ماذا يعني بقاء بوتين 16 عاما أخرى بالسلطة؟ موقع فرنسي يجيب

12

طباعة

مشاركة

نشر موقع "أتلانتيكو" الفرنسي تقريرا، تناول فيه تصويت الناخبين الروس في الأول من يوليو/ تموز 2020، على التعديلات الدستورية التي تسمح لفلاديمير بوتين بالترشح لفترتين جديدتين، وهو ما يطرح تساؤلا مفاده: كيف ستبدو روسيا في السنوات الـ16 المقبلة؟

وفي حديث للموقع الفرنسي، قال سيريل بريه، المدرس في معهد باريس للدراسات السياسية "ساينس بو": إنه في عام 2036، سيكون عمر فلاديمير بوتين، المولود في 1952، "74 عاما"، كما سيبلغ عمر الاتحاد الروسي عندما تم تبني دستور ما بعد الاتحاد السوفيتي، 53 عاما، أي ستكون الدولة شابت وسيقترب زعيمها من الشيخوخة.

بريه أشار إلى أنه "إذا اعترفنا بأن الزعيم الروسي سيترأس مصير البلاد لمدة 16 عاما أخرى، فقد تظهر التغييرات الهيكلية الرئيسية بالفعل خلال استمرارية عقدي بوتين"، لافتا إلى أن الاتحاد الروسي سيواصل عودته الإستراتيجية، ففي المجال العسكري، سيكون للإصلاحات والتدخلات وإعادة التسلح تأثير لمدة عقد على الأقل.

وعلى سبيل المثال، يضيف بريه، فإنه في مجال الصواريخ، ستستمر الجهود المالية والتكنولوجية التي بذلت من 2010 في إحداث آثارها، وسيستمر انتعاش روسيا في البحر الأسود وشرق البحر المتوسط والقطب الشمالي والبلطيق والشرق الأقصى، لكن هذه مسارات طويلة وروسيا لديها فرصة ضئيلة لتغييرها.

عقد ضائع

أما في الجانب الاقتصادي، فيؤكد بريه، أن النموذج التجاري للبلاد يعتمد على حجم الشركات الكبيرة المملوكة للدولة وعلى الصادرات من الهيدروكربونات والمعادن والتكنولوجيا العالية، منوها بأنه لم يتم إصلاح هذا النموذج من الإدارة الرئاسية.

وتابع: "هذا ما دفعني للحديث عن عقد ضائع، وبعبارة أخرى، غياب التنوع الاقتصادي الروسي، أي أنه في عام 2036، سيكون للاقتصاد الروسي بدون شك نفس الهيكل، أما بالنسبة للديمغرافيا الراكدة، فقد لا تتحسن أيضا ويمكن أن تعرقل إمكانات النمو في روسيا".

ولفت المدرس في "ساينس بو" كذلك إلى أنه يمكن لظواهر عدة أن تغير وجه روسيا في عام 2036، أولها تغير المناخ، فمع ارتفاع درجات الحرارة عالميا، ستتمكن روسيا من تطوير موارد يصعب الوصول إليها برا وبحرا، لكنها ستتعرض لمخاطر بيئية جديدة.

وأردف: كذلك الجيل الشاب من الروس الذين لم يعرفوا الاتحاد السوفيتي سيتحملون المسؤولية كاملة، وهذا يمكن أن يعطي دفعة جديدة للبلاد شريطة أن يتم تجديد النخب، وهو ما قد يؤدي لظهور طبقة من رجال الأعمال الديناميكيين، شريطة أن يكونوا محميين بشكل أفضل بموجب القانون.

وشدد بريه على أن روسيا في عام 2036 ستستمر في كونها قوة اقتصادية متوسطة تركز على الهيدروكربونات، قوة ديموغرافية في حال سيئة، ولكن يمكن أن تصبح أيضا إحدى المراكز المتقدمة للتحول المناخي.

استبداد أم استقرار؟

من جهته، قال مايكل إريك لامبرت، الدكتور في تاريخ العلاقات الدولية بجامعة السوربون، في حديثه للموقع: إن "نتيجة الاستفتاء بالنسبة للغرب، تظهر إرادة إقامة نظام استبدادي، إضافة إلى ذلك، فإن وجود بوتين حتى عام 2036، يعيق احتمال حدوث تغيير في الديناميكيات بين الغرب وروسيا، لأنه، منطقيا، لا ينبغي للسياسة الوطنية التي ينتهجها الرئيس التغيير".

