"شبح العسكر".. صحيفة إيطالية تحذر من انفجار الأوضاع في تشاد
ترى صحيفة إيطالية أن استمرار الاحتجاجات ضد المجلس العسكري الانتقالي في تشاد بعد مرور أكثر من شهر على مقتل الرئيس إدريس ديبي في 20 أبريل/نيسان 2021، إضافة إلى التهديدات الأمنية داخليا ودوليا، يشكل عوامل تبقي الأزمة التي وصفتها بـ"متعددة الأبعاد" مفتوحة، خصوصا مع انطلاق عملية السلام في ليبيا.
وقالت صحيفة "إيل كافي جيوبوليتيكو" إن الاحتجاجات والاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في نجامينا تتواصل نتيجة الاستياء من هيمنة عشيرة ديبي صاحبة النفوذ الكبير، إلى جانب سيطرة الحزب الواحد والجيش التي أكدها تعيين بعض الشخصيات في الحكومة الانتقالية.
شبح العسكر
ويرفض المتظاهرون ما وصفته المعارضة بـ"الانقلاب المؤسسي" لمحمد ديبي، نجل إدريس الذي توفي في ظروف غامضة، بينما تؤكد الرواية الرسمية مقتله على يد المتمردين.
وذكرت الصحيفة أنه منذ نهاية أبريل/نيسان 2021، تم اعتقال المئات من المتظاهرين وسقط العديد من القتلى بسبب القمع، الذي أدانته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
واعتبرت أن مقتل ديبي والخطوات المناهضة للدستور التي تم اتخاذها لاحقا، أدت إلى استيقاظ المجتمع المدني، الذي يخشى اليوم شبح النظام العسكري رغم تعيين رئيس وزراء مدني، قريب جدا من حاشية الرئيس يرغب في انتهاز الفرصة لتحقيق تغيير ديمقراطي حقيقي.
وأكدت الصحيفة أن البلاد تعيش وضعا هشا خصوصا وأن بعض التهديدات الأمنية، بالإضافة إلى الاحتجاجات الشعبية، تتربص بالبلاد، منها، تجدد هجمات المتمردين وتنامي سخط جزء من الجيش تجاه المجلس العسكري الانتقالي.
وتحذر الصحيفة من أن يتسبب التهديد الأول في عودة الاشتباكات حال نجح المتمردون، الذين أعلن عن هزيمتهم لأسباب دعائية، في إعادة تنظيم صفوفهم.
بينما يكمن التهديد الثاني في وقوع انشقاقات في صفوف القوات المسلحة، بين كبار الضباط ورتب أخرى تعارض الأسماء المعينة في المجلس العسكري والحكومة.
ولفتت الصحيفة بالقول إنه رغم هذه المخاطر، من غير المرجح تشكيل جبهة موحدة بين هذه الأطراف المعارضة (المتمردون والعسكر والمجتمع المدني)، خصوصا وأن المعارضة السياسية الداخلية رفضت إمكانية حمل السلاح ضد المجلس العسكري واتخذت مسافات من المتمردين.
المعضلة الليبية
وأشارت الصحيفة إلى أن "جبهة التغيير والوفاق" في تشاد التي نفذت تمردا في النصف الأول من أبريل/نيسان 2021، للإطاحة بالرئيس ديبي والمشاركة في الحكم، نشطت لفترة طويلة في إقليم دارفور إلى أن تم إبرام اتفاق السلام بين السودان وتشاد عام 2010، وذلك قبل أن تنتقل إلى ليبيا لتنضم إلى فوضى الحرب الأهلية.
وأضافت أن الجماعة لعبت دور المرتزقة بشكل أساسي بدعم من مجموعة "فاغنر" الروسية، وكانت أيضا قريبة من الجنرال الانقلابي خليفة حفتر.
وفي مقابل حماية القواعد الجوية والبنى التحتية، تحصل المتمردون على المعدات والممتلكات والأسلحة والمركبات التي تم توفير الكثير منها بواسطة تمويلات جهات مانحة أجنبية، وفق الصحيفة.
