الإيكونوميست: هكذا يغذي "كورونا" تسلط حكومات العالم وسيطرتها
قالت مجلة الإيكونوميست البريطانية: إن مقاومة انتشار فيروس كورونا، يحتاج إلى حكومات قوية تأخذ بزمام المبادرة للقضاء عليه، مؤكدة أنه يعتبر التهديد الأكبر للحكومات منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي تحليلها للموقف العالمي في ظل انتشار جائحة كورونا، قالت المجلة: إن فيروسا لا يُرى بالعين المجردة قد غير من مجرى الأحداث في الديمقراطيات الغربية بشكل تام، حيث أغلقت الدول الشركات ومجالات الأعمال، بالإضافة إلى فرضها العزل الإجباري على مواطنيها داخل بيوتهم.
وأشارت إلى الوعود بتوفير تريليونات الدولارات لتعزيز الاقتصاد من جهة، وإعانة المواطنين الخاضعين للحجر الصحي من جهة أخرى، موضحة أنه باستثناء سنغافورة وكوريا الجنوبية، فإن الخصوصية الطبية والإلكترونية للدول قد تلاشت في خضم الأزمة الأكبر التي يشهدها العالم.
كسر المحرمات
ولفتت إلى أن اجتياح وباء كورونا، كسر الكثير من التابوهات والمحرمات في العالم، مُشيرة إلى أنه ليس فقط فيما يخص الخوف من الغرامات أو السجن للأشخاص العاديين الذين يعارضون قرارت الحكومات في إجراءات العزل والوقاية، إنما يشهد العالم هذه الآونة أكبر سيطرة للدول و الحكومات على مفاتيح الاقتصاد.
ويستعد الكونجرس الأميركي إلى توفير حزمة دعم اقتصادي بقيمة 2 تريليون دولار، أي ما يوازي 2% من إجمالي الناتج القومي، ويمثل ضعف ما وعد به في عامي 2007/ 2009، بهدف توفير الدعم للمواطنين في إطار إجراءات العزل والوقاية للحد من انتشاره.
وهذا في الوقت الذي تبلغ فيه ضمانات الائتمان في بريطانيا وفرنسا 15 % من إجمالي الدخل المحلي. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تسارع البنوك المركزية إلى طباعة النقود التي تستخدمها في شراء الأصول، الأمر الذي كان مرفوضا ومحرما من قبل.
وأكدت المجلة أن الحكومات تتسابق في هذه الإجراءات التي لم يتوقع أحد أن يتم اللجوء إليها لمحاربة الإفلاس نتيجة الإغلاق الكامل أو الجزئي الذي فرضته هذه الدول.
وقالت: إنه "بالنسبة لهؤلاء الذين يؤمنون بدور أقل للحكومات في الاقتصاد، فإنهم يعتقدون أن الحكومات يجب أن تقوم بدور حاسم الآن لمقاومة الجائحة".
ومن هنا تبرز المشكلة الأهم، حيث تقول المجلة: "تشير الوقائع التاريخية إلى أن الحكومات بعد الأزمات يصبح من الصعب عليها التخلي عن القوة التي خولتها لها الأزمة واكتسبتها بعد انتهائها، مما يجلب آثارا سلبية، ليس فقط على الأفراد، وإنما على الناتج والسياسات الاقتصادية ككل".
الإدارة الاقتصادية
وتؤكد المجلة البريطانية أنه ليس من قبيل المصادفة أن الحكومات تتمدد في سلطتها وحسمها أثناء الأزمات، فربما تكون قد بدت هشة في بداية التعاطي مع فيروس كورونا، إلا أنه من الثابت والمؤكد أنها وحدها لديها القدرة على تعبئة الموارد وحشد الطاقات ولديها القوة لفرض إجراءات محددة ترى أنها من أساسيات القضاء على الوباء.
وأردفت: "ثبت طبيا أن فرض الإغلاق الكامل والعزل المنزلي وتجميد الأعمال، هو فقط ما يمكن عمله لوقف انتشار الوباء، وفيما يخص وجهة النظر الاقتصادية، فإن الحكومات فقط هي من تستطيع إيقاف الإفلاس، والتعويض عن الكم الرهيب من الخسائر التي تعرض لها الأفراد والمؤسسات بل والدول ككل".
أحد أهم الأسباب التي دفعت إلى تعاظم دور الدولة وتغييره، هو التفشي المتسارع لفيروس كورونا، حيث انتشر كالنار في الهشيم، بعد أن انطلق من مدينة ووهان الصينية، واحتل العالم في أقل من أربعة أشهر.
بينما تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أرقام مرعبة، حيث تخطت الإصابات نصف مليون حول العالم، في الوقت الذي بلغت فيه أعداد الوفيات أكثر من 24 ألف حالة وفاة.
وتابعت المجلة: أن "الحكومة البريطانية عندما حاولت تقليص دور الدولة في مواجهة انتشار الوباء، قُوبل هذا القرار بالهجوم الشديد، بل وتحول النقد إلى اتهامات مباشرة للحكومة بالتنصل من دورها في مقاومته، وعدم اكتراثها بصحة مواطنيها، وأنها حين بدأت في اتخاذ خطوات، جاءت بعد فوات الأوان".
وعلى النقيض من ذلك، أصدرت فرنسا قانونا يمنح الحكومة السلطة ليس فقط للسيطرة على تحركات الناس، ولكن أيضا لإدارة الأسعار والسلع للحد من سياسات الاحتكار، في الوقت الذي تشير فيه استطلاعات الرأي أنه خلال الأزمة، شهد رئيسها، إيمانويل ماكرون، ارتفاعا في شعبيته".
