للمرة الأولى.. لماذا أدرجت إسرائيل تركيا ضمن "القوى المهدِدة"؟

12

طباعة

مشاركة

للمرة الأولى في تاريخ العلاقة بينهما، وضعت إسرائيل، تركيا ضمن قائمتها السنوية للدول والكيانات التي تمثل تهديدا لها، ورغم المبررات التي ساقها مسؤولو وزارة الدفاع الإسرائيلية عن السبب وراء هذه الخطوة، إلا أنهم استبعدوا، حدوث أية مواجهة عام 2020.

الخطوة الإسرائيلية لا تعكس فقط شكل التوتر في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، ولكنها تعكس كذلك أن العلاقات دخلت في طريق مسدود، وأن خطوط الرجعة بين الطرفين تكاد تكون معدومة.

طالما ظلت الملفات الشائكة بين الطرفين لا تبرح مكانها، وهو ما يدعو للتفتيش في الأسباب التي دفعت العلاقات التي كانت إستراتيجية قبل سنوات، إلى وصولها لهذا المنعطف الخطير، وما هي الأسباب التي أدت لهذا التغيير في الرؤية الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه تركيا؟

المبررات الإسرائيلية

وفقا لتقرير نشرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، في 14 يناير/ كانون الثاني الجاري، فإن المخابرات العسكرية التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي "أمان"، أضافت في تقييمها السنوي لعام 2020، جمهورية تركيا ضمن قائمة الدول والكيانات التي تهدد الدولة العبرية، نتيجة العديد من الأسباب والتي من بينها تزايد عدوانية تركيا في المنطقة.

وأكدت الصحيفة الإسرائيلية، أنه بالرغم من أن التقييم يتم تقديمه لصانعي القرار الإسرائيليين في كل عام، إلا أنه استبعد قيام الجيش بمواجهة مباشرة مع تركيا خلال عام 2020، وأن وضعها بهذا التصنيف كان نتيجة للأعمال العدائية المتزايدة التي ارتكبت في المنطقة، والتي تمثل أحد المخاطر ضد إسرائيل خلال العام الجاري.

التقرير لم يوضح أيضا، نوعية التهديد الذي تمثله تركيا تجاه إسرائيل، ولكنه تحدث عن السياسات التي يتبعها أردوغان، وتحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين، وهي الأمور التي لم تكن متأصلة في سياسة الدولة التركية، ولكنها ظهرت مع أردوغان.

ونقلت الصحيفة تصريحات عن وزير الخارجية الإسرائيلي، أكد فها أن الموقف الرسمي لحكومته من الاتفاق التركي الليبي، هو أن خط الأنابيب التركي الليبي سيكون غير قانوني، ولكنه عاد وأضاف قائلا: "لكن هذا لا يعني أننا نرسل سفن حربية لمواجهة تركيا".

ووفقا لتصريحات أخرى نقلتها الصحيفة الإسرائيلية، فإن الأزمة بين أنقرة وتل أبيب، ليست فقط في المسألة الليبية وغاز شرق المتوسط، وإنما كانت نتيجة الموقف التركي في سوريا، والحملة العسكرية التي شنها أردوغان ضد الجماعات الكردية المقربة من إسرائيل.

وذلك الموقف عبر عنه السفير الإسرائيلي بالأمم المتحدة، داني دانون، خلال الاجتماع الدوري لمجلس الأمن في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بالقول: إن "أردوغان يزعزع استقرار المنطقة من خلال العنف ودعم المنظمات الإرهابية"، مؤكدا أن "التوغل الصادم لتركيا في سوريا لم يكن مفاجئا".

وقال دانون: إن "أردوغان حوّل تركيا لملاذ آمن لإرهابيي حماس ومركز مالي لتحويل الأموال لدعم الهجمات الإرهابية، كما أنه لا يظهر أي ضبط أخلاقي أو إنساني تجاه الشعب الكردي، ولذلك فقد حوّل أردوغان تركيا إلى مركز إقليمي للإرهاب"، على حد قوله.

عودة العثمانيين

ما كشفته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن التقرير العسكري للجيش الإسرائيلي، ربما لا يحمل مفاجآت للمتابعين لملف العلاقات التركية الإسرائيلية، خاصة وأن الفترة من عام 2016 وحتى بدايات 2020، تشير جميعها إلى وجود تغييرات في شكل العلاقة بين الجانبين، وبات من الصعب أن يخلو مركز أبحاث إسرائيلي رسمي أو قريب من دوائر صناعة القرار، من تقييمات غير متفائلة للعلاقات بين الجانبين، ومع كل تحرك تركي في المنطقة، بات القلق يساور إسرائيل.

