"اقتصاد الجباية".. إستراتيجية السيسي طويلة الأمد لاستنزاف المصريين
العاصمة القاهرة، أكبر مدن مصر التي ضاقت على سكانها، لا من حيث السعة، بل في التراتيب الحياتية والأسعار والضرائب التي يفرضها النظام، حتى وصل الأمر إلى إقرار قوانين هدفها جباية واستنزاف أموال المصريين.
قانون "السايس"، أحدث القوانين المجحفة التي أثارت غضب المصريين وأخذت من أحاديثهم الكثير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويتعلق بتحميل أصحاب السيارات في القاهرة، مبالغ مالية مبالغ فيها على "ركن" سياراتهم أمام منازلهم.
"السايس" في مصر كلمة تطلق على الرجل الذي يساعد الناس على صف سياراتهم بالشوارع، وفي السنوات الأخيرة أصبحت هذه المهنة بمثابة الظاهرة، لأن فيها نوعا من فرض "الإتاوة" وساعدت في انتشار البلطجة، لا سيما بشوارع القاهرة.
والقاهرة، التي تأسست قبل ألف عام، يربو تعدادها السكاني على 20 مليونا بحسب إحصاء 2020 للمجلس القومي المصري للسكان (حكومي)، ما جعلها في المرتبة السابعة عالميا من حيث الكثافة السكانية.
قانون السايس
24 أغسطس/ آب 2021، بدأ تطبيق ما يعرف إعلاميا بـ"قانون السايس"، الذي يقضي بتطبيق الجباية على صف السيارات بالشوارع الرئيسة والجانبية وأسفل العقارات في القاهرة.
تعود قصة "قانون السايس" رقم 150 لسنة 2020، بشأن تنظيم انتظار المركبات بالشوارع الخاضعة لولاية المحافظات وأجهزة المدن، إلى يوليو/ تموز 2020 عندما صادق عليه رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.
القانون، يقضي بأن يدفع مالك السيارة مبلغا شهريا مقابل وقوف سيارته أسفل منزله، كما ينص على دفع مبلغ معين للانتظار المؤقت حسب نوع السيارة.
المحافظات الكبرى قررت التنفيذ الفوري، خاصة بعض أحياء القاهرة والجيزة، التي وضعت لوائح أسعار الرسوم التي جرى اعتمادها.
الرسوم تبلغ 10 جنيهات للانتظار المؤقت للسيارة الملاكي، و20 جنيها للانتظار المؤقت للسيارات نصف النقل، و30 جنيها للانتظار المؤقت للحافلات الكبيرة، فيما يتطلب المبيت أسفل العقار دفع 300 جنيه شهريا.
حتى حلفاء السيسي المقربين، والأذرع الإعلامية لنظامه، لم يستطيعوا تحمل قانون "السايس" الجديد، الذي فرضته الدولة على المواطنين.
إذ غرد الكاتب عمار علي حسن، عبر "تويتر"، قائلا: "أتعجب من قانون السايس الذي بمقتضاه يدفع كل صاحب سيارة 300 جنيه نظير مكان لها أمام بيته".
وأضاف: "هناك دفع في بلاد أخرى ولكن توجد شوارع موسعة، وأماكن انتظار مجهزة، وتستثني من الدفع المنطقة السكنية لكل مواطن، فهي مجانا طوال اليوم".
وتابع: "اعتبروا الشوارع مقابل الضرائب التي تشكل أكثر من 70 بالمئة من الميزانية".
أتعجب من"قانون السايس"الذي يمقتضاه يدفع كل صاحب سيارة 300 جنيه نظير مكان لها أمام بيته
— عمار علي حسن Ammar Ali Hassan (@ammaralihassan) August 23, 2021
هناك دفع في بلاد أخرى لكن توجد شوارع موسعة، وأماكن انتظار مجهزة، وتستني من الدفع المنطقة السكنية لكل مواطن، فهي مجانا طوال اليوم
اعتبروا الشوارع مقابل الضرائب التي تشكل أكثر من 70% من الميزانية
الصحفي عزت القمحاوي، انتقد فرض 300 جنيه شهريا مقابل ركن السيارة أمام البيت، رغم أن مصاريف تراخيصها 6 آلاف سنويا.
