بايدن يراجع قرارات ترامب بشأن القدس والجولان.. هل يُحرج المطبعين العرب؟
منذ توليه منصب الرئيس الأميركي الجديد في 20 يناير/كانون الثاني 2021، أبدت إدارة الديمقراطي جو بايدن، موقفا مغايرا لما اتخذته إدارة سلفه الجمهوري دونالد ترامب، من بعض القضايا المحلية، والأزمات العالمية، بينها "القضية الفلسطينية" التي لاقت على مدار 4 سنوات مضت ضربات موجعة، وفق مراقبين.
وفي رفض لافت لقرارات سابقة لترامب بحق مدينة القدس المحتلة، وهضبة الجولان السورية، والمساعدات للفلسطينيين؛ دعت وزارة الخارجية الأميركية، إسرائيل، لتجنب أي خطوات أحادية كاستئناف عمليات الاستيطان، مشددة على أن الوضع النهائي للقدس هو ضمن الحل النهائي الذي يجب أن يتوصل إليه طرفا الصراع من خلال المفاوضات المباشرة.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، قال في 11 فبراير/شباط 2021، إن "وضع مدينة القدس يخضع لمفاوضات الحل النهائي، وهذا الموقف لم يتغير"، مضيفا أن "عودة المساعدات الأميركية إلى الفلسطينيين، مرهون بتوافقها مع قيم واشنطن، ومع المصالح الأميركية".
الخطوة رآها مراقبون معبرة عن توجه أميركي جديد بقضية الشرق الأوسط الأولى، خاصة أنها تأتي تأكيدا لخطوة إيجابية أخرى جاءت على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن، لشبكة "سي إن إن"، في 9 فبراير 2021، حيث رفض تأييد اعتراف ترامب، بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية.
حديث برايس، وبلينكن، سبقه أيضا، تأكيد لمبعوث واشنطن لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز، في 3 فبراير 2021، على توجيه بايدن الذي يؤمن بحل وجود دولتين فلسطينية وإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بـ"استعادة التواصل الأميركي الموثوق" مع فلسطين وإسرائيل، وإحياء العلاقات مع القيادة والشعب الفلسطينيين التي دمرت بعهد ترامب، وفق قوله.
ميلز، أشار أيضا، إلى استئناف المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي علقتها إدارة ترامب، وفتح القنصلية الأميركية بمدينة القدس الشرقية، وفتح مكتب منظمة "التحرير الفلسطينية" لدى واشنطن.
انتهاكات ترامب
ترامب، وعلى مدار 4 سنوات من حكمه اتخذ قرارات وصفت بأنها "انتهاك للحقوق الوطنية الفلسطينية"، سعى من خلالها لفرض وقائع على الأرض لصالح إسرائيل، كالاعتراف بالقدس عاصمة لها، ونقل السفارة للمدينة المحتلة، والعمل على تصفية وكالة "أونروا" الأممية، إلى جانب قرارات عقابية لرفض الفلسطينيين "صفقة القرن".
ترامب، كان قد صدم العرب والفلسطينيين في 6 ديسمبر/كانون الأول 2017، باعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس؛ وبعد نحو 5 أشهر من القرار نقلت سفارتها فعليا إلى القدس في 14 مايو/أيار 2018.
واصل ترامب قراراته المجحفة بحق الفلسطينيين وأمر في 16 يناير/كانون الثاني 2018، بتقليص مساعدات بلاده لوكالة "أونروا"، ثم قطعها كاملة في 3 أغسطس/آب 2018، ليقرر في 10 سبتمبر/ أيلول 2018، إغلاق مكتب "منظمة التحرير" بواشنطن، ثم طرد السفير الفلسطيني حسام زملط في 16 سبتمبر/أيلول 2018.
ترامب، وفي إحدى قراراته المثيرة للجدل اعترف كذلك في 25 مارس/آذار 2019، رسميا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967.