بيد أنه من وجهة نظر جزء كبير من السكان الروس، وجمهورية الصين الشعبية، وجزء من الشرق الأوسط (تركيا)، وبلدان أخرى في العالم مثل فنزويلا، فإن بقاء بوتين هو رمز قوي للاستقرار وسيسمح بتجنب التغييرات الجذرية، وبالتالي فإن نتيجة الاستفتاء يجب أن تسمح لعدة دول بتجنب الاضطرار إلى تغيير الخط السياسي العسكري خلال العقد المقبل، بحسب الموقع.

وأكد لامبرت أنه "يجب على روسيا ألا تواجه أي تغيرات مجتمعية في السنوات الـ 16 المقبلة، ولكن في ضوء الأحداث الأخيرة في البحر الأسود (أزمة القرم)، يمكننا أن نشهد ظهور توترات إقليمية جديدة كما حدث في أبخازيا، مع المناطق التي ستشهد اهتماما متزايدا مثل (مولدوفا)".

وحول المشاريع الكبيرة التي يمكن لرئيس الدولة تنفيذها خلال الفترة المقبلة؟ قال بريه: إن الرئيس الروسي أعلن بالفعل في مناسبات عديدة عن التحولات الاجتماعية التي يريد تحقيقها، كإحياء معدل المواليد في البلاد، وتنويع النموذج الاقتصادي، وتعزيز الصناعة الوطنية، والحد من الفقر وعدم المساواة، وسيستمر في إلقاء هذا الخطاب.

وأضاف: لكن يبقى أن نرى هل سيكون لذلك أي تأثير على السكان الروس؟ مبينا أنه في الوقت الحالي، ارتفع مستوى المعيشة الإجمالي منذ عام 1999 وصعوده إلى السلطة، لكن الهياكل الأساسية للحياة الاجتماعية والاقتصادية لم تتغير إلا قليلا.

الصحة والفضاء

وبخصوص الوضع الصحي، قال الموقع: إنه يمكن أن يكون إحياء النظام الصحي، الذي تم تسليط الضوء على عيوبه وقوته خلال أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، فروسيا لديها الإمكانيات العلمية والاحتياجات الاجتماعية لتصبح قوة طبية، ولكن هل تريد ذلك؟

وفي إجابته على السؤال، أوضح لامبرت أنه "من المتوقع خلال العقد المقبل تعزيز العلاقات بين موسكو وبكين، ومع ذلك يخشى بوتين احتمال رؤية الصين تحل محل القوة الذكية لروسيا دوليا، لذا يمكننا تصور سياسة عسكرية واقتصادية روسية أكثر نشاطا في آسيا الوسطى وفي المحيط الهادئ لحماية مصالح روسيا، مع توترات محتملة بين موسكو وبكين، دون أن يؤدي ذلك إلى صراع.

وشدد على أن الوجود الروسي في الشرق الأوسط، اعتمادا على الأهمية التي سيعطيها له الرئيس الروسي، يجب أن يزداد بسبب ضعف التأثير الأوروبي من جهة، ومن ناحية أخرى بسبب تحول الدبلوماسية الأميركية من أوروبا / الشرق الأوسط إلى المحيط الهادئ (الصين وكوريا الشمالية)، وستكون المشاريع الرئيسية في القطاع العسكري والطاقة.

ونوه لامبرت إلى أنه سيكون الفضاء قضية رئيسية، خلال العقد المقبل بسبب التأثير المتنامي للصين، التي ستنافس الولايات المتحدة وروسيا، وستحتاج موسكو إلى زيادة الاستثمار في هذا القطاع إذا أرادت أن تظل قوة فضائية رئيسية.

وهذا يشير، بحسب لامبرت، إلى ديناميكية جديدة في العلاقات بين روسيا وكازاخستان، ولكن أيضا مع دول ثالثة جديدة ليست مستعدة للاعتماد على الصين أو الولايات المتحدة لتطوير طموحاتها الفضائية.

ومن وجهة نظر اقتصادية، قال لامبرت: "يبدو احتمال تطوير الطاقات المتجددة أمرا غير مرجح، وبالمثل، لا يُتوقع حدوث تغيير اجتماعي، وهو ما يوافق عليه جزء كبير من السكان الروس لأسباب مختلفة".

وخلص الأستاذ في جامعة السوربون إلى أن التغيير الرئيسي سيكون تكيّف روسيا مع التغييرات التي ستأتي من الصين بدلا من الغرب (كما كان الحال من عام 1991 إلى نهاية عام 2010)، وبالتالي سيكون هناك انتقال من أوروبا إلى المحيط الهادئ، مثل نهج الدبلوماسية الأميركية في السنوات الأخيرة، والاستثمارات التي ستتبع ذلك.