"بلا قيود".. هكذا أصبحت ووهان الصينية بعد تخطي مرحلة كورونا
منذ الصيف الماضي، لم تسجل مدينة "ووهان" الصينية أي حالة إصابة محلية بفيروس كورونا، في وقت بدأت التجارة والصناعة في الازدهار.
وفي هذه المدينة التي تعتبر مصدر الوباء الذي انتشر عالميا، لا توجد قيود تقريبا، على الرغم من وجود مراقبة.
وقالت صحيفة "الإسبانيول" الإسبانية: "إن العديد من الأماكن في العالم التي شهدت أحداثا درامية غيرت التاريخ، عادة ما تخلد ذكرياتها عبر لوحة أو تمثال".
لكن، في الطابق الأول من سوق "ووهان" سيئ السمعة، حيث بدأ العالم يتغير منذ عام، لم يتبق سوى المتاجر والممرات الفارغة التي تنبعث منها رائحة المطهرات.
أما في الطابق الثاني من هذا السوق، لا يوجد سوى عدد قليل من أكشاك بيع الحلي والنظارات الشمسية. وعلى أرصفة شارع شينخوا، حيث يقع مدخل سوق ووهان، علقت الملصقات التي توضح أسباب الإغلاق.
وعلى بعد أمتار، تعج شوارع "ووهان"، المدينة التي يزيد عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة، بالنشاط. في الأثناء، ملأت رائحة أكشاك الوجبات السريعة مرة أخرى أجواء مدينة تركت وراءها الوباء الذي ما زال يجهد الكثير من بلدان العالم.
ونقلت "الصحيفة" أن اسم "ووهان"، الذي لم يكن معروفا في عام 2019، سيرتبط إلى الأبد بفيروس أصاب بالفعل أكثر من 80 مليون شخص وقتل ما يقرب من مليونين، بالإضافة إلى ضربه الاقتصاد العالمي.
لكن من المفارقات، أن "ووهان" هي اليوم واحدة من أكثر الأماكن أمانا في العالم ضد الوباء العالمي وقد استعادت عمليا النبض التجاري الذي كانت عليه قبل 12 شهرا.
وأضافت "الصحيفة" أنه لم تسجل منذ الصيف الماضي أية عدوى محلية في ووهان، وبدأت التجارة والصناعة في الانتشار بقوة.
مع الأخذ في الاعتبار أنه في شهر أيار/مايو 2020. كان لاثنين من أصل ثلاث إصابات بفيروس "كوفيد19" في جميع أنحاء العالم وجود في "ووهان"، وأن المدينة احتفظت بحجر صحي صارم لمدة 76 يوما في ظل نظام من القيود لا يمكن تصوره في أوروبا.
فليس من المستغرب أن نشاهد في التلفزيون مؤخرا الجمهور الصيني وهو يعلن قائلا: "العالم ينظر إلينا بحسد".
من ناحية أخرى، في رسالة موجهة إلى "ووهان" وكل الصين؛ أفادت صحيفة "دويتشه فيله" الألمانية مؤخرا، بأن الاقتصاد الصيني سيتفوق على الولايات المتحدة في عام 2028.
ونقلت "الصحيفة" أنه على بعد خمس دقائق سيرا على الأقدام من "السوق الرطب" في ووهان، تواصل "دار رعاية المسنين" في "رينشو تانغ" فرض تدابير أمنية صارمة. كما يُسمح للزوار فقط بالدخول إلى قاعة الطابق الأرضي، مرة واحدة في الأسبوع لكل مقيم ولمدة ساعتين.
وخلال الأزمة الصحية، لم يتمكن حوالي 600 مقيم من كبار السن و200 موظف الذين كانوا هناك يوم 20 يناير/كانون الثاني من المشي في الشارع إلا بعد ستة أشهر.
كما يتذكرون فترة الحجر الصحي بحزن حيث كانت الإمدادات الطبية والمعلومات والأمل في كثير من الأحيان مفقودة.
وأوضحت "الصحيفة" أن الطب الصيني التقليدي يعد أحد الأسباب الرئيسة لبيع الثعالب والتماسيح وأشبال الذئاب والثعابين أو الجرذان (ولكن ليس الخفافيش) التي تباع في السوق الرطب، الذي كان ولا يزال يحظى بشعبية كبيرة بين الأجداد الصينيين.
وعلى الرغم من أن "بكين" حظرت تجارة الحيوانات البرية، إلا أن استخدامها في العلاجات الطبية لا يزال مسموحا به.
معرض كورونا
أبرزت الصحيفة أن العديد من البلدان، مثل إسبانيا، عانت من عواقب عام رهيب على السياحة. لهذا السبب، فإن تحول "ووهان" إلى وجهة تحظى بتقدير المسافرين الصينيين والأجانب هو مثال آخر على مدى اختلاف الوضع في المدينة التي انطلق منها الوباء العالمي مقارنة ببقية العالم.
وفي ووهان، حتى 15 يناير/كانون الثاني 2021، يمكن زيارة معرض كبير تحت اسم "كوفيد 19" في جناح يضم أكثر من ألف صورة والعديد من الأشياء الأخرى التي تُظهر "النضال المثالي" الذي تخوضه الصين ضد الفيروس.
