لأجل عيون "نيوم".. ابن سلمان يدشن موجة ثانية لترحيل أبناء القبائل

آدم يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

موجة ثانية من الترحيل والتهجير القسري لمواطنين بدأتها السلطات السعودية منتصف يونيو/حزيران 2020، واستمرت لعدة أيام متتالية، من أجل عيون مشروع "نيوم" الذي يتبناه ولي العهد محمد بن سلمان بقوة.

و"نيوم" مشروع استثماري يتم التخطيط لإنشائه في أجزاء من السعودية ومصر والأردن، على سواحل البحر الأحمر، بتكلفة تصل لـ500 مليار دولار، وهو جزء من رؤية 2030 التي طرحها ولي العهد السعودي في 2017.

الموجة الأولى بدأت في 13 أبريل/نيسان 2020، واستخدمت خلالها السلطات السعودية كل أدوات الترهيب وصولا إلى القتل المتعمد، لترحيل سكان قريبة الخريبة بمنطقة الحويطات الواقعة على حدود منطقة نيوم.

نفس أدوات الترهيب والقمع المستخدمة في الموجة الأولى بحق أبناء قرية الخريبة في الحويطات، اتبعتها السلطات في موجة التهجير ثانية، ضد أبناء قريتي علقان وثرم التي تبعد عن قرية الخريبة نحو 100 كم.

نجحت السلطات في تهجير السكان من هذه القرية، وأزالت نحو 12 عقارا ومنشأة، وقامت بإنشاء حواجز ترابية ومناطق عازلة بين قرى مناطق نيوم، وذلك للحيلولة دون الوجود فيها مرة أخرى.

حسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، فإن 20 ألف مواطن سعودي في هذه المنطقة يواجهون مخاطر الترحيل القسري، ويعيشون قلقا غير مسبوق، شبهه أحد أبناء القبيلة للصحيفة الأمريكية بأنه "تقطيع لمجتمع كامل"، وهي عملية تعد كالموت بالنسبة لأهالي القبيلة.
حملة إلكترونية

بالتزامن مع موجة التهجير الثانية، انطلقت حملة إلكترونية بعنوان "العدالة لضحايا نيوم"، في 16 يونيو/حزيران 2020، تطالب بتحقيق العدالة لأفراد قبيلة الحويطات الذين تعرضوا للترحيل والسجن والقتل المتعمد، جراء رفضهم مغادرة منازلهم وأراضيهم.

الحملة الإلكترونية تخللتها ندوة تحدثت فيها المعارضة السعودية علياء الحويطي، وهي من أبناء القبيلة المهجرة، عن ضحايا "نيوم"، والممارسات القمعية والترهيب المستمر التي تمارسها السلطات السعودية وقوات الأمن، ضد أبناء قبيلتها في الحويطات.

الحويطي، قالت إن أبناء بلدتها استقبلوا في أكتوبر/تشرين الأول 2017، أخبارا عما سمي "مشروع عظيم" سيغير حياتهم إلى الأبد، ويحول منطقتهم إلى مركز عالمي للتطور والتكنولوجيا والاقتصاد.

وبالفعل فقد غيّر المشروع حياتهم للأبد، لكن ليس بالمعنى الذي كان يتوقعه الأهالي، بل غير حياتهم للأبد من خلال حرمانهم من أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم، وإلحاق عائلاتهم المتماسكة بقوافل الشتات، وقتل أبناء القبيلة.

تضيف الحويطي: "ما كان يشغل أبناء عائلتها هو ما سيحل بأرضهم التي يعيشون عليها منذ أكثر من 800 عام، بعد أن يتم بناء مشروع المدينة، إلا أنه في العام 2020، تحول الحلم لكابوس، عندما أرسل بن سلمان مسؤولين للتفاوض مع زعماء القبيلة في المنطقة للقيام بعملية إخلاء لمنازلهم".

وفي الندوة أكدت الحويطي أن "المسؤولين السعوديين بلغوا زعماء القبيلة بأن عليهم المغادرة من أرضهم، دون حتى الحديث عن البدائل والتدابير المتاحة التي يمكن أن توفرها لهم السلطات، ولا حتى الحديث عن تعويض مادي".

وفي الحملة دعت الحويطي المنظمات الحقوقية والدولية إلى تبني قضية أبناء قبيلتها وتوفير الحماية لأفراد عائلتها، ووقف عمليات القتل والتعسف ضدهم.

