بمعضلات أكبر.. كيف عاد المغرب والجزائر 27 سنة إلى الوراء؟

قسم الترجمة | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

من جديد، عادت أزمة عام 1994 بين الجارين الجزائر والمغرب، عندما أغلقت الأولى الحدود، لكن المعضلات اليوم، تبدو أكبر مما مضى.

وأعلن وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، في مؤتمر صحفي عقد 24 أغسطس/آب 2021، أن بلاده قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، بسبب "سلسلة مواقف وتوجهات عدائية" ضدها من جانب المسؤولين في الرباط.

وتابع أن بلاده انتظرت، منذ 16 يوليو/ تموز 2021، توضيحا رسميا من القيادة المغربية بشأن تصريحات لمندوبها لدى الأمم المتحدة عمر هلال "تعدى فيها على سيادة الجزائر"، بحديثه عن دعم استقلال منطقة القبائل، على حد قوله.

واعتبر أن "صمت النظام المغربي يعكس بوضوح الدعم السياسي لهذا الفعل"، ورأى أن المغرب أصبح "قاعدة خلفية لدعم سلسلة الاعتداءات الخطيرة ضد الجزائر".

تحدث لعمامرة عما قال: إنه "تعاون موثق للمملكة مع منظمتين تصنفهما الجزائر كمنظمتين إرهابيتين وهما: ماك (الحركة من أجل استقلال القبائل) ورشاد (توجه إسلامي)، واللتين ثبت تورطهما في حرائق الجزائر الأخيرة".

منعطف خطير

عن هذا، تقول صحيفة الإسبانيول الإسبانية: إن إستراتيجية الملك المغربي محمد السادس على الساحة الدولية اتخذت منعطفا خطيرا، خاصة عندما لم يعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.

قبل مغادرة البيت الأبيض، اعترف ترامب بالسيادة المغربية على كامل أراضي الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو (تدعمها الجزائر).

وأضافت الصحيفة أن تغريدة ترامب حول الصحراء الغربية منحت القوة المطلقة للرباط للضغط على دول مختلفة لاتباع نفس المسار. 

لكن أزمة سبتة، وحادثة دخول أكثر من 10 آلاف مهاجر إلى المدينة المغربية التي تخضع للإدارة الإسبانية أضرت بصورة المغرب وصدت زخمه في هذا السياق. 

بالإضافة إلى ذلك، في الوقت الحالي لم يحسم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن بعد موقفه من الصحراء الغربية.

وأوضحت الصحيفة أن المغرب في وضع معقد، في الوقت الراهن، بعد أن خلق عداءات مع العديد من البلدان وبعض الجيران، وكشف أسوأ صورة له على الساحة الدولية. 

على وجه الخصوص، قطعت الجزائر علاقاتها مع الرباط بعد اعتراف الأخيرة بحركة الاستقلال في منطقة القبائل. ومن المفارقات أن المغرب نفسه يعاني من مشاكل مماثلة في الريف.

وأشارت الصحيفة إلى أن الخلاف مع ألمانيا، وهي متبرع سخي قطع المغرب معه العلاقات الدبلوماسية في مارس/آذار 2021 بسبب علاقة تجسس، وهو لا يصب أيضا في صالح الرباط. 

بالإضافة إلى ذلك، فقد أثار المغرب غضب أوروبا من خلال تسهيل دخول المواطنين، بمن فيهم القصر، عبر الحدود الجنوبية مع إفريقيا، في شهر مايو/أيار 2021 لمعاقبة إسبانيا لاستضافتها الأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي.

وبهذه الطريقة، فإن حلفاء الرباط هم عمليا قوى بعيدة؛ الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة المتحدة. ويشير الخبراء هنا أيضا إلى تصعيد جديد محتمل في علاقاتها الضعيفة ونفوذها في الاتحاد الإفريقي. 

ونقلت الصحيفة عن المحلل فرانسيسكو خيراو، أن "الصورة الحالية للتحركات العدائية للمغرب، التي أصبحت أكثر جرأة، تسبب له الكثير من الضرر على الساحة الدولية في الوقت الحالي، وعلى المدى المتوسط​".

وقد يكون أحد آثارها متمثلا في قطيعة مع البيت الأبيض على الأقل فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية. 

وذكرت الصحيفة أن هذا الخبير في العلاقات الدولية يصف المغرب في الوقت الراهن على أنه "بمثابة الجار الذي لا ينسجم مع أي شخص في مجموعته، والذي يقمع المناقشات الداخلية في أراضيه بالعنف، كما يملك علاقة جيدة وحيدة مع صديقين له في قطرين بعيدين".

بالنسبة لهذا المحلل، فإن "عواقب أزمة الهجرة، التي نظمتها الرباط، لم تكن أسوأ من الناحية الدبلوماسية بالنسبة للمغرب لأن إسبانيا وسياستها الخارجية الناعمة لم ترغب في التصعيد". 

