صحيفة إسبانية: لهذا ترفض فرنسا الاعتذار عن جرائمها في الجزائر
أكدت صحيفة "الباييس" الإسبانية، أن "فرنسا لن تعتذر أو تعلن عن ندمها بشأن الحرب في الجزائر (1954-1962) وحوالي 130 سنة من الاستعمار للدولة الواقعة في شمال إفريقيا؛ التي تعد بمثابة الصدمة التي لا تزال تحدد العلاقة بين البلدين، وترسم ملامح المجتمع الفرنسي نفسه".
وأضافت الصحيفة: "في المقابل، ستعزز فرنسا الأعمال الرمزية للمصالحة، وتكريم الضحايا الذين أصبحوا في طي النسيان، واتخاذ تدابير على ضفتي المتوسط لتعزيز فهم أفضل للماضي".
وأشارت إلى أن المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، المولود عام 1950 في الجزائر، سلم في 20 يناير/كانون الثاني 2021 للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، التقرير الذي كلفه به في يوليو/تموز 2020.
وفي هذا الملف، يقترح ستورا 22 إجراء؛ يتنوع من إحياء ذكرى مذابح الجزائريين في فرنسا أو "الحركيين"- وهم المسلمين الذين قاتلوا مع فرنسا ضد الاستقلال- وصولا إلى تحديد رفات المختفين من كلا الجانبين خلال الحرب.
كما يقترح أن تتولى لجنة "الذاكرة والحقيقة" المكونة من خبراء من كلا البلدين، مسؤولية تعزيز المبادرات لتوضيح الماضي على ضفتي البحر الأبيض المتوسط والسعي للحصول على اعتراف متبادل.
ماض مؤلم
وقال ستورا لصحيفة "لو باريزيان" الفرنسية: "لا أحد يقترح كتابة نص تاريخي مشترك، أما مهمتي فتتلخص في بناء جسور، وليس لدمج الذكريات، ولكن أيضا لتفكيكها، لأنها أصبحت ذكريات جماعية (...)، هدفي هو العثور على جسور ملموسة".
وأضافت الصحيفة أنه "في الذاكرة الفرنسية خلال القرن الـ21، تعتبر الجزائر بمثابة حربها الأهلية الأخيرة؛ حيث تعتبر فرنسا البلاد الواقعة في شمال إفريقيا جزءا منها وحرضت الفرنسيين ضد الفرنسيين، وتعد في الآن ذاته مثل حرب الفيتنام بالنسبة للولايات المتحدة: إذ هُزمت قوة عسكرية غربية في حرب خلفت جروحا عميقة".
في هذا السياق، تحدث ماكرون مرارا وتكرارا عن الحاجة إلى المصالحة بين ذكريات الشعبين، التي لا تزال متعارضة إلى اليوم بعد 60 سنة من نهاية الصراع والاستقلال.
ونوهت الصحيفة بأن "سرد تاريخ الاستعمار والحرب مختلف وبدرجة كبيرة بين الجزائر وباريس، ولكن حتى داخل فرنسا، لا يوجد وصف موحد لما تعنيه تلك الفترة".
وأضافت "كما أن ابن أو حفيد المهاجرين الجزائريين الذين جاؤوا إلى أوروبا بعد الاستقلال لا يفكرون بنفس الطريقة التي يفكر بها أفراد عائلة الحركيين الذين قاتلوا ضد الاستقلال واضطروا للذهاب إلى المنفى".
في نفس السياق، تعتبر رؤية أبناء "الأقدام السوداء" مختلفة عن سابقتها، وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح "الأقدام السوداء" يرمز إلى العائلات من أصل أوروبي، وكثير منهم إسبان، قضوا عقودا أو أكثر من قرن في شمال إفريقيا، والذين اضطروا للهجرة إلى فرنسا عام 1962، حيث لم يستقبلوا دائما بأذرع مفتوحة.
وأضافت الصحيفة أنه "من الصعب تفسير فرنسا اليوم دون التفكير في الماضي، وعلى وجه الخصوص، تأسست الجمهورية الخامسة، النظام الرئاسي الحالي، عام 1958، في خضم الحرب وعلى خلفية أزمة مستعمرة الجزائر".
ونقلت الصحيفة عن ستورا أن "ماكرون يعتبر الماضي الاستعماري مسألة تتعلق بالماضي الفرنسي لم تحلّ بعد، ولم يرغب أحد حقا في مواجهتها أو النظر إليها وجها لوجه".
