قوات الوفاق الليبية مستعدة لمعركة سرت.. ما سر تأجيل الهجوم؟

12

طباعة

مشاركة

منذ بسطت حكومة الوفاق سيطرتها على كامل الغرب الليبي، وطرد مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر والمرتزقة الداعمين لها من محيط العاصمة طرابلس ومدن ترهونة وبني وليد، بدأت الوفاق تحشد قواتها في محيط مدينة سرت، البوابة الأولى للشرق الواقع تحت سيطرة حفتر منذ عام 2014.

الأوضاع الميدانية في ليبيا تتجه نحو مزيد من التصعيد، لا سيما مع إصرار حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، بدعم واضح من تركيا، على تحرير كامل التراب الليبي من مليشيات حفتر، في وقت لم تنجح الاتصالات السياسية المكثفة على مدى الأيام الماضية في إحداث أي اختراق يمهد لوقف العمليات العسكرية.

ومع استعدادات جيش الوفاق، لاستعادة السيطرة على المدينة التي حررتها قواته من تنظيم الدولة عام 2016 قبل أن يسيطر عليها حفتر، كثر الحديث عن دور اللاعبين الإقليميين الكبار وفي مقدمتهم روسيا وتركيا في التوصل لصيغة اتفاق، قد تمهد لاتفاق ليبي ـ ليبي، ينهي سيطرة حفتر على سرت دون حرب، وربما يقضي على طموحاته السياسية مستقبلا.

بوابة الشرق

تعود أهمية المدينة إلى موقعها الجغرافي المميز في ظل الصراع الليبي الحالي، حيث تعد أهم مدينة في وسط ليبيا، تمكن من يسيطر عليها من مفاتيح التحرك نحو شرق وغرب البلاد بحرية تامة.

سرت مدينة ساحلية تطل على البحر الأبيض المتوسط، ويبلغ تعداد سكان سرت نحو 128 ألف نسمة بحسب آخر إحصاء عام 2013.

وللمدينة أهمية في الصراع الدائر الآن، إذ تقترب من حقول النفط الواقعة جنوب شرقها، وكذلك موانئ النفط الرئيسية في "البريقة، ورأس لانوف، والسدرة" وهو ما يزيد من أهميتها الإستراتيجية الكبرى.

تعد مدينة سرت، واحدة من أهم المناطق في خريطة النزاع الليبي، لامتلاكها ميزات جيوستراتيجية، وتاريخية، واقتصادية عدة، فهي تقع في منتصف المسافة تماما، بين عاصمتي النزاع الليبي بنغازي، وطرابلس، حيث تبعد عن كليهما مسافة 500 كيلو متر، وهي حلقة الوصل بين شرق ليبيا، وغربها، وجنوبها.

من الناحية التاريخية، سرت هي مسقط رأس الرئيس الراحل معمر القذافي، ولد وقتل فيها، وعمل نظام القذافي لسنوات على تهيئتها لتكون عاصمة للبلاد، ولتحقيق هذا الحلم ضخ مليارات الدولارات لتحسين بنيتها التحتية، وإنشاء مقرات حيوية، ويكفي أنها المدينة التي أعلن فيها تأسيس الاتحاد الإفريقي عام 1999.

تحوي سرت في باطن أرضها، أكبر مخزون غاز مكتشف في ليبيا، في حوض جوفي يحمل اسمها "حوض سرت"، والذي يعد واحدا من أهم أسباب التنافس المحموم بين إيطاليا، وفرنسا في الملف الليبي.

تخوض الشركتان العملاقتان "إيني وتوتال" صراعا منذ سنوات، للفوز بحصة الأسد في الامتيازات المستقبلية للتنقيب، والاستثمار في هذا الحوض الكبير، الذي يحوي أيضا مخزونا لا بأس به من النفط، بحسب المعلومات الواردة عن المؤسسة الليبية للنفط.

كما تمتلك سرت، ميناء يعد بين الأكبر في ليبيا، يطل على خليج طبيعي واسع، ومطارا دوليا، وقاعدة جوية عسكرية كبيرة، تكمن أهميتها في موقع المدينة في قلب البلاد تماما، ما يجعل القاعدة نقطة انطلاق مناسبة للطائرات، في أي اتجاه أرادت المضي إليه في ليبيا.

واختفت المدينة عن ساحة الصراع منذ مقتل القذافي إلى أن سيطر عليها تنظيم الدولة في مايو/أيار 2015 بعد معارك استمرت نحو شهرين.

"دروب النصر"

تعتبر مدينة سرت "خطا أحمر" بالنسبة لحكومة الوفاق الليبية والتي عبّرت على لسان قيادات جيشها في أكثر من مناسبة بأنه لاتنازل عن تحريرها، حيث يعتقد عدد كبير من المتابعين أن بقاء قوات حفتر في المدينة يمثل تهديدا دائما للغرب الليبي.

حقق جيش الوفاق تقدما مهما على مسافة 120 كيلومترا من مدينة مصراتة إلى مدينة سرت في إطار عملية "دروب النصر"، التي أطلقتها الحكومة الليبية في 7 يونيو/ حزيران 2020، بهدف تحرير مدينتي سرت والجفرة.

