موقع إيطالي: هكذا سيغير اكتشاف حقل الغاز الكبير مصير تركيا

نشر موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي، تقريرا سلط فيه الضوء على الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية لإعلان أنقرة اكتشاف حقل عملاق للغاز الطبيعي والمكاسب المحتملة لتركيا إقليما وداخليا بفضل هذا الاكتشاف الكبير.
وقال الموقع: إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أصدر بعد ظهر الجمعة (23 أغسطس/ آب 2020) إعلانا تاريخيا، حول اكتشاف حقل عملاق للغاز الطبيعي داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا على البحر الأسود.
ويُقدر بأن يلبي إنتاج هذا الحقل، الطلب الوطني على الطاقة والدول المجاورة في وقت واحد مثل اليونان وبلغاريا، مما سيحول تركيا إلى مُصدر للطاقة في الأطراف الشرقية للقارة القديمة.
حجم الاكتشاف
جاء إعلان الاكتشاف في سياق خطاب طال انتظاره بعد أن كان مرتقبا في الأيام السابقة، توجه به الرئيس التركي إلى شعبه. وبعيدا عن أي دعاية، من المرجح أن يعيد اكتشاف هذا الحقل- إذا تم التأكد من حجمه- رسم خريطة الطاقة للمنطقة بالكامل لصالح تركيا.
وأشار ''إنسابد أوفر'' إلى أنه طالما كان أحد أهداف أردوغان الأساسية، تحويل البلاد إلى مركز رئيسي لإنتاج الطاقة بدرجة معينة من الاستقلالية والتحرر من واردات النفط والغاز الأجنبية.
وأوضح الموقع أنه بالنظر إلى كون استقلال الطاقة المفتاح لبقاء الأمم، فإنه في هذا السياق من المنافسة الوجودية يندرج الضغط على روسيا لكي يتخذ خط أنابيب الغاز الطبيعي "ترك ستريم" شكله الحالي، إضافة إلى الصراع مع اليونان وقبرص في بحر إيجة وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، وأيضا التنويع في الموردين، مع زيادة شراء الغاز الطبيعي المسال الأميركي، والتوق مؤخرا إلى الانضمام إلى النادي الحصري للقوى النووية".
ولفت الموقع إلى أنه في الوقت الذي كان فيه اهتمام السياسيين والمحللين موجها نحو شرق البحر الأبيض المتوسط، بسبب تصاعد التوتر في الأشهر الأخيرة، انطلقت أنشطة التنقيب تحت الماء لسفن البحث والحفر التركية بوتيرة سريعة في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبحر الأسود.
وهنا على وجه التحديد، في ما يسمى منطقة ''تونا 1'' المطلة على الحدود البحرية لبلغاريا ورومانيا، تمكنت سفينة ''فاتح''، التي تحمل اسم الشخصية التاريخية المفضلة لأردوغان، محمد الثاني، فاتح القسطنطينية، التي بدأت مهمتها في الاستكشاف والتنقيب منذ منتصف يوليو/تموز 2020، من اكتشاف حقل غاز كبير في محاولتها التاسعة.
ويجعل حجم الاحتياطات، التي من المتوقع أن تبلغ 320 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، من هذا الاكتشاف الأكبر على الإطلاق منذ أن بدأ أردوغان سباق الطاقة، وأمر بالبحث والتنقيب في مياه ما يسمى ''مافي فاتان''، مثلث بحر إيجة الأسود- الشرق أوسطي.
ولفت الموقع إلى أنه "إضافة إلى جودة الغاز العالية، فإن هناك مؤشرات قوية، مكتسبة أثناء تخطيط المنطقة، فيما يتعلق باحتمال وجود حقلين آخرين متجاورين يمكن أن يكون لهما نفس الحجم".
ونوه إلى أن التفاؤل من الطبيعي أن يكون الاحتمال مرتفعا، فإنه على الرغم من أن كمية الغاز القابلة للاستخراج والتسويق غير واضحة، لكن أردوغان في سياق الخطاب الذي ألقاه إلى الشعب- الذي حظي بمتابعة ملايين من المشاهدين- ذكر أن "الاحتياطيات المكتشفة حديثا ليست سوى جزء من موارد أكبر. سنستمر في اكتشافها في المستقبل القريب، وأن تركيا قد بدأت عصرا جديدا".
