"انقلاب أبيض".. هذه خطة عسكر السودان لإزاحة المدنيين من الحكم
قالت مصادر سودانية إن الخرطوم ينتظرها خلال الأيام المقبلة وحتى 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 موعد تسليم العسكر رئاسة المجلس السيادي إلى رئيس مدني، ضمن "انقلاب أبيض" سيكون ذا طابع عسكري ومدني معا.
المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها لحساسية موقعها، أوضحت لـ"الاستقلال" أن الفترة المقبلة ستشهد تحركا عسكريا لاعتقال قيادات في الحكومة الانتقالية بعدما أعلن المجلس العسكري رفضه التعاون مع المكون المدني في مجلس السيادة.
خطة الانقلاب
وأضافت المصادر، أن خططا يجري تداولها بين بعض القيادات العسكرية الموالية لرئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، لتحرك عسكري ومدني معا لا يبدو كأنها انقلاب عسكري خشن.
أوضحت أن الانقلاب سيشبه في بعض خطواته طريقة رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، وأن ساعة الصفر النهائية هي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وسيكون على شركاء الحكم المدني، بحيث ينفرد العسكر بالحكم، مع تطعيم نظامهم ببعض المدنيين.
خطة الانقلاب تقوم على منهج لا يعتمد على التحرك العسكري وحده، بل سيكون انقلابا مشاركا فيه الجانب المدني أيضا، وفق المصادر.
وأشارت المصادر إلى أن ذلك يعني "تحريك قوى مدنية بين تيار الديمقراطية والتغيير الذي يشارك في الحكم حاليا لدعم العسكريين".
أوضحت المصادر لـ "الاستقلال" أن الشق العسكري سيتضمن تحركا أمنيا بدون جلبة ودبابات لاعتقال بعض رموز الحكومة الانتقالية، وتجميد اتفاق الحكم الانتقالي، وسيطرة المجلس العسكري على السلطة، أو بقاء المجلس السيادي بقيادته العسكرية.
وفي 27 سبتمبر/أيلول 2021 قال رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان إن "الجيش لن ينفذ انقلابا على المرحلة الانتقالية"، لكنه استمر في انتقاد السياسيين المدنيين.
وقال نائبه حميدتي في 28 سبتمبر/ أيلول 2021 إنه "لن يحدث انقلاب مجددا في السودان"، لكن أكد أنه "لا يمكن لفئة قليلة أن تحتكر السلطة وحدها".
ويتضمن "الشق المدني" من الانقلاب التنسيق مع قوى مدنية معارضة للأعضاء المدنيين الحاليين في مجلس السيادة، وضم أطياف سياسية أخرى مهمشة للمجلس أو الحكومة بحيث يبدو الانقلاب مدنيا أو برغبة المدنيين.
للترتيب لهذا الانقلاب، قال مصدر دبلوماسي سوداني سابق إن "البرهان" يجري حاليا اتصالات مع أطراف عربية بينها مصر والإمارات، وإسرائيل والولايات المتحدة لإقناعهم بما سيقدم عليه.
وأوضح لـ"الاستقلال" أن البرهان يعتمد طريقة لتخويف الغرب من بقاء الأوضاع مرتبكة ومتدهورة في السودان، "بما قد يؤدي لانقلاب يقوده الإسلاميون في الجيش وأنصار الرئيس السابق عمر البشير"، وفق تعبيره.
وبين أن أطرافا عربية ودولية باتت مستعدة للإجهاز على ما تبقى من الربيع العربي سواء في تونس أو المغرب أو السودان، في ظل مخاوف من عودة تنظيمي الدولة والقاعدة للمنطقة مع وصول حركة طالبان للحكم في أفغانستان.
ونوه إلى أن قتل منتمين لتنظيم الدولة خمسة من ضباط المخابرات السودانية 28 سبتمبر/ أيلول 2021 كانوا يسعون لمداهمة وكرهم في الخرطوم، هو أحد رسائل ضغط عسكر السودان على الغرب كي لا يعارض تفردهم بالسلطة.
علمت "الاستقلال" أن الاجتماعات المشتركة بين العسكريين والمدنيين أعضاء مجلس السيادة بالقصر الرئاسي متوقفة منذ 20 سبتمبر/أيلول، بسبب رفض العسكريين لقاء المدنيين، باستثناء اجتماع واحد لتمرير الموازنة العامة المعدلة.
