إسلاميو الجزائر نحو الفوز بالانتخابات.. هل يتكرر السيناريو المغربي؟
بدأت الأحزاب الإسلامية في الجزائر حملتها للانتخابات التشريعية استعدادا لاستحقاقات 12 يونيو/حزيران 2021، عبر مختلف ولايات البلاد.
وبحسب مراقبين، أثبت الإسلاميون رغبتهم في الاستثمار في هذه الانتخابات، معتبرين أن "المعركة التشريعية هي أم كل المعارك السياسية المستقبلية"، ومن هنا جاء شعارهم للتعبئة ودعواتهم للمشاركة.
أفادت تقارير صحفية محلية، أن الأحزاب الإسلامية، وقبل شهرين ونصف من موعد الاقتراع، فرضت إيقاعها محققة تقدما كبيرا على باقي الأحزاب السياسية.
واعتبرت صحيفة "لو جون انديبوندون" الناطقة بالفرنسية، أن الفراغ الكبير الذي تركته أحزاب التحالف الرئاسي القديم، في زمن نظام بوتفليقة، تحول إلى رصيد سياسي واضح للإسلاميين، الذين يدركون أنها "فرصة ذهبية".
ديناميكية ملموسة
عاشت الحركة الإسلامية في الجزائر انقساما في السنوات الماضية، لكن عودتها بقوة بمناسبة هذه الانتخابات التشريعية المرتقبة، اعتبرت إشارة على الديناميكية التي يظهرها قادتها.
وقد شدد رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، في نشاط حزبي في 13 من مارس/آذار، على ضرورة جعل هذه الانتخابات "رهانا على التغيير والإصلاح".
ولفت إلى أن "الانتخابات التشريعية المقبلة تشكل فرصة لاستعادة الثقة المفقودة، وأن من خلالها يمكن للجزائريين التغلب على الصعوبات، وتوحيد الصفوف، عبر زيادة نسبة المشاركة".
وأكد أن حركة البناء "تسجل تدفقا قويا من المرشحين للانضمام إلى قوائمها في جميع ولايات البلاد"، مشيرا إلى أن تشكيلته السياسية "ستكون حاضرة بقوة في الانتخابات المقبلة".
رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية عبد الرزاق مقري، قال إن مشاركة حزبه مدفوعة بالوضع السياسي الحالي، واعتبره مواتيا لـ"تحقيق إرادة الشعب لاختيار النخبة السياسية التي يثقون بها".
وقال إن "الانتخابات النيابية المقبلة تمثل أملا كبيرا لمنافسة نزيهة، تعود إلى الإرادة الشعبية التي ترفض الفساد من أجل مستقبل أفضل للبلاد".
وطالب مقري الشعب الجزائري بالمشاركة الكثيفة في المواعيد المحددة، معتبرا أن المواطن لديه الحل لإحداث تغيير تاريخي من خلال صندوق الاقتراع وأن "مشاركته القوية ستنتصر".
رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، شدد بدوره على أنه من الضروري اختيار المرشحين المناسبين الذين سيحدثون التغيير المنشود.
وقال في لقاء حزبي في 27 من مارس/آذار في مدينة أفلو، إنه حرص على توفر معيار الكفاءة في مرشحي حزبه لمجلس النواب، وذلك حتى يرقوا إلى مستوى تطلعات المواطنين.
ويرى جاب الله أنه، "لا يوجد سبب للمقاطعة"، ورحب بإدخال القائمة المفتوحة في قانون الانتخابات الجديد، معتبرا أنه "عامل يساهم في جلب الأشخاص المستحقين إلى البرلمان والمجالس الأخرى المختلفة".
وينص قانون "القائمة المفتوحة"، على أن يصوت الناخب على قائمته المفضلة التي تقدمها الأحزاب والمستقلون، ولديه الحرية في ترتيب المرشحين داخلها، فيما كان انتخاب أعضاء المجالس المحلية والبرلمان يجرى عبر قوائم حزبية أو مستقلة "مغلقة"، وفق القانون الانتخابي الأخير لعام 2016.
"مسلمين ديمقراطيين"
تخلي النظام في الجزائر عن التزوير في الاستفتاء الذي جرى في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وإعلان الرئيس عبد المجيد تبون، في سبتمبر/أيلول من نفس العام، عن تنظيم انتخابات برلمانية مسبقة بعد الاستفتاء، يمنح أحزاب المعارضة وخاصة الإسلامية منها فرصة تاريخية للفوز وتشكيل الحكومة.
جزم المفكر والباحث والمؤرخ الجزائري، صادق سلام في حديث لـ"الاستقلال"، بأن الإسلاميين هم من سيفوز بالانتخابات التشريعية المقبلة، إذا لم يشبها التزوير.
وانطلق تلميذ المفكر مالك بن نبي، والباحث في الإسلاميات، في خلاصته من واقع المجتمع الجزائري، مبينا أنه رغم التطورات التي شهدها العقود الأخيرة، والضباب والفوضى الفكرية السائدة، تظل لدى الجزائريين ثوابت.
إذ ينطلق الناخب الجزائري من مسلمات بسيطة جدا، وفق البروفيسور، وهي فضائح ملفات الفساد التي لم يرد فيها اسم ولا إسلامي واحد.
