مخيم "الهول".. لماذا تخشى دول غربية عودة أسر تنظيم الدولة من سوريا؟

مصعب المجبل | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"فلتان أمني" متزايد يشهده مخيم "الهول" شرق مدينة الحسكة السورية، الذي يحتجز فيه أسر ونساء عناصر وقادة "تنظيم الدولة" من جنسيات عربية وأجنبية، ما يدعو إلى ضرورة تحرك دولي لاستئصاله من الجغرافية السورية.

وتتزايد المخاوف المحلية من تحول "الهول" إلى "أرض خصبة" صالحة لإعادة "إحياء التشدد" مستقبلا في المشهد السوري، ولا سيما في ظل رفض أغلب الدول إعادة رعاياها المحتجزين بالمخيم لبلدانهم الأصلية.

وجرى تجميع أطفال وزوجات عناصر "تنظيم الدولة" في مخيم الهول خلال المعارك ضد التنظيم شرق سوريا، قبل أن تعلن الولايات المتحدة القضاء على آخر معاقله في بلدة الباغوز بمحافظة دير الزور في مارس/آذار 2019.

ونقل عناصر تنظيم الدولة الذين استسلموا أو أسروا بالمعارك إلى سجون في الحسكة، فيما عزلت القوات الأميركية أمراء التنظيم عن هؤلاء العناصر.

بينما احتجزت النساء والأطفال دون سن العاشرة بمخيم الهول، أما الأطفال الذين تجاوزت أعمارهم 12 سنة فأودعوا في سجن "الأحداث" بقرية تل معروف شمال شرق الحسكة.

كما خصصت القوات الأميركية ما يسمى مخيم "روج" والواقع قرب مدينة المالكية شمال الحسكة، كسجن أمني حساس جدا، احتجزت فيه فقط نساء وأطفال قادة وأمراء تنظيم الدولة.

وتدير قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بدعم لوجستي وعسكري واستخباراتي أميركي كامل، مخيم "الهول" الذي يبعد 45 كيلو مترا شرق مدينة الحسكة.

ويؤوي المخيم قرابة 62 ألف شخص، نحو 30 ألفا منهم من اللاجئين العراقيين و20 ألفا من النازحين السوريين، فيما يشكل البقية أسر عناصر تنظيم الدولة. 

ويتناقص أعداد السوريين الذين نزحوا إلى الهول من بلدات ديرالزور والرقة والحسكة إبان المعارك مع التنظيم؛ نتيجة خروج دفعات متتالية منهم ضمن اتفاق في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، جرى بين وجهاء محليين مع قوات "قسد"، يقضي بإخراج جميع السوريين من المخيم.

عمليات استفزازية

وإضافة إلى الأوضاع المزرية التي يعيشها مخيم الهول؛ إلا أن أسر عناصر تنظيم الدولة ينفذون بين الفينة والأخرى عمليات استفزازية تعبر عن مدى حالة السخط من واقعهم والتي ترمز لضرورة وضع حل نهائي لملفهم العالق.

ومنذ بداية عام 2021، جرى توثيق 40 حالة قتل لأشخاص داخل مخيم الهول تشير المعلومات إلى أنها تعود لأسباب تتعلق باتهامات بالعمالة والتجسس لصالح إدارة المخيم وأخرى تحت دواعي السرقة.

كما تجري عمليات حرق متعمدة للخيم وخاصة في قسم أسر تنظيم الدولة، وآخرها حرق جناح كامل مؤلف من 50 خيمة بتاريخ 10 مايو/أيار 2021.

وأرجعت شبكة "الشرقية 24" (موقع سوري)، سبب حرق الخيم؛ إلى تمكن قوات قسد من إلقاء القبض على نساء وأطفال من عناصر تنظيم الدولة كانوا يحاولون الفرار من المخيم.

وعقب مقتل زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019 إثر عملية خاصة للقوات الأميركية في منزل كان يقيم فيه ببلدة باريشا شمال إدلب، بايعت نساء التنظيم بشكل علني من قلب مخيم الهول خليفة البغدادي الجديد "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي"، مما أعطى دليلا إضافيا على تمسك أسر التنظيم بأفكاره وعقيدته.

وفي معلومات قدمتها شبكة "الشرقية 24" المحلية لـ"الاستقلال" حول آلية تقسيم مخيم الهول، أوضحت أنه مقسم إلى أقسام كل قسم يضم مجموعات بشرية.

وذلك تبعا لجنسياتهم سواء العراقية أو الأوزبكية أو الفرنسية أو الروسية وغيرها، فيما جرى تخصيص قسم خاص بالنساء الأجنبيات (المهاجرات).

