خلافات عميقة وصداقة لم تدم.. هذه الملفات باعدت بين السيسي وابن زايد

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد سنوات من الوئام والصداقة بين رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد تصاعدت فجأة أحاديث الشقاق بين النظامين المصري والإماراتي على وقع تباينات في إدارة عدد من الملفات الداخلية والخارجية.

هذه التباينات تنذر بتغييرات واضحة في خارطة تحالفات المنطقة، وفي مسار كلا الدولتين الذي أخذ مسالك مختلفة، حيث لم يعد السيسي وحليفه القديم ابن زايد على قلب رجل واحد.

بوادر الشقاق بدت واضحة على لسان ابن زايد عندما قال "هذا الرجل (السيسي) عليه أن يعرف أنني لست ماكينة صراف آلي، الآن سوف أعطي ولكن وفقا لشروطي، إذا أعطيت، فلابد أن أحكم"، حسبما كشف موقع "ميدل إيست آي" في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حيث ذكر الكاتب البريطاني ديفيد هيرست أن ولي عهد أبو ظبي أصبح يشعر بالإحباط تجاه السيسي.

غياب مصر 

في 16 أبريل/ نيسان 2021، ضمت قبرص الرومية، لقاء رباعيا ضم وزير خارجيتها نيكوس خريستوذوليديس، ونظيريه اليوناني نيكوس ديندياس، والإسرائيلي غابي أشكنازي، بالإضافة إلى أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، وسط غياب لمصر التي كانت تحضر عادة مثل هذه الاجتماعات، باعتبارها أحد حلفاء دول شرق المتوسط. 

غياب مصر أثار العديد من التساؤلات، خاصة أنه جاء في إطار تقارب مصري تركي على النقيض من الحلف اليوناني القبرصي الإسرائيلي، الذي وجدت فيه الإمارات أخيرا. 

وجود الإمارات في هذا الاجتماع الرباعي أثار حالة من الاستغراب والتعجب إذ ليس لديها إطلالة أو حدود على البحر المتوسط، ولا تستطيع عقد اتفاقيات بحرية في هذا المجال، وليست حتى من الدول القريبة من تلك المنطقة. 

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي قد رحب بوجود المستشار الإماراتي قرقاش، وقال أشكنازي في تغريدة نشرها على حسابه في موقع "تويتر": "بدأنا أول اجتماع إستراتيجي رباعي لوزراء خارجية قبرص واليونان والإمارات وإسرائيل". 

يأتي هذا فيما تتضارب مصالح مصر جراء السياسات اليونانية الإسرائيلية القبرصية، ابتداء من  تحالف "إيست ميد" الخاص بمد أنابيب الغاز من المتوسط إلى أوروبا.

الخلاف الآخر متعلق بمشروع "بلو رامان" حيث وقعت تل أبيب اتفاقا في سبتمبر/ أيلول 2020 مع نظرائها في اليونان وقبرص، بقيمة 890 مليون دولار، لمد كابل طاقة بحري بطول 1750 كم إلى شبكة كهرباء أوروبا، مستبعدين القاهرة من المشروع رغم تحالف الطاقة الذي يجمعهم بها في البحر المتوسط.

وجود اليونان إلى جانب إسرائيل في ذلك المشروع أزعج القاهرة، لا سيما وأن الدولة العبرية تسعى إلى تحجيم دور مصر فيما يخص كونها مركزا للاتصالات والكابلات البحرية في المنطقة. ولا شك أن انسياق الإمارات إلى ثلاثي المتوسط في هذا التوقيت، يؤكد عمق الخلافات المتجذرة بين النظامين في القاهرة وأبوظبي.

القاهرة ـ أنقرة

في 19 أبريل/ نيسان 2021، قالت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، إنه "يجب أن ينظر إلى انضمام الإمارات إلى إسرائيل وقبرص واليونان، في إطار الخلاف الإماراتي التركي، والمصلحة المشتركة للدول الأربع لاحتواء أنقرة في شرق البحر الأبيض المتوسط والمنطقة".

وكانت الإمارات قد دفعت السيسي بشكل مستمر نحو دعم حلفائها الإقليميين، والدخول في مناكفات سياسية وعسكرية مع أنقرة، خاصة في الملف الليبي ومناطق التنقيب عن الغاز بشرق البحر المتوسط، على حساب المقدرات والثروات المصرية.

وكانت مصر قد تنازلت كثيرا لليونان وقبرص في إطار خلافها المتصاعد مع تركيا، تسبب ذلك في فقدانها آلاف الكيلومترات المربعة من المساحة البحرية وما تحتها من ثروات، فقط للمكايدة مع النظام التركي ولإثبات ولائها للإمارات. 

وبعد سنوات الأزمات المتصاعدة، جاء التقارب المصري التركي، وحديث تهدئة الصراع بين البلدين، وتزايد فرص عودة العلاقات إلى طبيعتها، ليثير مخاوف حلفاء القاهرة السابقين في أبوظبي، من أن يكون لهذا التقارب أثر سلبي على تحالفات المنطقة الجيوسياسية، خصوصا فيما يتعلق بالنزاع البحري بمنطقة شرق المتوسط.

