شاه رو خان، وعمر خان، وسلمان خان، ويطالب المتطرفون الهندوس بمقاطعة أفلامهم وإجبار بوليود على وقف إنتاج أفلام لهم يقبلون فيها هندوسيات.

شاه رو خان ومسلمون آخرون مثل عامر خان، تعرضوا للهجوم على منصات التواصل واتهموا بالإرهاب وأوعزت السلطات لدائرة الضرائب بملاحقتهم، وجرى التشهير بأبنائهم، بحسب "إندبندنت".

قصة ابن "أريان خان" واعتقال الشرطة الهندية له بدعوى حملة مخدرات، على غير الحقيقة، فسرتها صحف هندية وأجنبية على أنها محاولة من المتطرفين الهندوس لتشوية الممثلين المسلمين أمام الجماهير الهندية المعجبة بهم.

ونقلت "إندبندنت" عن نقاد هنود قولهم إن الحكومة الهندوسية المتطرفة تستعرض عضلاتها للسيطرة على بوليود، المقدرة قيمتها بمليارات الدولارات، وتعتمد على الممثل المسلم كماركة عالمية.

والهدف من إحراج شاروخان والضغط عليه بتلفيق قضية مخدرات لابنه، هو "إرسال متطرفي الهند رسالة تقول إننا نستطيع ملاحقة حتى أقوى ومشاهير المسلمين"، بحسب "رنجاني مازومدار" أستاذة السينما بجامعة نهرو لـ"إندبندنت". 

وشارك "خان" في 61 فيلما، حصد 17 منها على إيرادات فوق مليار روبية (13 مليون دولار) ويملك شركة إنتاج وفاز بعدة جوائز وطنية ودولية.

واتهم متطرفون هندوس شاروخان سابقا بأنه "عميل باكستاني" و "خائن يعيش في الهند ولكن روحه في باكستان"، ما دفعه لكتابة مقال عام 2013، ينتقد فيه التطرف الهندوسي، والسعي لاتهامه بعدم الوطنية.

ونقلت "إندبندنت" عن المذيعة في راديو مومباي "روهيني رامناثان" قولها إن الإعلام الحكومي تعمد إبراز صورة شاروخان بعد اعتقال ابنه في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بقولها: "هناك أمر أكبر كان يجري، كانوا يريدون ضرب شاروخان في صورة ابنه".

وأشارت إلى اعتقال الكوميدي المسلم "منور فاروقي" في يوم السنة الهندية الجديدة في (13 أبريل/ نيسان 2021) بتهمة أنه "كان سيصدر نكاتا تؤذي المشاعر الدينية للهندوس". 

وقضى "فاروقي" 37 يوما في المعتقل، لمجرد أنه "مسلم"، قبل أن تقرر المحكمة العليا الموافقة على خروجه بكفالة مؤقتة.

أيضا تعرض الممثل عامر خان، لنفس العداء حين عبر عن "قلقه" عام 2016 من تزايد التعصب الهندوسي، وشن أنصار الحزب الحاكم المتطرف حملة عليه دفعت ماركة "سنابديل" التجارية للإلكترونيات لإبعاده عن حملتها الإعلانية.

كما هاجمت مصلحة الضريبة منازل مسلمين مثل المخرج أنوراغ كاشياب والممثلة تابسي بانو في مومباي بداية 2021 بدون مبرر، وقالت الصحف إنها "مداهمة انتقامية" نظرا لنقد "كاشياب" و"بانو" لرئيس الوزراء "مودي".

وقالت بامزاي مؤلفة كتاب "الخانات الثلاثة وظهور السينما الجديدة في الهند" إن الحكومة الحالية تفهم القوة الناعمة التي تتمتع بها بوليود و"هذا هو السبب وراء محاولاتها السيطرة عليها". 

وأضافت لـ"إندبندنت": الحكومة تدفع الرموز الهندوسية البارزة في صناعة السينما لتبني فكرتها عن بناء الدولة الهندوسية رغم رفض كثيرين لهذه العنصرية.

طمس ثقافي 

ويقول "ديباسيش روي شودري"، وهو كاتب هندوسي، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 إن المسلمين يعانون من التهميش والكراهية منذ بداية الحكم القومي الهندوسي المسعور لحزب بهاراتيا جاناتا قبل 7 سنوات.

