سياج حدودي مع مالي.. لماذا أثار غضب سكان الجنوب في الجزائر؟
أعادت حادثة إطلاق النار على محتجين في منطقة حدودية بين الجزائر ومالي، الضوء مجددا على مناطق الطوارق الحدودية بين البلدين، حيث تعيش عائلات وأسر في مناطق شبه مشتركة.
وفي سعي من السلطات الجزائرية إلى إحكام السيطرة الأمنية عليها بعد إقامة سياج شائك للسيطرة على المنطقة، وقعت الحادثة التي أسفرت عن مقتل شخص، بعد سماع إطلاق كثيف.
نفت وزارة الدفاع الجزائرية إطلاق النار على محتجين في بلدة تين زواتين الجنوبية على الحدود مع دولة مالي، وأقرت السلطات الجزائرية بمقتل شخص ونسبت مقتله إلى إطلاق نار من طرف مهربين.
أما سكان المنطقة فأكدوا أنهم تظاهروا بسبب التهميش وعدم تجاوب السلطات مع مطالبهم في التنمية وقالوا إن سبب الأحداث الأخيرة هو إقدام الجيش الجزائري على بناء سياج بطول الوادي على الحدود مع مالي ما يمنعهم من التزود بالمياه.
احتجاجات واسعة
عاشت مدينة تين زواتين الجزائرية الحدودية مع شمالي مالي والنيجر، في 11 يونيو/حزيران 2020، على وقع احتجاجات شعبية عارمة واشتباكات عنيفة بين مواطنين وأفراد حرس الحدود التابعين للجيش الجزائري، ما تسبب في مقتل مواطن وإصابة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، بحسب شهادات المواطنين.
واندلعت مظاهرات شعبية عنيفة، قام على إثرها مواطنون بإضرام النار في العجلات المطاطية وغلق الطرقات بالمتاريس والحجارة وحرق مركبات، بسبب خروجهم للشارع للمطالبة بإزالة أسلاك شائكة وسواتر رملية أقامها الجيش في محيط المدينة عزلتها عن مناطق مجاورة.
وتداول ناشطون من المنطقة مقطعا صوره أحد المواطنين وثق لحظة سقوط متظاهر على الأرض بعد إطلاق النار عليه وإصابته أسفل البطن، وبقي لوقت ملقى من دون أن يتم التدخل لإسعافه، ونشرت أيضا مقاطع فيديو وصورا تظهر مواجهات بين السكان وقوات حرس الحدود ورشقهم بالحجارة وغلق الطرقات وإضرام النار.
جاءت هذه المظاهرات عقب خروج عشرات المواطنين للمطالبة بتغيير الساتر الرملي والأسلاك الشائكة الحادة التي عزلت المناطق العمرانية والمنازل، وتعويضها بسور يكون له ممر للسماح للسكان للوصول إلى الوادي الوحيد المزود لهم بالماء مصدر حياتهم، إلى جانب فتح معابر برية للسماح للمزارعين والرعاة بممارسة أنشطتهم والتنقل إلى أماكن وجود المياه لري مواشيهم.
ورغم التصريحات الرسمية المتضاربة مع المعلومات المتداولة من طرف نشطاء ومنظمات حقوقية فإن الواضح، حسب معلقين، أن المناطق الجنوبية هذه تعاني من مشاكل اجتماعية لها علاقة بوضعية التنمية فيها.
المظاهرات التي خرجت، وبصرف النظر عن وجود محاولات لتوظيفها، كما قال مراقبون، فإن لها علاقة بظروف اجتماعية صعبة يعانيها سكان أقصى الجنوب، سواء تعلق الأمر بنقص وغياب الهياكل الصحية، وكذا مشكل التزود بالمياه الصالحة للشرب، خاصة ببلدة تين زواتين التي تقع على الحدود مع مالي والنيجر.
نفي حكومي
من جهتها نفت وزارة الدفاع الجزائرية، إطلاق أحد جنودها النار على المحتجين، واتهمت أطرافا، لم تسمها، بالتحريض عبر مواقع التواصل ضد أفراد الجيش.
وأكدت وزارة الدفاع الوطني في بيان، أن ما حدث "لا علاقة له بمطالب اجتماعية"، موضحة أن "الأحداث تعود إلى محاولة تخريب الجدار الحدودي العازل، من قبل بعض الأشخاص المعروفين في المنطقة بنشاطاتهم المشبوهة في مجال التهريب والجريمة المنظمة".
وأضافت في السياق: أن "المشبوهين حرضوا السكان على العنف والتظاهر، لفك الخناق على مصالحهم المشبوهة في المنطقة".
ووصف بيان الوزارة أن ما يُثار عبر منصات التواصل الاجتماعي بـ"المعلومات التحريضية"، نافية "أية علاقة لقوات الجيش بإطلاق النار".
كما كشف المصدر نفسه، عن "اختراق الاحتجاجات من قبل مجهولين"، وأنه "أثناء تدخل عناصر حرس الحدود لتهدئة الأوضاع، تم إطلاق النار من مصدر مجهول باتجاه مواقع حرس الحدود، أصيب على إثرها أحد الأشخاص المتجمهرين".