وتجدر الإشارة إلى أن ستورا كان من بين مئات الآلاف من أوروبيي الجزائر -أو العائلات التي تعود جذورها لقرون إلى شمال إفريقيا والتي ارتبطت بفرنسا- والذي هاجر إلى أوروبا سنة 1962، أما اليوم، فهو مؤرخ مخضرم، وأكثر المتخصصين تأثيرا، والذي يعتبر مرجعا للحرب في الجزائر.
ومن المفترض أن يفتح تقرير ستورا المقدم إلى ماكرون مرحلة جديدة في علاقة فرنسا بهذا "الماضي الذي لا يموت أبدا" والذي "لم يسبق له مثيل".
تصدعات تاريخية
وفي حوار الصحيفة مع المؤرخ، أشار ستورا إلى أن التقرير الذي أعده هو بمثابة "ملخص لحياة طويلة تميزت بمحاولة الخروج من حرب الذكريات هذه".
وأضافت الصحيفة أن "الحرب فصلت الجزائر عن فرنسا، لكنها أيضا قسمت الجزائريين -حيث كان الحركيون، الذين قاتلوا إلى جانب القوات الفرنسية، ضحايا مذابح في بلادهم واضطروا إلى التخلي عنها - والفرنسيين أنفسهم".
وفقا للتقديرات المذكورة في تقرير ستورا، كان هناك حوالي نصف مليون وفاة جراء حالة الانقسام المذكورة.
ويقدر ستورا أن أكثر من 7 ملايين شخص يعيشون في فرنسا -أكثر من 10 بالمئة من السكان- متأثرون بذكرى الجزائر، فهي تشمل الهجرة الجزائرية، والأقدام السوداء، والحركيين وأحفادهم، وتشمل أيضا قدامى المحاربين.
ونوهت الصحيفة بأن لكل مجموعة نسخة مختلفة عن ذكرى الجزائر، متناقضة أحيانا، وتستخدم أحيانا أخرى لأغراض سياسية ليست دائما نبيلة؛ فيما يسميه المؤرخ "التنافس بين الضحايا" و"إعادة بناء القصص الخيالية".
وأوضحت الصحيفة أن "الجزائر، التي كان البعض في فرنسا يعتبرها فرنسية، حتى عام 1962، مثل بيريغورد التاريخية أو مونت سانت ميشال؛ لا تزال شأنا داخليا في هذا البلد الأوروبي".
وعلق ستورا في حواره مع الباييس أن "خسارة الجزائر "الفرنسية" كانت بمثابة جرح نرجسي في القومية الفرنسية، لأن الجزائر كانت فرنسا، وكانت تعتبر مقاطعات فرنسية ولم تكن مستعمرة".
واستدرك ستورا قائلا: كان هناك تناقض غير منطقي بين "منطقة تعتبر فرنسية" وأغلبية سكان جزائريين لا يتمتعون "بنفس الحقوق" التي يتمتع بها الأوروبيون.
وأفادت الباييس بأن "فرنسا بلد نقاشات تاريخية تعكس تصدعات سياسية وأيديولوجية عميقة لا يمكن إخمادها بالكامل".
وأضافت: "لكن، ربما بسبب القرب الزمني، أو لاستمرارية التأثير على حياة ملايين المواطنين، أو لأنه لا توجد قضية مثل الجزائر تستمر في التأثير على حياة فرنسا كثيرا؛ ظلت ذكرى الجزائر حية في فرنسا".
وخلال هذه المقابلة، عبّر ستورا عن مخاوفه من أن "يحدد السرد التاريخي للماضي وحقائق فترة الاستعمار الهويات، وينتهي بهم الأمر إلى مواجهة بعضهم البعض، بحيث تلغى إمكانية مد الجسور، التي تعتبر أحد أهداف التقرير".
وبحسب ستورا، فإن "اعتذار فرنسا أو تعبيرها عن الندم عن الاستعمار ليس حلا لمد هذه الجسور، بل اتخاذ إجراءات ملموسة للتحقيق في المحفوظات، والتحقيق في التجارب النووية الفرنسية على الأراضي الجزائرية أو استخدام النابالم(سائل قابل للاشتعال)، وتحديد أماكن الرفات المفقودة، والاعتراف بالضحايا من جميع الأطراف؛ يمكن أن يكون أكثر فائدة من الخطب المفجعة".
وفي الختام، تساءل المؤرخ قائلا: "يمكنك إلقاء خطاب اعتذار، لكن ألا توجد إمكانية أخرى؟ ألا نجازف بترك سلسلة من القضايا معلقة والوقوع في فخ اليمين المتطرف أو الأصوليين الذين لا يريدون معالجة أي ملف حقيقي؟".