ما أسباب إدراج العراق ضمن الدول الخطرة ماليا على أوروبا؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن عمليات الفساد وتهريب الأموال الكبيرة التي تديرها المليشيات والأحزاب السياسية منذ عام 2003 بالعراق، كانت كفلية في الإبقاء على البلد مدرجا ضمن القائمة الأوروبية السوداء للدول عالية المخاطر في مجال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وثبتت المفوضية الأوروبية في يوليو/تموز 2020، إدراج العراق إلى جانب دول أخرى مثل أفغانستان، وباكستان، وسوريا، واليمن، وإيران وكوريا الشمالية، ضمن قائمة الدول التي تشكل مخاطر مالية على الاتحاد الأوروبي، بسبب قصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وتقول "المفوضية": إن تلك الدول تشكل تهديدا كبيرا على النظام المالي للاتحاد الأوروبي. وبموجب قوانينه، فإن البنوك والشركات المالية الأخرى وشركات الضرائب ملزمة بتدقيق أكثر تأنيا تجاه زبائنها الذين لديهم تعاملات مع الدول المدرجة في القائمة.

الآثار المترتبة

وفي ظل أزمة اقتصادية كبيرة يعيشها العراق نتيجة تراجع أسعار النفط والذي يمثل أكثر من 90 ٪ من وارداته المالية ولجوئه إلى الاقتراض الداخلي والخارجي، يدور تساؤل ملح حول الآثار المترتبة على البلد جراء قرار المفوضية الأوروبية.

رئيس اتحاد رجال الأعمال العراقيين الخبير الاقتصادي راغب رضا بليبل، قال في حديث لـ"الاستقلال": إنه "منذ أشهر عدة كان هناك تقييم للوضع العام في البلد وقدم تقريرا بذلك، لكن تقرير المفوضية الأوروبية الذي خرج مؤخرا كان فيه تجن واضح، وليس كما توصلت إليه المفاوضات بين العراق وتلك الجهات".

وأكد بليبل أن العراق سيتضرر دوليا من القرار، "لأنه بالأساس هناك معاناة في الداخل وخصوصا في وضع رجال الأعمال والمستوى الحياتي، لأننا نعيش أزمات مستمرة منذ عام 2008، وتنعكس إلى وسائل الإعلام الخارجية بشكل سلبي".

ولفت إلى أن قرار المفوضية سيجعل وضع العراق بخصوص الاقتراض الخارجي أصعب، لأن الدول ستضع شروطا وقواعد مشددة، ولكن على بغداد معاجلة سوء الإدارة والمشاكل الداخلية، لأن الاقتراض يعبر عن فشل الدولة.

وبحسب بليبل، فإن تقييم المفوضية فيه مغالاة، وبالتأكيد أنه جاء نتيجة للسياسة العراقية، لأن البلد غير واضح مع أي المحاور يقف في ظل الصراع الدائر بالمنطقة، والذي أثر على الكثير من الدول.

وعزا الخبير الاقتصادي قرار المفوضية الأوربية أيضا، إلى الوضع الذي يمر به العراق من نزاعات داخلية، لأن هناك قرارات تتخذها الحكومة ولا تنفذ، إضافة إلى تفشي الفساد الإداري والمالي، فضلا عن أن البلد لا يخلو حاليا من غسيل الأموال.

وبيّن بليبل أن المشكلة تكمن في مزاد العملة للبنك المركزي العراقي، إذ يمنح 54 مصرفا محليا مبالغ كبيرة من الدولار الأميركي، وعندما تقارنها باحتياجات البلد من العملة الصعبة للاستيراد سنجد فرقا كبيرا، لأن الفرق يذهب إلى الخارج وهذا مؤشر سلبي على البنوك العراقية.

وعن الآثار المتوقعة في حال اعتمد الاتحاد الأوروبي بغداد في القائمة، أوضح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن من شأن ذلك أن يكون له تأثير اقتصادي واجتماعي ضار على البلاد، وسيؤثر في التعاون مع الدول الأعضاء في الاتحاد بموجب اتفاقية الشراكة والتعاون بين الجانبين.

بيئة مضطربة

وعن أسباب وتداعيات قرار المفوضية الأوروبية، قال الخبير المالي والاقتصادي صفوان قصي: إن "القرار يعني أن على البنك المركزي العراقي أن يشدد الرقابة على المصارف العامة والخاصة".

ولفت قصي خلال مقابلة تلفزيونية في 9 يوليو/ تموز 2020 إلى أن "المصارف العراقية لديها مجموعة من الإجراءات ضمن نظام مالي لإدارة الخطر، حتى يفضي إلى الامتثال لأوامر التحري عن جنس الدينار العراقي، من أين يأتي ومن صاحبه ومصدر الدخل الذي يودع فيه؟".

وتابع: "يفترض تتبع الدينار خارج المصارف المحلية، لذلك، فإن العراق يحاول حاليا توطين رواتب الموظفين، وكذلك من الممكن إعادة النظر في بعض الإجراءات النقدية داخل المصارف بحيث نتجه إلى الاعتمادات السندية".

وأشار قصي إلى أن "الاتحاد الأوروبي حريص على عدم دخول أموال غير شرعية إلى دوله، ونحن ندعم هذا التوجه لكن من خلال علاقات شفافة، أي إذا كانت لدى المفوضية الأوروبية معلومات عن حسابات تحركت خارج الشرعية، يفترض أن يزود بها العراق، والأخير عليه أن يمتثل لذلك".