اجتماع الحويطات

في 25 يونيو/حزيران 2020، عقد اجتماع مشترك ضم شيوخا من قبيلة الحويطات، ومسؤولين سعودين، أبرزهم محافظ محافظة ضباء (شمال غرب المملكة) محمود الحربي، وكيل وزارة الداخلية للشؤون الأمنية محمد المهنا، في مقر المحافظة.

جندة الاجتماع كانت تهدف إلى التعريف بالقرى التي ستقوم السلطات بتهجير أهاليها، وهي قرى (قيال، العصيلة، شرما والخريبة)، وحسب مصادر صحفية، فإن الأجندة بحثت كيفية إقناع سكان المنطقة بمغادرة قراهم، دون إحداث بلبلة أو صخب.

تضمنت أجندة الاجتماع أيضا نقاشا حول قيمة التعويضات التي يمكن أن تمنح للسكان المهجرين، ورغم حديث الرياض المبكر عن التعويضات النقدية السخية والعقارات البديلة لمن سيتم ترحيلهم بسبب مشروع نيوم، إلا أن أبناء القبيلة نفوا أن يكونوا قد تلقوا تعويضات أو تم تسكينهم في عقارات بديلة.

كما أن عائلة الشهيد عبدالرحيم الحويطي، وهي عائلة مكونة من زوجة ثكلى وصبي وابنتين، لم تتلق هي الأخرى تعويضات، رغم مضي أكثر من شهرين على تهجيرها من منزلها ومقتل عائلها الوحيد.

لم ينس السعوديون أن عبدالرحيم الحويطي من أبناء قرية الخريبة في الحويطات، دفع حياته في موجة الترحيل الأولى ثمنا لرفضه مغادرة أرضه وقريته التي يسكن فيها آباؤه وأجداده منذ 800 عام، في حين تم ترحيل أهالي قريته مسكونين بكم هائل من الرعب والخوف، جراء تلويح السلطات السعودية باستخدام القوة ضدهم أيضا.

وقد شهدت هذه الممارسات التي قامت بها السلطات السعودية إنكارا واسعا لدى أبناء قبيلة الحويطات، كما تسببت باحتقان شديد لدى الأهالي، حيث طالبوا بالقصاص من قتلة عبدالرحيم الحويطي، ابتداء من الآمر وحتى المنفذ، ويرى مراقبون أن الأهالي لن ينسوا هذه الممارسات ضدهم، وإن لم يقم القضاء بإنصافهم فإن هذه القضية سوف تضيف مزيدا من الأعباء على ولي العهد السعودي، وسوف تتسبب بحراك شعبي في المدى المنظور، قد يطيح بالنظام السعودي بأكمله.

منتصف أبريل/نيسان 2020، حاصرت قوات أمنية منزل عبدالرحيم الحويطي، وأطلقت عليه وابلا من الرصاص، ما أدى إلى مقتله على الفور، وبررت قتله بأنه واجه السلطات، غير أنه كان قد أفاد في فيديو مصور قبل مقتله، بأنه يرفض مغادرة منزله.

وبين الحديث عن العروض السخية بالتعويض والحديث عن عدم تلقي أي تعويضات حتى اللحظة، يبدي عدد من أبناء القبيلة رفضهم لتلقي أي تعويضات مالية أو عروض سخية، مقابل عملية ترحيلهم وتهجيرهم من قراهم وأراضيهم.

صعوبات أم تحايل؟

يربط متابعون بين عدم دفع تعويضات للمهجرين حتى الآن وبين الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها السعودية، في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعيشها جراء تدني أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا.

ويشكك متابعون بقدرة المملكة على دفع تعويضات مرضية وسخية لنحو 20 ألفا من أبناء الأهالي في هذه المنطقة.

وكالة فرانس برس نقلت عن مركز "صوفان" الاستشاري للشؤون الأمنية، ان "انخفاض أسعار النفط بشكل قياسي وزيادة الضغوطات الديمغرافية تشكل تحديات كبرى أمام خطط الأمير محمد المستقبلية".

وأضاف الموقع الفرنسي في مايو/أيار 2020، أن ترحيل السكان بشكل قسري قد يعود بنتائج عكسية، خصوصا مع تزايد الضغوط الاقتصادية على المملكة.