كما يوجد وفق الشبكة قسم خاص بالأسر السورية النازحة من محافظة ديرالزور والذين يجري إخراجهم على دفعات بضمانات وكفالات من وجهاء العشائر.

وآخر يضم مدنيين وأسر لتنظيم الدولة من الجنسية العراقية لجؤوا من معارك التنظيم في العراق وخاصة من المناطق الحدودية مع سوريا.

ويولي تنظيم الدولة أهمية كبيرة لإخراج أسر عناصره من مخيم الهول، ويصفهن بـ"الأسيرات"، وهو ما حض عليه زعيم التنظيم السابق البغدادي في آخر ظهور مصور له بأواخر مايو/أيار 2019 قبل مقتله.

ويتمتع المخيم بوجود حراسة أمنية مشددة، ومنع خروج ودخول النساء إلى المخيم إلا بإذن خطي من إدارة المخيم وبرفقة عناصر من قوى الأمن الداخلي لـ"قسد" لأمور تخص إما الاستجواب أو بقصد العلاج وخاصة مع تردي الواقع الصحي بالمخيم.

تهريب الأسر

وتؤكد "الشرقية 24" أن خلايا تنظيم الدولة المنتشرة في المنطقة الشرقية (ديرالزور – الحسكة – الرقة)، تعمل بشكل مستمر على دفع مبالغ كبيرة لإخراج وتهريب أسر عناصرها من مخيم الهول.

موضحة أن تكلفة تهريب الفرد الواحد من أسر التنظيم من المخيم تصل لـ 15 ألف دولار، يتم دفعها لعناصر من "قسد" رغم عمليات التشديد الأمني على المخيم.

وحسب آخر الإحصائيات الرسمية فإن مخيم الهول يضم 9 آلاف من أسر عناصر تنظيم الدولة وينحدرون من 60 دولة أجنبية، بينهم 3177 امرأة، والباقي أطفال.

لكن تعاطي الدول مع ملف مخيم الهول يعود لمدى اهتمام الدولة بأفراد جنسيتها المحتجزين هناك ورغبتها في معالجة أمرهم وتسوية أوضاعهم، خاصة أن العنصر المهم في هذا المخيم، هو عدم وجود استقرار أمني أو إشراف دولي لحماية هؤلاء الأسر والأطفال وإعادة تأهيلهم من جديد.

وحتى أواخر يناير/كانون الثاني 2021، استعادت روسيا وكازاخستان ودول أخرى نحو ألف طفل وأفراد أسرهم من مخيمي "الهول" و"روج"، وفق مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.

وتشير التقارير الصحفية إلى أن "الأعداد ضئيلة وغير كافية لأطفال تنظيم الدولة الذين استعادتهم الدول من سوريا"، فيما يبقى الآخرون عالقون ويواجهون "خطر التشدد"، وفق ما أعلنه مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب أواخر يناير/كانون الثاني 2021.

وخلال عام 2020، استردت الدنمارك طفلين يتيمين، وهولندا كذلك طفلين يتيمين، والعدد نفسه استرجعته جمهورية ترينيداد وتوباغو (طفلان). 

أما النرويج فقد تسلمت 7 أطفال، كما تسلمت أميركا 5 نساء برفقة 6 أطفال، أما بلجيكا فتسلمت 6 أطفال، بينما استعادت أستراليا 8 أطفال، وروسيا 8 أطفال أيضا.

فيما تسلمت فرنسا 17 طفلا يتيما من دون أبوين، وبقيت دول الاتحاد السوفيتي الأعلى استعادة لمواطنيها، أوزبكستان 60 سيدة و88 طفلا في مايو/أيار 2020، بينما تسلمت كازاخستان ما مجموعه 101 امرأة مع طفلها، و35 طفلا من روسيا.

وهذا ما أشارت إليه شبكة "الشرقية 24" من أن السبب المباشر وراء تخلي الدول عن رعاياها، "كون أغلب الدول أسقطت عن أسر عناصر وقادة تنظيم الدولة الجنسيات، أو تصنيفهم ضمن قوائم الإرهاب ولخوف دولهم كذلك من أن يشكلوا خطرا عليهم مستقبلا".

عرقلة من اليمين

لكن بقاء ملف أسر تنظيم الدولة في مخيم الهول من جنسيات عربية وأوروبية عالقا رغم مرور أكثر من سنتين على القضاء على التنظيم في سوريا، له مبررات، وفق كثير من المراقبين.

وأكد الباحث في مركز "دراسات الشرق الأوسط" التابع لجامعة لوند السويدية، عروة عجوب أن "طرق تعامل الدول مع مواطنيها هؤلاء تنوعت".