وفي الوقت الذي يترقب فيه العالم العربي خطوات الإدارة الأميركية الجديدة والتي بدت إيجابية بعض الشيء تجاه الملف الفلسطيني، يرى مراقبون أن بايدن قد أحرج العرب تماما برفضه قرارات ترامب بحق القدس والاستيطان بينما تماهت معظم العواصم العربية مع ترامب بحق الفلسطينيين بل وانزلق بعضهم في فخ التطبيع رغبة في إرضاء حاكم البيت الأبيض السابق.
وبدعم من ترامب، عقدت 4 دول عربية هي الإمارات، والبحرين، والسودان، والمغرب، اتفاقيات بالتطبيع مع الكيان المحتل، مصحوبة بوعود أميركية للسودان برفع اسمه من قوائم الدول الراعية للإرهاب، ودعم للمغرب بقضية "الصحراء"، وأعقبها اتفاقيات اقتصادية واسعة بين تل أبيب وأبوظبي.
15 سبتمبر/ أيلول 2020، هو اليوم الذي شهد توقيع الإمارات والبحرين اتفاقيتين بالتطبيع مع إسرائيل بالبيت الأبيض، وكما أنه في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلن ترامب موافقة السودان على التطبيع، لينهي الرئيس الأميركي السابق عهده بآخر قرار بالتطبيع بين المغرب والكيان المحتل في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020.
مخاوف فلسطينية
ولكن وفي ظل التفاؤل الفلسطيني برحيل ترامب، وقدوم بايدن، والبدء في مراجعات قرارات سلفه جاء رد فعل الإدارة الأميركية الجديدة الرافض لقرار المحكمة الجنائية الدولية، الذي صدر بشأن الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية المحتلة "مخيبا للآمال".
كما أثار المخاوف الفلسطينية حول مدى جدوى مراجعات بايدن ومدى اعتبارها خطوة حقيقية ستساهم برد الحق الفلسطيني، وأنها مجرد مناورة لإخضاع تل أبيب التي منحها عهد ترامب طموح جامح يريد بايدن تهدئة وتيرته لا أكثر.
وهي الرؤية التي عبر عنها متابعون ونشطاء عرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أن قرار الجنائية الدولية "أول اختبار للكشف عن مدى صهيونية بايدن مع إسرائيل".
قرار المحكمة الجنائية الدولية اليوم هو ؛ أول اختبار للكشف عن مدى صهيونية #بايدنa> مع #إسرائيلa> .
أمريكا لها تاريخ أسود مع محكمة الجنايات الدولية بسبب كشفها جرائم حرب في #أفغانستانa> و غيرها من الجرائم الأميركية التي يرتكبها مواطنون أميركي ون.p>— Assem Nagi (@AssemNag_i) February 6, 2021a>blockquote>
وفي 5 فبراير/ شباط 2021، أعلنت المحكمة الجنائية أن الأراضي الفلسطينية تقع ضمن اختصاصها القضائي، ما يمهد لفتح تحقيقات بشأن ارتكاب جرائم حرب محتملة ارتكبها مسؤولون إسرائيليون، وهو القرار الذي نددت به إدارة بايدن والحكومتان الألمانية والأسترالية.
إلا أن الصحفي البريطاني جوناثان كوك، بدا متفائلا بقرار الجنائية الدولية، معتبرا أنه يعطي بصيص أمل للفلسطينيين، وقال في مقال له بموقع "ميدل إيست آي" 12 فبراير/شباط 2021، إن القرار يشير إلى أن المناخ السياسي لمرحلة ما بعد ترامب، "قد تكون رياحه أشد وطأة على إسرائيل مما هو متوقع".
دون مساس بالثوابت
وحول حقيقة مراجعات إدارة بايدن لقرارات ومواقف ترامب الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل بمواجهة حقوق الفلسطينيين، قال الكاتب الصحفي والإعلامي المصري المقيم في الولايات المتحدة محمد السطوحي: "هناك مراجعات كثيرة تتم وستشمل بالتأكيد بعض جوانب العلاقة مع إسرائيل، لكن دون المساس بجوهر العلاقات الإستراتيجية بين الدولتين".