ويضيف مؤلف كتاب "كيف تقتل ديمقراطية؟.. ممر الهند إلى الاستبداد": "في عهد مودي تتصاعد أصداء تشبه ما حدث في ألمانيا النازية خلال الثلاثينيات وتجري مضايقة الممثلين المسلمين وإغلاق المزيد من الأبواب في وجههم".

ويصف "شودري" إلقاء القبض على ابن الممثل شاروخان وسجنه بأنه "جريمة مخدرات مشبوهة" و"مسرحية ساخرة وفرية أمنية"، والقانون أصبح "ورقة توت" لإخفاء الديمقراطية المتداعية.

ويعتبر أن ما جرى مع نجل النجم المسلم "مجرد دراما تم تنظيمها من أجل الإلهاء السياسي أو بدافع الفساد، ضمن سعي حزب مودي ومؤسسات الحكم التابعة له لسحق المسلمين بتعصبهم الأعمى". 

وأوضح أن "الاعتقال الدراماتيكي لنجل شاروخان كان له هدف أكبر بكثير، وهو إرسال رسالة مفادها أنه حتى أقوى المسلمين في الهند ليس آمنا بعد الآن".

وانتقد الكاتب القضاء على التمثيل السياسي للمسلمين في البرلمان، مشيرا لأن من بين أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم البالغ عددهم 303 (من أصل 543) بمجلس النواب المنتخب مباشرة بالبرلمان، لا يوجد مسلم واحد".

واعتبر ما يجري "عمليات طمس ثقافي وسياسي منظمة، وإخفاء منظم للمسلمين من التاريخ والأماكن الثقافية والعامة بواسطة الحزب الهندوسي المتطرف"، حتى أنه أعيدت تسمية لافتات الشوارع والأحياء والمدن الإسلامية بأخرى هندوسية.

"الجهاد" لتشوية المسلمين

وضمن الحملة ضد المسلمين، يسعى متطرفون هندوس من مؤيدي الحزب الحاكم إلى تشويه كلمة "الجهاد" عبر وصف قصص الحب السينمائية بين مسلمين وهندوسيات على أنها محاولات لفرض ما يسمونه "الحب الجهادي". 

ولم يكتفوا بالهجوم على ممثلي بوليود المسلمين والدعوة لمقاطعة أفلامهم، لكنهم تدخلوا لإنتاج أفلام تعادي المسلمين وتحرض عليهم، وتظهرهم بصورة وحشية.

وفيلم "صوريافانشي" من آخر هذه الأفلام العدائية ويدور حول قصة وهمية عن اختطاف مسلمين لفتيات مسيحيات لتحويلهن للإسلام، كما روج لخرافات عن مؤامرات ما يسمى "الحب الجهادي".

ويدور الفيلم حول زوجة هندوسية متزوجة من شاب مسلم تكشف عن تنظيم إسلامي يخطف هندوسيات لتحويلهن للإسلام، فيقوم زعيم الجماعة الإسلامية الذي جند زوجها بقتلها بدم بارد باسم الجهاد.

وتقول صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن الفيلم إنه "يطفح بالمشاهد المقززة عن المسلمين"، ويسلط الضوء على مخاطر أكاذيب السينما الهندية في الفترة الأخيرة ضد الإسلام.

وأضافت أنه "يعكس صورة مريعة من الإسلاموفوبيا، ويصور الهندوس وكأنهم من الطبقة العليا والمسلم يتميز بالكراهية، ويجري تصويره كجاحد للجميل وله لحية طويلة وغطاء رأس يميزانه بين الهندوس.

ولفتت إلى أن "المشكلة تكمن في أن هذا هو أحد أكثر الأفلام نجاحا في الهند، ما يساهم في مناخ الكراهية والتمييز ضد أكثر من 200 مليون مسلم في البلاد".

كما أشارت إلى أن الفيلم لا يحاول إخفاء أجندته، وتأييده القومية الهندوسية لحكومة مودي، ويبرر قمع المسلمين في كشمير، ويروج لإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي التي بموجبها تم ضم كشمير للهند، بدعوى القضاء على الإرهاب.