كما تمكنت قوات الوفاق من السيطرة على بلدة الوشكة الواقعة في محيط مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) وانتزعتها من ميليشيات حفتر في ساعة واحدة فقط.

إلا إنها اضطرت للانسحاب إلى مواقع تبعد 30 كيلومترا من مدينة سرت، و50 كيلومترا عن مركز المدينة، بسبب حقول الألغام التي زرعتها مليشيات حفتر، والهجمات الجوية المكثفة التي تتعرض لها.

وأعلنت قوات الوفاق أكثر من مرة أنها عززت وجود قواتها غرب سرت وجنوبها بالرجال والأسلحة الثقيلة والمتوسطة، بانتظار أوامر غرفة العمليات الرئاسية لشن هجوم على المدينة.

وقال الناطق باسم غرفة عمليات تحرير سرت الجفرة العميد عبد الهادي دراه: "قوات الوفاق جاهزة لمعركة سرت والجفرة بعد وصول الدعم العسكري من كل القوى المساندة، كالمشاة والهندسة العسكرية ومدفعية الصواريخ، بالإضافة إلى الدعم اللوجستي".

لكن عمليات قوات الوفاق توقفت على حدود سرت بعدما تعرضت في يوم هجومها الأول لقصف جوي من طائرات حربية روسية خلّف أكثر من 60 قتيلا، ما أجبرها على التراجع عن دخول المدينة التي وصلتها تعزيزات كبيرة من قاعدة الجفرة لتحصينها ومنع قوات حكومة الوفاق من دخولها.

"البنيان المرصوص"

في 5 مايو/أيار 2016 أعلن المجلس الرئاسي تشكيل غرفة عمليات "البنيان المرصوص" لطرد تنظيم الدولة من المنطقة الواقعة بين مدينتي مصراتة في غربي البلاد وسرت وسطها، وجاء ذلك ردا على تقدم التنظيم باتجاه مصراتة مطلع مايو/أيار 2016.

وقال المجلس في بيان: إن هذه الغرفة تتبعه مباشرة باعتباره القيادة العليا للجيش الليبي، وسمى 6 ضباط لقيادة هذه الغرفة. ونص القرار على منع أي قوة عسكرية أو شبه عسكرية من مباشرة أي قتال في هذه المنطقة باستثناء حالات الدفاع عن النفس. كما حُظر دخولها على المدنيين والصحفيين.

واستجابة لدعوة الحكومة الليبيين لدعم قواتها في معركتها ضد تنظيم الدولة، حرصت أغلبية المكونات الاجتماعية على اللحاق بركب الحرب على التنظيم في سرت بمن فيها الطوارق.

بينما تخلف عن تلبية الدعوة فئات قليلة مناوئة لحكومة الوفاق في مقدمتها مليشيا حفتر التي ذكرت تقارير أنها سمحت لتنقل عدد كبير من مقاتلي تنظيم الدولة من مدينة بنغازي الواقعة تحت سيطرته إلى مدينة سرت.

وخلال هجوم مليشيا حفتر في 6 يناير/ كانون الثاني 2020، أعلنت أنها فرضت سيطرتها التامة على مدينة سرت بعد أن سيطرت على مواقع محيطة بها، منها قاعدة القرضابية الجوية قبل التحرك إلى وسط المدينة.

محادثات مؤجلة

وفي الوقت الذي ترابض فيه قوات حكومة الوفاق الليبية على أطراف مدينة سرت شرقي البلاد، يشتد الحراك الدبلوماسي بين القوى الفاعلة على الأرض في ليبيا، وفي مقدمتها تركيا وروسيا حيث كان مقرر لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنظيره التركي تشاووش أوغلو في إسطنبول قبل إرجاء الجانبين المباحثات بشأن وقف القتال.

تشاووش أوغلو صرح في 15 يونيو/حزيران 2020، أنه لا توجد خلافات فنية مع روسيا فيما يتعلق بالصراع في ليبيا، والبلدان سيواصلان السعي المشترك للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار هناك.

وأرجأ وزير الخارجية التركي ونظيره الروسي سيرجي لافروف محادثات كانت مقررة في 14 يونيو/حزيران 2020، وكانت ستركز على ليبيا وسوريا، البلدين اللذين تدعم أنقرة وموسكو فيهما أطرافا متحاربة في صراعات منفصلة.

ونقلت وكالة رويترز عن المسؤول التركي، دون ذكر اسمه: "روسيا وتركيا أجلتا محادثاتهما بشأن الأزمة الليبية بسبب خلاف يتعلق بمسعى حكومة طرابلس لاستعادة السيطرة على مدينة سرت الساحلية الرئيسية من قوات شرق ليبيا" التي يقودها حفتر.

لكن مراقبين يشيرون إلى أن روسيا ترغب بوقف حكومة الوفاق عملياتها العسكرية وتقدمها لا سيما عدم مهاجمة سرت والجفرة والهلال النفطي، بينما ترفض أنقرة هذا الطلب، وفق غالب دالاي، الزميل الباحث في أكاديمية روبرت بوش، الذي أضاف في حديث لـ"رويترز": "إذا لم تؤت المحادثات التركية الروسية ثمارها، فربما نشهد حينها تصعيدا في كل من ليبيا ومنطقة إدلب".