وفي حديثه لـ"الاستقلال"، رصد السطوحي، حقيقة الوضع السياسي الحالي بين تل أبيب وواشنطن، مؤكدا أنه "على المستوى الشخصي هناك توتر بين بايدن ونتنياهو الذي لم يعد له قبول في أوساط الديمقراطيين لخلافاته السابقة والعلنية مع إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما وبايدن خصوصا بشأن الاتفاق النووي مع إيران".
"كما أن نتنياهو اقترب كثيرا من الجمهوريين وترامب، وبدا كما لو كان يدعمه في الانتخابات، ونلاحظ أن بايدن لم يتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي على مدى 3 أسابيع بعكس ترامب الذي بادر بمكالمته بعد يومين فقط من توليه السلطة"، وفق رصد السطوحي المهتم بالشأن الأميركي.
وحول مستقبل تلك العلاقة وتطورها سلبا وإيجابا يعتقد أنه "ستظهر خلافات كثيرة بين الدولتين خصوصا فيما يتعلق برغبة بايدن في العودة للاتفاق النووي الإيراني".
وأضاف: "كذلك بايدن وإدارته مقتنعون بأن وجود دولة فلسطينية هو الحل الأفضل لكل الأطراف بما فيها إسرائيل، للإبقاء عليها كدولة يهودية وديمقراطية معا"، مبينا أن "هذا سينعكس على رفض التوسع الاستيطاني الإسرائيلي بالضفة الغربية لكن دون ضغوط حقيقية لوقفها".
وفي تعليقه على مدى جدوى مراجعات بايدن لقرارات ترامب بحق الفلسطينيين، ومدى قدرة الإدارة الأميركية الجديدة على إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 4 سنوات، يرى السطوحي، أن "الإدارة لن تتراجع بالتأكيد عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها لاعتبارات كثيرة قانونية وسياسية".
وألمح إلى أنها "تراجعت عن الاعتراف القانوني بالجولان كجزء من إسرائيل، رغم تأكيد وزير الخارجية بلينكن على أهمية الجولان لأمن إسرائيل، لكن ذلك بدا محاولة للتغطية على تراجع واشنطن الرسمي والقانوني وهو ما لم يخف على نتنياهو الذي أصدر مكتبه بيانا حادا يؤكد أن الجولان ستظل دائما جزءا من إسرائيل".
ويرى الإعلامي المصري أنه "في كل الأحوال إدارة بايدن ستظل مشغولة بقوة مع أزمة كورونا ومحاولة الخروج من آثارها الاقتصادية السلبية، ولا أعتقد بوجود رغبة لدى الطرفين الدخول بأي مواجهات الآن خصوصا مع التغييرات الكبيرة بمواقف دول عربية كبيرة صارت تقترب من إسرائيل دون اشتراط حدوث تقدم بتسوية القضية الفلسطينية".
وحول ما يمكن أن تقوم به إدارة بايدن فعليا للملف الفلسطيني، أكد السطوحي أن "واشنطن قد تعود لدعم (الأونروا) أو فتح مكتب (منظمة التحرير) في واشنطن؛ ولكن لا أعتقد أن الانخراط في جهود حل المشكلة أو بدء مفاوضات جادة له وجود في قائمة أولويات الإدارة الجديدة".
كسر للحواجز
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني معين نعيم، في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "هناك اختلاف واضح بين الإداراتين، بل إن بايدن معني جدا بإظهار هذا الاختلاف".
واعتبر أن "الموقف الأميركي المعتاد رغم دعمه للاحتلال؛ إلا أنه في بعض الملفات يحافظ على نوع من الحذر في الدعم المطلق فيه للاحتلال، ليس فقط لأنه يعلم أن هذا سيعقد الحل ويجعل الموقف الأميركي مرفوضا مطلقا فقط، بل حتى يبقي القدرة على التأثير في الأطراف بشكل أكبر".
نعيم، يعتقد أنه "يمكن التراجع جزئيا عن قرارات ترامب؛ لكن مع الأسف بعض الإجراءات التي اعتبرت كسرا لحواجز قديمة ومنها نقل السفارة والتطبيع مع الأنظمة العربية واضح أنه لن يكون هناك تراجع فيها، لكن التراجع قد يكون في القرارات المطلقة كاعتبار القدس فقط للاحتلال وموضوع الجولان وحل الدولتين".