وتابع الموقع نقلا عن المركز الاستشاري أن "الحكومة ستكون لديها أموال أقل لتوزيعها، إرضاء للمواطنين السعوديين. وسيؤدي تآكل العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين إلى مشاكل كبرى خاصة في مجتمع قبلي".

غير أن أبناء القبيلة استبعدوا فرضية الصعوبات، واتهموا الرياض بالتحايل من بداية الأمر، وعدم مصداقية الوعود التي أطلقتها لهم منذ بداية الحديث عن المشروع.

وحسب أبناء الحويطات، فإن  السلطات السعودية كانت قد وعدتهم بأنهم سيكونون جزءا من هذا المشروع، وسيكون من المستفيدين بمنحهم وظائف في هذا المشروع، وهو الأمر الذي منحهم كثيرا من الأمل قبل أن يتحول إلى كابوس.

علياء الحويطي غردت على تويتر قائلة: "بداية وعدوا السكان بوظائف وأنهم سيكونون جزءا منها ثم يجبرونهم على المغادرة. تعمدوا قتل عبدالرحيم الحويطي ليجعلوا منه مثالا لمن يخالف أوامر بن سلمان بالترحيل".

وتابعت "يريدون إجبار السكان على الرحيل دون تحديد مكان لهم ولا تفاصيل عن التعويضات، وكل من رفض الترحيل سجن".

غير أن أبناء المنطقة لم يمنحوا وظائف ولم يحصلوا على امتيازات، ولم يسلموا حتى من التهجير والترحيل القسري .

جريمة حرب

رئيس منظمة سام للحقوق والحريات في جنيف توفيق الحميدي قال لـ"الاستقلال": "الملكية الخاصة مصانة سواء على مستوى القانون الدولي والمعاهدات الدولية، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948، أو في الدساتير والقوانين المنظمة لذلك، وبالتالي لا يجوز انتزاع الملكية الخاصة تعسفا، حتى لو كان باسم المصلحة العامة".

يضيف الناشط الحقوقي: "حدد القانون والدساتير على مستوى العالم إجراءات قانونية محددة في مثل هذه الحالات، ومنها التعويض العادل لصاحب الملكية، في حال توصل الطرفان إلى اتفاق على التنازل عن الملكية، أو عبر أوامر قضائية صادرة من محكمة متخصصة في هذا الجانب".

الحميدي أوضح أنه "لا يجوز مطلقا انتزاع هذه الملكية تعسفا، أو تهجير هؤلاء الأشخاص من أملاكهم وبيوتهم باسم المصلحة العامة، ويعد في مثل هذا الظرف انتهاكا لحق أصيل من حقوق الإنسان الطبيعي".

وتابع رئيس منظمة سام: "وبالتالي فإن ما حدث في المملكة العربية السعودية باسم مشروع نيوم، من عملية تهجير واعتقال وانتزاع ملكية وتعسف، يعتبر انتهاكا واضحا وصريحا لحقوق الإنسان بموجب الاتفاقيات الدولية، وحتى بموجب دستور المملكة نفسه، وهناك قوانين حددت مثل هذه الإجراءات".

وقال الحميدي: "التهجير القسري جريمة من الجرائم التي تعرف بموجب القانون الدولي، أنها عملية إخلاء غير قانوني، بمعنى إخلاء تعسفي، بواسطة الحكومة أو قوات شبه مسلحة، وهذا الأمر إما أن يكون تهجيرا مباشرا بالقوة، أو تهجيرا غير مباشر من خلال استخدام وسائل تضييق تجبر السكان على الرحيل وترك منازلهم تحت هذه الممارسة".

مضيفا: "وبالتالي فإن ما يحدث اليوم في السعودية من تهجير للقبائل، جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي، التي ترتكبها حكومة بواسطة قوات عسكرية ، تحت مبرر المنفعة العامة والمصلحة العامة".

وختم الحميدي كلامه: "ترقى هذه الجريمة بموجب اتفاقية روما، إلى جريمة حرب، إذا ثبت أن هناك فعلا ممنهجا ضد فئة معينة من السكان، لكن يبدو أننا اليوم أمام حالة تعسفية واضحة من قبل سلطات المملكة ضد القبائل التي سكنت هذه المناطق منذ مئات السنين تحت مبررات لا تمثل منفعة عامة حقيقية وضرورية، في مثل حالة مشروع نيوم، هو مشروع تنموي اقتصادي، قد لا يمثل ضرورة أساسية وقصوى لحياة الناس".