وعلق العسكريون في مجلس السيادة اللقاءات مع المدنيين واتهموا حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والسياسيين الحاليين بأنهم سبب أزمات البلاد.
سيناريوهات ومصائر
أحد السيناريوهات هو إعلان فترة انتقالية جديدة يديرها العسكر فقط تمهد لبقائهم في الحكم مطولا على طريقة "خارطة طريق السيسي" التي لم تنفذ.
السيناريو الآخر هو إشراك سياسيين آخرين متحالفين مع العسكر، ومعارضين للمدنيين الحاليين الموجودين في الحكم داخل المجلس السيادي، وتعديل في تركيبة المجلس وتعيين حكومة تصريف أعمال.
السيناريو الثالث هو تعجيل الانتخابات بما يجعل التيار اليساري الحاكم حاليا يخسر بسبب الغضب الشعبي على تدهور الأوضاع الاقتصادية.
ضمن هذه الخطة كشف نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، محمد حمدان دقلو، 28 سبتمبر/أيلول 2021 أنهم طالبوا المدنيين في المجلس الانتقالي بضم قوى سياسية أخرى.
وقال في خطاب أمام ضباط وجنود "قوات الدعم السريع" بالخرطوم: "لا بد من تصحيح الأخطاء، ولا يمكن لفئة قليلة (الائتلاف الحاكم) التسلط على السلطة منفردة".
وأضاف: "طالبناهم بتوسيع المشاركة السياسية في الحكومة، عدا حزب المؤتمر الوطني (الحاكم السابق)".
ووفق المصادر، تشمل الخطة شيطنة أعضاء المكون المدني الحاليين في الحكم خصوصا المعادين للعسكريين، وأبرزهم محمد الفكي سليمان واعتقال بعضهم.
واتهم "سليمان"، العضو المدني بمجلس السيادة "الشركاء العسكريين في السلطة بالسعي للانفراد بالسلطة"، قائلا للتلفزيون الرسمي 24 سبتمبر/ أيلول 2021 "هناك محاولة من المكون العسكري لتعديل المعادلة السياسية وهذا مخل بعملية الشراكة".
ووصف ذلك بأنه "هو الانقلاب الحقيقي وهو انقلاب أبيض"، وكان هو أول من أعلن عن الانقلاب الأخير ثم انتهاءه قبل أن يعلن الجيش أي بيانات.
ضمن الخطة، إحداث تحرك جماهيري تقوده قوى سياسية من داخل تيار الحرية والتغيير، وتيار آخر إصلاحي من قوى سياسية أخرى وقيادات من أقاليم مختلفة تنتقد بشدة الأعضاء الحكوميين المدنيين الحاليين.
إضافة إلى تأمين سند عربي إقليمي ودولي لهذا التحرك، وهو ما يفسر زيارات مسؤولين عسكريين وأمنيين مصريين وسودانيين متبادلة مؤخرا وكذا ترتيبات إماراتية مع مصر والسعودية.
واختلفت المصادر حول مصير رئيس الوزراء الحالي، عبد الله حمدوك.
ففي حين أكد مصدران سودانيان سياسي وحزبي لـ "الاستقلال" أنه باق على رأس حكومة تصريف أعمال كواجهة مدنية للانقلاب، أكد مصدر سياسي ثالث أنه سيتم استبعاده مثل الآخرين باعتبار أنه فشل في علاج مشكلات اقتصادية رغم أنه كان الأمين العام السابق للجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة.
البقاء بالسلطة
مصدر آخر في "تحالف قوى الحرية والتغيير" أبلغ "الاستقلال" أن المدنيين في المجلس السيادي بدؤوا يدركون قبل فترة أن البرهان لن يسلم السلطة كما هو مخطط في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وأنهم يتوقعون انقلابا عسكريا قبل هذا الموعد.
وأوضح أن الانقلاب الذي جرى الإعلان عنه في السودان 21 سبتمبر/ أيلول 2021، "مسرحية" وغطاء لانقلاب عسكري قادم على الشق المدني في الحكم الانتقالي.
وبين المصدر أن اللواء عبد الباقي الحسن عثمان (بكراوي)، المتهم بقيادة الانقلاب الأخير مبتور الساق وعاد من مصر بعد رحلة علاج من مرض السكري قبل يومين من الانقلاب، فكيف يفعل ذلك؟!