لكن، كان بإمكان مدريد أن تلحق ضررا كبيرا بالتطلعات المغربية "العدوانية" من خلال زيادة قسوة ردة فعلها في بروكسل، والاعتماد في ذلك على ألمانيا، وفق الصحيفة.

ونوهت بأن التوتر على الساحة المغاربية مدعوم من قبل أولئك الذين يبيعون الأسلحة لهذه القوى: الولايات المتحدة في زاوية المغرب وروسيا والصين في صف الجزائر. 

وبالنسبة لخيراو، فإن تصعيد الصراع، وهو أمر غير مرجح الآن، "يمكن أن يتطور نحو أحد أنواع الحرب بالوكالة". 

التسليح والطاقة 

وبينت الصحيفة أن "إعادة تسليح" المغرب لا تستهدف المدن الإسبانية المتاخمة للبلاد، بل إنها تضع الجزائر تحت المجهر. 

بهذه الطريقة يعتبر الخبراء أنه سباق تسلح، على الرغم من أن أيا من البلدين يريد تمديد الصراع أكثر بسبب العواقب التجارية والدبلوماسية. 

وأوضح عالم الاجتماع ومحلل الاستخبارات، خيسوس مانويل بيريز تريانا، لصحيفة الإسبانيول أن "المغرب والجزائر شهدا ما يسمى بالمعضلة الأمنية". 

وبهذا الشكل، فإن الإجراءات التي يتخذها كل جانب لتعزيز أمنه يعتبرها الطرف الآخر تهديدا، مما يولد دوامة من المشتريات التي ينتج عنها التوتر والوضع غير المستقر. 

وأشارت الصحيفة إلى أن المغرب زاد في العام 2020 إنفاقه الدفاعي بنسبة 30 بالمئة، حيث بلغت مشتريات الأسلحة من الولايات المتحدة وفرنسا حوالي خمسة آلاف مليون يورو.

وبالمثل، تعاونت دول أخرى، مثل المملكة العربية السعودية، لتحسين القوات المسلحة الملكية المغربية بالأموال.

 في عام 2015، وقعت الملكيتان اتفاقية تعاون لدعم الصناعة العسكرية المغربية بمبلغ 22 ألف مليون يورو.

وأوردت الصحيفة أنه على الرغم من تحديث الرباط لجيشها، لا تزال الجزائر هي القوة العسكرية الأولى في المغرب العربي بجيش كبير وتسليح عفا عليه الزمن، وقد تحسن منذ أن بدأ الجار بإعادة التسلح. 

تبعا لذلك، اشترت الجزائر قاذفات مقاتلة من روسيا، ووقعت عقودا مع موسكو لبناء ما يقارب من 50 طائرة مقاتلة من طراز سوخوي. وسيتم الانتهاء من تسليم جميع المواد في عام 2025. 

وأوضحت الصحيفة أن العلاقات الثنائية بين الجزائر والمغرب عادت إلى مرحلة 1994، عندما قررت الأولى بعد هجمات مراكش، إغلاق الحدود البرية. والآن زادوا أيضا الأمن على الحدود البرية وحتى الجوية.

الفرق هو المنافسة على التسلح وسعي المغرب إلى أن يصبح قوة عسكرية رائدة في المنطقة. وأضافت الصحيفة أن البلدين عاشا أزمات دورية تعود إلى عام 1976. 

في تلك المناسبة، أنهى المغرب العلاقات، بعد المسيرة الخضراء، عندما اعترفت الجزائر بالجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية. وفي عام 1987، أعادوا العلاقات في النهاية.

عموما، يكمن الخطر في أن البلدين يمران حاليا بمرحلة من المشكلات الاقتصادية، خاصة مع وباء كوفيد -19، واستياء عام من السكان ومع وجود فئة من الشباب يتوقون إلى الهجرة بحثا عن مستقبل أكثر تفاؤلا، تقول الصحيفة.

وأوردت أن حرب الغاز عنصر مهم في هذه المواجهة. وفي هذا المعنى، سحبت الجزائر الإمدادات من عدوها بعد فترة وجيزة من إعلان اختلافهما بسبب "الأعمال العدائية" للمغرب، دون الإضرار بإمدادات إسبانيا من هذه الثروات.

بهذه الطريقة، تتوقع الجزائر عدم تجديد عقد خط الأنابيب المغاربي الأوروبي الذي يمر عبر المغرب ليصل إلى إسبانيا عبر مضيق جبل طارق، والذي ينتهي في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بعد 25 عاما من التشغيل. 

وبهذا الشكل، تحرم الجزائر، المغرب من مصدره الرئيس للغاز الطبيعي.