وحذرت الصحيفة الأميركية من أنه "إذا استمرت بوليود في هذا الانحدار العدواني إلى القومية والكراهية ضد المسلمين، فسوف تلطخ يديها بالدماء".

وعلى المستوى الشعبي، يحرض بعض المتطرفين ضد الممثلين المسلمين بحجة تقبيلهم فتيات هندوسيات في المعابد الهندية.

ويطالبون بمقاطعة أي أفلام لبوليود تصور ما يسمونه "الحب الجهادي" بين مسلمين وهندوسيات.

فوبيا الإسلام 

و"صوريافانشي" ليس أول فيلم هندي معاد للمسلمين يظهر منذ تولي حكومة "مودي" المتطرفة الحكم، ففي 18 يناير/كانون الثاني 2020 أثار فيلم بوليودي آخر جدلا كبيرا في الهند، لتشويهه قادة تاريخيين مسلمين.

وكان ملفتا أنه تزامن مع حملة دعائية أطلقها حزب مودي للتخفيف من وطأة التعديلات الدستورية التي أدخلتها الحكومة على قانون التجنيس، التي تستهدف المسلمين، وتعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية.

والفيلم هو "تاناجي.. المحارب المجهول" وتدور أحداثه في القرن السابع عشر، ويستند إلى قصة حياة محارب مجهول في التاريخ الهندي وقائد عسكري في "إمبراطورية مارثا" في الهند يسمى "تانهاجي مالوساري".

وحارب إلى جانب الزعيم الهندي مارثا شيفاجي مهراج في معارك مختلفة على مر السنين، وكان بمثابة ذراعه اليمنى، قبل أن يلقى حتفه على يد أحد القادة المسلمين في معركة سينهاجاد في 4 فبراير/شباط 1670.

ووجه كثيرون في الهند، بينهم نقاد، أصابع الاتهام إلى هذا الفيلم، كونه "الأحدث في سلسلة من الأفلام المعادية للإسلام"، التي وجدت في حاضنة بوليود مرتعا لها خلال السنوات الأخيرة بفعل التحريض الهندوسي.

وهذا الفيلم جاء بعد عام واحد فقط على فيلم "بادمافاتي" المعادي أيضا للمسلمين، الذي تحدث عن قائد مسلم يدعى علاء الدين خلجي، صوره الفيلم قائدا دمويا سفاحًا، سفك كثيرا من الدماء في سبيل توسيع إمبراطوريته بجنوب الهند.

ويرتكز "بادمافاتي" على ملحمة كتبها الشاعر الصوفي مالك محمد جياسي في القرن السادس عشر، تحمل نفس الاسم، لكن، عكس حقائق الكتب التاريخية، تم حشر قصة قائد مسلم في الفيلم يطمع في ملكة ويهاجم مملكتها ويسفك الدماء ليتزوجها.

وحرص الفيلم على إظهار المسلمين في صورة وحشية، مثل تصوير قائد مسلم وهو يعذب شخصا بينما يعض قطعة من لحم تمساح، بغرض إبراز صفاته "الحيوانية".

ويسعى بذلك لتكريس صورة نمطية تاريخية عن المسلمين، هي "صورة المسلمين المتوحشين آكلي اللحوم المتعطشين إلى الدماء" كما يقول نقاد هنود.

وتحظى صناعة السينما في الهند بأكبر جمهور عالميا، وفق إحصائيات "ستاتيستا" العالمية، إذ تبيع ملياري تذكرة سينما سنويا، وتنتج 1000 فيلم سنويا، وفق "فايننشال تايمز" في 13 يناير/كانون الثاني 2020.

ودخلت بوليود في يناير/كانون الثاني 2020 في صدام غير متوقع مع مودي، حين شارك نجوم في مظاهرات بجامعة جواهر لال نهرو، في نيودلهي، ضد قانون المواطنة المعادي للمسلمين، والعنف ضد الطلاب.

ودفع هذا متطرفي الحزب الحاكم للمطالبة بقتل بعضهم مثل الممثلة "ديبيكا بادوكون" التي انضمت للمحتجين هي والممثل فرحان أختار، والممثل محمد زيشان، والمخرج أنوراج كاشياب، بحسب "فايننشال تايمز".