وانتقد فرض 300 جنيه على ركن السيارة أمام البيت، وفي نفس الوقت تمنح الدولة صاحب السيارة معاش تقاعد 1800 جنيه في الشهر.
وأكد أنه لو حكى هذا الكلام لشخص من بلد أخرى فسيقول: "قم بلا خرف (جنون) فاضي".
كما انتقد الإعلامي المصري مصطفى بكري، المعروف بقربه الشديد من النظام، "قانون السايس"، مبينا أن "القانون تسبب بحالة من الإرباك بالشوارع والميادين العامة".
وقال بكري خلال برنامجه التلفزيوني، بفضائية "صدى البلد": إن "الحكومة بدل ما تحمي الناس من ظاهرة السايس، قررت تفرض نفس الفلوس بشكل إجباري ولكن بشكل قانوني".
وأضاف: "كفاية الأوضاع المجتمعية اللي عايشينها، الناس بجد تعبانة، لازم نبقى حنينين، الناس هتجيب منين".
دولة الجبايات
لم يكن "قانون السايس" بدعة في إستراتيجية النظام المصري، الرامية إلى تحصيل أكبر قدر من الضرائب على المواطنين.
فقبل أن يستهل حكمه، وفي أعقاب انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 العسكري في مصر، سرب لوزير الدفاع (آنذاك) عبدالفتاح السيسي، مقطع مثير من داخل أحد اللقاءات الخاصة بأفراد القوات المسلحة.
السيسي، قال فيه: "هتدفع هوريك (سأريك) الـ عمرك ما شفته (رأيته).. إنما ببلاش (بدون مقابل) أنا ما أعرفش (لا أعرف) حاجة اسمها ببلاش.. أنا بكلمكم بجد ولازم يا مصريين تتعودوا (تألفوا)".
تلك الكلمات، رسمت بدقة ومنذ بداية ظهور السيسي على الساحة إستراتيجية الجنرال لحكم مصر خلال السنوات التالية.
الأمر نفسه، شدد عليه السيسي 24 يوليو/ تموز 2018، مع تأكيده للمصريين أنه لا توجد خدمة في مصر دون مقابل.
قال خلال افتتاح عدد من المشروعات بمحافظة بني سويف في صعيد مصر: "مفيش حاجة ببلاش خلاص، ويجب أن يعلم الجميع ذلك".
ظهر ذلك يوم 25 أغسطس/ آب 2021، في غضب الأطباء المصريين، نتيجة رفع رسوم امتحانات متدربي الزمالة، الأمر الذي تسبب في إقدام نقابة أطباء مصر، برفع دعوى قضائية ضد وزيرة الصحة هالة زايد.
الأطباء، طعنت على قرار اللجنة العليا للتخصصات الطبية، بفرض 5 آلاف جنيه (320 دولارا) كرسوم في الفرصة الثانية والثالثة للزمالة.
كما طعنت النقابة ضد فرض 10 آلاف جنيه (640 دولارا) في حالة منحه فرصة رابعة استثنائية، بعد أن كانت الرسوم 300 جنيه (20 دولارا) فقط.
وعلى مدار سنوات سابقة تفنن البرلمان المصري في صياغة قوانين، هدفها الأول جباية أموال المواطنين.
14 فبراير/ شباط 2021، ناقش مجلس النواب تعديل بعض أحكام القانون رقم 16 لسنة 2018، الخاص بإنشاء "صندوق تكريم ضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم".
القانون، يقضي باقتطاع نسبة جديدة من رواتب جميع العاملين في الدولة، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، أو البنوك، تحت ذريعة تنمية موارد هذا الصندوق، الذي يمهد لإقراره نهائيا خلال انعقاد الفصل التشريعي الثاني.
9 فبراير/ شباط 2021، وافق البرلمان نهائيا على فرض رسوم جديدة على كافة أنواع تراخيص المركبات (السيارات) بدعوى تمويل إنشاء المنظومة الإلكترونية للنقل وتطويرها.
وذلك عبر استحداث رسم سنوي بقيمة تراوح بين 75 و300 جنيه، مقابل تركيب الملصق المروري الإلكتروني.