ويدلل على الرأي السابق، ما نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تحت عنوان "عاد العثمانيون - ماذا يعني ذلك بالنسبة لإسرائيل؟"، حيث تحدثت أن "تدخل تركيا في الملف الليبي، لا بد أن يمثل قلقا للجانب الإسرائيلي".

واعتبرت الصحيفة القريبة من حزب "الليكود" بزعامة رئيس الحكومة نتنياهو أن "الدعم التركي لطرابلس، مقابل الدعم المصري لحفتر، يعد جزءا من صراع أوسع بكثير يمثل محاولة تركيا لإحياء التأثير الذي لم يسبق له مثيل منذ نهاية الحرب العالمية الأولى".

ورأت أن "أردوغان لديه طموحات عالمية متزايدة، وأن دعمه لحكومة طرابلس، ليس جديدا، وتطوير هذا الدعم بالاتفاق الثنائي كان خطوة جريئة، حيث يمكن الاتفاق وصول تركيا لأوروبا عن طريق قبرص، وليس عن طريق اليونان، ما يجعل أنقرة تحصل على منطقة اقتصادية حصرية تفصل قبرص عن اليونان عن طريق البحر وتمنح تركيا حقوقا في التنقيب عن الغاز الطبيعي".

وتابعت الصحيفة: "كما أنه (الاتفاق لتركي الليبي) يغرق أحلام اليونان وقبرص لدعوة شركات مثل إيني لاستكشاف الموارد الطبيعية تحت سطح البحر، ولذلك فإن رحلة تركيا إلى ليبيا تعد مجرد رمز للنظام العالمي الجديد الذي يتشكل في الشرق الأوسط".

صداقات غامضة

ووفقا للرؤية السابقة، فإن إسرائيل تنظر لما أسمته بالصداقات الجديدة في الشرق الأوسط، بريبة، خاصة إذا كانت إيران جزءا أو طرفا في هذه الصداقات، فبحسب مقال كتبه، هيل فرش، الباحث بقسم الدراسات السياسية والدراسات الشرق أوسطية بجامعة "بار إيلان" العبرية، فإن "الصورة التي جمعت بين رؤساء تركيا وإيران وروسيا، لا بد أن تزعج إسرائيل، حتى لو كانت العلاقات بينها وبين روسيا جيدة".

ودعا فرش في مقاله الذي نشره في 9 يناير/ كانون الثاني الجاري، بصحيفة "جيروزاليم بوست"، الإسرائيلية، إلى "ضرورة تأمل صور القمم العديدة التي تجمع بين بوتين، وروحاني، وأردوغان، وأن الابتسامات التي تظهر في هذه الصور، تشير إلى أن هناك علاقات قوية تجمع بين الأطراف الثلاثة"، مستدلا بمنظومة الدفاع الجوي الروسي "أس 400" التي اشترتها تركيا متحدية بذلك الولايات المتحدة.

وبحسب الباحث الإسرائيلي، فإنه من المفترض أن تتمتع روسيا بعلاقة حميمة مع إيران، على الأقل على الجبهة النووية، وهو الأمر نفسه في العلاقات التركية الإيرانية، حيث تعد الأولى قناة تجارية ومالية للثانية في الحد من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، ويعد مطار إسطنبول بوابة إيران الرئيسية إلى أوروبا، إلا ان العلاقات الثلاثية تشير إلى أن هناك جهة رئيسية تتشكل في الشرق الأوسط، ولها دور في الحروب التي تشهدها المنطقة على أرض الواقع، سواء في سوريا أو ليبيا.

النووي التركي

أما الملف النووي التركي، فيعد واحدا من أهم أسباب القلق الإسرائيلي، وهو ما حذر منه صراحة مركز بحوث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وما لفت نظر الباحثين في المركز الإسرائيلي، حديث أردوغان عن أحقية بلاده في امتلاك سلاح نووي، وبرر ذلك بالسلاح النووي الذي تمتلكه إسرائيل، والذي يهدد الشرق الأوسط منذ أكثر من 50 عاما.

ووفق رأي المركز البحثي، فإن أردوغان فكر في السلاح النووي، وكأنه رسالة لواشنطن التي أعلنت عن نيتها بتقليص تدخلها في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي قد يرى فيه الرئيس التركي فرصة لتموضع تركيا في دور زعامتي، واكتساب سلاح نووي لتثبيت هذا الدور وتعظيم مكانة بلاده.

