"الجريمة الأخطر".. لماذا لم تشمل مصالحة الخليج تلاعب الإمارات بعملة قطر؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

مظاهر المصالحة وتطورات العلاقة بين الإمارات وقطر بعد اتفاق "العلا" الذي أنهى الأزمة الخليجية في يناير/ كانون الثاني 2021، لم تخف حدة المعارك القضائية والسياسية المستعرة بينهما على أكثر من جبهة. 

لكن الحرب الأكثر شراسة، لا تزال تشهدها حاليا ساحات القضاء البريطاني، على وقع رفض الدوحة التنازل عن القضايا المرفوعة أمام المحاكم ضد أبوظبي، بشأن استهداف عملتها المحلية الريال القطري، ومحاولة سحق اقتصادها بالكامل إبان الأزمة الخليجية عام 2017. 

وكان حكام الإمارات عازمين آنذاك على إلحاق أكبر الهزائم الممكنة بقطر، وإخراجها من الأزمة خالية الوفاض، لكن مخططاتهم فشلت بسبب تكتيكات متعددة اتخذتها الدوحة لتنجو بنفسها، ثم انتقلت من الدفاع إلى الهجوم، ومحاولة الانتقام ورد الاعتبار عبر أروقة القضاء الدولي. 

معركة قضائية 

بينما كانت تتحسن العلاقات بين الدوحة وجاراتها على الصعيد الرسمي، لا تزال هناك بعض النقاط العالقة التي تدور الاشتباكات بشأنها خلف الكواليس.

وفي 23 أغسطس/ آب 2021، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، تقريرا عن تفاصيل الأزمة، حيث اعتبرت قطر أن التلاعب بالعملة، من قبل الإمارات العربية المتحدة بمساعدة "بنك هافيلاند" اللوكسمبورغي البريطاني، المملوك لعائلة رولاند، أخطر قضية هددت أمنها القومي.

وقالت المجلة الفرنسية: إنه "منذ أبريل/ نيسان 2019، بدأت سلسلة من الدعاوى القضائية المرفوعة في المملكة المتحدة، اتهمت على إثرها الدوحة الإمارات وموردها (بنك هافيلاند)، بالتسبب في انخفاض قيمة عملتها عام 2017 بمساعدة (بنك أبو ظبي الأول)، و(بنك سامبا) السعودي".

وذكرت: "تصدرت هذه القضية عناوين الصحف، وفي يوليو/تموز من نفس العام (2019)، أذن القاضي البريطاني ديفيد إدواردز بإجراء مزيد من التحقيق في تقرير الطب الشرعي الذي طلبه (بنك هافيلاند) من شركة (برايس ووتر هاوس كوبرز)، من أجل تسليط الضوء على وثيقة تشرح كيف تم التلاعب بالسندات والأدوات الاستثمارية القطرية".

وكانت أبوظبي تنتظر تهدئة من الدوحة في هذه القضية المفصلية في بنية العلاقات الجديدة بينهما؟

لكن قطر استمرت على موقفها، وهو ما أدى إلى خطوة عدائية مقابلة من أبوظبي، التي أعادت تشغيل موقع "قطريليكس" المناهض للدوحة، مرة أخرى في مطلع أغسطس/ آب 2021، بعد التعطل المصطنع المتواصل منذ 31 أغسطس/آب 2019. 

وقد انصب تركيز الموقع على مهاجمة أنشطة قطر في ليبيا وإفريقيا، وسياستها الخارجية.

وفي الجهة المقابلة، ظهر أن قطر عازمة على المضي في طريق معركتها القضائية، انتصارا لاقتصادها الذي كان على وشك التهاوي عبر مؤامرة محكمة غير مسبوقة على مواثيق وعهود دول مجلس التعاون الخليجي.

وأرجع الخبير القطري في السياسات النقدية، خالد الخاطر، تمسك بلاده بالمعركة القضائية، إلى أن "خطة الإضرار بالعملة القطرية، كانت مغامرة غير محسوبة العواقب، وهي سلاح ذو حدين، لأن دول مجلس التعاون الخليجي، منظومة واحدة مرتبطة عملاتها بالدولار". 

