"رهين نظامه".. صحيفة إسبانية: هذه نهاية بوتين رغم التمديد الدستوري لحكمه
قالت صحيفة الإسبانية، إن "هدف روسيا من إجراء استفتاء، في يونيو/حزيران 2020، حول إصلاح دستوري كان متمثلا بالأساس في السماح بانتقال منظم للسلطة إلى الرئيس فلاديمير بوتين، ومع ذلك، تجاوز الإصلاح أكثر بقليل هدف إلغاء عدد فترات الرئاسة التي يمكن أن يخدمها بوتين، وتعدى لتحقيق مكاسب أخرى لصالحه".
وفي هذا السياق، يرى الخبراء، أن "هذه الحيلة الواضحة تفسر بجلاء أن الرئيس الروسي لم يكن على استعداد ليكون (بطة عرجاء) في أعين المجتمع والنخب السياسية قبل عدة سنوات من انتهاء ولايته".
في الواقع، ربما قرر بوتين في بداية الأمر المغادرة بعد 2024، لكن الأحداث الأخيرة في روسيا لم تترك البلاد، على الأرجح، دون بديل سوى حكمه اللانهائي، وفق صحيفة "الكونفدنسيال".
ونقلت الصحيفة أن صورة بوتين تحولت خلال السنوات الأخيرة بين المواطنين الروس من صورة "زعيم وطني قوي وعادل" إلى صورة مرتبطة بـ"الفساد وحب الرفاهية"، في الآن ذاته، فإن الاتهامات حول ضلوعه في محاولة اغتيال المعارض أليكسي نافالني العام الماضي لا تترك له أي فرصة لمستقبل آمن بعد الرئاسة.
وشددت على أن "الحصانة لا يمكن أن تدوم مدى الحياة وتحول دون الملاحقة القضائية في روسيا، وحتى الحماية التي توفرها خدمة الحماية الفيدرالية، أو على سبيل المثال، منصبا رمزيا في البرلمان، لا يمكن أن تمنح شعورا كبيرا بالأمن الشخصي في روسيا".
وفي جميع الأحوال فإن بوتين يعرف أكثر من أي شخص آخر ثمن حكم القانون في بلاده، كما أنه يعرف جيدا ما يمكن أن تحتمه عواقب فقدان السلطة.
تراجع التأييد
وأفادت الصحيفة بأن "نقل السلطة، حتى إلى أحد المتعاونين الأكثر ولاء لبوتين، أصبح أمرا مستبعدا للغاية في ظل هذه الظروف، وعموما، سيرث أي بديل نفس الصلاحيات غير المحدودة التي يتمتع بها الرئيس الروسي الآن، مما يعني أنه قد ينقلب في النهاية على سلفه".
من ناحية أخرى، فإن محاولة السيطرة على رئيس جديد ستكون مخاطرة كبيرة بالنسبة لبوتين، حتى سلفه ديميتري ميدفيديف المخلص والذي لا يتمتع بالكاريزماتية الكافية، أظهر بشكل دوري استقلالا مفرطا خلال فترة رئاسته القصيرة، وذلك رغم حقيقة أن بوتين لا يزال يتمتع في ذلك الوقت بدعم شعبي هائل وظل الزعيم الحقيقي في نظر الأغلبية.
لكن اليوم، تراجعت نسبة تأييد بوتين بشكل كبير منذ فترة لا يستهان بها، كما يتورط الرئيس في سلسلة من القصص غير المريحة التي لا يستطيع التخلص منها.
علاوة على ذلك، لا يملك بوتين الموارد -أو الأفكار- اللازمة لاستعادة التقدير الشعبي الذي تمتع به سابقا، لذلك، سيجد أي خليفة لبوتين، عاجلا أم آجلا، الإغراءات اللازمة التي ستحفزه على أن ينأى بنفسه عن سلفه قدر الإمكان؛ مما يعني أنه لن يكون تحت سيطرته أو نفوذه.