وترى أن المفارقة هي أن حفتر، المدعوم أيضا من فرنسا، كان يعتبر بدوره حليفا لديبي، أي أن فرنسا دعمت ديبي وحفتر الذي دعم بدوره، بشكل غير مباشر إلى حد ما، المتمردين المسلحين المعارضين للرئيس التشادي.
وبينت الصحيفة الإيطالية أن تمرد "جبهة التغيير والوفاق" جاء إثر بدء عملية الانتقال الليبي الأخيرة التي تطالب بشكل أساسي برحيل جميع القوات الأجنبية، بما في ذلك المتمردين التشاديين.
وفي هذا الصدد، تساءلت الصحيفة حول كيفية إخراج هذه القوات من ليبيا دون عملية سلام مفتوحة في بلادها ومدى إمكانية سحب كل المرتزقة الأجانب؟.
ولفتت إلى أن وجود عديد الجماعات التشادية المتمردة والتي رغم ما تتمتع به من قوة ونفوذ واشتراكها في محاربة نفس العدو، تشكو انقسامات فيما بينها.
من جانبها، تواجه فرنسا معضلة ناجمة عن الوضع الحالي في تشاد تتعلق بضرورة الاختيار بين دعم "جبهة التغيير والوفاق"، وبالتالي الحفاظ على حليف حيوي والمخاطرة بزيادة المشاعر المعادية للفرنسيين في منطقة الساحل، أو معارضتها باسم المساءلة والديمقراطية.
وفي نفس السياق، نوهت الصحيفة بأن إثبات فعالية الإستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل تظل مسألة على غاية من الأهمية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتي من المرجح أن تشهد تنافسا شديدا بين الرئيس إيمانويل ماكرون، وزعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان في أجواء مشحونة.
ديناميكيات إقليمية
وحذرت الصحيفة من أن "تستغل الجماعات الجهادية، التي اعتبرت منذ فترة طويلة التهديد الوحيد في المنطقة، الضعف المؤسسي".
ولهذا السبب، تتفق العديد من الجهات الفاعلة، في مقدمتها فرنسا، على أن تبقى تشاد بمثابة "سبارتا إفريقيا"، وذلك للاعتماد الكبير عليها عسكريا في الحرب ضد التنظيمات الجهادية ومن أجل أمن مصالح هذه الأطراف.
وأردفت الصحيفة بالقول إن "الأحداث الأخيرة التي عاشتها البلاد تبرز وجود ديناميكيات إقليمية تتجاوز مجرد مكافحة هذه الجماعات والمتمردين عبر الحدود".
وتابعت بالقول إن "الفساد والإقصاء السياسي والتفاوت الكبير بالإضافة إلى قمع المعارضة لطالما كانت مشاكل تم التستر عليها في تشاد، لذلك من غير المستغرب أن تحتل البلاد المرتبة 187 من بين 189 دولة في مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي".
وشددت الصحيفة بالقول إنه "إذا لم يتم التعامل مع هذه القضايا بجدية، فإن عدم الاستقرار في تشاد سيكون له تداعيات إقليمية واسعة، بالنظر إلى موقعها الإستراتيجي الرابط بين وسط وغرب إفريقيا وبين السودان والمغرب العربي".
كما أن مصير تشاد سيؤثر على العديد من النزاعات، في حوض بحيرة تشاد وليبيا بالإضافة إلى دارفور وأيضا جمهورية إفريقيا الوسطى وغرب الساحل.
وختمت الصحيفة مقالها بالقول إن "الأمل هو ألا تظهر عوامل الخطر المختلفة المذكورة في التقرير وتزيد من تفاقم الأزمة، بتواطؤ القوى المختلفة (فرنسا والولايات المتحدة وتركيا وروسيا والإمارات)، في حين أضيئت شعلة الأمل في الجوار الليبي بعد 10 سنوات من الحرب الأهلية".