"تجميع السيارات" المستوردة.. لماذا ازدهر في المغرب وتراجع بالجزائر؟

12

طباعة

مشاركة

سجلت صادرات السيارات في المغرب تراجعا بـ28.7 في المائة، إذ بلغت قيمتها 32 مليار درهم (1 دولار = 9.30 دراهم) في نهاية يوليو/ تموز 2020، مقابل 45.9 مليار درهم نهاية يوليو/ تموز 2019.

هذا التراجع يبقى طفيفا مقارنة بما حققه القطاع في السنوات الأخيرة، وهو ما أكده تقرير حديث لوكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني العالمي.

وقال التقرير: إن قطاع صناعة (تجميع وتركيب) السيارات في المغرب لم يتأثر بتداعيات جائحة "كوفيد 19"، وأنه لازال من بين الأسواق الأكثر جاذبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

يعود جزء من هذا الازدهار إلى الأزمة التي عاشها القطاع في الجارة الجزائر، بعدما قاد الحراك الشعبي كبار المستثمرين فيه إلى السجن، بتهم ثقيلة أبرزها الفساد وتبديد المال العام، وقدرت محكمة جزائرية الخسائر التي تكبدتها الخزينة العامة للدولة بـ 1.3 مليار دولار.

فرص هائلة

يمثل قطاع السيارات في المغرب، أحد أكبر القطاعات المنتجة للثروة، بحسب ما أفاد تقرير أصدرته وكالة "فيتش" الأميركية للتصنيف الائتماني العالمي، في يوليو/ تموز 2020، مشيرا إلى أن المغرب حصل على أعلى نتيجة نمو في إنتاج السيارات، بلغت 83.9 من أصل 100 نقطة.

واعتبرت الوكالة أن الفضل في ما وصفته بـ"القفزة النوعية" يقود لاعتماد المغرب على "نظرة مستقبلية قوية لنمو الإنتاج وانخفاض تكاليف العمالة والسياسة الصناعية الذكية".

وأوضحت الوكالة الدولية أن العديد من شركات السيارات العالمية تختار المغرب (في عملية تجميع وتركيب السيارات) لموقعه الجغرافي الإستراتيجي الذي يقطع بين منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا، وكذلك بالنظر إلى الفرص التجارية الهائلة التي يتيحها للمستثمرين الدوليين.

وأشار تقرير "فيتش" إلى أن المغرب يوفر أيدي عاملة رخيصة ومؤهلة، بالإضافة إلى قوة سياسته الصناعية، كما تدعم الحكومة المغربية نشاط تطوير صناعة السيارات.

ووصلت تكلفة اليد العاملة في قطاع السيارات بالمغرب إلى 10 مرات أقل من فرنسا، رغم أن المعدل الرسمي للبطالة في المغرب يظل معلقا منذ سنوات حول 10% من القوى العاملة، ويعد ذلك شيئا لا يستهان به، خاصة وأن الأجور تتراوح بين 370 و460 يورو أي أعلى بكثير من الأجر الأدنى المحدد بما يعادل 218 يورو.

وإلى جانب مصنعي السيارات الفرنسيين "بي اس اي" و"رونو"، اللذين يديران مصانع إنتاج في المغرب، يستثمر العديد من موردي قطع غيار السيارات العالميين في المملكة.

قبل صدور التقرير بأيام قليلة، صرح وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي والأخضر المغربي، حفيظ العلمي، أن صناعة السيارات بالمغرب شهدت تقدما كبيرا، ما ساعدها أن تصبح من أهم الصناعات تنافسية على المستوى القاري والإقليمي.

وقال: إن التنافسية الصناعية للمغرب تظهر في نجاحه في عقد عدة شراكات، من بينها الشراكة التي أبرمتها المملكة ضمن منظومة صناعية مع المجموعة الأميركية "بوينغ"، إذ تعمل على تصنيع عدد من الأجزاء لفائدة طائراتها.

الجزائر تتراجع

في غضون سنوات قليلة أصبحت السيارات أهم صادرات المغرب متقدمة على المواد التقليدية مثل الفوسفات والمنتجات الزراعية الغذائية.

كانت هذه نتيجة إستراتيجية انطلقت سنة 1959 لتصل في 2007، إلى إبرام الاتفاق التاريخي بين المملكة ومجموعة "رينو" لبناء مصنع تجميع سيارات كبير بمدينة طنجة (شمال المغرب).

أشارت آخر الأرقام إلى أن قيمة صادرات المغرب من قطاع السيارات بلغت 71.326 مليار درهم (7.4 مليار دولار) بنهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، مقابل 67.659 مليار درهم (7.02 مليار دولار) بنهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، بارتفاع 5.4 بالمائة.

وأشارت الأرقام الرسمية إلى خسارة الجزائر 5 مليارات دولار في 2018، بينما تبلغ خسائرها سنويا 422 مليون دولار بفعل الامتيازات الممنوحة لمصانع التجميع، مقابل ارتفاع أسعار المركبات المحلية بنحو الضعف، مقارنة بالسيارات المستوردة.