ولكن حتى لو افترضنا أن بوتين قادر على تأمين ضمان صارم للحصانة وحياة مريحة بعد التنحي من السلطة، فمن يمكنه حمايته إذا سمح النظام السياسي الروسي - ربما أكثر هشاشة مما يبدو - لمنافسيه الأيديولوجيين بالوصول إلى السلطة؟.
وأوضحت الصحيفة أن "فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي يكشف عن العديد من الأمثلة لزعماء وطنيين كانوا (مقدّسين) خلال فترة معينة من رئاستهم، انتهى بهم الأمر وراء القضبان".
على سبيل المثال، في قيرغيزستان، وافق الرئيس السابق، ألمازبيك أتامباييف، على نقل السلطة إلى أحد حلفائه، لكن سرعان ما سُجن، وفي أرمينيا، ألقي القبض على الرئيس السابق، روبرت كوتشاريان، بعد الثورة الشعبية لسنة 2018، رغم أنه ترك منصبه قبل عشر سنوات.
في هذا السياق، من المؤكد أن المحاولات الحالية التي تقودها المعارضة لتنظيم احتجاجات واسعة النطاق في شوارع روسيا ستجعل بوتين يفكر في العديد من الجوانب المتعلقة بحالته.
نظام استبدادي
وبينت الصحيفة أنه طالما أن بوتين يتحكم في كتلة السلطة و"الامتيازات" بنفسه، فيمكنه التأكد من أنه سيكون قادرا على استخدام جميع الموارد وإعطاء الأوامر التي يريدها من أجل ضمان خلاصه.
لكن، تبقى الطريقة التي سيتصرف بها الرئيس المقبل في مثل هذه الحالة غامضة إلى حد الآن، وعموما، فكرة أن "مصير بوتين قد يكون في أيدي أشخاص آخرين" ستكون بغيضة للغاية وغير مقبولة بالنسبة للرئيس الروسي الحالي.
وأوردت الصحيفة أن "الوضع الدولي في الوقت الراهن سيدفع بوتين للبقاء، ويبدو محاصرا بأوهام على غرار مؤامرة عالمية ضد روسيا، أو محاولات لإضعاف بلاده أو حتى تقسيمها إلى أجزاء مختلفة، وفي النهاية، يتحول كل هذا إلى حلقة مفرغة".
وتابعت: "في بداية الأمر، أقنعت السلطات الروسية نفسها بوجود أعداء في كل مكان، ثم بدؤوا بالتصرف كما لو كانت بقية الدول أعداء لهم".
وأخيرا، بعد تلقي رد سلبي على أفعالها، تشعر السلطات الروسية أن مخاوفها قد تأكدت؛ ومن هنا أصبحت على قناعة بأن الأصدقاء لن يفرضوا عقوبات، أما الأعداء الحقيقيون فيحتاجون إلى يد قوية، وفق "الكونفدنسيال".
وبناء على ذلك، ليس هناك فرص تلوح في الأفق لتخفيف حدة التوترات أو لوجود وفاق حقيقي على مستوى العلاقات مع الغرب، وخلال أوقات عصيبة بالنسبة للبلاد، ليس من المرجح أن يكون قائد قومي، مثلما يعتبر بوتين نفسه، على استعداد للتخلي عن روسيا، وبالنسبة له، "فهذا يعني أنه يجب أن يبقى في السلطة وينقذ الوطن الأم".
وختمت الصحيفة مقالها بالقول: إن "النظام الاستبدادي المثالي للاحتفاظ بالسلطة، الذي بناه بوتين، جعل من (القائد) الذي أسسه رهينة له، ومثلما قيل للأمير الصغير، (الملوك لا يملِكون، إنهم يُملَكون)، في هذه الحالة، لم يعد الملك (بوتين) يمتلك حتى حياته بل رهينة للنظام الذي أنشأه".