وأكد قصي أن العراق يحتاج من الاتحاد الأوروبي أن يزوده بمهارات تدريبية للكوادر العراقية من أجل أن يصبح البلد ضمن بيئة العمل الأوروبي ونحن نطمح لإقامة علاقات إستراتيجية مع أوروبا وعدم وضعنا في القائمة السوداء.

وبخصوص أسباب إدراج العراق على القائمة السوداء، أكد قصي أن ذلك "يعود لأسباب أمنية، لأن عدم السيطرة على السلاح المنفلت خارج إطار الدولة وقصف السفارات بشكل مستمر، شكل انطباعا لدى دول العالم بأن الاستثمار غير آمن لدينا".

ونوه قصي إلى أن المفوضية الأوروبية تهتم بحياة الإنسان فتعطي مؤشرات للخطر للمستثمرين من أجل يكونون على دراية بأن هناك مخاطر تحيد بالاستثمار، متابعا: "على وزارة الخارجية العراقية أن تعمل مع الخزانة الأميركية- لأنها تحمي النظام المالي العراقي- للضغط على الاتحاد الأوربي، لجذب الاستثمارات إلى البلاد".

رواية أخرى

وفي 11 يوليو/ تموز 2020، نقلت تقارير صحفية عن مصدر بمكتب مكافحة غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في العراق، قوله: إنه يطور منذ أعوام تدابير لـ"مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال إصدار أنظمة وتعليمات تنظم هذا القطاع واقتناء أجهزة وبرامج تساهم في كشف هذا النوع من العمليات بالإضافة إلى الدخول في معاهدات ثنائية ومتعددة الأطراف تعنى بالتعاون الدولي على مكافحة هذه الجرائم".

وأفاد المصدر بأن "استمرار إدراج العراق في قائمة الاتحاد الأوروبي لم يكن بسبب تأشير وجود قصور في ملفه، وإنما كان تحت ذريعة أن الوضع الأمني لم يُمكّن مفوضية الاتحاد الأوروبي من الوقوف على وضع بغداد ميدانيا أو التواصل معها بشكل مباشر".

وأوضح أن "هذا السبب لم يكن سببا فنيا أو مقبولا لاستمرار إدراج العراق في هذه القائمة، وأن وزارتي الخارجية والمالية بادرتا بإرسال رسائل احتجاج على توصية المفوضية الأوروبية الأخيرة بعدم رفع اسم البلد من القائمة".

وأكد المصدر أن "التوصية الأخيرة للمفوضية الأوروبية لم تدخل حيز التنفيذ بعد وإنها لا تعني منع التعامل مع العراق وإنما تقتصر على تطبيق العناية الواجبة تجاه التعاملات المالية التي تكون المؤسسات العراقية جزءا منها".

وفي السياق ذاته، قال خبير الاقتصاد العراقي سلام الربيعي: إن اللائحة الأوروبية "ليست عقوبات بقدر ما هي قيود"، مضيفا: أن "موضوع غسيل الأموال وتمويل الإرهاب هو أمر حساس جدا لدى النظام المالي العالمي".

وأضاف الربيعي خلال تصريحات صحفية في 8 يوليو/ تموز 2020: أن "القيود الجديدة تعني أن التحويلات المالية إلى العراق ومنه ستمر بسلسلة من التدقيق وطلب أدلة على شرعية التحويل ومصدر التمويل والغرض منه، مما يعطل عملية تدفق الأموال الضرورية لتطوير الاستثمارات".

استغراب عراقي

واحتج العراق رسميا على قرار المفوضية الأوروبية، إذ أعرب وزير الخارجية فؤاد حسين، عن استغراب بلاده القرار.

وقال خلال بيان صحفي في 8 يوليو/ تموز: إن العراق حقق تقدما كبيرا أدى عام 2019 إلى شطبه من القائمة العالمية لفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية الدولية للبلدان التي تعاني من أوجه قصور إستراتيجي في عمليات مكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب.

وذكر الوزير أن العراق اتخذ عدة تدابير لتعزيز إطاره القانوني، مما أدى إلى زيادة التعاون مع نظرائه، وأن بلاده شاركت بشكل كامل، وعملت عن كثب مع مفوضية الاتحاد الأوروبي منذ عام 2016 لتلبية متطلباته لمكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب.

وفي البيان، اعتبر حسين أن بلاده استوفت المعايير التي وضعتها مجموعة العمل المالي والمعايير المنصوص عليها في توجيه الاتحاد الأوروبي ذي الصلة، وعالج جميع أوجه القصور والثغرات التي أبرزتها المفوضية، ولم يتلق أي رد سلبي من الهيئة حتى اعتماد اللائحة المذكورة في مايو/أيار 2020.

وطالب المفوضية بالشفافية، وضرورة الاستماع إلى ما أبداه العراق من التزام واضح بالمعايير ذات الصلة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

يشار إلى أن ظاهرة غسل أو تبييض الأموال أخذت تتصاعد في العراق تماهيا مع انتشار تجارة المخدرات وصالات القمار والدعارة، وارتفاع جرائم الاتجار بالبشر، فضلا عن استشراء الفساد المالي بجميع مؤسسات الدولة، وذلك في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي للبلد عام 2003.

ولم تكن عمليات غسيل الأموال بمعزل عن تورط جهات حكومية، إذ كشفت تقارير صحفية عراقية في أبريل/ نيسان 2019، عن تفاصيل أكبر عملية تهريب مالي وغسل أموال تورط فيها مصرف حكومي لحساب آخر أهلي، وصلت قيمتها إلى 1.8 مليار دولار.