معهد أبحاث أميركي: طموح الإمارات "المفرط" أكبر من قدراتها

12

طباعة

مشاركة

لقرون قبل أن تتوحد تحت علم واحد، واجهت "المشيخات السبع" التي شكلت دولة الإمارات عام 1971 عددا لا يحصى من التوغلات والاحتكاكات الداخلية، ولم يتحقق السلام والاستقرار إلا بعد أن وقعت المشيخات على اتفاقية عام 1892 مع بريطانيا العظمى، وفق معهد أبحاث أميركي.

وكان القرار البريطاني عام 1968 يقضي بسحب القوات من "شرق السويس"، التي شملت الشرق الأوسط، بحلول عام 1971، وهو ما أثار قلق "المشيخات السبع" ودفعها بقيادة أبو ظبي إلى إنشاء دولة الإمارات، يقول معهد "جيو بوليتيكال فيوتشرز".

ولم تكن البلاد مصدر قلق كبير لصانعي السياسة في الغرب أوائل السبعينيات، بل كانوا أكثر قلقا بشأن إيران والسعودية، التي اعتبروها "مفاتيح استقرار" الخليج بعد انسحاب بريطانيا.

في الواقع، شعرت الإمارات أيضا بالتهديد من قبل جارتيها القويتين اللتين تحدها من الشرق والغرب، وخاضت إيران حربا طويلة الأمد مع العراق، وهيمنت السعودية على مجلس التعاون الخليجي.

ولذلك كان على الدولة الوليدة حماية نفسها، مع 87 بالمائة من أراضي الإمارات و95 بالمائة من احتياطاتها النفطية، أصبحت أبو ظبي زعيمة الأمة الجديدة وتطمح إلى وضعها على الخريطة.

وقال المعهد الأميركي: "بذلك تكون الإمارات قد بنت جيشا جيد التمويل ومجهزا تجهيزا جيدا، ولكن مثل معظم الدول الصغيرة ذات الطموح المفرط، فإن طموحها أكبر من قدراتها".

استثمار في الجيش

وتعود الأصول الحديثة للقوات المسلحة الإماراتية إلى عام 1951 مع تشكيل "كشافة عمان المتصالحة"، وهي مجموعة شبه عسكرية شكلها البريطانيون والتي ستصبح قوة الدفاع الرئيسة للإمارات بعد توحيد "المشيخات السبع".

وعلى مدى العقود الماضية، لعبت باكستان دورا رئيسا في تطوير القوات المسلحة الإماراتية.

ففي عام 1968، طلب الأب المؤسس للإمارات، زايد بن سلطان آل نهيان، من باكستان المساعدة في تدريب قوته الدفاعية، وتسارع التعاون بعد إنشاء دولة الإمارات عام 1971، وتوحيد قوات الإمارات السبع عام 1976، وأقامت القوة البرية مقرها في أبو ظبي عام 1989.

ودربت باكستان المدفعية والمدرعات الإماراتية، وفي عام 2003 زودت الإمارات بأول دبابة قتال رئيسة، ساعدت باكستان في تدريب القوات الجوية الإماراتية، حيث أرسلت العشرات من مدربي الطيران لتدريب الطيارين الإماراتيين بينما تخدم أطقم الدعم الأرضي طائراتهم، ووقع البلدان اتفاقية تعاون دفاعي عام 2006.

أقنع غزو العراق للكويت عام 1990 الإمارات بتعزيز قواتها المسلحة، بالإضافة إلى رغبتها في الدفاع عن وحدة أراضيها، وتطمح الإمارات إلى أن "تصبح رائدة إقليمية تتمتع بقدرة على إبراز القوة" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب معهد "geopoliticalfutures".

وتضم القوات المسلحة الإماراتية حوالي 65 ألف فرد، منهم 4 آلاف في القوات الجوية و2500 في البحرية، ورغم فرض التجنيد الإجباري للمواطنين عام 2013، تعتمد القوات المسلحة الإماراتية بشكل كبير على المغتربين.

ومثل معظم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، تملك الإمارات عددا قليلا من السكان الأصليين والكثير من الموارد المالية، ومن بين سكان الإمارات البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، 12 في المائة فقط هم مواطنون إماراتيون.

لذلك، تقوم الدولة بتجنيد الأجانب من البلدان النامية، في الغالب كجنود مشاة، رغم أن البعض يقوم بعمليات معقدة، بما في ذلك تدريب الطيارين وإصلاح المعدات وصيانتها.

و70 بالمائة من القوات الإماراتية هم من عمان واليمن، وهناك أيضا بضعة آلاف من المتعاقدين من تشاد وتشيلي وكولومبيا والنيجر والصومال والسلفادور وليبيا وأوغندا.

والإمارات مستورد كبير للأسلحة، في المرتبة الثانية بعد السعودية في الشرق الأوسط، حيث بلغ إجمالي ميزانية الدفاع 16.4 مليار دولار عام 2019.

وتمتلك القوات المسلحة الإماراتية مجموعة من المعدات العسكرية، بما في ذلك 77 طائرة مقاتلة من طراز F-16 Falcons و63 طائرة مقاتلة من طراز Mirage 2000 و436 دبابة قتال رئيسة فرنسية الصنع.

ويتكون أسطولها البحري من 9 طرادات وكاسحتي ألغام وعشرات من زوارق الدورية والهجومية.