وفي واقع الأمر، صمّم كل شيء لإعطاء الانطباع بأن الوباء شيء تغلبت عليه الصين بالفعل. ونقلت "الصحيفة" أن أزياء الأطباء والجيش ومركبات الشرطة وشاشات الفيديو الكبيرة تملأ قاعات المعرض.
وتصل المجموعات السياحية يوميا من "بكين" والمدن الكبرى الأخرى للاستمتاع بجولة تشمل زيارة مستشفى "ليشينشان"، الذي شيّد في غضون أسبوعين، وانتشرت صوره حول العالم.
وخلال عطلة أكتوبر/تشرين الأول الوطنية، زار أكثر من 18 مليون سائح "ووهان". وعموما، تشجع وكالة السياحة الصينية بشكل خاص الأجانب المقيمين في الصين على زيارة تلك المدينة و"قول الحقيقة للعالم".
وبينت "الصحيفة" أن هذه الصورة تتعارض مع واقع المواطنين الصينيين، مثل الصحفي "تشانغ زان"، الذي نشر مقاطع فيديو علنية لحرق جثث مزدحمة، وحالة الفوضى في المستشفيات والشرطة والجنود وهم يضربون بوحشية الأشخاص الذين خالفوا قيود الحجر الصحي.
وقد حُكم على "زان" بالسجن أربع سنوات بتهمة "التسبب في الفوضى"، على الرغم من حقيقة أن معظم المعلومات التي نشرتها كانت مصورة وغير متلاعب بها وصادرة مباشرة من "ووهان".
من ناحية أخرى، على الرغم من إدانة ثمانية أشخاص آخرين على الأقل لأسباب مماثلة، فإن "زان" هو أول صحفي يُحاكم بسبب تغطيته للحظات الأولى لانتشار الوباء. في الأثناء، لا يزال ثلاثة صينيين آخرين اضطهدتهم السلطات في عداد المفقودين منذ فبراير/شباط الماضي.
وأضافت "الصحيفة" أن الفرق الرئيس بين الإستراتيجية الصينية لاحتواء الوباء والغرب، هو أن "بكين" فرضت قيودا صارمة ودون استثناءات، بدلا من تعديل القيود مع تطور الاقتصاد وعدد الإصابات.
إجراءات جدية
وخلال بداية الأزمة الصحية، كانت "ووهان" مدينة ميتة لمدة شهر ونصف، وبعد ذلك الوقت اختفت الإصابات عمليا.
بالإضافة إلى ذلك، عند اكتشاف تفشي المرض، يكون رد الفعل سريعا بشكل كبير في الصين. وعلى سبيل المثال، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، اكتشفت خمس إصابات في فندق 5 نجوم في "هونغ كونغ".
نتيجة لذلك، أخلت السلطات المبنى بأكمله في غضون ساعات، ووضعت جميع الموظفين المائة في الحجر الصحي، وأغلق الفندق لمدة أسبوعين.
أما في مدينة "تشينغداو" الساحلية، بعد اكتشاف ست حالات في المستشفى، جرى فحص حوالي 9.5 مليون ساكن في غضون خمسة أيام فقط. وفي غضون ساعات، أدخل 140 ألف عامل صحي ومرضى جدد إلى المراكز الصحية.
عموما، تنشر الصحافة الصينية باستمرار شهادات المواطنين الذين يفخرون بأنهم خضعوا للاختبار حتى عشر مرات، في حين أنهم "حزينون" على الصعوبات التي تواجهها "البلدان الأخرى"؛ حيث يشبه الوضع الواقع الذي تركوه وراءهم منذ زمن بعيد.
وبعد الوباء العالمي، منحت الصين في بعض المدن امتيازات للعمال الصحيين، حيث يتمتعون بخصم 15 بالمئة عند شراء شقة.
وفيما يتعلق بالإجراءات الاحترازية، عند مداخل المناطق الحضرية والأحياء السكنية، يفحص كود الأمن الخاص بكل ساكن يدخل أو يغادر. علاوة على ذلك، تنظف الشوارع كل يوم بالمطهر.
وعلى الرغم من أن استخدام القناع الصحي ليس إلزاميا، إلا أن معظم الناس يرتدونها طواعية. وبشكل عام، يبدو أن "ووهان" وسكانها تعلموا درسا يبدو أنه لا تزال أجزاء أخرى من العالم محكومة بتكراره.
ونقلت "الصحيفة" أن "ييب"، البالغ من العمر 31 عاما والمقيم في ووهان والذي يدرس اللغة الإنجليزية في تلك المدينة، كتب على موقع "تويتر" أنه "في الصين، كان هناك بالفعل أشخاص استخدموا القناع للخروج إلى الشارع بسبب التلوث أو لمجرد الوقاية من الإنفلونزا".
وتابع: "لذلك، فإن ارتداءه الآن لا يشكل فرقا كبيرا. أيضا، بينما يتساءل الناس في الغرب عن ضرورة استخدامه؛ في المجتمعات الآسيوية، نفكر أكثر في عواقب أفعالنا التي تترتب على الآخرين وعلى المجتمع".
قد يبدو من الخارج أننا أكثر طواعية وخضوعا، وأرى الأمر بهذه الطريقة: نحن أكثر مسؤولية ووعيا، وفق قوله. ويختم: "ماذا لو كنت أعتقد أننا تعلمنا شيئا من كل هذا؟ أعتقد أننا ما زلنا نتعلم".