وأوضح عجوب في حديث لـ"الاستقلال"، أنه "حين أقدمت بعض الدول مثل روسيا وأوزبكستان وكوسوفو على سبيل المثال لا الحصر على إعادة بعض مواطنيها، بدت بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وكندا وألمانيا خجولة في مساعيها لاستعادة رعاياها".

وأردف أن "الموضوع متعلق بشكل كبير بالوضع الداخلي لكل بلد، ففي بريطانيا يرفض المحافظون بزعامة رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون الحديث عن استعادة الأشخاص الذين هاجروا إلى سوريا عندما كانوا أطفالا وأصبحوا راشدين خلال فترة وجودهم".

وكانت وزارة الداخلية البريطانية سلمت في 20 فبراير/شباط 2019، عائلة "شاميمة بيجوم" الفتاة البريطانية التي انضمت إلى تنظيم الدولة إخطارا يفيد بإسقاط الجنسية عنها، وهي ما تزال تقيم في مخيم الهول إلى الآن.

ووفق الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عجوب، فإن "صعود اليمين المقلق في الدنمارك وألمانيا والسويد بدرجة أقل، بالإضافة للإسلاموفوبيا وأفكار تفوق العرق الأبيض التي زادت خلال فترة حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ عرقلت الأصوات التي تنادي باسترجاع المواطنين، وتحديدا ذوي الأصول العربية منهم بحجة تطرفهم وعدم جدوى علاجهم".

ويرى أن "هناك تخبطا في دوائر صناعة القرار حول كيفية التعامل مع هؤلاء الأشخاص في حال تم استعادتهم، وطرح أسئلة تتعلق بعمليات مكافحة التطرف العنيف وطرق دمج هؤلاء الأشخاص بالمجتمع".

وبين عجوب أن "كل هذه التحديات تحول دون قدرة معظم الدول على اتخاذ قرارات حاسمة فيما يتعلق برعاياها".

عبء أمني

واعتبر عجوب أن "الظروف المعيشية المأساوية تخلق مظلومية متعددة الأنواع لسكان المخيم؛ الأمر الذي يستغله تنظيم الدولة لاستمالة الناس الساخطين على وجودهم في المخيم وليس بالضرورة أن يكونوا مقتنعين بأفكاره".

ولطالما صرح المسؤولون الأميركيون في عهد ترامب بأن دعم قوات سوريا الديموقراطية مرهون بمحاربة تنظيم الدولة، كما جددت إدارة الرئيس  الجديد جو بايدن هذا الشرط.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي، في فبراير/شباط 2021، إن "العمليات العسكرية الأميركية في كل من سوريا والعراق تركز حاليا على التصدي لتنظيم الدولة، الذي لا يزال موجودا".

وأضاف كيربي: "نحن في سوريا نعمل مع قوات سوريا الديمقراطية، وهذا الأمر لم يتغير".

وفي هذا السياق، نوهت "الشرقية 24"، إلى أن قوات قسد "تستغل قضية المحتجزين في مخيم الهول لصالحها سواء على المستوى الدولي أو الداخلي من خلال الترويج المستمر لمحاربة الإرهاب واستجلاب الدعم العسكري لها وخاصة من دول التحالف الدولي".

ولفتت الشبكة إلى أن "المخيم لم تجر فيه أي محاولات لإعادة تأهيل قاطنيه أو دمج الأطفال أو توعيتهم وغسل دماغهم من أفكار تنظيم الدولة"، مضيفة أن مهمة قوات قسد هي "حماية المخيم".

وحول مدى تشكيل مخيم الهول كـ"قنبلة موقوتة"على المستوى المحلي السوري، يرى الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، فايز الأسمر، أن "عائلات تنظيم الدولة في المخيم يشكلون عبئا ماديا ومعيشيا وأمنيا كبيرا على الجغرافيا السورية".

 وأرجع الخبير العسكري في حديث "الاستقلال" ذلك إلى "الأعداد الكبيرة بداخله والذي هو في الواقع ليس مخيما بل عبارة عن سجن كبير".

وأكد الأسمر أن "المخيم يحتاج إلى أعداد كبيرة من الخبرات لإدارته وحراسته والحفاظ على استقراره وهدوئه، كونه يحتوي بين جنباته نساء وأطفالا متعددي الجنسيات والسلوكيات، ولكن معظمهم مشبعون بأيديولوجيا وفكر تنظيم الدولة، ومستعدون للتمرد وارتكاب الجرائم ضد بعضهم وضد سجانيهم في كل وقت".