وفي عام 2019، طلبت الإمارات طرادات فرنسية الصنع من طراز غويندGowind ، وبالنظر إلى الحجم الكبير للقوات الجوية والبحرية للإمارات، فإن الأرقام الرسمية لعدد الأفراد في قواتها المسلحة يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار. قد تكون حكومتها غير راغبة في الاعتراف بأن للأجانب وجودا أكبر بكثير في قواتها المسلحة مما اعترفت به.

وأطلق وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس ذات مرة على الإمارات لقب "أسبرطة الصغيرة"، لكن المقارنة "سخية للغاية"، فالإمارات "ليس لديها جيش تم اختباره في المعركة"، يؤكد معهد الأبحاث الأميركي.

وفي الواقع، فإن بعثات حفظ السلام الأجنبية التي انضمت إليها لم تتضمن قتالا، وقواتها البرية المنتشرة في اليمن لم تشارك في القتال، كما لم تكن أي من الوفيات التي تكبدتها الإمارات في اليمن مرتبطة بالقتال.

فقد لقي 52 من أفراد الخدمة الإماراتية الذين قتلوا في سبتمبر/أيلول 2015 مصرعهم جراء صاروخ "حوثي" أصاب مستودع ذخيرة في محافظة مأرب.

كما أن جميع الخسائر الأخرى نتجت عن الألغام الأرضية وحوادث الطرق ونيران العدو، والعمليات القتالية للإمارات في اليمن، وكذلك ليبيا وسوريا، هي حملات جوية فقط، فيما تعتمد على الحلفاء والوكلاء، وخاصة المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، للقتال نيابة عنها والمساعدة في تأمين سيطرتها على الساحل اليمني على بحر العرب وخليج عدن.

تسويق القوة

قد تكون القدرات العسكرية للإمارات محدودة، لكن طموحاتها ليست كذلك، فقد أطلقت أبوظبي مشاريع باهظة مثل مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ وعدد من مشاريع البنية التحتية العملاقة، مثل مطار آل مكتوم الدولي في دبي، وبرج خليفة وميناء جبل علي، وياس باي yasbay في أبوظبي، والاتحاد أرينا، والقناة الترفيهية.

واعتبر المعهد أن "دولة صغيرة تستثمر بكثافة في مثل هذه المشاريع ليست مهتمة بخوض الحروب، لا سيما في الداخل، غير أنها مهتمة بإبراز قوتها في الخارج".

ففي عام 2018، احتلت الإمارات جزيرة سقطرى اليمنية ذات الموقع الإستراتيجي قرب القرن الإفريقي، وتعد الجزيرة من الأصول الرئيسة لأبو ظبي، خاصة بعد أن ألغت خططا لبناء قاعدة بمدينة "بربرة" في أرض الصومال العام الماضي.

كما فككت قاعدتها في ميناء "عصب" بإريتريا في فبراير/شباط الماضي، وسط مخاوف أميركية بشأن مشاركتها في حرب أديس أبابا في إقليم تيغراي، ونقلت الإمارات معداتها من عصب إلى جزيرة ميون اليمنية وقاعدتها المصرية في سيدي براني، قرب الحدود الليبية.

وينشط سلاح الجو الإماراتي في قتال مصر ضد الجماعات التابعة لتنظيم الدولة في شمال سيناء، حتى أن الطيارين الإماراتيين في مهمة تدريبية مع القوات الجوية الإسرائيلية قصفوا غزة عام 2018.

ووصف مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ريتشارد كلارك الإمارات بأنها "قوة من أجل السلام"، لكن ولي العهد محمد بن زايد آل نهيان، بذل قصارى جهده لقمع الانتفاضات العربية ومنع سقوط الطغاة العرب.

وقالت المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية، تمارا كوفمان ويتس، إن الولايات المتحدة خلقت "مسخا مرعبا" من خلال تسليح الإمارات.

منذ تعيينه عام 2008 سفيرا في واشنطن، أعطى يوسف العتيبة انطباعا بأن الولايات المتحدة والإمارات حليفان قويان، وقال ذات مرة: "نحن مختلفون عن جيراننا العرب.. نحن أفضل أصدقاء لكم في هذا الجزء من العالم".

لقد أحاط العتيبة نفسه بفريق علاقات عامة كفء و"واسع الحيلة"، بما في ذلك مسؤول أميركي سابق، وأقام حفلات مبهرة وقدم مساهمات سخية لمراكز الفكر والسياسة البارزة، لقد جعله كرمه رجلا قويا في واشنطن، مما مكنه من التأثير على سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة ورسم صورة للإمارات كعامل موثوق به للاستقرار الإقليمي.

وانضمت الإمارات إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة في سوريا، وقدمت أكبر دعم جوي للقوات الأميركية في البلاد، كما شاركت في قوة حفظ السلام التابعة للناتو في كوسوفو، وقوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان، يشرح معهد الأبحاد الأميركي.

لقد أظهرت الأمارات استعدادا للذهاب إلى أي مكان تريده الولايات المتحدة، وهذا هو السبب في أن قرار الرئيس جو بايدن بتعليق بيع طائرات "F-35" وطائرات بدون طيار "MQ-9" جاء بمثابة صدمة لأبو ظبي.

وختم المعهد تقريره بالقول: "من غير المرجح أن تقطع واشنطن علاقاتها مع الإمارات، ومع ذلك، ستسعى الإدارة الجديدة إلى كبح سياسة أبوظبي الإقليمية العدوانية، والتي لم تؤد إلا إلى تفاقم عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ويعكس قرارها تفكيك قاعدتها في عصب إدراكها بأن بايدن غير راض عن دورها في تيغراي وعلاقاتها المتنامية مع روسيا والصين".