سعت الإمارات بقوة خلال الفترة الماضية لإفشال وتعطيل المصالحات المصرية التركية، وهو ما أكدته صحيفة "حرييت" التركية، في 20 سبتمبر/ أيلول 2020، عندما ذكرت أن "الإمارات دخلت على خط أزمة شرق المتوسط، وطلبت من مصر عدم عقد مباحثات مع أنقرة، والوقوف إلى جانب اليونان ضدها، مقابل دعم مالي لنظام السيسي".

وأكدت أن "المباحثات بين البلدين (مصر وتركيا) تجري على مستوى عال بين الأجهزة الاستخباراتية". وفي مارس/ آذار 2021، شدد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، التابع لجامعة تل أبيب، من عواقب التقارب المصري التركي على المنطقة.

ودعا صناع القرار الإسرائيليين إلى ضرورة مراقبة المؤشرات الأخرى بشأن تطور سياسات القاهرة، وذكر أنه "من المرجح أن تنجح الإستراتيجية التركية من خلال زرع حالة من عدم اليقين بين خصومها، مما يعقد جهدا موحدا لاستغلال حقول الغاز وحمايتها".

التطبيع والمصالحة 

في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2020، نشر موقع "مدى مصر" عن تدهور العلاقات بين مصر والإمارات على نحو غير مسبوق، وقال إنه " عندما بدأت الإمارات رسميا تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وتحركت للضغط على دول عربية أخرى لتحذو حذوها كجزء من إعادة تشكيل كبرى للعلاقات في الشرق الأوسط، لم يتم إخطار السيسي".

وأضاف: "راقبت مصر بقلق ما تمارسه الإمارات من ضغط على الولايات المتحدة لحمل السعودية على الموافقة ضمنيا على اتفاق البحرين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل".

وتابع أن "النشاط الإماراتي فيما يتعلق بالتطبيع في المنطقة، تسبب في توتر علاقة أبوظبي بالقاهرة، حيث يمكن ملاحظة أعراض هذا التوتر في امتناع مصر عن إرسال وزير خارجيتها لحضور توقيع اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين في البيت الأبيض". 

في ذلك الوقت كانت مصر تتحرك نحو دعم انتخابات الفصائل الفلسطينية، على غير إرادة الإمارات، وفي 8 فبراير/ شباط 2021، توجه 18 فصيلا فلسطينيا إلى القاهرة، واتفقوا على إجراء انتخابات تشريعية. 

وفي 7 أبريل/ نيسان 2021، بحثت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي تكن لها الإمارات العداء الدفين، مع وفد من جهاز المخابرات العامة المصري، في قطاع غزة، ملف ترتيبات الانتخابات التشريعية الفلسطينية.

تلك التباينات السياسية بين القاهرة وأبوظبي، علق عليها الصحفي المصري محمد حسين، في منشور له عبر موقع "فيسبوك" قائلا: "مصر من جانبها بدت وكأنها تبتعد شيئا فشيئا عن الأفعال الصبيانية لتتعامل كدولة راشدة ، مع دولة واعدة في المنطقة ولديها الكثير من مقومات النجاح والقدرة على الفعل وهي تركيا التي بعثت بالعديد من الرسائل الإيجابية للتعاون مع القاهرة والتنسيق معها في العديد من الملفات مثل ليبيا وشرق المتوسط".

وأضاف: "على كل حال الأيام القادمة سوف تكون حبلى بالمفاجأت التي ربما تنعكس بشكل إيجابي على الشعوب". 

سد النهضة

مع وصول أزمة سد النهضة الإثيوبي، إلى طريق مغلق، أثيرت العديد من التساؤلات عن الدور الذي لعبته الإمارات، التي كانت الحليف الأكبر والأهم للسيسي، في دعم إثيوبيا، فيما تركت مصر تواجه أخطر قضية متعلقة بأمنها المائي.

وكانت الأسئلة تتمحور حول لماذا تركت أبوظبي، القاهرة تواجه مصيرها بمفردها، وتعاملت مع قضية السد بتحفظ شديد؟

المفاجأة أن الإمارات لم تكتف بالدور السلبي، بل لعبت دورا إيجابيا لصالح الغريم الإثيوبي، حيث كشفت صحيفة "القدس العربي" اللندنية أن الإمارات قدمت دعما ماليا سخيا لإثيوبيا، مكنها من تحديث منظومة جيشها الدفاعية، والحصول على منظومة "بانتسير إس 1" الروسية المتطورة للدفاع الجوي، لاستخدامها في حماية "سد النهضة" السد الذي اكتمل بناء 70 بالمئة منه حتى الآن، من أي تهديد.