وهذا، بحسب سلام يفند المقولة الثابتة لـ"دعاة الاستئصال" الذين ألغوا انتخابات 1992 التي فاز فيها الإسلاميون، حيث أقنعوا الغرب بمساعدتهم على محاربة الإسلاميين مقابل حل باقي القضايا، إلا أن التجربة أثبتت العكس.
وزاد المفكر موضحا: "لو خير الناخب الجزائري بين من يقول إنه يخشى الله، وبين من لا يخشى الله والعدالة، فسيختار الأول بكل تأكيد"، وهذه مسلمة تتأكد في كل الدول التي عرفت انتخابات نزيهة ترشح فيها إسلاميون.
ويبقى تطور كبريات الأحزاب الإسلامية الجزائرية مرتبط باختيارها للتحالفات، ومن الممكن أن يراهن أعداء الإسلاميين والديمقراطية على انقساماتهم، وهو ما يمكن أن ينعكس على نتائج الانتخابات.
في يناير/كانون الثاني 1992، قرر المجلس الأعلى للأمن إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية، التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) بالأغلبية، وغير الحدث التاريخي مجرى الأحداث في الجزائر وخلف تركة لا تزال تداعياتها قائمة إلى اليوم.
وقف المؤرخ سلام، عند كون إسلاميي ما بعد الحراك ليسوا إسلاميي التسعينيات، موضحا أنهم أصبح ينطبق عليهم الوصف السياسي "مسلمين ديمقراطيين"، وذلك نتيجة انضمام شباب لهذه الأحزاب بخلفية إسلامية لكن هدفهم هو تحقيق العدالة الاجتماعية.
يرى المفكر أن الحركات الإسلامية في الجزائر، يمكنها تبني الديمقراطية بصدق، أما الجنرالات الذين يمكنهم عرقلة الانتخابات لأن النتائج غير مرضية، فهؤلاء "ميؤوس من أمرهم" فيما يتعلق بالديمقراطية، بل تحولوا إلى أعداء لها.
ربط البروفيسور، بين تبرئة الجنرال توفيق وعودة خالد نزار من منفاه -وبذلك عودة التابعين إليهم إلى السلطة- وبين احتمالية تزوير الانتخابات وتغيير المعادلة.
السيناريو المغربي
لفت المتحدث إلى أن الإسلاميين اختاروا عدم الحضور في الحراك المستمر في الشارع الجزائري كل يوم جمعة، بشعاراتهم القديمة التي تزعج الغرب.
من جهة أخرى فالحراك يطرح أزمة بالنسبة لدعاة الاستئصال ويقف بينهم وبين الرجوع إلى السلطة، والشعارات التي ترفع في الأسابيع الأخيرة أصبحت أدق من سابقاتها، إذ تحدد أنها ضد دولة المخابرات.
رأى سلام، أن "دعاة الاستئصال سيستخدمون مكرهم لمحاولة توظيف شرائح من الحراك، لمجابهة الإسلاميين، لكن الأمر عائد لهؤلاء للرد على هذه المناورات".
وتابع المفكر: خصوصا وأنهم أصبحوا من مناصري الديمقراطية الحديثة، ولا يدخلون المعترك السياسي بمنطق "الإسلام هو الحل"، متبعين بذلك فكر مالك بن نبي، الذي دعا إلى الديمقراطية قبل الاستقلال، وكتب عن "الإسلام والديمقراطية"، وهو ما عاد إليه الإسلاميون اليوم، في حين تناسوه في التسعينيات.
في تقرير نشره معهد "كارنيغي" للدراسات في الشرق الأوسط، في 17 مارس/آذار، قال، إن "الجزائر الجديدة" تشهدت تغيرات في موازين القوة لصالح النخب العسكرية المؤثرة من دون منافسين سياسيين أو أمنيين حقيقيين".
وأضاف أن الرئيس تبون، في حال رغب في فرض سيطرته على العسكر، فهو لن يجد حليفا قويا في صفوف قوى الأمن إذ قام سابقه عبدالعزيز بوتفليقة بتهميش أجهزة المخابرات، وألحقها خليفته أحمد قايد صالح بصورة غير دستورية بالمؤسسة العسكرية عقب إقالة مدير المخابرات بشير طرطاق في سياق حراك 22 فبراير/شباط 2019.
قد توظف المؤسسة العسكرية، وهي حاليا الجهاز الأقوى في الدولة، وإن كان الشعب يرفضها في شعارات واضحة في الاحتجاجات، الإسلاميين لعبور الغليان الذي يعيشه الشارع، خصوصا وأنها في طور البحث عن "مصلح ذو مصداقية" -وفق كارنيغي- وهو الدور الذي فشل تبون في لعبه.
يجد المفكر الإسلامي أنه من الوارد تكرار السيناريو المغربي في الجزائر، "لكن الإسلاميين ليسوا مغفلين"، ومن المفترض أنهم استخلصوا العبر من التجارب المؤلمة السابقة ولا يستطيع أي فاعل في السياسية أن يسيرهم كما يريد، لكن هذه المخاوف تظل قائمة.
ربط البروفيسور سلام بين ظهور عدد من المنشقين عن الحركات الإسلامية في الجزائر على القنوات الرسمية في الأيام الأخيرة لرواية ما حدث في 1992، معتبرا أن النظام هو من يحركهم، وبين إقبال من "دعاة الاستئصال" على إفشال الديمقراطية، قائلا: "من أطلق النار على المحتجين في 1992، يمكنه فعل أي شيء".