عجز الموازنة وهبوط الدينار يفاقمان أوضاع الجزائريين.. الأسباب والحلول

طارق الشال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

دفعت جائحة كورونا الجزائر التي تعتمد اعتمادا شبه كلي على إيرادات النفط، إلى تقليص ميزانية 2021، ورغم هذا التقشف فإن حجم العجز في تلك الميزانية بلغ أرقاما غير مسبوقة، مع توقعات بتراجع احتياطيات النقد الأجنبي وقيمة العملة المحلية خلال العامين القادمين.  

واعتمدت الجزائر موازنة عام 2021 الأكثر تقشفا خلال الأربع سنوات الأخيرة بواقع 62 مليار دولار، بعجز غير مسبوق بلغ نحو 22 مليار دولار أي ما يعادل 13.57 بالمئة من الناتج الداخلي.

وحدد إجمالي النفقات بـ65.95 مليار دولار مقابل إيرادات بـ43.31 مليار دولار منها 32.21 مليار دولار تمثل عائدات المحروقات أي نحو 74.4 بالمئة من إجمالي الإيرادات المستهدفة.

كما رجح قانون موازنة عام 2021، هبوط احتياطات النقد الأجنبي إلى 46.8 مليار دولار بنهاية عام 2021، لترتفع إلى 47.53 مليار دولار بنهاية 2022، ثم 50.02 مليار دولار نهاية 2023.

وتوقع البنك الدولي انكماشا في الاقتصاد الجزائري بنسبة 6.4 بالمئة خلال السنة الجارية، بسبب تداعيات جائحة كورونا وتهاوي أسعار النفط المنخفضة، يصاحبه تراجع الناتج الداخلي الخام من 5.2 بالمئة العام الجاري مقابل 6.2 بالمئة السنة المقبلة.

تداعيات سلبية

تأتي تلك المؤشرات السابقة، لتكشف واقع الأزمة الحاصلة في "الاقتصاد الجزائري الريعي"، نتيجة تراجع أسعار النفط بسبب جائحة كورونا، التي عطلت الكثير من القطاعات الاقتصادية ودفعت الدولة إلى حجم إنفاق كبير تجاوز مداخيلها، مع توقعات بزيادة هذا العجز والاتجاه إلى الاستدانة في المستقبل حال استمرت الدولة على نهجها الحالي بالاعتماد على النفط كمورد أساسي.

وبحسب الخبير الاقتصادي، مقدم عبيرات، فإن "زيادة نفقات الدولة مقارنة بالمداخيل ليس وليد اللحظة بل منذ سنوات، نظرا لاعتماد الدولة على مداخيل الطاقة فقط"، مشيرا إلى أن "عجز الميزانية له تداعيات سلبية على الاقتصاد".

وأشار عبيرات، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه في "حال استمرت الجزائر على هذا النهج فإن الحكومة ستلجأ إلى الاستدانة بعد سنتين من الآن لأن هذا العجز يكلف صرف مبالغ كبيرة من الاحتياطي الأجنبي".

وتابع: "قبل مجيء رئيس الدولة عبد المجيد تبون (في 17 ديسمبر/كانون الأول 2019) كان احتياطي الصرف يفوق 65 مليار دولار، اليوم بعد أقل من عام، أصبح احتياطي الصرف في حدود 45 مليار دولار، مما يعني أن الدولة استهلكت أكثر من 20 مليار دولار".

وأضاف: "بالتالي يمكن القول بأنه خلال عامين سيستنزف الاحتياطي الأجنبي في حال استمرت الدولة على هذا النهج، وستلجأ إلى الاستدانة لسد احتياجاتها".

وتتوقع السلطات الجزائرية، تراجع إيرادات النفط والغاز بواقع 10 مليارات دولار بنهاية العام الجاري، جراء جائحة كورونا، لتستقر في حدود 23 مليار دولار نزولا من 33 مليار دولار عام 2019.

