هجرة جماعية.. ماذا وراء مغادرة آلاف الأكراد من العراق إلى أوروبا؟
لا تزال قوافل الهجرة تتدفق من إقليم كردستان شمال العراق نحو دول أوروبا، رغم مساعي سلطات بغداد إلى إيقافها والسعي لإعادة مواطنيها، كونهم يعانون "ظروفا قاسية" على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، والعشرات منهم فارقوا الحياة جراء انخفاض درجات الحرارة.
ومنذ مطلع عام 2021 وصل عدد مهاجري الإقليم إلى نحو 28 ألفا، 4 آلاف منهم قصدوا أوروبا عبر بيلاروسيا، في حين أعيد 803 منهم إلى العراق، وتأكد وفاة 33، حسبما كشفت جمعية "اللاجئين بكردستان العراق" في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
موجات الهجرة هذه أثارت الكثير من التساؤلات حول أسباب تصاعدها المفاجئ، لاسيما في مناطق إقليم كردستان العراق، وكيف استخدمت بيلاروسيا هؤلاء اللاجئين "ورقة ضغط" في خلافها مع الاتحاد الأوروبي؟
ظروف اقتصادية
رغم أن إقليم كردستان العراق ينتج نفطا يتراوح من 600 ألف إلى 750 ألف برميل يوميا، يصدر منها 500 ألف برميل يوميا أو أكثر إلى دول عدة، لكن السبب الأول وراء هجرة مواطني الإقليم، هو العامل الاقتصادي، حسبما ذكر سياسيون أكراد.
وخلال تصريحات صحفية في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قال القيادي في الاتحاد الإسلامي الكردستاني جمال كوجر: "صحيح هناك إعمار في الإقليم، لكنه محصور لبعض السياسيين، أما بقية المجتمع، خاصة شريحة الشباب، فهم يمرون بأزمة اقتصادية حادة؛ لأن حكومة الإقليم لم تعين فردا واحدا منذ سنوات".
وأوضح أن "القطاع الخاص يعاني أيضا، خاصة بعد انخفاض سعر الدينار العراقي أمام الدولار (1480 دينار مقابل دولار واحد)، وكذلك أزمة كورونا وما بعدها ضيقت فرص العمل كثيرا، وبالتالي أصبحت البطالة واسعة ومرتفعة جدا بين شريحة الشباب".
من جهته، قال شيروان ميرزا، القيادي في "الاتحاد الوطني الكردستاني" ثاني أكبر الأحزاب الكردية وشريك أساسي مع الحزب "الديمقراطي الكردستاني" في إدارة الحكم بالإقليم، إن "موجة هجرة مواطني الإقليم بدأت بعد عام 2014 جراء المشاكل السياسية والاقتصادية بين حكومتي المركز والإقليم، والتي نتج عنها انعدام فرص العمل للخريجين والعاطلين".
وأكد البرلماني السابق خلال تصريحات صحفية في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن "الدافع الآخر للهجرة هو الخوف من المستقبل، لأن المنطقة عموما لا تشهد استقرارا سياسيا، لا سيما في العراق، فذلك ولد تخوفا من ظهور منظمة إرهابية مثل تنظيم الدولة، وبالتالي تنقلب الأوضاع الأمنية في المنطقة".
وأشار ميرزا إلى أن "موضوع الرفاهية كذلك هو أحد دوافع الهجرة، فإن هدف عدد من المهاجرين هو البحث عن الرفاهية والحياة الأفضل، خاصة أن هناك اعتقادا بأن دول الغرب فيها رفاهية كاملة، ولا خوف من المستقبل".
غياب العدالة
لكن الأسباب الاقتصادية لم تكن وحدها السبب الأساس في لجوء شباب إقليم كردستان العراق إلى الهجرة إلى أوروبا، وإنما "غياب العدالة الاجتماعية" و"قمع حرية الرأي والتعبير" يعد دافعا آخر لمغادرة البلاد، وفق متابعين.
وقالت "سروة عبد الواحد" القيادية في حركة "الجيل الجديد" الكردية، المعارضة لحكومة الإقليم إن "البطالة ليست السبب الوحيد لهجرة المواطن الكردي بل هناك أسباب عدة، أهمها غياب العدالة الاجتماعية وعدم الإحساس بوجود الأمن والاستقرار، فالأمن لا يختصر على الحرب والاقتتال، بل المواطن عندما لا يشعر باستقلالية القضاء.. ويعاقب بالسجن على تعليق في مواقع التواصل".
