مصالح أميركا وإيران.. هكذا خففت الانتقادات تجاه الحوثي ومنحته القوة

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن هناك واقعا جديدا بات يتشكل على المستوى السياسي في اليمن، بعد أن خففت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا من لهجتها الدبلوماسية تجاه جماعة الحوثي.

ففي الوقت الذي كانت تطالب فيه الحوثيين، بتسليم السلاح والانسحاب من المدن، غدت الحكومة الشرعية تدلي بتصريحات تشير إلى رغبتها في استيعاب جماعة الحوثي ضمن المشهد السياسي، واعتبارها جزءا لا يتجزأ من المستقبل السياسي لليمن.

أولى تلك التصريحات صدرت في 30 يونيو/ حزيران 2021، أدلى بها وزير الخارجية وشؤون المغتربين في الحكومة الشرعية أحمد عوض بن مبارك، في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة الألمانية برلين، مع نظيره الألماني هايكو ماس.

ابن مبارك، قال: "نعترف أن الحوثيين طرف رئيس في المعادلة اليمنية، وهذا موقفنا السياسي منذ بدأت الحرب، شريطة أن يقروا بحقوق المواطنة المتساوية".

وأضاف الوزير: "اليمن بحاجة إلى مقاربة دولية جديدة للأزمة، والانتقال من مرحلة الإقناع إلى مرحلة الضغط".

ذلك التصريح، عن رؤية متطورة للحكومة الشرعية تجاه جماعة الحوثي، وفق مراقبين.

ومع أن ابن مبارك، لم يعترف بجماعة الحوثي كطرف شرعي، إلا أن اعتبارها كطرف رئيس يعني أن موقف الحكومة الشرعية لم يعد يلزم الحوثي بتسليم السلاح والانسحاب من المدن.

علاوة على ذلك فإن اعتبار الحوثيين، طرفا رئيسا يعني تراجعا ضمنيا عن قرارات مجلس الأمن، ومنها رقم "2216" الصادر في أبريل/ نيسان 2015، والذي ألزم جماعة الحوثي بالانسحاب من المدن التي سيطرت عليها وتسليم السلاح وإنهاء كافة المظاهر الانقلابية.

رؤية أميركية

في واقع الأمر فإن الرؤية التي طرحها بن مبارك، تعد جزءا من الرؤية الأميركية لوضع جماعة الحوثي، حيث تنظر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إليها كطرف رئيس يسيطر على الأرض، ولا يمكن تجاهله.

المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، أدلى بتصريح له في 24 يونيو/ حزيران 2021، قال فيه: إن واشنطن تعترف بجماعة الحوثي طرفا شرعيا في اليمن.

هذا التصريح، سبب جدلا واسعا، وأثار حفيظة كثير من اليمنيين، الذين اعتبروا اعتراف واشنطن، بشرعية الحوثيين أمرا يتصادم مع اعترافها بالحكومة الشرعية في ذات الوقت.

غير أن الخارجية الأميركية، أصدرت توضيحا في 25 يونيو/ حزيران 2021، أي بعد يوم واحد من تصريحات ليندركينغ، قالت فيه: إن "واشنطن تعترف بحكومة اليمن المعترف بها دوليا كحكومة شرعية وحيدة، وأن تصريحات ليندركينغ، جرى فهمها بشكل خاطئ".

وأضافت الخارجية الأميركية، أن المقصود هو أن واشنطن تعترف بالحوثي كطرف فاعل ولاعب شرعي حصل على مكاسب سياسية على الأرض، ولا يمكن لأحد أن يلغيه أو يزيحه من إطار الصراع.

وفيما يبدو، فإن هذه الرؤية تنسجم مع الرؤى التي بدأت الشرعية اليمنية بتسويقها عبر تصريحات بن مبارك، الأخيرة.

كما تنسجم مع رؤية الأمم المتحدة، التي باتت ترى أن جماعة الحوثي طرف لا يمكن تجاهله، ولا يمكن الحديث معه بمنطق (تسليم السلاح والانسحاب من المدن).

وذلك على الرغم من أن مجلس الأمن أصدر قرارات تلزمها بتسليم السلاح والانسحاب من المدن وإنهاء كافة مظاهر الانقلاب.

سر التحول

في هذا السياق، يطرح سؤال جوهري، عن سبب هذا التحول المهم في موقف الحكومة الشرعية، لكن الإجابة وردت في تصريحات الخارجية الأميركية، التي أكدت أن الحوثي بات يسيطر فعليا على الأرض، وأن ذلك الأمر يدفع لعدم تجاهله.