وأكد في مقالة عبر جريدة "الشرق القطرية"، في 18 فبراير/ شباط 2021 أن "ضرب  سعر الصرف في قطر، وهي من أفضل الاقتصادات الخليجية أداء قد يرتد على الجميع".

وبين أن مثل هذا الإجراء يؤدي إلى انتشار العدوى إلى بقية الأعضاء وإشعال أزمة سعر صرف في المنطقة، التي تعاني أساسا من ضغوط مالية وصعوبات اقتصادية بسبب انخفاض أسعار النفط، وبسبب تبعات جائحة كورونا.

وشدد الخاطر أن الحرب لم تنته من الأساس، حتى تتراجع قطر، وذكر على سبيل المثال أن شهادات إيداع البنوك القطرية تعد هدفا قائما للحرب الاقتصادية.

وقال: إن "أبو ظبي لن تألو جهدا في إيذاء قطر اقتصاديا متى وجدت ثغرة".

حرق الاقتصاد 

وبالعودة إلى أيام أزمة الحصار الأولى، في 5 يونيو/ حزيران 2017، تحدث وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي سابقا أنور قرقاش، عن إستراتيجية بلاده، وذكر وصف "الفراق الدائم مع قطر"، وأضاف "أن هذه الأزمة خلقت لتستمر، والهدف منها يتخطى ساحات العتاب والضغط إلى ما هو أبعد".

في المقابل كان ميدان الحرب الاقتصادية مستعرا على آخره، وقادته الإمارات بغية حرق الاقتصاد القطري كليا، وتدمير قيمة عملتها المحلية "الريال"، وتحفيز كل مستثمر للخروج من دائرة اقتصاد الدوحة. 

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، كشف موقع "ذا انترسبت" الأميركي، عن كيفية تلاعب الإمارات وأذرعها الاقتصادية، بالسندات والأدوات الاستثمارية القطرية، بعد أن حصل على مستندات مسربة بالغة الأهمية، من مجلد المهام الخاص بسفير الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن يوسف العتيبة أحد أخلص رجال ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. 

الوثائق فضحت خطة إماراتية محكمة لشن هجوم على النظام المالي في قطر، عقدت ما بين بنك أبوظبي الأول، وهو أكبر بنوك الإمارات وتمتلك معظم أسهمه عائلة آل نهيان الحاكمة في البلاد، بالإضافة إلى بنك هافيلاند في لوكسمبورج، وهو بنك للاستشارات الاستثمارية لرجال الأعمال الأغنياء. 

وبدأت عملية ضرب العملة القطرية عن طريق عرض "أسعار احتيالية" على منصات الصرف الأجنبي في نيويورك ولندن، بهدف إحداث تعطيل في المؤشرات والأسواق التي بها حضور كبير للأصول القطرية والمستثمرين القطريين، لاختلاق صورة بأن اقتصاد قطر ينهار.

رافق ذلك حملة إعلامية إماراتية مسعورة تهدف إلى إظهار أن الأسواق تشكك في الريال القطري. 

وفي إطار تلك العملية توقعت الإمارات في حربها، استنزاف الاحتياطي النقدي القطري، وتقليص احتياطاتها النقدية عبر التلاعب بعملتها ودفعها لاستخدام صندوق الثروة السيادي، الذي يحوي واحدا من أكبر الأصول الأجنبية السائلة في العالم وتقدر قيمته بـ 180 مليار دولار حسب وزارة المالية القطرية. 

ثم يلي ذلك شراء تأمين الديون السيادية (مبلغ تأمين في حال عجزت الدولة عن السداد)، وبسياقات الخطة، تشتري أبوظبي مبلغ تأمين عدم سداد ديون الدوحة، ثم تنخرط في عملية تلاعب تسمى "تلوين الشريط" الذي يظهر أسفل الشاشة في سوق الأوراق المالية، الذي يظهر كل الصفقات المباشرة.

