قلق جدي.. هل تتحول مالي إلى ساحة جديدة للمنافسة بين المغرب والجزائر؟
في "مهمة سرية" قادته إلى العاصمة باريس في 15 يونيو/حزيران 2021، اجتمع رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة، بنظيره الفرنسي الجديد تييري بوركار، الخبير بـ"تضاريس الساحل".
لكن وزارة الدفاع الجزائرية نفت الزيارة التي كشفت عنها مجلة "جون أفريك" الفرنسية وأكدت في انفرادها الخاص أن شنقريحة مكث بضعة أيام في باريس؛ لبحث ملف منطقة الساحل الإفريقي، بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، انتهاء عملية "برخان" في مالي.
بدوره، أفاد مركز الاستشارات واستخبارات الأعمال "ميناس أسوشيتس"، نقلا عن مصدر موثوق وأدلة فوتوغرافية، أن الجيش الجزائري سينتشر في مالي، حيث تقوم فرنسا بإعداد قاعدة عسكرية للجنود الجزائريين.
فيما عبرت أصوات من الجار الغربي للجزائر عن قلقها من هذه الزيارة، خصوصا وأن المغرب "متوسع الوجود" في مالي، وأن هذه التحركات أتت عقب الإصلاح الدستوري في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، الذي مكن البرلمان الجزائري من مناقشة إرسال القوات إلى الخارج بناء على اقتراح رئيس الدولة.
خطوة غير شعبية
موقع "نورث أفريكا بوست" الأميركي، قال إنه سيتم نشر الجيش الجزائري في قاعدة "هومبوري" شمال مالي، على خط الجبهة بمنطقة الحدود الثلاثة في الساحل حيث يسيطر "المتطرفون" على القوات الفرنسية والقوات المتحالفة معها وقوات "جي 5" لدول الساحل.
ووفقا لخبراء "ميناس أسوشيتس"، الذين يقدمون استشارات استخباراتية للحكومات والشركات الأمنية متعددة الجنسيات، فإن باريس تتطلع إلى تقليص قواتها العسكرية في منطقة الساحل قبل الانتخابات الرئاسية عام 2022، لكنها تريد من الجزائريين رفع مستوى الدعم للقوات المالية والنيجيرية والبوركينية.
واعتبر المركز الاستخباراتي أن "لا القيادة العليا للجيش ولا أجهزة المخابرات سعيدة بهذه الخطوة لأنها ستكون غير شعبية، لكن الجزائر في الوقت الحالي ضعيفة سياسيا واقتصاديا، لدرجة أنها لا تستطيع مقاومة مثل هذا الضغط من فرنسا والولايات المتحدة"، مشيرا إلى أنه "ستكون هناك صعوبات جدية للقوات الجزائرية في هومبوري".
وقد شكلت المخابرات الجزائرية علاقات في غرب إفريقيا، وأصبحت لديها شبكات وثيقة مع التنظيمات المسلحة، وفق الموقع.
وفي 11 يونيو/حزيران 2021، قال ماكرون إن بلاده تنهي عمليتها العسكرية (بارخان) ضد المسلحين في منطقة الساحل بعد محاربة "الإرهابيين" لمدة 8 سنوات.
وأضاف أن "القوات الخاصة الفرنسية ستعمل جنبا إلى جنب مع دول أوروبية أخرى وأيضا مع الجيشين المالي والنيجيري، وأكد أنه سيطلب من دول المزيد من المساهمة بقوات في هذا التحالف، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي لم تقدم بعد سوى الدعم اللوجستي والاستخباراتي في منطقة الساحل.
كما أوقفت باريس مؤخرا عملياتها العسكرية المشتركة مع القوات المالية بعد فشل المجلس العسكري الحاكم في إعطاء ضمانات بإجراء انتخابات حرة.
وبحسب تقارير صحفية، أرسل العقيد في الجيش المالي، عاصمي غويتا، الذي تولى السلطة في مايو/أيار 2021، بعد انقلابه الثاني بتسعة أشهر، في 12 يونيو/حزيران 2021، مبعوثا للجزائر يطلب دعما عسكريا ومراقبة الحدود ضد المسلحين.
تنافس الجارين
في مارس/آذار 2021، جدد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الإعراب عن استعداد بلاده لدعم مالي لتتجاوز أزمتها الراهنة، مشددا على أن الجزائر "رهن إشارة" جارتها الجنوبية.
وفي مايو/أيار من نفس السنة، أعلنت الجزائر، دعمها للسلطات الانتقالية في جارتها الجنوبية مالي، ورفضها إزاحتها بالقوة بعد أنباء عن احتجاز الرئيس باه نداو ورئيس وزرائه مختار وان من قبل عسكريين.
وقالت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان، إنها "تتابع بانشغال كبير تطورات الأوضاع في مالي، وتؤكد رفضها أي محاولة لتغيير الحكومة بالقوة".
وترتبط الجزائر مع مالي بحدود برية تتجاوز ألف كيلومتر، وتقود لجنة متابعة اتفاق السلام بين الحكومة المركزية في باماكو ومسلحي الحركات الأزوادية (طوارق) شمالي مالي.
وفي 2014، احتضنت الجزائر مفاوضات بين الطرفين توجت بتوقيع اتفاق سلام، في يونيو/حزيران 2015، بعد أن سيطرت حركات أزوادية وتنظيمات مسلحة في 2012، على مناطق الشمال المالي، وبسطت نفوذها على 3 مدن رئيسة، هي كيدال وتمبكتو وغاو.
وأدى تدخل القوات الفرنسية بدعم دولي في يناير/كانون الثاني 2013، إلى طرد التنظيمات المسلحة من غاو وتمبكتو، فيما بقيت كيدال تحت سيطرة الحركات الأزوادية.
