"الكيل بمكيالين".. كيف يسمم الاتحاد الأوروبي دول المغرب العربي بالمبيدات؟

12

طباعة

مشاركة

رغم حظر استخدامها في الاتحاد الأوروبي، لا تزال شركات المبيدات الزراعية تنتجها في 27 دولة وتصدرها إلى عدد من الدول، منها المغرب والجزائر وتونس.

يواصل المتخصصون في هذه الدول إدانة المعايير المزدوجة التي تشتغل بها هذه الشركات وسياسة "الكيل بمكيالين" بين الدول المتقدمة وبقية العالم.

البلدان الثلاثة التي تتلقى هذه المنتجات الخطرة تزرع الفاكهة والخضروات التي يتم تصديرها بدورها إلى أوروبا.

"يكيل بمكيالين"

تستمر تونس في استيراد 33 نوعا من المبيدات، رغم منع استخدامها أوروبيا، وفق تقرير أصدرته جمعية التربية البيئية للأجيال المستقبلية والشبكة الدولية للقضاء على المواد الملوثة.

ورصد التقرير الذي نشر في 2020 انعكاسات استخدام هذه المواد على صحة المستهلكين في تونس وخطورتها.

وتواصل بعض الدول المغاربية والإفريقية استيراد المبيدات الزراعية الخطيرة من الاتحاد الأوروبي، وفق تقرير صدر عن المنظمة السويسرية "بابليك آيز" ومنظمة السلام الأخضر من المملكة المتحدة ومنظمات غير حكومية والتي تصف تصدير الاتحاد لهذه المواد بـ"النفاق السام".

استوردت تونس في 2018 ما يقارب 240 طن من المبيدات الزراعية الممنوعة داخل الاتحاد الأوروبي، ويتعلق الأمر بسماد "الآوزوت" المستخدم في الفلاحة والأعشاب أيضا، والذي يسبب نوعا من الحساسية والغثيان.

صدرت في 2019 قائمة تضمنت 19 نوعا من المبيدات منعت من الاستخدام على التراب الأوروبي، لكنها لا تزال متاحة للتصدير في 3 دول في المغرب العربي. 

احتجت سامية غربي منسقة الشبكة الدولية للقضاء على المواد الملوثة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في تصريحات صحفية، قائلة: يتعين على تونس أن تقوم عبر وزارة الفلاحة بنشر قائمة المبيدات المستوردة، كما هو الحال في المغرب والسودان.

وأضافت: نسجل في تونس نقصا في تحيين المعلومات، في عصر الرقمنة، إذ تعود المعلومات المتوفرة على موقع وزارة الفلاحة إلى سنة 2017، عكس ما يحدث في دول الاتحاد الأوروبي، وفق غربي.

انتقدت غربي سياسة الكيل بمكيالين بين الدول التي تعتبر نفسها متقدمة وباقي دول العالم.

في تونس، اعتبرت وكالة تشجيع الاستثمار الزراعي (APIA) في عام 2015، استخدام هذه المبيدات الشديدة الخطورة يمكن أن يفسر جزئيا الزيادة في حالات السرطان الملحوظة، واعتبر البنك الدولي في عام 2018 أنه من بين 276 مادة فعالة مستخدمة في البلاد، كان لـ 84 مادة على الأقل تأثير على الصحة.

تحاول السلطات الوطنية والاتحاد الأوروبي معالجة هذه القضية، وتسعى الخطة الخضراء الأوروبية للعمل من أجل استخدام عالمي أكثر أمانا واستدامة، ومع ذلك يبقى المزارعون في الخطوط الأمامية.

السم الأوروبي

كشف تقرير نشر عام 2020 عن جمعية التربية البيئية للأجيال القادمة في تونس، والشبكة الدولية لإزالة الملوثات العضوية الثابتة، ودراسة مماثلة من قبل الجمعية المغربية للصحة والبيئة واليقظة السمومية في المغرب، أن الدول الغنية تطبق قيودا ولكنها تستغل الثغرات الموجودة في دول أخرى لبيع المنتجات السامة.

