القذافي وحفتر.. ما احتمالات اندلاع حرب جديدة بترشحهما للانتخابات الليبية؟

12

طباعة

مشاركة

تسير ليبيا في مسارين متعارضين تماما، الأول سياسي يقضي بالسماح لأي مواطن بالترشح في انتخابات الرئاسة المقررة 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 للخروج من مأزق الحرب، والثاني قانوني يمنع ترشيح متهمين بجرائم قتل.

لذا تبدو البلاد كأنها تتجه نحو نفق مظلم، لأن المنافسة تدور بين فريقين، أحدهما يرغب في إجراء الانتخابات بأي شكل، والثاني يرغب في عرقلتها وعدم إتمامها.

دخول سيف الإسلام ابن العقيد الراحل معمر القذافي اللعبة، ومن بعده اللواء الانقلابي خليفة حفتر، قد يدفع ثوار ليبيا لهدم معبد الانتخابات على رؤوس الجميع؛ لأن الأول من فلول النظام السابق الذي قامت ضده الثورة، والثاني سعى للانقلاب عليها.

ما يزيد غضب الثوار أن كلا من القذافي وحفتر أصبحا مرتبطين بإسرائيل التي كشفت علاقتهما بها، وتروج لهما ما يعني أنه سواء فاز الأول أو الثاني فكل الطرق تؤدي إلى تل أبيب.

الموقف القانوني

رغم إعلان مفوضية الانتخابات استكمال سيف الإسلام "المسوغات القانونية" لعملية تقديم ترشيحه رسميا، يظل الوضع القانوني لنجل القذافي الذي حكم بلاده سنوات طويلة بالحديد والنار، محل جدل.

قبول المفوضية أوراق ترشحه يتعارض مع القضايا المرفوعة ضده بقتل مواطنين خلال الثورة، لذا طالب محمد غرودة وكيل النيابة بمكتب المدعي العسكري المفوضية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بوقف إجراءات ترشيح القذافي.

كما أكدت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أن الحكم الصادر باعتقاله بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" لا يزال ساريا.

المستشار خالد الزائدي، محامي سيف الإسلام القذافي ووكيله، أكد لموقع "القاهرة 24" في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أنه جرى نقض الحكم الصادر في قضية موكله، وإعادة القضاء الليبي الإجراءات القانونية.

أوضح أن المحكمة الجنائية الدولية لم تطالب بشكل رسمي بوقف ترشحه لأنها لم تصدر بدورها أي حكم إدانة ضده، وما حدث هو أنها أصدرت فقط "تقرير إحاطة دوري" لن يؤثر على ترشح سيف الإسلام في الانتخابات الرئاسية.

المادة 12 من قانون 1/2021 الصادر عن مجلس النواب الخاص بانتخاب الرئيس، تنص على أنه "يمنع من الترشح كل من صدر بحقه حكم نهائي"، والقذافي لم يصدر بحقه حكم نهائي، لذا فليس هناك ما يمنع ترشيحه قانونيا.

لكن السؤال هو: ماذا لو فاز القذافي أو حفتر؟ ماذا سيكون مصير القضايا والجرائم؟

نجل القذافي قال ساخرا في حديثه لصحيفة "نيويورك تايمز"، 30 يوليو/ تموز 2021، إنه "واثق من أن القضايا القانونية يمكن التفاوض بشأنها، إذا اختاره غالبية الشعب الليبي زعيما"، أي أنه يمكن التجاوز عنها.

أما حكم المحكمة الجنائية الدولية، فلن يكون له قيمة لو فاز القذافي، كما يرى البعض، فهناك رؤساء حكم عليهم وهم مطلوبون للجنائية الدولية، آخرهم الرئيس السوداني السابق عمر البشير المطلوب للمحكمة، ولم يجر تسليمه حتى بعد الثورة عليه.

غضب الثوار

أحد أخطر النتائج التي يمكن أن تترتب على ترشيح نجل القذافي ومن قبله خليفة حفتر، هي رفض الليبيين للمسار الانتخابي ككل طالما يجري تفصيله على مقاس من قامت الثورة ضد ظلمهم ومن حاولوا إجهاضها بغزو طرابلس. 

ظهر هذا في ردود أفعال غالبية المدن الليبية الرافضة لترشيحه، ومن ثم يتوقع تمردها على أي نتائج قد تأتي بسيف الإسلام أو حفتر لكرسي الحكم وعدم الاعتراف بها، واستئناف الحرب من جديد.

