خلافات متصاعدة.. هل تعصف "قائمة الحضور" بالحوار الليبي في تونس؟

12

طباعة

مشاركة

أكملت تونس جميع الاستعدادات لاستضافة الحوار الليبي المزمع عقده ابتداء من 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، "بهدف تحقيق رؤية موحدة حول ترتيبات الحكم التي ستفضي إلى إجراء انتخابات في أقصر إطار زمني".

أطراف دولية تعلق آمالا كبيرة على ملتقى الحوار السياسي الليبي، برعاية الأمم المتحدة، والذي يأتي بعد اجتماعات عدة خاضها الفرقاء الليبيون في عواصم أوروبية وعربية.

تمكن الفرقاء من الشروع في تنفيذ البنود المتفق عليها لوقف إطلاق النار، لكن المخاوف تبقى قائمة من احتمال تعقد المباحثات في أي لحظة.

في المقابل، تتوجس عدة أطراف سياسية وعسكرية خيفة في الغرب الليبي من الأسماء الـ75، التي اختارتها البعثة الأممية للمشاركة في حوار تونس، من أجل اختيار مجلس رئاسي جديد، وحكومة منفصلة، وتسمية مسؤولي المناصب السيادية السبعة.

أبرز التحفظات التي يطرحها قادة عملية "بركان الغضب" التابعة لجيش حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، الغموض في طريقة اختيار أسماء يقولون إنها لا تملك ثقلا سياسيا أو عسكريا.

أيضا تشكو "بركان الغضب" من عدم وجود من يمثلهم في هذا الحوار المصيري، رغم أنهم لعبوا الدور الأساسي في طرد مليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر من الغرب الليبي، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من اقتحام العاصمة طرابلس.

سباق المباحثات 

يستند ملتقى الحوار السياسي الليبي، وفق البعثة الأممية، إلى "التقدم المحرز والآراء التوافقية التي أسفرت عنها المشاورات الأخيرة بين الليبيين، بما في ذلك توصيات مونترو، والتفاهمات التي تم التوصل إليها في بوزنيقة المغربية والقاهرة".

ونجحت سلسلة من الجولات عبر عواصم عربية وغربية، من الانتقال بالفرقاء الليبيين من مربع الحرب إلى ساحة الحوار، بعد فشل خليفة حفتر وحلفائه في تحقيق مطامعه بالسيطرة على العاصمة طرابلس (غربا). 

وقبل عقد المحادثات السياسية المباشرة في تونس، جمعت البعثة المشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي في اجتماعات تمهيدية عبر الاتصال المرئي بدأت في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

شملت هذه الاجتماعات أيضا مشاورات مع شرائح كبيرة من المجتمع الليبي، بما في ذلك الشباب والنساء والبلديات، سيُطلب منها تقديم توصيات ملموسة للمشاركين في ملتقى الحوار السياسي بتونس.

قوائم الحضور 

رغم التفاؤل القائم من خارج ليبيا وداخلها حول ما قد يحمله حوار تونس من إنهاء فعلي لصراع استمر لقرابة الـ10 سنوات في ليبيا منذ انفجار ثورة 17 فبراير/شباط 2011 في الموجة الأولى للربيع العربي، فإن اختيار الأسماء المشاركة في الحوار أثار توجس عدد من القوى الثورية بالمنطقة الغربية.

في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2020، كشفت البعثة الأممية لدى ليبيا، قائمة نهائية ورسمية تضم 75 شخصية ستشارك في اجتماعات الحوار، قالت إنهم يمثلون كافة التوجهات السياسية والاجتماعية، للمشاركة في الملتقى. 

وأعلن ائتلاف القوات المساند لعملية بركان الغضب، رفضه تمثيل كافة أطراف ملتقى الحوار الذي شكلته وتشرف عليه البعثة الأممية في ليبيا، تمهيدا لاجتماعات تونس المرتقبة من أجل إنهاء الصراع.

ووصف الائتلاف المشاركين في ملتقى الحوار بأنهم "فاقدو الشرعية، وأنهم كانوا سببا فيما تمر به ليبيا اليوم من عدم الاستقرار وتردي الأوضاع".

كما استنكر الائتلاف ما وصفه بـ"دور عمل بعثة الأمم المتحدة في ليبيا غير المتوازن"، وطالب البعثة بـ"الكف عن العبث بمصير الليبيين، والالتزام بمهامها وفق القوانين الدولية المنظمة لعمل البعثات".

لكن رئيسة البعثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، ردت في بيان، على الانتقادات بخصوص آلية اختيار 75 شخصية ليبية للحوار، بالقول: "ما يهم الشعب الليبي هو ماذا وليس من، بمعنى ماذا ينتج عن الحوار وليس من يشارك فيه".

في المقابل يرى عدد من معسكر حفتر أن القائمة الأممية أعطت الإخوان المسلمين مقاعد تتجاوز بكثير حجم حضورهم الحقيقي شعبيا وسياسيا.