في معظم أنحاء العالم، استجابت الدول حتى الآن لجائحة انتشار فيروس كورونا بمزيج من الإجراءات الجبرية واستخدام السيطرة الاقتصادية، ومع استمرار الوباء، من المحتمل أيضا أن تستغل قوتها لمراقبة الأشخاص باستخدام بياناتهم.
تطبيقات للمراقبة
وللتديل على فرضيتها ذكرت الإيكونوميست أن هونغ كونغ تستخدم التطبيقات على الهواتف التي توضح مكانك من أجل فرض وحدات العزل، ولدى الصين نظام جوازات سفر لتسجيل من هو آمن للسفر، حيث تساعد بيانات الهاتف على توقع انتشار المرض.
وإذا قامت الحكومات الأخرى بوقف انتشار كورونا كما فعلت الصين، فستحتاج إلى منع حدوث موجة ثانية بين الكثيرين الذين لا يزالون عرضة للإصابة بالفيروس، من خلال السيطرة على كل مجموعة جديدة من الإصابات، وفق المجلة.
وتقول كوريا الجنوبية: إن تتبع جهات الاتصال تلقائيا للعدوى الجديدة، باستخدام تقنية الهاتف المحمول، يحقق نتائج في غضون عشر دقائق بدلا من 24 ساعة.
وتوضح المجلة: "لقد حدثت الزيادة القوية في سلطة الدولة وسيطرتها على الأفراد والمؤسسات في وقت لم يكن هناك أي مناقشة لتبعات هذه الإجراءات، حيث طمأن الناس أنفسهم بأن هذه الإجراءت مؤقتة وستعود الأمور إلى طبيعتها بعد القضاء على الوباء، كما هو الحال مع الإنفلونزا الأسبانية التي اجتاحت العالم قبل قرن من الزمان".
إلا أنه من الثابت من خلال الوقائع التاريخية أن الأزمات تؤدي إلى إيجاد صلاحيات للدولة بشكل دائم، مع المزيد من السلطات والمسؤوليات والضرائب لدفعها، حيث أنه تاريخيا؛ نشأت دولة الرفاهية وضريبة الدخل والتأميم من خلال المرور بمراحل من الصراعات والأزمات.
تشير الإيكونوميست إلى أن بعض التغييرات في سلطات واهتمامات الدولة مطلوبة اليوم للقضاء على فيروس كورونا، "ومن الجيد أن تعي الشعوب أن دولها قادرة على التعامل مع الوباء التالي، لذا ولأجل تعظيم شعور الأمن لدى المواطنين، لا بد للدول من الاهتمام بالصحة العامة لمواطنيها، وكذا زيادة وتيرة الإنفاق على الصحة والبحث العلمي".
استغلال السلطة
وتدليلا على صعوبة تخلي الحكومات عن السلطات التي منحتها لنفسها دون مقاومة تُذكر، قد تكون التغييرات الأخرى أقل وضوحا، ولكن سيكون من الصعب التراجع عنها لأنها كانت مدعومة من قبل مجموعات قوية حتى قبل الوباء.
أحد الأمثلة على ذلك هو أن بريطانيا وضعت خطوط السكك الحديدية تحت سيطرة الدولة، وهي خطوة من المفترض أن تكون مؤقتة ولكن قد لا يتم التخلي عنها أبدا.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو انتشار العادات السيئة، بحيث قد تتراجع الحكومات عن سياسات الاكتفاء الذاتي، فيخشى البعض نفاد مكونات الأدوية، والعديد منها مصنوع في الصين.
روسيا فرضت مثلا حظرا مؤقتا على التصدير، حيث أصبح من المرجح أن يؤدي التوسع الضخم والدائم للدولة جنبا إلى جنب مع الدين العام المرتفع بشكل كبير إلى نوع أقل من الرأسمالية.
ومن جهة أخرى تطرقت الإيكونوميست إلى الخطر والتخوف الأخير حين ذكرت أن هذه ليست المشكلة الأكبر، إنما تكمن المخاوف الكبرى في إساءة استخدام المنصب والتهديدات للحرية الفردية والجماعية.
ويحاول بعض السياسيين بالفعل الاستيلاء على السلطة، كما هو الحال في المجر، حيث تسعى الحكومة إلى حالة طوارئ غير محددة، وكمثال آخر ذكرت المجلة أنه يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرى الأزمة كفرصة للتهرب من محاكمة الفساد.
تعتقد الإيكونوميست أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو نشر المراقبة التدخلية، حيث سينتشر جمع ومعالجة البيانات الفردية لأنه يوفر ميزة حقيقية في إدارة المرض.
لكنهم يطلبون أيضا من الدولة الوصول بشكل روتيني إلى السجلات الطبية والإلكترونية للمواطنين، وتضيف: "سيكون من المتوقع أن يستمر استخدام المراقبة بعد الوباء، مثلما تم تمديد تشريع مكافحة الإرهاب بعد (هجمات) 11 سبتمبر، قد يبدأ هذا بتتبع حالات السل أو تجار المخدرات، لا أحد يعرف إلى أين سينتهي".
وتختتم الإيكونوميست البريطانية تحليلها بالقول: إنه قد تكون هناك حاجة إلى المراقبة للتعامل مع انتشار كورونا، لكن الدفاع الرئيسي ضد إجراءات الدولة الشديدة، في التكنولوجيا والاقتصاد، سيكون على المواطنين أنفسهم، بحيث يتذكروا أن الحكومة فرضت سلطتها مستخدمة الوباء كسلم لتوسيع سلطاتها.