كما أكد أن سحب الجيش السوداني حراسته لمقر لجنة "تفكيك التمكين" التي شكلها المكون المدني اليساري والتوجه لمصادرة أموال وممتلكات أفراد بالحركة الإسلامية وموالين للرئيس السابق عمر البشير، جزء من هذا المخطط.
وكذا قول "البرهان" بعد اتهامه القوى السياسية بالفشل في إدارة الدولة إن "الجيش هو الوصي على البلاد بحكم واجبه القائم على حفظ الأمن وتسليم السلطة إلى من تأتي به صناديق الانتخابات".
واعتبر وزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف، في لقاء مع قناة الجزيرة 22 سبتمبر/ أيلول 2021 حديث البرهان "تكرارا لتاريخ الانقلابات السابقة في البلاد وتهديدا مباشرا للمرحلة الانتقالية"، مؤكدا: "جاهزون للمواجهة".
وردت "قوى التغيير" المدنية على تلك الإرهاصات بالتجمع في مقر "لجنة تفكيك التمكين" للتخطيط لمواجهة هذا الانقلاب على الاتفاق الانتقالي.
ودعا "تجمع المهنيين السودانيين" إلى فض الشراكة في الحكم مع المجلس العسكري وإبعاد العسكر عن السلطة.
حماية الانتقال للديموقراطية تستلزم عدم العودة للشراكة مع المجلس العسكري.
— تجمع المهنيين السودانيين (@AssociationSd) September 26, 2021
الدولة المدنية لا تعادي قوات الشعب المسلحة بل تعلي شأنها كحامية للوطن ودستوره، وتبني جيشًا وطنيًا موحدًا ذا شأن.#شوارعنا_ومواكبنا
وألمح لهذا الانقلاب القادم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في تغريدة حرص على أن تصدر رسميا من مجلس الوزراء.
ودعا حمدوك إلى "قطع الطريق" أمام من يسعون لعرقلة "التحول المدني الديمقراطي" من العسكريين والمدنيين، و"وحدة قوى الثورة" كضمان "لتحصين الانتقال من كل المهددات التي تعترض طريقه".
إن الصراع الدائر حالياً هو ليس صراعاً بين عسكريين ومدنيين، بل هو صراع بين المؤمنين بالتحول المدني الديموقراطي من المدنيين والعسكريين، والساعين إلى قطع الطريق أمامه من الطرفين، لذا فإن وحدة قوى الثورة هي الضمان لتحصين الانتقال من كل المهددات التي تعترض طريقه.#إرادة_الشعب pic.twitter.com/QehFFPz7Tu
— Abdalla Hamdok (@SudanPMHamdok) September 26, 2021
وبدأت الفترة الانتقالية التي تستمر 53 شهرا في 21 أغسطس/آب 2019، بحيث تنتهي بإجراء انتخابات 2024، وتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت معها السلطة اتفاق سلام 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020.
ويدير السودان حاليا حكومة مدنية ومجلس سيادة مكون من 14 عضوا، هم: 5 عسكريين و6 مدنيين و3 من الحركات المسلحة وبدأ العسكريون رئاسة المجلس على أن يعقبهم المدنيون.
ووفق اتفاق الحكم الانتقالي، يفترض أن يسلم العسكريون الحكم إلى المدنيين في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ويسلم عبد الفتاح البرهان قيادة مجلس السيادة لعضو في التيار المدني وهو ما قد لا يحدث.
مواقف داخلية وخارجية
أحد الأمور التي يسعى عسكر السودان لحسمها قبل أي تحرك ضد المدنيين في المجلس السيادي والحكومة الحالية، هو مواقف القوى الإقليمية والدولية.
بسبب اختطاف محاور إقليمية ودولية المشهد السوداني بأكمله منذ الأيام الأولى للثورة ثم الانقلاب على البشير، من قبل أطراف خارجية، من الطبيعي أن يسعى الفريقان (المدنيون والعسكريون) للاستقواء بدول إقليمية ودولية.
يلقى العسكريون دعما قويا من مصر والإمارات والسعودية، فيما يخاطب المدنيون ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، دوما بحثا عن الدعم باعتبارهم يقودون حكومة مدنية.
لكن مع تصدر العسكريين مشهد التطبيع مع إسرائيل، أصبحت أسهمهم هي الأعلى لدى واشنطن والغرب، حيث يحاولون استغلال الأمر للبقاء في السلطة، وعدم تسليم رئاسة مجلس السيادة الحاكم إلى القوى السياسية المدنية.