يحتاج المصنعون الأوروبيون إلى بيع منتجاتهم التي تعتبر ضارة، ويستشهد المراقبون بفضيحة بيع شركة "جونسون آند جونسون" لمواد سامة في تونس على الرغم من حظرها في الولايات المتحدة وكندا، بعد تصنيفها على أنها مادة مسرطنة من قبل المنظمة العالمية للصحة.

وقعت الرباط وتونس والجزائر على اتفاقيات روتردام واستكهولم منذ سنوات، ومع ذلك، لا يزال المغرب العربي يشتري المواد التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي خطيرة على البيئة والصحة ويعرض السكان للخطر.

وروتردام هي اتفاقية موقعة في عام 1998 تتعلق بتطبيق إجراء الموافقة المسبقة عن علم على مواد كيميائية و مبيدات معينة خطرة متداولة في التجارة الدولية.

أما اتفاقية استكهولم فهي معاهدة بيئية دولية وقعت في عام 2001 ودخلت حيز التنفيذ اعتبارا من مايو/أيار 2004 وتهدف للقضاء أو الحد من إنتاج واستخدام الملوثات العضوية الثابتة.

أفادت وكالة المواد الكيميائية التابعة للاتحاد الأوروبي (ECHA)، أن 181 من المنتجات محظورة داخل أوروبا، لكن لا يزال من الممكن تصديرها.

حددت منظمة "السلام الأخضر" البريطانية (غير حكومية) هذه الأرقام، في سلسلة من التحقيقات والبيانات التي جمعتها على المدى الطويل، نشرتها في سبتمبر/أيلول 2020، بعنوان "النفاق السام للاتحاد الأوروبي".

منذ عام 2019، أصدرت قائمة بـ19 مبيدا محظورا على التربة الأوروبية ولكنها كانت موضوع إشعار تصدير إلى هذه البلدان المغاربية الثلاث، دون التصريح بالكميات.

بموجب اتفاقية روتردام، لا تقع المسؤولية النهائية على عاتق المنتجين ولكن على عاتق الدول المستوردة، في حين يرى المتخصصون أنه يجب أن يكون كل تصدير موضوع إخطار يسمى  (الموافقة المسبقة عن علم) للوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية.

وتذهب التوصيات إلى أنه لا يجب إخطار السلطات المختصة في البلد المستورد فحسب، بل يجب أيضا الحصول على موافقتها على استلام هذه المنتجات.

ومع ذلك، فإن 40 بالمئة من هذه المواد (73 مادة) لا تخضع لأي موافقة، لذلك يمكن للشركة المنتجة الأوروبية في معظم الأوقات دون موافقة السلطات بيع هذه المبيدات، والتي تعتبر شديدة الخطورة على الشركات المستوردة المحلية.

قنبلة موقوتة

تتزايد الأصوات للتنديد بمشاكل الإفراط في استخدام المبيدات ونقص المعدات الوقائية بين المزارعين الذين يستخدمونها.

 في تونس، على سبيل المثال، تؤكد التقارير على نقص التدريب على الممارسات الجيدة.

وتعترف الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات (حكومية) بنقص المعلومات والوعي، وفي 2017، اعتبرت الوكالة أن ما يقرب من 50٪ من المبيدات لم تستخدم بطريقة عقلانية.

ورغم أن تونس والجزائر والمغرب وقعت على اتفاقيات ومدونات مختلفة لإدارة هذه المواد تهدف إلى منع المخاطر، مثل النهج الإستراتيجي للإدارة الدولية للمواد الكيميائية، الذي تم تطويره في عام 2020 تحت إشراف الأمم المتحدة،  لكن التنفيذ لا يزال يشهد العديد من المشاكل.

على المدى الطويل، يمكن أن تكون تأثيرات هذه المواد على الصحة كبيرة، ليس فقط في حالة الاتصال المباشر والاستنشاق، ولكن أيضا من خلال تلوث السلسلة الغذائية بمجرد إطلاقها في البيئة. 

