"مصدر ثروتي أمراء الخليج".. هل يتهرب أويحيى من تهم الاختلاس بالجزائر؟
رفض رئيس الوزراء الجزائري السابق، أحمد أويحيى، مرتين الكشف عن مصدر ثروته أمام هيئة المحكمة، قبل أن ينهار في 9 يناير/كانون الثاني 2020، ويسبب باعترافاته الصدمة والذهول وسط الرأي العام.
أثناء مثوله أمام محكمة الاستئناف في قضية "تجميع السيارات"، وهي إحدى ملفات الفساد التي يحاكم فيها عدد من رموز فساد النظام السابق بسبب اختلاسات أضرت بخزينة الدولة، اعترف أويحيى بمصدر ثروته التي تبلغ 600 مليون دينار (3.73 مليون دولار) الموجودة في حساباته المصرفية الأربعة.
جاءت الأموال، بحسب اعترافات المتهم، من إعادة بيع سبائك ذهب في السوق السوداء، قدمها له عدد من أمراء الخليج خلال زياراتهم الرسمية أو بمناسبة مغامراتهم العديدة في الجزائر، خصوصا حفلات الصيد في الصحراء أو في المرتفعات.
لكن التساؤلات طرحت حول إن كان هذا هو المصدر الوحيد لثروة أويحيى، أم أن الاختلاس من خزينة الدولة شكل جزءا منها؟
أموال أمراء الخليج
حوكم متهمون بشأن قضايا محسوبيات في صناعة السيارات في مشاريع بين شركاء من علامات تجارية أجنبية ومجموعات جزائرية كبرى يملكها غالبا رجال أعمال مرتبطون بشكل أو بآخر بالرئيس السابق.
ونقلت وسائل إعلام عن المدعي العام قوله إن بعض "رجال الأعمال كانوا يسيرون شركات وهمية تتمتع بامتيازات جبائية وجمركية وعقارية دون وجه حق في مجال تركيب وتصنيع السيارات".
وقالت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية "كبدت قضية تركيب السيارات خسارة مالية معتبرة للخزينة العمومية قدرها 128 مليار و983 مليون دينار (975 مليون يورو)".
أُدين أحمد أويحيى عدة مرات في قضايا فساد مختلفة، ورفض في البداية الاعتراف حتى لا "يقوض علاقات بلده مع الدول الشقيقة والصديقة"، حسب تعبيره فيما بعد.
ولكن بإصرار من رئيس المحكمة اعترف أويحيى (60 عاما)، بأنه حصل على 60 سبيكة ذهب بين عامي 2014 و2018، عندما كان رئيسًا لموظفي رئاسة الجمهورية ثم رئيسا للوزراء، وأنه عرض هذه السبائك على بنك الجزائر مقابل تعويض مالي، لكن اقتراحه رُفض.
قرر رئيس الوزراء الجزائري السابق إعادة بيع السبائك في السوق السوداء عبر وسطاء، قبل إيداع عائدات البيع في حساباته الجزائرية، دون الإفصاح عنها للسلطات الضريبية، كما يقتضي القانون.
يزعم أويحيى، المحتجز منذ أغسطس/آب 2020 في سجن "العبادلة"، على بعد أكثر من ألف كيلومتر جنوب غرب الجزائر العاصمة، في دفاعه أنه أبلغ النائب العام بأصل هذه الثروة.
وشدد على أن ثروته لم تأت من الرشاوى، أو المزايا التي يمنحها رجال الأعمال مقابل عقود في قطاع السيارات، ولكن من الأمراء وكبار الشخصيات العرب.
وذهب إلى القول، إن مسؤولين رئاسيين كبار آخرين، لم يتم ذكر أسمائهم، حصلوا على سبائك ذهبية من هؤلاء المانحين. ولم يحدد رئيس الوزراء السابق، الذي يعاني من سرطان البروستات، ما إذا كانت هذه السبائك الذهبية تقدم مجانا أم مقابل خدمات أو امتيازات.
اتهامات للقضاء
أمام هيئة المحكمة التي لم تخف دهشتها من اكتشاف أن رئيس الوزراء السابق باع سبائك ذهب في السوق السوداء، ذهب أويحيى إلى القول، مدافعا عن نفسه: "سافرت إلى الخارج 50 مرة على الأقل، على متن طائرة خاصة، بين عامي 2014 و2018، وكان بإمكاني وضع أموالي في بنوك خارجية، لكني لم أفعل".
وعن سبب عدم تصريحه بهذه الحسابات المصرفية الأربعة كما يقتضي القانون؟ قال أويحيى: "لقد نسيت، سيدتي الرئيسة، مثل أي إنسان"، لم يكتف المتهم بهذا القدر بل قال للمحكمة: "لو كنت شفافا، لكانت البلاد قد غرقت".