وفي زيارة ابن زايد، إلى أديس أبابا منتصف يونيو/حزيران 2018، قالت إثيوبيا: إن الإمارات "ستودع مليار دولار منها في البنك المركزي لتخفيف النقص الحاد في العملة الأجنبية".

كما ذكرت تقارير صحفية، على رأسها صحيفة "العربي الجديد" اللندنية أن الاستثمارات الإماراتية، بلغت حوالي 3 مليارات دولار في إثيوبيا، وتتركز في السياحة والضيافة.

كما قدمت أبوظبي مساعدات مالية دولارية أسهمت في عمليات بناء السد، علاوة على تعهدها عام 2019، بتقديم 3 مليارات دولار في شكل مساعدات واستثمارات إلى إثيوبيا، دعما لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

الصراع الليبي 

من أديس أبابا إلى العاصمة الليبية طرابلس، حيث جاء تضارب الرؤى في إدارة الأزمة الليبية، من أحد أهم محاور الخلاف بين مصر والإمارات.

نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، ذهب وفد مصري إلى طرابلس بعد قطيعة استمرت 6 سنوات كاملة، في زيارة حملت مؤشرات على بداية وضع جديد، تشهده ليبيا، خاصة وأن الجانب التركي الذي يدعم حكومة "الوفاق" الشرعية، أظهر مرونة وأطلقت وزارة خارجيته تصريحات إيجابية بشأن إمكانية تطوير العلاقات وإزاحة الخلافات مع القاهرة.

مثلت الزيارة المصرية نقلة في الملف الليبي، حيث سعت القاهرة إلى حلحلة الأزمة بعيدا عن التدخل العسكري، الذي رجحته الإمارات، خاصة أن مصر بحسب تقارير إعلامية متواترة، كانت من أشد المعارضين للحملة العسكرية التي شنها الجنرال الانقلابي خليفة حفتر للسيطرة على طرابلس.

وبالفعل في 10 فبراير/ شباط 2021، تعهد السيسي، بدعم بلاده الكامل للسلطة التنفيذية المؤقتة الجديدة في ليبيا، وقام بإجراء اتصالين هاتفيين لتهنئة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، ورئيس الحكومة عبدالحميد دبيبة، بتشكيل السلطة التنفيذية المؤقتة في البلاد. 

هذه التحركات المصرية أزعجت الإمارات الطرف الأكثر تشددا والداعي باستمرار إلى فكرة الحل العسكري والحسم من قبل قوات حفتر.

مفترق طرق

الباحث السياسي المصري محمد ماهر، وصف الخلافات المصرية الإماراتية، والتحركات داخل المحاور الإقليمية بـ (رقعة الشطرنج المضطربة).

وقال لـ"الاستقلال": "المحور الإسرائيلي الإماراتي كان يبني جزءا من علاقته مع مصر على أساس العداء القائم بينها وبين تركيا، ومصر يمكن أن تقدم العديد من التنازلات في سبيل ضرب مصالح أنقرة في المنطقة لا سيما ترسيم الحدود البحرية".

وأضاف: "الإمارات تحديدا انخرطت بقوة في الشأن المصري منذ ثورة 25 يناير 2011، ومولت جهات إعلامية وسياسية بحيث تحبط المرحلة الانتقالية، وتقضي على الإسلاميين، وتضمن وجود نظام يدخل في زمام الثورة المضادة، وهو ما حدث عندما أطيح بالرئيس الراحل محمد مرسي في انقلاب 2013، وجاء السيسي، بدعم وتمويل إماراتي، وكشفت التسريبات دعم الإمارات لحركة تمرد وشخصيات في المجلس العسكري".

وأردف الباحث المصري: "مفترق الطريق بين النظامين المصري والإماراتي، جاء بعد ذلك، حيث أرادت الإمارات أن تطوع دولة بحجم مصر وتجعلها وفق إرادتها، أراد بن زايد أن يكون الحاكم الفعلي لمصر يوجهها حيث شاء".

وتابع: "أما السلطة المصرية وإن وافقت الإمارات في جزئيات، لكنها تدرك جيدا التوازنات الداخلية والخارجية، فأحجمت عن الانخراط في حرب اليمن وهو ما أغضب السعودية، وحفز الإمارات".

واستطرد ماهر: "ثم الاختلاف حول طبيعة التدخل في ليبيا ودعم حفتر، الذي كانت ترعاه الإمارات، وتتحفظ عليه مصر، التي بدورها دعمت الانتخابات الليبية وحكومة الدبيبة الجديدة على خلاف هوى أبو ظبي، وأخيرا التحرك نحو تركيا كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير".

وختم حديثه قائلا: "لا شك أن تخاذل الإمارات في دعم مصر في أزمة سد النهضة، بل وتقاربها مع إثيوبيا، نقل الخلافات إلى مرحلة متقدمة، في قضية الأمن القومي الأولى والأساسية لمصر حكومة وشعبا، ما ساهم في غضب القاهرة من أبو ظبي".


المصادر