وأعلن رئيس لجنة المصالحة بالمجلس الأعلى لقبائل ليبيا زيدان معتوق الزادمة انسحابه من القائمة المقترحة، مبررا قراره بوجود "شخصيات جدلية وأخرى إخوانية داعمة للإرهاب وغيرها ممن كانت السبب في معاناة الليبيين طيلة الأعوام الـ9 الماضية"، وفق ما نقلت صحيفة "العرب" اللندنية.

ويرى الزادمة أن رؤية البعثة الأممية غير واضحة في إنهاء المشاكل الليبية، وهناك من يحاول إعادة تدوير بعض الشخصيات غير المرحب بها وإطالة أمد الأزمة.

شكوك ومخاوف

كما أثار الإعداد لهذا الحوار الكثير من الشكوك والمخاوف من أن ينتهي المطاف بمنتدى تونس إلى دائرة مفرغة تمنعه ​​من تحقيق اختراق جاد ينهي الجمود السياسي الحالي الذي عمقته أجندات وحسابات إقليمية ودولية متناقضة تتعلق بالمصالح الإستراتيجية للقوى المؤثرة في الملف الليبي.

وتضاعفت الرحلات المكوكية لقادة ليبيا الحاليين بين عواصم دول عربية، آخرها زيارة رسمية يجريها وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا للقاهرة، ولقاءات غير معلنة بين وفدي مجلسي الدولة ونواب طبرق في المغرب.

كل هذه الرحلات المكوكية أعقبت زيارات أجراها مسؤولون ليبيون آخرون إلى عواصم مالطا وتركيا وإيطاليا والمغرب، دون أن يتحدث أي طرف عن أسباب تلك الزيارات ونتائجها.

رئيسة البعثة الأممية في ليبيا والتي حظيت بكم كبير من الانتقادات على خلفية اختيار الأسماء المشاركة، تعتبر مؤتمر تونس الفرصة الأخيرة أمام الليبيين، لتثبيت وقف دائم لإطلاق النار وإنهاء الفترة الانتقالية بانتخابات عامة وشاملة.

ويليامز اعترفت بأنها لا تمتلك خطة بديلة حال فشل حوار تونس السياسي، قائلة: "لا أعتمد على حلول بديلة بل على حلول أساسية، ونحن مصممون على مسار ليبي، ويجب أخذ العبر مما حدث على طاولة اجتماع اللجنة العسكرية (5+5)، حيث تمتع المشاركون بشجاعة التصافح والعمل معا من أجل توحيد البلاد بعيدا عن الاختلاف".

المتحاورون في بوزنيقة والقاهرة وأخيرا في غدامس يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، يرون أنهم أقرب إلى الاتفاق والدفع بتوحيد مؤسسات الدولة الليبية ومن بينها المؤسسات الأمنية والعسكرية وإنهاء حالة الفوضى وإقرار دستور جديد للبلاد يمهد لتنظيم انتخابات ديمقراطية.

إلا أن مرااقبين يرون أن هنالك ملفات عالقة ومعقدة تم تغييب الأطراف المؤثرة فيها وهي الحاملة للسلاح وصاحبة الدور الأكبر والكلمة الفصل في الوضع الليبي، حيث إن طرح فكرة تفكيك المجموعات المسلحة قد يعصف بأي اتفاق مالم يتزامن مع حوار مباشر وتطمينات حقيقية.

الخلاف القائم

المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش قال: "يوجد فرق بين الرفض للحوار والرفض لقائمة الحضور، بينما هناك تباين في وجهات النظر بين الليبيين حول أجندة الحوار ومن هي أطرافه ومن ينظمه، إلا أن معظمهم لا يختلفون حول مبدأ أنه لا سبيل إلى حل المشكلة الليبية إلا عبر الحوار، وليس هناك خلاف كبير حول دور الأمم المتحدة".

وأضاف البكوش في حديث للاستقلال: "أما بالنسبة لرفض البعض لقائمة الحضور - وهو رفض جزء منه موضوعي بكل تأكيد- فهو متوقع ولا أعتقد أنه سيزول إلا إذا كانت قائمة الحضور تشكلت عبر انتخابات".

وتابع: "الخلاف الأساسي هو حول أجندة الحوار، فنحن كليبيين نقف أمام خيارين: إما أن نقامر في تونس على أن الأجسام الحالية التي تسببت في لجوء الليبيين إلى برنامج الغذاء العالمي اليوم ستصنع الأفضل غدا، وإما أن ننجح في وضع ثقتنا في الشعب ليختار عبر انتخابات تشريعية، ويطلق دماء جديدة تقود الوطن إلى مستقبل أفضل".

وتساءل المحلل السياسي: "هل سندع الحاضرين في تونس يتقاسمون السلطة ويدفعون بنا في غياهب فترة انتقالية أخرى لا نعرف متى تنتهي؟، أم أننا سنخرج من تونس بموعد وآليات ذات مصداقية ترجع الأمانة إلى الشعب ليختار عبر انتخابات جسم تشريعي جديد (برلمان) بشرعية جديدة يتولى تشكيل حكومة واستكمال الاستحقاق الدستوري؟. نجاح الحوار يعتمد على أي خيار سيذهب المجتمعون في تونس".