ويتراجع حجم الاحتياطي الأجنبي بسرعة كبيرة جدا، ففي عام 2014 بلغ حجم احتياطي البلاد نحو 200 مليار دولار، ومن ثم انخفض إلى أن وصل إلى 72.6 مليار دولار في أبريل/ نيسان 2019، ليصل إلى 62 مليار دولار في فبراير/شباط 2020.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي، فريد بن يحيى، أن قانون المالية لعام 2021 يهدف إلى "الحفاظ على النسيج الاجتماعي وبخاصة الطبقة الفقيرة منه وأصحاب المعاشات والأجور الضعيفة"، مشيرا إلى أن نحو 18.5 مليار دولار هي قيمة الدعم "أي ما يوازي قيمة العجز".

وأضاف ابن يحيى، في حديث لـ"الاستقلال" إلى أنه في حال تخلت الدولة عن سياسة الدعم نوعا ما فستتمكن من تخفيض هذا العجز.

وأشار إلى أن السياسة التي تتبعها الحكومة تهدف إلى تنشيط اقتصاد البلاد "ولكن هذا الأمر يتطلب تنويع الاقتصاد وتحفيز الاستثمار وإعطاء القطاع الخاص مكانته من خلال منحه امتيازات ما تقوم به الحكومة من خدمات وإيصال الدعم إلى مستحقيه فقط".

الدينار يتقهقر

وتوقعت موازنة الجزائر أن يبلغ متوسط سعر صرف الدينار مقابل الدولار نحو 142.20 خلال 2021، ونحو 149.31 دينارا في 2022، و156.78 دينارا عام 2023، ما يعادل الانخفاض في قيمة الدينار الجزائري بنسبة 5 بالمئة أمام الدولار.

ويعد انخفاض قيمة العملة المحلية أمرا بديهيا، نتيجة تراجع الغطاء النقدي له المتمثل في الاحتياطي الأجنبي للبلاد، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والتي من المتوقع لها أن ترتفع بنسبة 4.5 بالمئة خلال العام المقبل، وكذلك يضعف القيمة الشرائية للمواطنين.

وينعكس انخفاض قيمة الدينار سلبا على الفقراء وعلى الطبقة المتوسطة أيضا، نتيجة تواصل عملية تعويم العملة المحلية وتمسك الحكومة بسياسة تقليص فاتورة الواردات من خلال خفض قيمة الدينار لإطالة عمر الاحتياطي الأجنبي.

الخبير الاقتصادي عبيرات، أوضح أن "العملة هي عبارة عن سلعة تحركها آليات العرض والطلب"، مشيرا أنه "ليس هناك طلب على الدينار حتى يشهد حالة صعود وذلك نتيجة افتقار الدولة لعوامل الإنتاج التي تمكنها من خلق منتجات محلية لتقوم بتصديرها، من أجل تقليص عجز الميزان التجاري وجلب العملة الصعبة".

وبلغت قيمة الصادرات غير النفطية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري نحو 578.6 مليون دولار، أي ما يعادل 7.6 بالمئة من المبيعات الجزائرية نحو الخارج خلال هذه الفترة مقابل 92.4 بالمئة من صادرات النفط.

كما ارتفع العجز في التجارة الخارجية للجزائر بنسبة 26 بالمئة في الربع الأول 2020، إلى 1.5 مليار دولار، مقابل 1.19 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2019.

وفي السياق، أوضحت الباحثة في الشأن الاقتصادي، أبرار سامي، لـ"الاستقلال"، أن الخلل الحاصل في عملية التوازن بين تهاوي الإيرادات النفطية مع انخفاض الصادرات غير النفطية وركود السياحة التي لا يتجاوز عددها 3 آلاف سائح منذ 20 عاما وغيرها من العوامل الأخرى المتأخرة الداعمة للدينار، "ينذر بضرورة إيجاد حلول حقيقية توقف تآكل جيوب المواطنين".