بعض المدن الداعمة للثورة شهدت تحركات لغلق مكاتب الترشيح (مفوضية الانتخابات) والخروج بمظاهرات عسكرية للشوارع، وجرى الإعلان عن اجتماع "قريب" لقادة قوات جيش بركان الغضب بطرابلس بشأن الانتخابات.

"نحن من جلبنا الديمقراطية ونحن من يمنع الطغاة من استعمالها".. هكذا لخص ثوار مدينة الزنتان موقف كل ثوار ليبيا، وأغلقوا المراكز الانتخابية.

مجلس أعيان وحكماء مصراتة، الداعم لثورة ليبيا، أصدر بيانا رافضا لترشح سيف الإسلام القذافي وحفتر، وحمل مجلس النواب والمفوضية العليا للانتخابات المسؤولية، وأعلن رفضه إجراء انتخابات دون التوافق على قاعدة دستورية.

أما قادة ثوار مدينة الزاوية فأعلنوا في بيان، رفضهم القاطع لترشح سيف القذافي وخليفة حفتر مؤكدين "عدم سماحهم بفتح المراكز الانتخابية إلا وفق قاعدة دستورية متفق عليها".

كما أعلن حكماء وأعيان وقادة قوات "بركان الغضب" بمدينة الخمس شرق طرابلس الليبية، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 رفضهم "القاطع" لترشح سيف الإسلام القذافي وخليفة حفتر. 

وقرر ممثلو المدن الليبية باجتماع عقد في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 في مدينة ترهونة "تصحيح مسار الانتخابات ووضع الخطوط الحمراء أمام ترشح المجرمين".

بعد هذه الضغوط الشعبية، أقفلت بالفعل 3 مكاتب لمفوضية الانتخابات في مناطق زلتين، والزاوية، والجبل 1 غريان (تم فتح الأخير بعد اتخاذ إجراءات أمنية)، وذلك في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وبسبب هذه الضغوط، وإغلاق المكاتب، ظهر تخبط في موقف مفوضية الانتخابات من ترشح سيف الإسلام للانتخابات، حيث أعلنت سحبه من الترشح على موقعها، ثم عادت وحذفت ما كتبته بعد أقل من خمس دقائق فقط!.

بررت المفوضية ذلك بحدوث اختراق لموقعها وقالت إن خبر رفض سيف الإسلام "عار عن الصحة".

من مفارقات ترشيح نجل القذافي بعد ثورة ليبيا أنه ظل على موقفه معاديا وساخرا من الثوار حتى إنه وصفهم بأنهم إرهابيون وشياطين.

حين سأله مراسل نيويورك تايمز الذي التقاه في منزله 30 يوليو/ تموز 2021 عن عودته للسياسة، قال إنه رجل حر وإنه يرتب لعودته إلى الساحة.

سخر من الثوار الذين اعتقلوه قبل عشر سنوات قائلا إنهم "قد تحرروا من وهم الثورة وأدركوا في نهاية المطاف أنه قد يكون حليفا قويا لهم".

وارتسمت على وجهه ابتسامة وهو يصف تحوله من أسير إلى أمير منتظر، فقال: "هل لك أن تتخيل؟ الرجال الذين كانوا حراسي هم الآن أصدقائي".

قال: "يجب أن تعود ببطء، ببطء، مثل التعري، مثل راقصة تعر، أنت بحاجة إلى اللعب بعقولهم قليلا".

جعل هذا مراسل نيويورك تايمز يعلق: "كان هناك شيء من التآمر في الطريقة التي نطق بها تلك الكلمات الساخرة، ويبدو أنه ظن أنه يمكنه الوثوق بي ومشاركته في تضليل أبناء شعبه".

وأردف أنه: "عندما سألته ما إذا كان يتعاطف بأي شكل مع المشاعر التي دفعت المتظاهرين للمطالبة بالتغيير عام 2011، كان رده قاطعا: هؤلاء كانوا أشرارا وإرهابيين وشياطين"!.

سألته عن رأيه في ثورات الربيع العربي فقال دون لحظة تردد واحدة: "العرب الحمقى دمروا بلدانهم".

التطبيع والتوقعات

وكشفت صحيفة هآرتس العبرية في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 طلب خليفة حفتر من إسرائيل دعمه في الانتخابات مقابل التطبيع، وهو ما أوضحه تقرير سابق لـ "الاستقلال، كشف أيضا علاقات القذافي الابن مع تل أبيب.

هآرتس ذكرت 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن "سيف الإسلام معمر القذافي قاد العلاقات السرية بين النظام الليبي السابق، وإسرائيل، قبل اندلاع الثورة عام 2011".

