مالك دوهان.. سياسي عراقي عارض حزب البعث ودعم الوحدة العربية
.jpg)
عاش السياسي والوزير العراقي السابق مالك دوهان الحسن، قرنا من الزمن، وكان شاهدا على تقلب الأنظمة في العراق وصولا إلى الاحتلال الأميركي عام 2003.
إذ كان هذا الرجل أحد مؤسسي العملية السياسية عقب إسقاط حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، بقيادة صدام حسين.
دوهان الحسن وافته المنية بالعاصمة الأردنية عمان في 23 مايو/ أيار 2021، عن عمر ناهز المئة وعامين، بعدما شغل مناصب عدة في العراق، حيث كان وزيرا للثقافة والإرشاد عام 1967، وتسلم منصب وزير العدل في أول حكومة بعد الاحتلال الأميركي عام 2004.
قومي الفكر
ولد مالك دوهان الحسن عام 1919 في قرية (أبو عشوش) في قضاء الهاشمية بمحافظة بابل، ونشأ في بيت مشيخة معروفة بين عشائر الفرات الأوسط، حيث إن والده ينتمي إلى عشيرة الواوي أحد فروع قبيلة الجبور واسعة الانتشار في العراق وبلدان الشام.
كان والد مالك نائبا بارزا في مجلس النواب في العهد الملكي في السنوات (1936/1943) وبقي الرجل يحتفظ بمكانته حتى وفاته 1962، كونه أيضا شارك في مقارعة الاحتلال البريطاني للعراق في ثورة العشرين.
درس مالك دوهان في الكتاتيب وفيها تعلم القراءة والكتابة، ثم دخل المدرسة الغربية الابتدائية في مدينة الحلة ببابل، أما في المرحلة الثانوية فقد كان الأول على دفعته ما أهله إلى دخول كلية القانون بجامعة بغداد عام 1943.
انجذب إلى الفكر القومي منذ أن كان طالبا في الكلية، حيث كان القوميون والبعثيون يشكلون حركة واحدة وتيارا واحدا، تقابلهم من الطرف الثاني حركة الشيوعيين العراقيين.
تخرج من كلية القانون عام 1947، وحصل على بعثة دراسية إلى فرنسا، حيث أكمل دراسته العليا في جامعتي باريس مونبلييه، حتى نال شهادة الدكتوراه في القانون، ثم عمل أستاذا جامعيا في كلية الحقوق بالعراق حتى الانقلاب على النظام الملكي عام 1958.
كان من أشد المعجبين بالرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، كونه كان يمثل الرمزية للقومية العربية في حقبة الستينيات من القرن العشرين، ومؤيدا للوحدة العربية.
خاض غمار العمل السياسي منذ مرحلة الشباب، كونه ينتمي إلى الفكر القومي وأحد أفراد حزب "العربي الاشتراكي"، حيث يرى أن أحد أسباب كراهية حزب البعث لحزبه هو التقارب في التسمية.
وعن سبب توجهه للفكر القومي، يقول دوهان الحسن: "أشعر بأنني عربي وكنت أرفض الشيوعية، حيث إن فكرهم يقضي على الإبداع الفرعي فهم حتى في النقاش متهورون، فإذا لم تقبل برأيهم فأنت عميل للاستعمار".
شاهد القرن
دوهان الحسن كان شاهدا على سقوط النظام الملكي في العراق في 14 يوليو/ تموز 1958، وسحل قيادات العائلة المالكة في شوارع بغداد، لكنه رغم توجهه القومي رفض ما حصل لهم كونه مرفوضا أخلاقيا ويمثل استفزازا.
كان معجبا بالملك غازي الأول (حاكم العراق) كونه صاحب توجه وطني ويتحدث في إذاعته الخاصة عن الاستعمار الإنجليزي، إذ يعتقد دوهان أن الملك قتل ولم يكن حادث سير كما هو معروف، لأن الإنجليز لم يكونوا يرغبون به، وهم كان لهم دور كبير بمقتله، حسب تعبيره.
بعد نجاح انقلاب 14 يوليو/ تموز العسكري بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم، اتجه القوميون لدعم الرئيس السابق عبد السلام عارف والشيوعيون لدعم قاسم.
كان موقف مالك دوهان الحسن مؤيدا لعبد السلام عارف، ونقم على حكم عبد الكريم قاسم، كونه كان "ديكتاتوريا" ويحكم بشكل فردي ولم يقبل حتى تشكيل مجلس لقيادة الثورة مع رفاقه الضباط بعد الانقلاب على الحكم الملكي، وأسس مجلسا للسيادة كان شكليا، فهو يتخذ قرارات لا يعترف بها قاسم ويتخذ غيرها، وفق تعبيره.
يعادي دوهان الحسن الحزب الشيوعي كونه مارس عمليات قتل في عهد عبد الكريم قاسم في مدينتي الموصل وكركوك، والتي راح ضحيتها العديد من المواطنين الأبرياء، إضافة إلى التمثيل في جثثهم وسحلهم بالشوارع.