ومباشرة سيتم إجراء عمليات بيع وشراء وهمية، كأن هناك تداولا مستمرا على السندات، لكن الحقيقة خلاف ذلك، لأن عمليات البيع ينفذها كيان واحد أخذا وعطاء.

المضاربون في الأسواق القطرية، كان من المفترض أن يروا شيئا مريبا في شريط التداول، ولأن قطر تحت ضغط الحصار، فسيسعون للتخلص من هذه السندات مخافة هبوط قيمتها، وهناك سترتفع قيمة التأمين الذي اشترته الإمارات، وتبدأ الاستثمارات في التراجع، ومن ثم تنهار العملة القطرية، ويسحق اقتصادها. 

وسائل دفاعية 

استخدمت قطر مجموعة من التكتيكات الدفاعية للحفاظ على عملتها، وتحصين اقتصادها أمام الهجمات المستمرة، كان أولها عن طريق المصرف المركزي القطري، الذي أعلن رئيسه (آنذاك) الشيخ عبد الله بن سعود آل ثاني، عقب الكشف عن المؤامرة، قائلا: "نعلم أن دول الحصار وعملاءها يحاولون التلاعب في عملتنا والأوراق المالية والمشتقات". 

وأضاف: "لن نقف مكتوفي الأيدي بينما يتعرض بلدنا للهجوم على هذا النحو".

وسرعان ما استعانت الحكومة القطرية بمكتب المحاماة "بول وويس وريفكند ووارتون وغاريسون" ومقره نيويورك، لقيادة التحقيقات. 

وفي 18 مارس/ آذار 2018، قال المصرف القطري: إن وحدة بنك أبو ظبي الأول في الولايات المتحدة تلاعبت في العملة وأسواق الأوراق المالية القطرية.

ووجه طلبا مباشرا من وزارة الخزانة الأميركية ولجنة تداول عقود السلع الآجلة، للتحقيق مع تلك الوحدة بشأن هذا التلاعب، خاصة وأن بنك أبو ظبي الأول، أكبر بنك في دولة الإمارات، وتملك فيه الحكومة حصة أغلبية.

وفي 8 أبريل/ نيسان 2019، طاردت قطر عبر القضاء، بنك "هافيلاند" اللوكسمبورغي، الذي حاول إضعاف سعر صرف الريال عبر تقديم أوامر بيع وشراء احتيالية في منصات تداول النقد الأجنبي في نيويورك بهدف إثارة الاضطراب بالأسواق التي تملك فيها قطر عددا من أصولها.

 وبالفعل وجهت السلطات الأميركية لبنك "هافيلاند" اتهامات التلاعب بالعملة، عن طريق اتصالات وثيقة ببنك أبوظبي، للإضرار بالاقتصاد القطري. 

وفي مطلع عام 2020، قال أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، في كلمته أمام مجلس الشورى القطري: إن بلاده تخطت الآثار السلبية للحصار، وتمكنت من استرجاع احتياطات الدولة وإيصالها إلى مستويات أعلى مما كانت عليه قبل المقاطعة، كما حافظ الريال القطري على استقراره وقيمته، رغم المحاولات المتعددة والممنهجة للتسبب في انهياره.

التكتيك الأخير الذي انتهجته قطر للحفاظ على عملتها، ما فعلته في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2020، بالتزامن مع احتفالات اليوم الوطني.

إذ أعلن مصرف قطر المركزي، طرح الإصدار الخامس للأوراق النقدية القطرية بتصاميم ومواصفات فنية وأمنية جديدة، مستهدفة من وراء ذلك السيطرة على تداول عملتها، لأن المنظومة الجديدة تعمل بنظام تتبع الأوراق النقدية ابتداء من طرحها في سوق التداول حتى عودتها مرة أخرى للمصرف.

وهذا مبني على قاعدة بيانات مرتبطة بالتداول، من شأنه تسهيل عملية تتبع الأوراق النقدية بالأرقام التسلسلية الموجودة عليها، مما يصعب عمليات التلاعب.