واستدرك بالقول: "لكن في نفس الوقت لا يتوقع أن تتحول أميركا إلى الجهة المدافعة عن الحقوق الفلسطينية؛ فهي تبقى كما كل وقت الطرف الداعم للاحتلال، لكن تريد إدارة بايدن أن يكون الاحتلال أقل وضوحا في اعتدائه والتنازل عن الحقوق الفلسطينية المتبقية بطريقة أكثر تقبل".
وفي رده على التساؤل: "هل أحرجت مراجعات بايدن حكام العرب الذين قبلوا القرارات الأميركية لترامب حول القدس والجولان والاستيطان وقبلوا بالتطبيع مع إسرائيل بلا مقابل للفلسطينين؟"، أكد نعيم أن "الناظر لأسلوب وطريقة الاندفاع من هذه الأنظمة المطبعة يعلم أنها أقدمت على الأمر برغبة وقناعة وما كان التمنع إلا خوفا من ردات الفعل العربية والداخلية".
واعتبر أن "تهديدات وتهريجات ترامب كانت كافية لتكون حجة لهذه الأنظمة؛ والآن دفعوا ما طُلب منهم، وأعتقد أن إدارة بايدن ستتخلى عن تنفيذ وعود ترامب لهم والتي حاولت هذه الأنظمة سبر سوءتها بها".
وعن الحرج العربي من عدم تنفيذ بايدن لوعود ترامب للدول المطبعة، ختم معين حديثه بالقول: "من لا يجد غضاضة في التعامل مع القضية الفلسطينية بخلاف رغبات شعوبهم وبشكل يخالف كل الشرائع الأرضية والسماوية لا أعتقد أنه سيحرج من تراجع أميركا عن وعودها".
من جانبه، قال الباحث بالمعهد المصري للدراسات في إسطنبول، الفلسطيني رامي الجندي: "لاشك أن سياسات بايدن تختلف وستختلف عن سياسات سابقه ترامب الشعبوي، ومن أسهل السياسات التي ربما يبدأ بها بايدن هي إعادة الدعم والمساعدات المالية الأميركية لوكالة أونروا".
وأضاف في حديث مع "الاستقلال: "وهنا ربما يكون من أهداف ذلك؛ هو المصلحة الخاصة ووجود الولايات المتحدة طرفا فاعلا دوليا في المؤسسة الدولية، وثانيا ضمان وجود دور لهذه المؤسسة ضمن قرارات المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي".
ومع ذلك، أكد الباحث أنه "من المعروف أن دور واشنطن ليس منحازا إلى الفلسطينيين بشكل عام، لكن هذا الانحياز يكون متباينا حسب الإدارة الموجودة بالبيت الأبيض، صحيح أن ترامب دخل لأقصى اليمين فيما يتعلق بسياساته تجاه الفلسطينيين وقوفا ودعما للاحتلال؛ لكن هذا لا يعني بالضرورة أن بايدن سيكون في الطرف المضاد لموقف ترامب".
وختم الجندي تصريحه بالقول: "واشنطن تراعى دائما مصالح الاحتلال السياسية والأمنية والعسكرية، وتفوقه بالمنطقة، وما يمكن لإدارة بايدن فعله هو محاولة جمع القيادة الفلسطينية مع قيادة الاحتلال للتوصل لاتفاق سلام ما، ودفع الدول العربية لمواصلة التطبيع من بوابة المصالح المشتركة للجميع وليس كما فعل ترامب، مع بعض الضغوط على الاحتلال".
المصادر
- بلينكن يمتنع عن تأييد اعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان
- قرارات مصيرية بشأن فلسطين لم تتراجع عنها إدارة بايدن (تقرير)
- 10 قرارات متتالية لـ"ترامب" في اتجاه تصفية القضية الفلسطينية (إطار)
- دونالد ترامب يوقع قرارا يعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان
- تسلسل زمني-خطوات التطبيع مع إسرائيل جاءت بعد سنوات من مبادرات سلام فاشلة