وبعد انقلاب عبد السلام عارف على قاسم، في فبراير/شباط 1963، دعم دوهان الحسن وصول عارف للسلطة كونه يؤيد القومية العربية، وإقامة الوحدة مع سوريا ومصر.
لكنه يقول إن عارفا عارض أن يكون نقيبا للمعلمين واتبع طرقا عدة "لمنعي من الترشح لانتخابات النقابة كوني شيعيا"، وهو يعرف بـ"طائفيته" فكان يريد شخصا آخر ليشغل هذا المنصب.
ورغم معارضته لطريقة حكم عبدالسلام عارف فيما بعد، فإن الأخير عرض عليه تولي منصب وزير، إلا أنه رفض ذلك.
كما يصف دوهان عبدالسلام عارف بأنه رئيس نزيه جدا هو وشقيقه الرئيس العراقي الراحل عبدالرحمن، كونهما لم يقربا أحد من الأقارب في مناصب ووظائف الدولة العراقية.
وفي عام 1967 أصبح مالك دوهان الحسن وزيرا للثقافة والإرشاد في وزارة طاهر يحيى الرابعة عامي 1967 و 1968، في عهد الرئيس العراقي الراحل عبد الرحمن عارف.
سجين سياسي
مع وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في عام 1968، وضع دوهان الحسن في السجن مع جميع أعضاء حكومة طاهر يحيى، حيث قضى في السجن 18 شهرا.
أما رأيه بحزب البعث العربي الاشتراكي، فإنه يعتقد أن الأميركيين هم من أتوا بهم إلى السلطة في العراق، لإنهاء حصول أي وحدة عربية في المنطقة العربية، ولاسيما الوحدة الثلاثية بين العراق ومصر وسوريا.
يقول دوهان الحسن إن السفير الروسي باسيلي في العراق أبلغه شخصيا بأنه سيحصل انقلاب على حكم عبد الرحمن عارف عام 1968 وسيأتي الأميركيون بحزب البعث لحكم البلاد والوقوف ضد الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
وأوضح دوهان خلال مقابلة تلفزيونية عام 2012 أن "السفير الروسي اعترف لي بوجود عمل مخابراتي روسي في العراق، وأنه وصله تقرير مخابراتي بقرب حصول انقلاب عسكري من جهة دولة كبرى وضد شخص عبد الناصر، لكنه لم يسم هذه الدولة وهي أميركا".
وعلى ضوء ما ورده من معلومات، اقترح دوهان الحسن في حينها على رئيس الحكومة يحيى طاهر بعمل انقلاب على الرئيس عبد الرحمن عارف، لكنه رفضه، وبعدها أبلغوا الرئيس بما يحاك له، لكنه قلل من دور حزب البعث العربي الاشتراكي ووصفهم باللغة العامية بأنهم "المكاريد" وتعني مساكين.
وبعد وصول أحمد حسن البكر إلى السلطة في 17 يوليو/ تموز 1968، يرى دوهان أنه كان صادقا في محاولة إقامة الوحدة العربية مع سوريا في عهد حزب البعث عام 1978، ويكون زعيمها الرئيس السوري حافظ الأسد.
لكن حسبما يقول دوهان الحسن، فإن صدام حسين وكان حينها نائبا للرئيس العراقي، حينما علم بأنه ليس له مكان في مرحلة الوحدة العربية بين سوريا والعراق، عزل البكر وأنهى محاولة الوحدة.
عارض دوهان الحسن نظام صدام حسين وبقي معارضا حتى الاحتلال الأميركي للعراق وإسقاط حكم "البعث" عام 2003، حيث شغل منصب نقيب المحامين العراقيين عام 2003-2004.
وفي عام 2004 تولى مالك دوهان الحسن منصب وزير العدل في الحكومة المؤقتة برئاسة إياد علاوي، حيث كان حينها عمره قد ناهز 85 عاما، وهذا آخر منصب يتسلمه في حياته السياسية.
وفي 17 يوليو/ تموز 2004، تعرض موكب وزير العدل العراقي، مالك دوهان الحسن، لهجوم بسيارة ملغومة في غرب بغداد، كان يقودها انتحاري وسط قافلة الوزير، لكن الأخير لم يصب فيما قتل أربعة من حراسه الشخصيين.
وتولى مالك دوهان الحسن في المراحل الأخيرة من حياته زعامة قبيلته "الواو" في محافظة بابل، والتي تعتبر الفرع الشيعي الوحيد لإحدى أكبر القبائل السنية في العراق والمنطقة.
المصادر
- وفاة مالك دوهان الحسن اول وزير عدل في العراق بعد 2003 عن عمر تجاوز الـ100 عام
- المحامي والوزير المخضرم .. مالك دوهـان الحسـن لمحـات من سيرته الحياتية والسياسية
- النقيب مالك دوهان الحسن
- سيارة ملغومة تستهدف وزير العدل العراقي
- اللقاء الأول مع مالك دوهان الحسن وزير العدال الأسبق واسرار السياسة العراقية
- اللقاء الثاني مع مالك دوهان الحسن وزير العدال الأسبق واسرار السياسة العراقية