نقطة تحول
أورد الموقع بأن أعمال الاستخراج ستبدأ قريبا لأن الهدف هو تسويق الغاز الموجود في رواسب "تونا1" بحلول عام 2023. وخلال السنوات الثلاث التي ستفصل تركيا عن اكتساب صفة القوة الطاقية، أعد أردوغان خطة عمل وقام بتوضيحها بإيجاز خلال خطابه، مواصلة وتكثيف أنشطة البحث والحفر في مثلث "مافي فاتان"، لا سيما في شرق البحر الأبيض المتوسط.
ولأسباب تتعلق بالبراغماتية، يمكن أن يحدث تحول جزئي في التركيز من المياه الإقليمية اليونانية إلى المياه القبرصية، بحكم حقيقة أن ''نيقوسيا'' لديها درع دفاعي أقل حدة من درع أثينا، لأنها لا تعد طرفا في الحلف الأطلسي، وفقا للموقع.
وبحسب الموقع الإيطالي، فإنه يمكن استخدام الغاز المستكشف كبطاقة أخرى ضد أثينا، مع إمكانية استغلال الغاز التركي بأسعار مناسبة والمشاركة في بناء البنى التحتية التي ستنقله. وفي المقابل، تحصل أنقرة على تنازلات سياسية، مثل تغيير الاتجاه فيما يتعلق بهدف أساسي آخر لأجندة أردوغان الخارجية، مراجعة معاهدة لوزان.
وأردف: بالتالي، فإن الطاقة ليست سوى جزء من المشكل، إذ كان من المحتمل أن تتبع تركيا نفس طريقة العمل الحالية في بحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط حتى في حال عدم وجود رواسب هيدروكربونية مفترضة. لأن الغرض الحقيقي هو إعادة كتابة- على الأقل جزئيا- التقسيم الجغرافي في لوزان والذي منح اليونان كامل جزر دوديكانيز، مما أدى إلى تجميد أي طموح بحري تركي ينبع من غرب الأناضول.
وبصرف النظر عن اليونان وقبرص، يؤكد الموقع أنه "سيكون لاكتشاف حقل الغاز أيضا تداعيات إيجابية على موقف أنقرة على طاولات التفاوض الأخرى، على سبيل المثال في بلغاريا، وهي دولة تعتمد على روسيا في تلبية 80 بالمئة من احتياجاتها السنوية من الغاز والتي ستستفيد على الأرجح من الفرصة للتوجه نحو تنويع موردي الطاقة".
اكتفاء ذاتي
أكد الموقع أنه إضافة إلى العواقب المحتملة للاكتشاف على المستوى الإقليمي، ستكون هناك تأثيرات هامة داخليا، فإن تركيا تعتبر مستوردا كبيرا لمنتجات الطاقة، وفي العام الماضي أنفقت 41 مليار دولار على شراء هذه السلع، بشكل أساسي من روسيا وأذربيجان وإيران وقطر والولايات المتحدة. لكن الحجم المقدر لهذا الحقل تجعل من الممكن استغلاله للاستخدام والاستهلاك في السوق المحلية والأجنبية لمدة سبع سنوات.
وأشار الموقع إلى أنه بالنسبة لبلد لم يتمكن أبدا من تلبية أكثر من واحد بالمئة سنويا من طلبه السنوي، بتوفر مخزون غاز متواضع، فإن هذا الاكتشاف المفاجئ يكتسب أهمية تاريخية حقيقية.
وزاد قائلا: كما إن إمكانية وجود حقول أخرى في نفس المنطقة ذات حجم مماثل، واكتشاف رواسب بقيمة 286 مليار متر مكعب من الغاز في شرق تراقيا في الأشهر الأخيرة، يمهد الطريق لعملية الاستقلال الحقيقي الطاقي.
وخلص الموقع إلى أنه في السنوات المقبلة، يمكن التوقف عن اعتبار الطاقة والاقتصاد نقاط الضعف بامتياز لتركيا، لأن الاكتشافات في الجانب الأول سيكون لها آثار إيجابية حتمية على الجانب الثاني (الاقتصاد) وستؤدي إلى تعافي الليرة بعد أشهر من السقوط المستمر.
واختتم ''إنسابد أوفر'' الإيطالي تقريره بالقول: ستشهد أهمية تركيا الجيوإستراتيجية زيادة كبيرة على حساب دول الجوار كاملة، من جنوب البلقان إلى روسيا، التي ستلحق بها أكبر الخسائر، حيث ستشهد تحول الزبون التاريخي إلى منافس. بينما يمكن للبيت الأبيض أن يستخدم بطاقة الغاز لإقناع أثينا وأنقرة بحل نزاعاتهما بشكل نهائي، وتحقيق النتيجة المزدوجة المتمثلة في تقوية أحد أركان الحلف الأطلسي اللينة واحتواء نفوذ الكرملين في شرق البحر المتوسط.