مسار إجباري

يبقى طوق النجاة الوحيد في هذه الأزمة، هو البحث عن بدائل حقيقية ترفع من حجم القطاع الصناعي والزراعي والإنتاجي، من أجل مضاعفة الإيرادات غير النفطية.

واعتمدت الحكومة في ميزانية سنة 2021، تدابير مشجعة لرفع حجم الصادرات غير النفطية، بهدف زيادة إيرادات الخزينة العمومية بالعملة الصعبة من ملياري دولار إلى 7 مليارات دولار السنة المقبلة.

ويعد أبرز هذه التدابير هو الإعفاء الدائم لعمليات تصدير السلع والخدمات التي تدر العملة الصعبة على البلاد، ما يعطي علاقة طردية بين مدخولات البلاد من العملة الصعبه وحجم المنتوج الذي يحققه المتعاملون (المصدرون)، من أجل دعم وزيادة الصادارت وإزالة ما عليها من أعباء محلية.

وطالب "عبيرات"، بأن "يتم تمويل الإنفاق العام عن طريق الإيرادات المحلية (الضرائب والرسوم والجبايات) بنسبة لا تقل عن 70 بالمئة، حتى يكون إيرادات هذه القناة، أعلى من الإيرادات النفطية".

وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، صرح وزير المالية الجزائري، أيمن بن عبد الرحمن، بأن ميزانية 2021 لم تعتمد في وضعها على الإيرادات النفطية إلا بنسبة 30 بالمئة"، مضيفا: أن "جل الإجراءات المتخذة جاءت لإعادة التوازنات الأساسية للمالية العمومية".

وأشار الوزير إلى التدابير التي جاءت في مشروع القانون والمتعلقة بمكافحة الغش والتهرب الضريبي وكذلك تضخيم الفواتير، وذلك من خلال "إنشاء نظام اليقظة الجبائية (هيئة) لمكافحة هذه الظواهر (الغش وتضخيم الفواتير..)، إلى جانب إدراج بند يلزم تقديم بيانات حول الموردين والزبائن غير الماديين من طرف المكلفين بالضريبة".

واقترح ابن عبد الرحمن، "إنشاء نظام اليقظة الجبائية (هيئة) لمكافحة هذه الظواهر (الغش وتضخيم الفواتير..)، إلى جانب إدراج بند يلزم تقديم بيانات حول الموردين والزبائن غير الماديين من طرف المكلفين بالضريبة".

فيما يشير الخبير الاقتصادي "ابن يحيى"، إلى ضرورة العمل على تطوير القطاع الصحي للتعافي من أزمة كورونا سريعا، والتوجه إلى الاقتصاد الرقمي.

وأضاف: "كذلك، يجب تشريع بعض القوانين التي تسهل على أصحاب القطاع الخاص أعمالهم على أن يسمح لهم بتحويل الأموال وفقا لصادراتهم وليس حجم إنتاجهم حتى لا يثقل ميزانية الدولة، بالإضافة إلى مراقبة المشاريع الحكومية لمنع الفساد المالي، وتشجيع الاستثمار الأجنبي".

وفيما يتعلق بتشجيع الاستثمارات الأجنبية، أشار الوزير "ابن عبد الرحمن" إلى تعديل المادة 49 من قانون المالية التكميلي لسنة 2020، بإدراج إجراء يعفي المستثمرين الأجانب العاملين في القطاعات خارج استيراد المواد الأولية والبضائع الموجهة لإعادة البيع على حالها.

وتوقع الوزير نسبة نمو اقتصادي في حدود 4 بالمئة العام المقبل، مع ارتفاع عائدات المحروقات إلى 23.21 مليار دولار في 2021 على أساس سعر مرجعي لبرميل النفط بـ40 دولارا، لترتفع العائدات إلى 28.68 مليار دولار في 2022 وتتراجع إلى 26.45 مليارا خلال 2023.