بعد تعتيم لشهور.. الكشف عن "مجازر وفظائع" ارتكبتها إثيوبيا بإقليم تيغراي
سلطت صحيفة لوموند الفرنسية الضوء على ما جرى في إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا، بعد شهور قليلة من إعلان أديس أبابا انتهاء عملياتها هناك، ومن ثم ورود أنباء عن حدوث مجازر.
وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، اندلعت اشتباكات في الإقليم بين الجيش الفيدرالي و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، قبل أن تعلن أديس أبابا في 28 من الشهر ذاته، انتهاء عملية "إنفاذ للقانون" بالسيطرة على الإقليم بالكامل.
وهيمنت الجبهة على الحياة السياسية في إثيوبيا لنحو 3 عقود، قبل أن يصل آبي أحمد إلى السلطة عام 2018، ليصبح أول رئيس وزراء من "أورومو"، أكبر عرقية في إثيوبيا بنسبة 34.9 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 108 ملايين نسمة، فيما تعد تيغراي ثالث أكبر عرقية بـ7.3 بالمئة.
وتشكو الجبهة من تهميش السلطات الفيدرالية، وانفصلت عن الائتلاف الحاكم، وتحدت آبي أحمد بإجراء انتخابات إقليمية في سبتمبر/ أيلول 2020، اعتبرتها الحكومة "غير قانونية" في ظل قرار فيدرالي بتأجيل الانتخابات بسبب جائحة كورونا.
وتقول لوموند: "نظرا إلى أن مقاطعة تيغراي غارقة في الظلام والعنف لمدة أربعة أشهر، فإن مدى الضرر الناجم عن الحرب بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، يصبح أكثر وضوحًا كل يوم".
ومع حظر الدخول إلى هذه المقاطعة الإثيوبية الشمالية تقريبًا، وانقطاع الاتصال بالإنترنت، تباطأت التحقيقات الدولية بشكل واضح.
لكن مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت، أعلنت في 4 مارس/آذار 2021، أن مكتبها تمكن من تأكيد سلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي يمكن أن تشكل "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" في المنطقة، ارتُكبت على وجه الخصوص من قبل القوات الإريترية.
وقالت باشليت: "مع وجود العديد من الأطراف الفاعلة في الصراع، هناك حاجة واضحة لتقييم موضوعي ومستقل".
"مجزرة 24 ساعة"
منذ الأسابيع الأخيرة، تشهد الأخبار النادرة التي تأتي من المحافظة على إعدامات بإجراءات موجزة ومذابح بحق المدنيين وقصف عشوائي واغتصاب جماعي ونهب على نطاق واسع.
وتحدثت وكالة الأنباء الفرنسية في 3 مارس/آذار عن مجزرة ارتكبها جنود إريتريون في قرية دينقولات، والتي من الممكن أنها خلفت 164 قتيلاً نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2020، جميعهم مدنيون.
وتمكن مراسل الوكالة من مقابلة ناجين ومشاهدة مقابر جماعية. كما حصلت وكالة الأنباء على إذن استثنائي لزيارة تيغراي نهاية فبراير/شباط 2021، لكنها تعرضت لضغوط شديدة حيث تم القبض على مترجمها المحلي واحتجازه لمدة 5 أيام.
وفي مواجهة الشكوك المستمرة بارتكاب جرائم حرب، خرجت الحكومة الأميركية عن صمتها.
إذ دعا وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في الثاني من مارس/آذار، أديس أبابا إلى "السماح بإجراء تحقيق دولي كامل ومستقل في جميع التقارير المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان". كما قرر مجلس الأمن الدولي بحث هذه المسألة خلف الكواليس في الوقت الحالي.
في 26 فبراير/ شباط، كشفت منظمة العفو الدولية عن تقرير مفزع بشكل خاص عن مذبحة في أكسوم في نوفمبر/تشرين الثاني، متهمة الجنود الإريتريين بقتل مئات المدنيين.
اندلعت الفوضى في 28 و29 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما استولت قوات أسمرة على المدينة، وهي مهد الحضارة الإثيوبية، وتدخلت في تيغراي لدعم الجيش الفيدرالي الإثيوبي.
ردا على محاولة تمرد بقيادة المتعاطفين مع جبهة تحرير تيغراي، عاقب الجيش الإريتري السكان مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين العزل.