الأمر المثير للجدل في ذلك القانون أنه أعفى مركبات وزارات الدفاع والإنتاج الحربي والداخلية، والمركبات الأخرى التي يحددها وزير الداخلية بقرار منه، من رسوم الملصق الإلكتروني.
ذلك الإعفاء يأتي بدعوى "تحقيق مقتضيات الأمن القومي"، ليدفع المواطن المدني وحده تلك الرسوم.
مطلع مايو/ أيار 2020، وافق البرلمان، على تعديلات تتعلق بقوانين تنمية موارد الدولة عن طريق زيادة الرسوم المفروضة على بعض الخدمات الحكومية، واستحداث أخرى جديدة على بعض الأنشطة والسلع الاستهلاكية والفواتير.
وكالة "رويترز" من جانبها كشفت 19 يناير/ كانون الثاني 2021، أن "البيان التحليلي لمشروع موازنة السنة المالية 2020/ 2021، أظهر أن الحكومة "تخطط لزيادة الضرائب وخفض الدعم للمواد البترولية".
تقرير الوكالة أكد أيضا أن وزارة المالية تستهدف زيادة الإيرادات الضريبية بنحو 12.6 بالمئة".
الثمن الفادح
الصحفي الاقتصادي المصري، محمد عبدالرحمن، يقول إن "مبدأ فرض الضرائب، والدفع مقابل الخدمة، ثابت في الاقتصاد العالمي، والنيوليبرالية".
يضيف عبدالرحمن لـ"الاستقلال": "لكن الشرق الأوسط، ومصر تحديدا لها وضع مختلف، لمجموعة من التداخلات والتعقيدات التي تمس هيئتها الاقتصادية والتنموية".
ويوضح أن "المواطن يدفع حاليا ثمنا فادحا لإخفاق الحكومة في معالجة الوضع الاقتصادي، وكذلك أزمة الديون الطاحنة".
"الدين الخارجي وصل 130 مليار دولار، نتيجة تسلم مصر الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي، وإصدار سندات دولية خضراء بقيمة 750 مليون دولار، وبيع البنك المركزى أذون خزانة حكومية مقومة بالدولار".
عبدالرحمن، يؤكد أن "هذه الإجراءات تنم عن مدى تردي الأوضاع، ولا سبيل لأي نظام حاكم إلا محاولة إيجاد مخرج من المأزق، وهو ما حدث عندما اتجه إلى تحصيل ضرائب عشوائية، وشاملة".
ويتوقع أن النظام "سيتجه أكثر إلى رفع مزيد من الدعم، وفرض كثير من الرسوم، لسد جزء من العجز، ومواجهة التضخم".
ويقول: "مصر ليست دولة منتجة، وقطاعها الصناعي متأخر، وآلياتها الاقتصادية قائمة على مبدأ فرض الرسوم، وهو ما يتمثل في طبيعة الدخل القومي، الذي كان يعتمد قديما على الزراعة، وقناة السويس، والسياحة".
الصحفي الاقتصادي يلفت إلى أنه "ومع تأثر هذه المصادر، نتيجة عامل الزمن، وعالم ما بعد جائحة (كورونا)، فإن الدولة في حاجة إلى المال، والمال لا يأتي حاليا إلا من جيوب المواطنين أو الاقتراض الخارجي أو المساعدات من الدول الصديقة".
ويختم مؤكدا أنها، "عجلة دائرة لا حل لها، إلا بطفرة اقتصادية وتغيير شامل، كالذي حدث في التجربة الماليزية، والنمور الآسيوية".
المصادر
- السيارات في مصر: قانون السايس يثير جدلا بعد بدء العمل به، فما هو ولماذا أغضب كثيرين؟
- جدل على المنصات المصرية تفاعلا مع تطبيق “قانون السايس”
- "أطباء مصر" تطعن على زيادة الرسوم المالية للزمالة
- السيسي للمصريين: "ادفع تعدي.. مفيش حاجة ببلاش"
- أول قرارات البرلمان المصري الجديد.. ضرائب لمصلحة العسكريين تثير غضب المواطنين وخيبة الأطباء
- السيسي للمصريين: "مفيش حاجة ببلاش خلاص"