وسارع أفراد حرس الحدود إلى إجلاء المصاب للتكفل به من طرف المصالح الصحية، غير أنه فارق الحياة نتيجة خطورة الإصابة"، وفق بيان الوزارة.
تهميش ووعود
ما حدث في تين زواتين بأقصى الجنوب الجزائري أعاد إلى الواجهة مشاكل مزمنة يعاني منها سكان الجنوب، هي مشاكل التهميش وانعدام التنمية والصراع اليومي للبحث عن المياه الصالحة للشرب، إضافة لقضية مناطق الطوارق الحدودية في الصحراء، حيث تعتمد العائلات والأسر في عيشها على اقتصاد التنقل الحر في مناطق شبه مشتركة.
أزمة كورونا، وغياب الاستقرار في السلطة منذ بداية الحراك الشعبي، زادا من عزلة المناطق الجنوبية ومن التوترات مع السلطات الأمنية.
مدينة تين زواتين شهدت إضرابا في آذار/ مارس 2020، شنه السكان الذين احتجوا على مقتل شاب على يد الشرطة.
أما بلدة تيمياوين، فشهدت وقفة احتجاجية بسبب العطش، وتدخل الدرك بقوة لتفريق المحتجين، بينما شهدت مدينة ورقلة بداية يونيو/حزيران 2020، تظاهر المئات احتجاجا على واقع التنمية والمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية.
ورفع المحتجون لافتات كبيرة تحدثت عن "الواقع الفقير للولاية"، والتناقض الذي يعيشه السكان، حيث تعد الولاية من أغنى الولايات الجزائرية على اعتبار احتوائها على أكبر آبار النفط، وهي منطقة حاسي مسعود.
أما منطقة عين صالح جنوبي الجزائر فشهدت سنة 2015 اعتصاما كبيرا ضد استغلال الغاز الصخري، وقد بدا ذلك كتحول في خارطة الاحتجاجات الاجتماعية من الشمال إلى الجنوب، حيث كانت مناطق الجنوب تعاني في صمت، وظلت متماهية مع سياسات الحكومات وقابلة بالأوضاع المعيشية المتردية في مجالات النقل والصحة والشغل.
كشف النائب البرلماني عن ولاية تمنراست، البكاي الهمّال، عن الواقع المزري الذي تعيشه مدينة تين زواتين، وباقي المناطق الحدودية في الجنوب الجزائري، وأماط اللثام عن بعض الحقائق التي جعلت من المدينة سجنا مفتوحا، متحدثا عن تراكمات كثيرة، كانت سببا في الأحداث المؤلمة التي عاشتها المدينة الحدودية.
سكان الصحراء
تشكل الولايات الجنوبية الثلاث (تمنرسات، إليزي، أدرار) حوالي نصف مساحة الجزائر، وتتسم تركيبتها السكانية بتعدد عرقي ولغوي، إذ ينحدر سكان تلك الولايات من أصول أمازيغية وعربية وإفريقية، إضافة للطوارق.
وتتراوح المسافات التي تفصل الولايات الجنوبية عن الجزائر العاصمة بين 1500 إلى 2000 كيلو متر، وتحدها جغرافيا 6 دول، شرقا تونس وليبيا، وجنوبا النيجر ومالي وموريتانيا، وصولا إلى المغرب وإقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه.
ليست المرة الأولى التي ينتفض فيها سكان هذه المناطق في الجزائر، حيث شهدت نفس الولايات تحركات منذ العام 2013.
وخلال الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية، وعد الرئيس الحالي عبد المجيد تبون بإرجاع المكانة اللازمة لتمنراست وإنهاء الظروف الصعبة التي يعيشها السكان بسبب التهميش والإقصاء.
كما وعد باستحداث بنك للشباب للتكفل بدعم ومرافقة مشاريع الشباب والمؤسسات الناشئة مع تشجيع الصيرفة الإسلامية كما أكد التزامه بعدم إجراء متابعة قضائية في حق الشباب الذين فشلوا في مشاريعهم الممولة في إطار آليات تشغيل الشباب.
كما وعد كذلك بترقية المركز الجامعي إلى جامعة وفتح كل التخصصات العملية به وفتح مدارس وطنية بهذه الولاية التي تحظى بسمعة دولية وجعلها قطب سياحي من أكبر الأقطاب السياحية في العالم العربي، مبرزا أن النهوض بالسياحة يتطلب تطوير شبكة الطرقات بهذه الولاية وتجديدها واستحداث خطوط للسكة الحديدة تضمن نقل المواطنين إلى مختلف المسافات.
تعيش ولايات الجنوب منذ سنوات على وقع احتجاجات متكررة، بسبب التهميش والإقصاء الذي يعيشه المواطنون، ويعتمد سكانها على التهريب على الحدود كمورد وحيد للرزق في ظل غياب مشاريع تنموية.
ويقر الجميع أن هناك تقاطعا في المصالح بين المهربين والتنظيمات المسلحة ومهربي البشر من جنوب الصحراء إلى أوروبا مرورا بالجزائر.