وأضافت القيادية الفائزة بالانتخابات البرلمانية العراقية، عبر تغريدة على "تويتر" في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أنه "عندما يرى المواطن عددا مختلفا من الأجهزة الأمنية وتحت مسميات مختلفة وينتظر في أي لحظة مهاجمته من هذه الأجهزة، ولديه التخوف من المصير المجهول أو القتل بسبب ترميش لايت (فتح وغلق سريع للضوء العالي) السيارة لأحد أبناء المسؤولين، وعندما يرى عشرات في (محافظة) دهوك يحاكمون بالسجن بسبب كلمة، فأكيد يفكر بالهجرة ويترك بلده".
١/ البطالة ليست السبب الوحيد لهجرة المواطن الكوردي بل عدة اسباب من وجهة نظرنا كجيل الجديد اهمها عدم وجود العدالة الاجتماعية وعدم الاحساس بوجود الامن والاستقرار فالامن لايختصر على الحرب والاقتتال بل عندما المواطن لايشعر باستقلالية القضاء ويعاقب بالسجن على تعليق في المواقع التواصل
— Srwa Abdulwahid. سروه عبدالواحد (@srwa_qadir) November 15, 2021
وفي السياق ذاته، قال القيادي في "الاتحاد الإسلامي الكردستاني"، جمال كوجر، إن "الحريات أصبحت أيضا سببا من أسباب الهجرة، لا سيما في دهوك، بلغ عدد معتقلي الحريات نحو 82 شخصا، وبالتالي ولد حالة من عدم الارتياح وقلقا".
وأكد في تصريحات صحفية محلية أن "أكثر المحافظات في إقليم كردستان العراق التي جرت فيها الهجرة، كانت مدنا شهدت فيها عمليات اعتقالات وقمع للحريات، خاصة ناحية شيلادزي في محافظة دهوك".
وأردف كوجر قائلا: "الأمر الآخر، غياب العدالة في توزيع فرص العمل بين أبناء المجتمع، وداخل الأحزاب، الأمر الذي ولد حالة نفور داخل الشعب، لذلك كانت نتائج الانتخابات (أجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021) صادمة للأحزاب الحاكمة في عموم العراق، وحتى في الإقليم أيضا".
بدوره، رأى المحلل السياسي حسين الكناني، أن "هناك أسبابا كثيرة للهجرة من إقليم كردستان وفي مقدمتها تسلط الأحزاب على الشعب الكردي"، مبينا أن "تلك الأسباب أغلقت أبواب الأمل أمام الشباب الكرد وأجبرتهم على مغادرة الإقليم".
وقال الكناني، خلال تصريحات صحفية في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إن "سياسة القمع وتكميم الأفواه والوقوف بوجه حركات التغيير الرامية إلى إصلاح الأوضاع في كردستان تشكل أهم الأسباب التي تقف بوجه تطلعات الشباب".
وأشار إلى أن "الاستحواذ الحزبي على الواردات النفطية واحتكار الوظائف وفرص العمل فقط لجمهور الأحزاب الكردية المتنفذة أمر تم تشخيصه من قبل الشعب الكردي وشجعهم على مغادرة الإقليم".
ولفت الكناني إلى أن "الشباب في الإقليم يعاني من انعدام طرح حرية الرأي والتمييز العلني في الحصول على الحقوق المشروعة للمواطنين الكرد"، لافتا إلى أن "إقالة حكومة الإقليم الحالية لا تحل الأزمة، لأن هناك مشكلة في النهج السياسي القائم بعيدا عن شكل الحكومة".
دوافع خفية
لكن القيادي في "الاتحاد الإسلامي" الكردستاني، كوجر، لم يستبعد وجود "أياد خارجية تشجع على الهجرة، لأن بيلاروسيا لديها مشاكل مع الاتحاد الأوروبي، وبالتالي من مصلحتها أن تؤجج الدول التي لديها مشاكل، حتى تذهب إليها قوافل المهاجرين، وتكون لديها ورقة ضغط على أوروبا".
وفي الوقت ذاته، كشفت تقارير حول المناطق التي جاء منها أكثر اللاجئين العراقيين فيما يتعلق بإقليم كردستان من أطراف محافظة السليمانية، خصوصا في نواحي بنجوين وكلار ورانيا وبشدر، مبينة أن الجهة المتورطة في الترويج لهذه الهجرة في هذه المناطق هي "حزب العمال الكردستاني" (تنظيم بي كاكا).
وأضاف التقرير في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أن "جميع من وصلوا الى حدود بيلاروسيا دفعوا مبالغ مالية تصل ما بين 10 إلى 20 ألف دولار، والأغلب منهم حصلوا على تأشيرة سفر إلى بيلاروسيا ثم أدخلوا أنفسهم في هذه التجمعات للهجرة".