وقال جان بابتيست غالوبين، أحد مستشاري برنامج الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية: "ما وصفه الشهود هو مذبحة وقعت لمدة 24 ساعة".
وأضاف في ذات السياق "توجه الجنود الإريتريون من باب إلى آخر وأطلقوا النار في الأفق، مما أسفر عن مقتل الرجال في الغالب".
تقول لوموند إن تجميع الحقائق والتحقق من المعلومات الواردة من تيغراي يمثل تحديًا حقيقيًا، حيث قوبلت منظمة العفو الدولية، التي دعت مراراً إلى السماح لها بدخول الإقليم، برفض السلطات الإثيوبية.
لذلك استند المحققون إلى صور الأقمار الصناعية ونحو أربعين شهادة ومقطع فيديو نُشر على شبكات التواصل الاجتماعي.
ويؤكد جان بابتيست غالوبين أن "الباحثين ومنظمات حقوق الإنسان يواجهون أكبر الصعوبات في العمل على حل هذا الصراع".
خطاب سيادي شعبي
سرعان ما دحضت الحكومة الإثيوبية نتائج التحقيق. ومن المفارقات أنها انتقدت منظمة العفو الدولية لأنها لم "تقم بالأعمال الأساسية اللازمة من خلال زيارة المنطقة والتحدث إلى السلطات الإثيوبية المختصة لمعرفة الحقيقة".
تم معرفة التوجه في 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، عندما رفض رضوان حسين، أحد المتحدثين باسم الحكومة، إجراء أي تحقيق دولي مستقل.
وقال في ذلك الوقت إن إثيوبيا "لا تحتاج إلى جليسة أطفال"، مبينا أن هذه التحقيقات "تحط من قدر حكومتنا".
لكن الغريب، مع ذلك، أنه جاء في تقرير آخر لمنظمة العفو الدولية أن نفس الحكومة اعتمدت في تصريحاتها على مذبحة بلدة ماي كادرا (جنوب غربي إقليم تيغراي)، التي وقعت في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني في هذه المنطقة بالقرب من الحدود السودانية.
يُعتقد أن المجازر التي ارتكبت، وساهمت عناصر من "مليشيات جبهة تيغراي" في جزء منها، قتل فيها ما يصل إلى 600 شخص، وفق ما أفادت لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية (مستقلة) في 24 نوفمبر/تشرين الثاني.
أثبت هذا الخطاب السيادي أنه يحظى بشعبية كبيرة في إثيوبيا، حيث أنه وفقًا للباحث في مركز العلوم الدولية للأبحاث رولان مارشال فإن "الحديث عن العدالة السيادية والحلول الإفريقية لمشاكل القارة هو محل إجماع في البلاد" .
ويرى أنه "في هذا الجانب، لدى إثيوبيا حجج قوية لرفض إمكانية إجراء تحقيق دولي". لكن الوضع تغير في أربعة أشهر، حيث وجدت أديس أبابا نفسها متورطة في صراع لا نهاية له.
ويتهم شركاؤها الجيش الإريتري بالتورط في أبشع الفظائع تحت أعين متواطئة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي توج بجائزة نوبل للسلام عام 2019.
على الرغم من أنه يتجنب التعليق بدقة عن وجود الجنود الإريتريين على أرضه، إلا أن تدخل أسمرة يعد سرا.
بعد عقدين من الحرب التي مزقت الجارتين، يفسر العديد من التيغرايين سلوك القوات الإريترية على أنه شكل من أشكال الانتقام.
أكسوم، ماي كادرا، دانغولات، هوميرا، بالنسبة لكل هذه الأماكن المرادفة لعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء في تيغراي، هل من الواقعي اليوم تخيل أن المسؤولين عن هذه المجازر قد تم تحديدهم بوضوح ومحاكمتهم؟
تبدو كل الخطوات مهددة طالما ترفض أسمرة وأديس أبابا الاعتراف بتدخل الجيش الإريتري المتورط دائمًا تقريبًا، وفق صحيفة لوموند.
ومع ذلك، ووفقًا لرولان مارشال، فإن "إريتريا هي الجاني السهل، وهو هدف مقبول وتوافقي"، على عكس السلطات الإثيوبية.