وأنه بعكس والده معمر، المؤيد الصريح للقضية الفلسطينية، التقى علنا في سنوات سابقة بالإسرائيليين وكان على علاقة بممثلة إسرائيلية".

أوضحت هآرتس أنه بخلاف التواصل الرسمي السابق بين سيف والإسرائيليين، كان يدير لقاءات مع وفود إسرائيلية عبر رجال أعمال يهود من أصل ليبي مثل وولتر أربيب، الذي يعيش في كندا.

وفي مارس/آذار 2011 أفادت مصادر دبلوماسية إسرائيلية لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أن سيف الإسلام أجرى زيارة خاطفة ومفاجئة إلى إسرائيل لطلب المساعدة لإنقاذ نظام والده من السقوط، وحضر خبراء إسرائيليون إلى الأراضي الليبية.

وقالت الصحيفة العبرية إن سيف الإسلام طلب خلال الزيارة من قيادات أمنية إسرائيلية رفيعة مساعدات عسكرية "مقابل تعهد بتطوير العلاقات بين طرابلس وتل أبيب".

قبل هذا، في يناير/كانون الثاني 2006 كشفت صحيفتا "هآرتس" و"معاريف" أن سيف القذافي كان على علاقة غرامية مع الممثلة الإسرائيلية "أورلي فاينرمان" وكان يلتقيها في إيطاليا، وأنها طالبت واشنطن بالتدخل لإطلاق سراحه حين اعتقله الثوار.

وظهرت علاقة سيف الإسلام مع إسرائيل مرة أخرى حين كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 عن تعاقد خليفة حفتر أيضا مع شركة إسرائيلية للدعاية والإعلان لتولي حملة الانتخابات الرئاسية لهما ودعمهما.

وسبق هذا كشف صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 13 أبريل/نيسان 2016 أن معمر القذافي وسط مبعوثا دبلوماسيا أجنبيا (لم تحدده) للاتصال بإسرائيل نيابة عنه كي تساعده في وقف قصف حلف الأطلسي لليبيا إبان ثورة فبراير/شباط 2011.

وسبق للعقيد القذافي أن فاجأ العالم عام 2009 باقتراح إقامة "إسراطين" كدولة مشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في مقال رأي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية حينئذ، وأثار ضجة.

ولكن: هل وارد أن يحكم ليبيا قذافي آخر؟ هذا السؤال طرحته صحيفة نيويورك تايمز 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 قبل إعلان سيف الإسلام ترشيحه رسميا.

الكاتب والمحلل السياسي، فرانسيس فوكوياما، رجح هذا قائلا للصحيفة: "في أي وقت تعاني فيه أي دولة من هذا النوع من الحرب الأهلية المثيرة للانقسام، يبحث الناس بطبيعة الحال عن زعيم قوي"، وهو ما قد يرونه في القذافي الابن.

لكن تيم إيتون، الباحث البارز في "تشاتام هاوس"، قال لنيويورك تايمز إن احتمالات أن يكون هذا الزعيم هو سيف الإسلام "غير واردة إلى حد كبير".

واتفق معه الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية طارق مجريسي، الذي قال للصحيفة: "أعتقد أن هذا أمر مبالغ فيه بشكل كبير".

ويعتقد إيتون ومجريسي أن القذافي "يستفيد من الاعتراف به، والشعور بالحنين إلى الماضي، خاصة بين الشباب الليبي الذي لا يتذكر ديكتاتورية معمر القذافي".

ويبلغ سيف الإسلام القذافي من العمر 49 عاما، وهو حاصل على الدكتوراه من كلية لندن للاقتصاد، ويرى ضرورة تحرير الاقتصاد الليبي.

وكان فيما مضى محط الأنظار بصفته مستقبل ليبيا، لكنه أعلن عدم رغبته في أن يرث حكم والده عام 2008. 

وخلال الاحتجاجات العارمة التي أطاحت بوالده وثلاثة من إخوته، ظهر سيف الإسلام على التلفزيون الليبي وحذر الشعب في بيان من اندلاع حرب أهلية، ثم شارك في قتال الثوار والمجازر التي حدثت للشعب.

وكان إعلان القذافي الابن ترشحه للرئاسة بمثابة "رصاصة الرحمة" التي أطلقت على جسد الربيع العربي، لأن الابن الذي فشل في وراثة حكم والده في حياته، يخرج الآن لسانه للثورة التي اقتلعته مع أبيه، ويسعى للكرسي.