يدعم هذا أن الجناح العسكري المليشياتي في المؤسسة الحاكمة السودانية "قوات حميدتي" المتحالف مع مصر والسعودية والإمارات، حيث ورد الرجل مقاتلين سودانيين في حرب اليمن ولصالح هذا المحور في ليبيا.
أيضا يلقى العسكر دعما قويا من الإمارات التي يقوم مشروعها في المنطقة على إبعاد التيار الإسلامي من المشهد بكل خلفياته الفكرية، وقد يستفيدون أيضا من قلق الغرب من احتمالات عودة التيار الإسلامي لحكم السودان.
وتلعب القاهرة دورا في دعم عسكر السودان أيضا خشية انهيار الدولة السودانية ودخولها في حرب أهلية طاحنة، ربما تقود إلى تفتيت البلاد إلى دويلات، ما يهدد أمن مصر القومي.
ويرى نظام عبد الفتاح السيسي أن وجود العسكر في رأس نظام الحكم في السودان أمر مهم لضمان منع عودة الإسلاميين الموجودين داخل الجيش والقادرين على حشد ثورة شعبية.
وأدى عداء اليساريين السودانيين للإسلاميين، لتحالف التيار الأول مع العسكريين، والمطالبة بإطالة الفترة الانتقالية بلا انتخابات.
وساعدهم على ذلك تراجع التيار الإسلامي الحركي في السودان خلال حكم البشير بعد خلافه مع رئيس الجبهة الإسلامية الراحل حسن الترابي، لصالح زيادة قوة المكون العسكري في النظام.
إلا أن مخاوف مصر والإمارات لا تزال قائمة خشية عودته في ظل استمرار وجوده، وكلاهما يشجعان عملية "إزالة التمكين" التي يقصد منها إبعاد الإسلاميين عن الجيش والحكومة، ونزع مكامن قوتهم الاقتصادية والعسكرية.
لكن اليساريين، وعلى الطريقة المصرية، يوشكون على الاكتواء بنار العسكر الذين سبق أن انقلبوا على رئيسهم في مصر والسودان.
لذا يخشى التيار اليساري الحاكم في السودان من سيناريو أسوأ يمكن أن يقدم عليه العسكر، وهو عدم إكمال الفترة الانتقالية، وإجراء انتخابات مبكرة ما يهدد وجودهم في السلطة وخسارتهم الانتخابات لصالح إسلاميين أو قوى أخرى.
بحسب رصد "الاستقلال" لآراء القوى المختلفة، يرجح الصحفي السوداني ياسر محجوب الحسين هذا الخيار مؤكدا أن توقعات أفق الحل وتجاوز عنق الزجاجة لن تخرج عن أمرين: الأول: حل الحكومة وتكوين تحالف عريض وحكومة توافق وطني ممتد برئاسة حمدوك.
والثاني: حل لجنة إزالة التمكين وتسليم كافة المواقع الخاصة بها لقوات الشرطة، والإعلان عن انتخابات مبكرة.
وتثير ممارسات اليساريين في لجنة إزالة التمكين استياء قادة عسكريين وقضاة وقوى سياسية بسبب عزل العشرات منهم والاستيلاء على ممتلكاتهم بدعوى تأييدهم للإسلاميين ونظام الرئيس السابق عمر البشير وإزالة تمكينهم.
وفي 26 سبتمبر/تشرين الثاني 2021 علق نادي القضاة السوداني، العمل في المحاكم ثلاثة أيام احتجاجا على قرار لجنة إزالة التمكين بفصل 17 قاضيا ضمن إنهاء خدمة 399 من العاملين بالدولة منهم 192 عاملا بالسلطة القضائية.
المصادر
- السودان: هل بات الخلاف بين شريكي الحكم المدني والعسكري عصيا على الإصلاح؟
- خلافات العسكر والمدنيين.. سيناريوهات تحدد مستقبل الانتقال بالسودان
- السودان إلى أين؟ وفاق وطني للانتقال الديمقراطي أم تكرار لأخطاء الماضي؟
- U.S. Supports Sudan’s Civilian-led Transition, Condemns Attempted Seizure of Power
- البرهان وحميدتي يتهمان قوى سياسية بالمسؤولية عن محاولة الانقلاب في السودان