من جانبه، قال مسؤول مكتب العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كوردستان، سفين دزيي، إن "هناك من يتاجر بالسياسة والإنسان في كردستان للإساءة إلى سمعة الإقليم، وتعمل مافيات وعصابات ومهربون على المتاجرة بملف الهجرة، والشعب أصبح ضحية هؤلاء".
ووصف دزيي خلال تصريحات صحفية في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أوضاع اللاجئين بأنها "كارثية"، وحمل "حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) مسؤولية هجرة مواطني الإقليم من المناطق التي ينشط فيها على حدود محافظة دهوك ومنطقة رابرين (الحدود مع تركيا وإيران)، ما سبب بعرقلة المشاريع الاستثمارية".
من جهته، قال مجلس أمن إقليم كردستان العراق، إن تنظيم "بي كا كا" ومجموعة من المهربين وممن وصفهم بـ"تجار السياسة" استغلوا قضية الهجرة إلى بيلاروسيا لـ"الإساءة إلى الإقليم".
وذكر المجلس (مؤسسة رسمية) عبر بيان أصدره في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أن "مجموعة من مواطني إقليم كردستان توجهوا إلى بيلاروسيا من أجل الحصول على حق اللجوء في الدول الغربية".
وبين المجلس أن "قسما من هؤلاء المواطنين تم استغلالهم من قبل حزب العمال الكردستاني ومجموعة من المهربين وعدد من شركات السياحة وتجار السياسة بطرح عدد من الذرائع المختلفة وكيل التهم لإقليم كردستان من أجل تقوية ملفات قبولهم في تلك الدول".
ولم يوضح المجلس طبيعة هذه التهم والذرائع في بيانه، لكن سياسيين معارضين وناشطين أكراد، حملوا على مدى الأسابيع الماضية، سلطات إقليم كردستان مسؤولية تفاقم ظاهرة الهجرة إلى بيلاروسيا ومنها إلى أوروبا، جراء سوء الأوضاع المعيشية و"غياب العدالة، وتقييد الحريات الشخصية".
وأفاد البيان بأن "إقليم كردستان أصبح ملاذا آمنا للتعايش وحرية الفرد لذلك توجه عدد كبير من الأجانب ودول الجوار والمناطق الأخرى من العراق إليه، واستفادوا من المناخ الآمن في الإقليم كمكان للإقامة والبقاء، والحصول على فرص أفضل للعيش"، نافيا "اضطرار أي شخص من إقليم كردستان للسفر بسبب مشكلة سياسية أو تقييد للحرية الشخصية".
وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلن المتحدث باسم الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، أن بلاده ستسير أول رحلة لإعادة المهاجرين العالقين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وذكر المتحدث أن "الخارجية حصلت على معلومات تفيد بوجود 571 عراقيا في مقاطعتين، ضمن 8 مخيمات"، على الحدود في بيلاروسيا.
وأشار الصحاف إلى أنه "لا يمكن إحصاء الأعداد كاملة"، لأن الشريط الحدودي يمتد لمئات الكيلومترات، و"هناك إعراض عن العودة لدى البعض"، مؤكدا "بدء تسجيل الراغبين بالعودة الطوعية، استعدادا لاكتمال الأعداد الخاصة برحلة ستتوجه من مينسك إلى العراق خلال أيام، ونحن على استعداد تام وكامل للقيام بأكثر من رحلة".
ومنذ 5 أغسطس/آب 2021، علق العراق الرحلات بين بغداد ومينسك "حتى إشعار آخر"، باستثناء تلك التي أعدت لإعادة المهاجرين.
المصادر
- ظاهرة الهجرة تحرج سلطات إقليم كردستان
- أربيل: "بي كا كا" استغل الهجرة سياسيا للإساءة لإقليم كردستان
- لماذا يهاجر أكراد العراق رغم الاستقرار الأمني في كردستان؟
- جمعية اللاجئين في إقليم كردستان العراق: 28 ألف مهاجر منذ مطلع 2021
- كردستان العراق تتعهد بمعالجة "الأسباب الجذرية" لأزمة تدفق المهاجرين
- مجلس أمن كردستان يصدر توضيحاً بشأن هجرة المواطنين من الإقليم
- شباب كردستان يهربون إلى “المجهول” من جشع الأحزاب الحاكمة
- العراق يعلن تسيير رحلة إلى بيلاروسيا لإعادة مواطنيه العالقين على الحدود مع بولندا
- أزمة المهاجرين: العراق يعمل على إعادة مواطنيه الراغبين بالعودة "طوعا" من بيلاروسيا