الجيش السوداني.. هكذا يصيغ السياسة الخارجية بعيدا عن المدنيين
على الرغم من تعهدهم بتسليم السلطة قبل عامين، لا تزال اليد العليا قائمة للجيش في السودان، في الوقت الذي تكافح فيه القوى المدنية لتنظيم الفترة الانتقالية.
فبعد سقوط رئيس النظام السوداني عمر البشير (2019)، التزم الجيش بتسليم السلطة للمدنيين، الذين يكافحون من أجل تنظيم المرحلة الانتقالية، لكن الوقائع على الأرض تشير إلى صعوبة ذلك.
ووقع الجنرالات في أغسطس/آب 2019، اتفاقية تاريخية مع الفصائل السياسية في خضم الحراك الشعبي الذي أطاح حينذاك بالبشير بعد ثلاثين عاما من الحكم الفردي.
وقرر الجنرالات والقوى السياسية الدخول معا في فترة انتقالية، كان من المقرر أن تستمر ثلاث سنوات، ثم مددت 14 شهرا في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعد اتفاق سلام بين الحكومة وحركات مسلحة.
عمل منفرد
وتقول صحيفة لوموند الفرنسية: "كان على الجيش تقاسم السلطات السيادية حتى تكمل حكومة مدنية ومعها البرلمان عملية الانتقال".
ويوضح جوناس هورنر من مجموعة الأزمات الدولية في هذا السياق لوكالة الصحافة الفرنسية أن "هناك علاقات ودية بين الطرفين، لكنهما نادرا ما يعملان يدا بيد وأن الجيش قد احتفظ بكل قوته".
لأنه كما يستطرد الباحث في ذكر التفاصيل، إذا "لم يحث الجيش الخطى"، فإن المدنيين قد أضافوا إلى ذلك "الانقسامات" التي زادت في" إضعاف موقفهم"، مما حال دون بدء عملية الانتقال.
إذ إن الخلاف الداخلي ينخر قوى الحرية والتغيير، محرك الثورة الشعبية، وفق تقديره.
وفوق كل شيء، شهدت الحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله حمدوك تراجع شعبيتها؛ حيث أعلنت عن إصلاحات اقتصادية وفشلت في تقديم قضية أُسر ضحايا عهد البشير إلى العدالة.
في هذا السياق، لا يزال السودان يفتقر إلى مجلس تشريعي. ومع ذلك، يقول هورنر: "سيكون تدريب ذلك المجلس هو المفتاح لنيل سلطة الإشراف على ما يفعله الجيش".
لكنه يقول: إن "القوى الأمنية مثل الأحزاب السياسية التاريخية، التي تخشى فقدان صلاحياتها الحالية، تعرقل هذا الإصلاح الحاسم".
نتيجة لذلك، لا يزال الجيش يسيطر على الاقتصاد وإدارة السلام مع الجماعات المتمردة، وقبل كل شيء السياسة الخارجية.
وهكذا كان الأمر حينما وقع الجيش في يناير/كانون الثاني 2021 اتفاقا بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
لكن من الناحية القانونية، يكرر حمدوك، أن هذا الاتفاق لم يصادق عليه المجلس التشريعي حتى الآن ليتم تنفيذه.
السياسة الخارجية
وبالنسبة لمجدي الجزولي، الباحث في معهد ريفت فالي، فقد أكد بأن "الجيش قد أعاد صياغة السياسة الخارجية لسودان ما بعد البشير، وأدى ذلك إلى توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة".
يندرج ذلك في إطار اتفاق أبراهام وهو عبارة عن جملة من الاتفاقات التي شهدت اعتراف العديد من الدول العربية بالدولة العبرية.
كما جرى التفاوض على السلام مع المتمردين من قبل الجنرالات السودانيين. وكان عضو مجلس السيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، هو الذي قاد عملية الانتقال، ووقع نيابة عن الحكومة.
وكما يحلل الخبير العسكري أمين إسماعيل لوكالة الأنباء الفرنسية فإنه بالنسبة لهذه الاتفاقات، كانت مشاركة المدنيين "محدودة" لا سيما لأنهم "تركوا الجيش يدير هذا الملف بمفرده".
أخيرا، اعترف رئيس الوزراء في العام 2020 بأن 80 بالمئة من موارد البلاد لا تزال تحت سيطرة وزارة المالية.
لا أحد يعرف حجم الاقتصاد الذي يدور في أيدي الجيش، لكنهم يديرون العديد من الشركات التي تتراوح من تربية الدواجن إلى الإنشاءات.
اعترف مصدر عسكري للوكالة المذكورة بشرط عدم الكشف عن هويته قائلا: إن إشراك المدنيين في الشؤون العسكرية هو أمر "بالغ الحساسية".
نتيجة لذلك، يتابع المصدر أن "دعوات المدنيين للإصلاح دائما ما تواجه بالمقاومة"، على الرغم من أنها تجد صداها لدى العديد من الحكومات الغربية، بما في ذلك واشنطن.
دعا القادة المدنيون وقادة المتمردين السابقون مرارا وتكرارا إلى دمج الجماعات المسلحة أو شبه العسكرية في القوات النظامية.
ومع ذلك، يعترف عمر الدجير، أحد قادة حزب المؤتمر السوداني، بأن اتفاق 2019 قد خلف وراءه ضبابية، مما يمنح المدنيين مساحة صغيرة للمناورة.
ويتابع أنه "من المفترض أن يعمل كلا الطرفين معا" لإصلاح الجهاز الأمني، وفق ما نقلت صحيفة لوموند.
ويقول هورنر في هذا السياق إن: "الانتقال يقتضي بأن يحصل المدنيون أخيرا على سلطة الإشراف على الجيش، لكن هذا الأخير لم يبد أي إشارة بأنه مستعد للتخلي عن دوره المهيمن في البلاد".