في فبراير/ شباط 2020 أصدرت الحكومة الجزائرية قرارها النهائي في مصير مصانع تجميع السيارات، وأقرت بأنه "لا امتيازات جبائية جمركية كانت أو ضريبية مستقبلا، وإن كانت عودة وكلاء السيارات المعتمدين واردة، فوزارة الصناعة والمناجم قررت إعادة النظر في المنظومة التشريعية التي تحكم القطاع لنزع الألغام التي زرعت في مفاصله، والتعامل مع الاستثمارات الأجنبية في الجزائر دون النظر إلى جنسيتها".

دخلت الجزائر القطاع في 2013، بعدما بلغت فاتورة استيراد السيارات مستوى قياسيا بقيمة 7 مليارات دولار لجلب 600 ألف مركبة خلال العام 2012. 

واستوردت الجزائر خلال 15 عاما 4 ملايين سيارة بقيمة 25 مليار دولار دون حساب فاتورة استيراد قطع الغيار، وفق الديوان الوطني للإحصاءات، حتى أصبحت فاتورة استيراد السيارات غير قابلة للاستمرار لأنها تهدد التوازنات المالية للبلد.

لكن القطاع شهد نموا سريعا بفضل الإعفاءات الجمركية والضريبية والتسهيلات البنكية والإدارية الكبيرة.

وكشفت تقارير رسمية صدرت في أعقاب الحراك الشعبي، عن فساد كبير واختلاسات في القطاع، إذ فرضت دفاتر الشروط على مصانع تركيب السيارات إدماج قطاع الغيار المصنع محليا بنسبة 15% في الثلاث سنوات الأولى و40%  خلال 5 سنوات، وهو ما لم يتحقق، ما كبد الدولة خسائر كبيرة.

قبل الحراك 

في مقال تحليلي نشره الصحفي الاقتصادي، جان بيار سيريني، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 بمجلة "لو نوفيل إيكونوميست" الفرنسية، قال: إن المغرب اختار الانفتاح على الخارج والمشاركة بحصة غالبة لرأس المال الأجنبي في مصانعه (ما يقارب 80% في صوماكا و52.4 % في شركة رونو ـ طنجة).

وأوضح المتخصص أن المملكة قلصت إلى أدنى حد مطالبها الضريبية واستفادت من مساعدة القوة الاستعمارية السابقة في بنياتها التحتية، فقد قدمت لها الوكالة الفرنسية للتنمية في سبتمبر/ أيلول 2010 قرضا بـ20 مليون يورو لإنشاء 4 معاهد للتكوين (التدريب) المهني المتخصص في صناعة السيارات.

وفي المقابل، يقول سيريني: "كان هناك تصدير كبير لمنتج صناعي لم يكن موجودا في النظام الإنتاجي التقليدي".

لكن جاراها المغاربيان (الجزائر وتونس)، يفيد المقال، قاما باختيار مختلف: مصانع تركيب ذات حجم صغير موجه فقط لتلبية السوق المحلية تحتفظ فيها الدولة - أو مجموعات وطنية خاصة في الجزائر - بالأغلبية مع إعفاءات ضريبية مماثلة وأسعار عند البيع أكثر ارتفاعا.

تابع الصحفي الفرنسي: "قامت الجزائر بصفة فعلية بحظر استيراد السيارات الجديدة منذ 2017، مجبرة الصناعيين الأجانب على إنجاز ورشات تركيب محلية".

أما تونس فأقامت من جانبها مصنعا لإنتاج 3500 "بي كاب" (سيارات لنقل الحيوانات والخضار) سنويا، وخلقت عددا قليلا من فرص العمل (أقل من 400) وهو أكثر تكلفة من نماذج أحدث ولا يعود بنفع يذكر لاقتصاد البلاد (أقل من 10 ملايين يورو تم استثمارها).

خطوات متعثرة

في يونيو/ حزيران 2019، نشرت دكتورة كوراد فاطمة أستاذة الاقتصاد بجامعة "علي لونيسي" بالجزائر دراسة بعنوان "إستراتيجية تنمية صناعة السيارات في المغرب والجزائر.. عوامل النجاح والدروس المستفادة".

الدراسة قالت: "عكس التجربة المغربية الناجحة، ما تزال خطوات الجزائر في بناء هيكل صناعي متنوع وفعال متعثرة بعيدة عن الجدوى الاقتصادية وإمكانية الاندماج في النشاط الاقتصادي المحلي وذلك رغم الإمكانات المادية المعتبرة والتحفيزات الجبائية التي منحت للمستثمرين بهدف تنمية وتطوير القطاع".

وأرجعت الدراسة السبب الأساسي إلى غياب رؤية في  بناء سياسة واضحة الأهداف لتطوير القطاع بمشاركة مختلف المتعاملين والمستثمرين المحليين والأجانب.

واستندت إلى الباحثين الذين يجدون أن دوافع لجوء الجزائر لتطوير قطاع صناعة السيارات إلى أسباب غير مرتبطة بالدور الذي يمكن أن يؤديه القطاع في تحريك النشاط الاقتصادي، بل إلى دوافع مرتبطة بانحصار قدرة الدولة على تمويل الاستيراد المباشر للسيارات نتيجة تراجع أسعار النفط والالتفاف على نظام الحصص الممنوحة لاستيراد السيارات.