وتعتبر الجزائر جارتها الجنوبية مالي بمثابة عمقها الإستراتيجي، ويقول مسؤولون جزائريون إن أي انهيار أمني أو انفلات للأزمة في مالي سيجعل الجزائر تحت تهديد كبير لجماعات إرهابية تنشط في المنطقة، إضافة إلى تدفق لمهاجرين فارين من النزاع.
وظهر قلق المغرب من تحركات جارته الشرقية الأخيرة في مالي عبر عدد من التحليلات والتدوينات التي تداولها ناشطون مغاربة، فيما نشر موقع "هسبريس" الأكثر قراءة في المغرب، تقريرا بعنوان "الجزائر تسعى إلى تقويض (الوساطة الناعمة) للمغرب في الأزمة المالية".
بدوره، يعرف المغرب بتوسعه في الدول الإفريقية، وتحديدا مالي حيث يرعى سياسة روحية إقليمية تستهدف بالدرجة الأولى تحقيق المصالح الخاصة للدولة المغربية وتعزيز نفوذها في القارة السمراء، إلا أنها قد تحفز على التعاون أكثر فأكثر في المجال الأمني-الديني، وتوفر هذه الإستراتيجية أداة مرنة وعابرة للحدود، يعول عليها الرباط.
ويرى "المعهد المغربي لتحليل السياسات" (خاص)، أن الجزائر "سعت جاهدة لاحتكار ملف الساحل والتحكم في كل خيوطه، وظلت تعترض بشكل مستمر على إدماج الرباط في أي ترتيبات أو إطارات سياسية أمنية أو عسكرية تهم منطقة الساحل، بذريعة أن المملكة ليست من دول الميدان ولا تتوفر على حدود تماس مع منطقة الساحل".
وفي دراسة نشرها في مارس/آذار 2018، رأى المعهد، أن تفاقم الأزمتين الليبية والمالية منذ عام 2012 "شكلتا فرصة سانحة للمغرب لتقديم نفسه كطرف معني له قلق جدي مما يحدث بالمنطقة، مثله مثل البلدان المغاربية والساحل".
من جهتها، ساعدت الإستراتيجية الدينية النوعية، ذات البعد الأمني الواضح، المملكة على "تعزيز نفوذها الجيوستراتيجي في المنطقة، بما يساعد على البروز كقوة إقليمية صاعدة تملأ الفراغ وتسهم في استعادة الأمن والاستقرار الإقليميين في منطقة ساخنة ومضطربة"، وفق المعهد.
فراغ الساحة
يكتسي التعاون بين المغرب ومالي "بأبعاد أمنية وتنموية ودينية"، بحسب الأستاذ في جامعة القاضي عياض بمدينة مراكش، هشام برجاوي، قائلا: "هنا لا بد من التذكير بالروابط الصلبة التي تجمع بين الحركات الصوفية الناشطة في مالي وإمارة المؤمنين في المغرب".
وأضاف برجاوي في حديث مع "الاستقلال"، أنه ينبغي التذكير، أيضا، بأن "المغرب هو أول بلد مغاربي يزوره، رسميا، قائد الانقلاب العسكري أسيمي غويتا، الذي أطاح بالرئيس المالي السابق أبو بكر كيتا خلال أغسطس/آب 2020، كما أن وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، كان أول دبلوماسي يلتقي بحكام مالي الجدد".
تجدر الإشارة، وفق خبير العلاقات الدولية، إلى أن مالي "تتموقع في منطقة الساحل الإفريقي، حيث تتجمع رهانات تنموية وأمنية ضخمة، لذلك فالمغرب يعي جيدا، أن التمكن من لعب دور هام في هذه المنطقة يعني تقوية نفوذه الإفريقي".
من جانبها، تسعى الجزائر إلى التأثير على دول الساحل - بحسب برجاوي - والحصول على حضور قوي في هذه المنطقة المتاخمة لحدودها الجنوبية, وهذا ما يخلق مناخا من التنافس مع المغرب، خصوصا بعد اعتراف واشنطن بسيادة الرباط على الصحراء (في ديسمبر/كانون الأول 2020).
واستدرك الدكتور الجامعي قائلا: "لا ننسى أن فرنسا، وهي التي تنشر بعثة عسكرية ضخمة لضمان أمن الساحل الإفريقي، أعربت خلال مناسبات عدة، عن اعتزامها تغيير نمط وجودها العسكري في هذه المنطقة".
واعتبر أن ذلك "ما يفتح المجال أمام تصاعد التنافس بين المغرب والجزائر للإسهام في تطبيق الإستراتيجية العسكرية الجديدة التي تروم فرنسا اعتمادها بمشاركة فاعلين دوليين وازنين كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".
وخص -برجاوي- بالذكر التحديات التنموية والأمنية (الهجرة، التطرف) التي تسمح بتحول شمال إفريقيا ومنطقة الساحل إلى محور جيو-سياسي و"مدخل لا محيد عنه لتقوية وتنويع النفوذ في إفريقيا".
المصادر
- تبون: الجزائر "رهن إشارة" دولة مالي لتتجاوز أزمتها
- الجزائر تسعى إلى تقويض "الوساطة الناعمة" للمغرب في الأزمة المالية
- الجزائر تعلن دعمها للسلطات الانتقالية في مالي
- تصدير “الأمن الروحي” كآلية إستراتيجية لدعم التمدد المغربي في إفريقيا
- Algeria planning to deploy troops in Mali (UK Think-Thank)
- Algérie-France : Saïd Chengriha en « mission secrète » à Paris pour discuter du Sahel