في واقع الأمر، فإن حوالي 6 سنوات من بقاء الحكومة الشرعية في الرياض وعدم ممارسة أعمالها من الأراضي اليمنية، في مقابل تمدد الحوثيين في المدن اليمنية وسيطرتها على أهم المدن اليمنية وإحكام قبضتها على تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين وعلى المؤسسات الحكومية، تسبب في تحويل الحوثي من جماعة انقلابية متمردة إلى سلطة أمر واقع.

وبصفتها سلطة أمر واقع وتسيطر على 20 بالمئة من الأراضي اليمنية التي يسكن بها نحو 80 بالمئة من سكان اليمن، فإن هذا جعلها طرفا فاعلا ووضع بيدها أحد مفاتيح حل الأزمة.

علاوة على ذلك، فإن تدويل الأزمة اليمنية وتحولها من شأن محلي إلى أزمة إقليمية لتصفية حسابات سياسية بين كل من السعودية وإيران، منح الحوثي ورقة رابحة، وأدخله ضمن تسوية معقدة بين الرياض وطهران.

كما أن موقف إدارة بايدن المتصالح إلى حد ما مع طهران بشأن الملف النووي، انعكس بشكل إيجابي على موقف الحوثي، بخلاف الموقف الحاد للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

بايدن، ألغى في 2 فبراير/ شباط 2021، تصنيف الحوثي كجماعة إرهابية، لدى وزارة الخزانة الأمريكية، وهو التصنيف الذي أدرجه سلفه ترامب، قبيل مغادرته السلطة بيوم واحد.

وبحسب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فإن ذلك الإجراء يأتي كتصرف مسؤول من قبل إدارة بايدن التي تدرك بأن استمرار تصنيف الحوثي كجماعة إرهابية يضاعف من الأزمة الإنسانية في اليمن، على حد قوله.

طموح الاعتراف

في هذا السياق، فإن الحوثيين لا يطمعون بأن يتم الاعتراف بهم كطرف رئيس، فهذا بالنسبة لهم تحصيل حاصل، قد فرضوه على الأرض منذ عدة سنوات.

بل يطمحون بأن يتم الاعتراف بهم دوليا كحكومة شرعية، بديلا عن الحكومة الشرعية المعترف بها حاليا، وهو الطموح ذاته الذي تسعى إليه طهران وتضعه كشرط أساس في مفاوضاتها الحالية.

المبعوث الأممي السابق مارتن غريفث، أجرى زيارة إلى طهران في 7 فبراير/ شباط 2021، التقى خلالها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وعددا من المسؤولين الإيرانيين.

مكتب غريفث، أوضح حينها أن الزيارة تأتي ضمن الجهود الدبلوماسية التي يبذلها المبعوث الخاص للتوصل إلى حل سياسي للنزاع في اليمن عن طريق التفاوض، بما يلبي تطلعات الشعب اليمني.

وأضاف أن أولويات المبعوث الخاص دعم اتفاق بين طرفي النزاع لوقف إطلاق النار باليمن، وتطبيق تدابير إنسانية عاجلة، واستئناف العملية السياسية.

من جانبه عبر وزير الخارجية الإيراني، عن سعادة بلاده بأن "الأطراف التي كانت تظن أنها قادرة على الوصول لأهدافها عبر الحرب والدمار، أدركت اليوم أن الخيار الصحيح هو وقف إراقة الدماء في اليمن".

وأكد أن "الحوار اليمني اليمني ممكن إذا وافقت السعودية، على إنهاء الحصار، وأوقفت الهجوم العسكري على اليمنيين"، وفق قوله.

إلا أن قناة "الميادين"، القريبة من حزب الله اللبناني، نقلت أن غريفث، قدم عرضا لإيران قضى بأن ترفع أميركا الدعم عن السعودية في اليمن، مقابل أن ترفع إيران يدها عن جماعة الحوثي.

وأوضحت أن إيران رفضت العرض الأميركي، وقالت: إن وقف عمليات التحالف وفك الحظر المفروض على اليمن ستقابله طهران بالتوسط لدى الحوثيين بإيقاف هجماتها في اليمن وعلى السعودية.

وهو ما يعني أن طهران لم تعلن قبولها وقف الدعم لجماعة الحوثي مقابل إيقاف التحالف لهجماته.

وبحسب الميادين، فإن طهران اشترطت لوقف دعمها للحوثيين الاعتراف بهم كسلطة شرعية.

وقالت القناة: إن طهران أبلغت غريفث، أن رد الحوثيين تضمن ضرورة الاعتراف بهم كسلطة شرعية مقابل وقفهم للعمليات العسكرية.

وأضافت أن الحوثيين أعلنوا أن تفاوضهم مع السعودية سيكون عند نقطتي التعويضات، وإعادة  الإعمار.