وذكر التقرير عاملين آخرين يقفان وراء إعلان أردوغان عن حق بلاده في امتلاك النووي، وهما: "الآثار المرتبة لإخراج 50 قنبلة نووية أمريكية موجودة في تركيا تحت رعاية الناتو وبقيادة واشنطن، وتقدّم إيران في برنامجها النووي، مما يعزز سعيها للهيمنة الإقليمية، وهي المكانة التي تتطلع لها تركيا".

وأشار المركز إلى أن عملية "نبع السلام" التركية في سوريا، "أكدت الجدل القائم في واشنطن بشأن الحاجة لإخراج القنابل النووية من طراز B61 الموجودة بتركيا، في حين يدّعي مؤيدو إخراج تلك القنابل، أن أنقرة لم تعد حليفا صادقا للناتو، وعدم الاستقرار في المنطقة يجعلها مكانا خطرا للاحتفاظ بتلك الترسانة على أراضيها".

ورأى التقرير الإسرائيلي أنه "مع تغير ميزان القوى في المنطقة ودخول روسيا وإيران لسوريا وانسحاب واشنطن، فإن تركيا تعتبر أن السلاح النووي سوف يمنحها تفوقا هاما في المنطقة".

تاريخ صادم

وفي رصد أعدته صحيفة "ميدل إيست مونتور"، فإن العلاقات التركية الإسرائيلية تشهد توترا منذ احتجاز إسرائيل لقافلة المساعدات التركية "مرمرة"، عام 2010، ولم تهدأ الأوضاع إلا بعد تدخل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بالضغط على نتنياهو للاعتذار لتركيا عن هجوم الأسطول، وهو ما قام به نتنياهو بعد 3 سنوات من الهجوم، كما وافقت تل أبيب على دفع تعويضات لعائلات ضحايا مرمرة ، والسماح للمساعدات الإنسانية التركية بالوصول إلى قطاع غزة.

وعادت العلاقات للتأزم مرة أخرى، نتيجة الحروب التي شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة، ما دعا الحكومة التركية إلى استدعاء سفراء أمريكا وإسرائيل لديها للتشاور، ثم قرارها بطرد القنصل الإسرائيلي في إسطنبول، وطلبهم من السفير الإسرائيلي بمغادرة الأراضي التركية، وسحب القنصل التركي في القدس.

ويرى تقرير آخر نشرته صحيفة "إسرائيل ناشيونال نيوز" أن قيام تركيا بتسليم نسخة من الأرشيف العثماني للسلطة الفلسطينية، يأتي ضمن خطوات أنقرة لوضع قدمها في القضية الفلسطينية، وأن التعامل التركي لم يعد قاصرا على انتقاد إسرائيل في المحافل الدولية، أو احتضان قادة حركة حماس، وإنما كذلك في دعم الفلسطينيين للمطالبة بأراضيهم التي استولت عليها إسرائيل.

فرص التوافق

افتراضية عودة الوفاق بين الحكومتين التركية والإسرائيلية، كانت حاضرة في العديد من التحليلات الدولية، ووفقا لوكالة الأنباء الصينية، فإن العلاقات الاقتصادية والعسكرية الكبيرة بين البلدين، يمكن أن تعيد العلاقات لسابق عهدها، إلا أن موقع "لوب لوج" الأمريكي، كان أقل تفاؤلا، حيث اعتبر أن عودة العلاقات مرتبط بالإرادة السياسية بين الجانبين، وهي غير مكتملة بشكل واضح.

ورأى الموقع الأمريكي المهتم بقضايا الشرق الأوسط، أن القيادات السياسية الشعبوية في الجانبين، ترى أن انتقاد الطرف الآخر، تعزيزا لموقفها الداخلي، ولذلك يجب على صانعي السياسة الأتراك والإسرائيليين حماية العلاقات الاقتصادية من الضغوط الناجمة عن هذه المشاكل السياسية، خاصة وأن إجمالي التجارة بينهما اقترب من 10 مليارات دولار.

وقدّم "لوب لوج" مقترحات للمسؤولين الأتراك والإسرائيليين، بضرورة التفكير في أنه ليس لديهم بديل في البيئة الإقليمية الحالية، وأن قطع العلاقات السياسات الإقليمية لا يفيد أي طرف منهما، كما أنه يجب عليهما تجنب المشاركة في الكتل الإقليمية المتنافسة، التي لا تخدم أهدافها بالضرورة المصالح العليا لأي من البلدين.