تتناقض اعترافات أويحيى مع سابقتها، إذ أنه ردا على سؤال من المحكمة في ديسمبر/كانون الأول 2019 ومارس/آذار 2020، أوضح أحمد أويحيى أن مصدر هذه الأموال لم يأت من أنشطته كمسؤول بالدولة وأنه لا علاقة له بالمستثمرين الذين يقبعون الآن في السجن.
تساءلت المحكمة عن سبب قرار رئيس الوزراء السابق، الآن، تقديم جزء من الحقيقة بينما رفض ذلك من قبل؟ ففسر الأمر، بأنه أبلغ المحققين الذين استجوبوه خلال التحقيقات الأولية بوجود هذه السبائك، وأنه باعها في السوق السوداء، وألمح إلى أن "قاضي التحقيق يشكل عصابة قضائية ضده ويثير محاكمة سياسية".
في عهد نظام عبدالعزيز بوتفليقة، منحت الرئاسة تصاريح لأمراء ورجال أعمال من الشرق الأوسط، وخاصة السعوديين والقطريين والإماراتيين، للصيد في الجزائر. وُضعت إقامة هؤلاء الضيوف الأثرياء تحت حماية الدرك الوطني أو حتى خدمات الحماية الرئاسية.
خلال الفترة التي كان فيها أحمد أويحيى في منصب الرئاسة، كانت له اليد في تنظيم حفلات الصيد المخصصة للضيوف من الخليج، بحسب مجلة "جون أفريك" الفرنسية، حتى أصبحت الجزائر محمية لهؤلاء يمارسون فيها هوايتهم، ويلحقون الضرر بثروتها الحيوانية في غفلة من الجزائريين نفسهم.
وفي تحقيق أصدرته في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعنوان "المغرب العربي.. أرض صيد أمراء الخليج"، أفادت المجلة أن أمراء الخليج ورجال أعماله يلجؤون إلى المغرب والجزائر وتونس لاستغلال المساحات الشاسعة لشمال إفريقيا، في سياحة خاصة سرية، الصيد البري.
الولاء للإمارات
يرى الإعلامي والمحلل السياسي الجزائري، محمد وعراب، أن أحمد أويحيى لم يكن بالفعل هو المسؤول الوحيد المتورط في هذه الصفقة، لكنه من قام ببيع السبائك في السوق السوداء، وهذا يظهر أن الجزائر كانت مزرعة شخصية لبوتفليقة ومسؤوليه، يستفيد كل منهم بحسب الشكل الذي يراه مناسبا.
لفت المحلل في حديثه مع "الاستقلال"، إلى أن اعتراف أويحيى الذي تحدث فيه عن أمراء الخليج، لم يكن يقصد به الإماراتيين فقط، بل إن هواية صيد الغزال أو الطيور في الصحراء الجزائرية، هي هواية خليجية بامتياز، يمارسها أمراء من الإمارات وسعوديين وقطريين وكويتيين.
لم يحدد أويحيى دولة بعينها، بحسب وعراب، الذي استطرد: "بالتأكيد للإماراتيين يد طويلة في هذا الأمر"، وهو ما أشارت إليه أكثر من وسيلة إعلام محلية سابقا، وليس بالضرورة أن يتعلق الأمر بالأمراء البارزين إعلاميا، بل أبناءهم وأبناء عمومتهم، ممن كانوا يجدون في الصحراء الجزائرية الملاذ، حتى أصبحت الجزائر تعاني من شبه انقراض لثروتها الحيوانية.
استبعد وعراب أن يكون رئيس الوزراء السابق استغل التوتر بين الجزائر والإمارات لإطلاق هذه الاعترافات، قائلا: "أويحيى ليس وطنيا ليستغل أي مشكلة بين البلدين"، وفق تعبيره.
وزاد المحلل موضحا: عندما يتعلق الأمر بالإمارات أو فرنسا، فإن الرجل كان وفيا للنظام السابق وأجنداته، وكان أكبر النافذين فيه، إذ شغل منصب رئيس للوزاء، لفترات متقطعة، على مدار 25 سنة، فهو أحد أعضاء العلبة السوداء للنظام، وبالتالي فهو مقرب من اللوبي الفرنسي الإماراتي.
جزم وعراب، في حديثه مع "الاستقلال"، بأن الشارع الجزائري يعتبر ما أقدم عليه أويحيى بالخيانة، وما تأسف له الجزائريون هو إطلاق خونة آخرين من كبار رجال الأزمة والدم في الجزائر، في إشارة إلى إطلاق سراح الجنرال السابق محمد مدين المعروف باسم توفيق قبل أيام.
وختم المتحدث بالقول: الجميع يعرف أن أويحيى رجل خائن كان ينهب الجزائر مع غيره، وهؤلاء يجب محاكمتهم سريعا، برفقة الرئيس السابق للاتحاد الوطني للعمال الجزائريين، الذي تشير كل الأرقام إلى أنه كان شريكا لرئيس الوزراء السابق في عمليات النهب التي شهدتها الجزائر في السنوات الأخيرة.