كشفت الشبكة الدولية للمبيدات (PAN) في ديسمبر/كانون الأول 2020 أن حالات التسمم حول العالم (مميتة أو غير مميتة) زادت من 25 مليونا في عام 1990 إلى 385 مليونا اليوم، مما يؤثر على ما يقرب من نصف العمال الزراعيين.

يعتبر إيمانويل فولون، من الحزب الاشتراكي في البرلمان الأوروبي، أن "السياسة المتبعة في أوروبا هي أكثر غباء، لأن الخطر يقع على مواطنيها، لأن الدول التي تستقبل هذه المنتجات الخطيرة تزرع الفواكه والخضروات التي يتم تصديرها بدورها إلى القارة العجوز".

وأضاف في إحدى مداخلاته بالبرلمان أبريل/نيسان 2018، أن من الناحية النظرية، يتم الإشراف على هذه الواردات، لكن من الناحية العملية "لا يمكن التحكم في كل حبة طماطم تدخل الاتحاد". 

تدين الشبكة الدولية للمبيدات PAN، التي حددت في عام 2019 عشرات المبيدات في المنتجات الغذائية الزراعية من المغرب وبيعها إلى الاتحاد الأوروبي، إعادة استيراد المواد المحظورة.

وترى أنه من المفترض أن تخضع المنتجات المستوردة لنفس القواعد كتلك المصنعة على الأراضي الأوروبية.

 يعبر مارتن ديرمين، المسؤول عن السياسات الصحية والبيئية في PAN، عن أسفه وهو يقول: "نعلم أن هذه الأطعمة تحتوي على بقايا مبيدات حشرية تتجاوز الحدود المسموح بها أكثر مما تم تحديده رسميا". 

وأضاف ديرمين، في تصريح لمجلة "جون أفريك" في مايو/أيار 2021: "وجدنا في العديد من الفواكه والخضروات آثارا لمبيدات حشرية لا يمكن اكتشافها من خلال الاختبارات حاليا".

مع ذلك، فإن هذه المنتجات المحظورة غالبا ما تكون من مسببات اضطرابات الغدد الصماء التي تعمل بكميات متناهية الصغر [بمستويات أقل من 0.01 مجم لكل كيلوغرام] على الجسم، وتابع "كما تتطلب زيادة عتبات التحليل وتواترها استثمارات كبيرة".

حلول مقترحة

أوصت دراسة نشرتها مجلة "جون أفريك" الفرنسية، باللجوء إلى خيار آخر، وهو النظر في اتخاذ تدابير ضد البلدان التي تصدر هذه المنتجات دون احترام المعايير.

وأفادت في الدراسة المنشورة في مايو/أيار 2021 أنه حتى الآن، لا يتم إتلاف سوى الدفعات المكتشفة، مما يترك بلا شك العديد من الشحنات تمر.

أما التحدي الذي تتبناه الشبكة الدولية لإزالة الملوثات (Ipen) والبنك الدولي، هو وجود سوق موازية.

 في المغرب على سبيل المثال، ستكون المناطق شبه القاحلة أو الجبال التي لا يصل إليها الموزعون التقليديون والبائعون أكثر عرضة لهذه المبيدات.

وتقيم الشبكة حجم التهريب والتزوير في القطاع بنسبة تتراوح بين 10 و15 بالمئة من السوق.

 وتشير إلى عدم وجود رقابة واعتماد هياكل المبيعات، حتى عندما يطالب المكتب الوطني لسلامة الأغذية (حكومي) من جانبه بضمان تتبع مسار المبيدات من المستورد إلى المستخدم.

وتوصي المجلة، وفق متخصصين، بضرورة الانتباه إلى عواقب المبيدات  المجمعة من المواد الكيميائية المستخدمة معا، والتي يمكن أن تؤدي إلى تفاعلات يصعب إدراكها مبكرا عبر التحليل.