كيف هدم السيسي المساجد وأقام صروحا عامرة لليهود في مصر؟
في مشهد أعده النظام المصري بإحكام، وبحضور أكثر من 25 سفيرا ودبلوماسيا، إلى جانب أبناء الديانة اليهودية، جرى افتتاح معبد "إلياهو هانبي" في 10 يناير/ كانون الثاني الجاري، وهو واحد من أقدم المعابد اليهودية في مصر.
وخصصت الحكومة في ديسمبر/كانون الأول 2018 مبلغ 1.3 مليار جنيه (يعادل 72 مليون دولار) لإحياء التراث اليهودي في البلاد، الأمر الذي أثار الجدل حول أسباب هذا الإنفاق، لاسيما وأن عدد أفراد تلك الجالية تقلص إلى خمسة جميعهم نساء مسنات، وهو ما يمنع إقامة الصلاة في هذه المعابد.
وكانت 11 مؤسسة يهودية من مختلف دول العالم تقدمت في فبراير/شباط 2016 بمذكرة تطالب فيها الحكومة المصرية، بالاعتراف بالتراث اليهودي، واستجابت الأخيرة للمذكرة وشكلت لجنة لتسجيل ذلك التراث.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، طرح رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي رؤيته عن استعداد مصر لبناء دور عبادة لليهود، رغم أن الجالية اليهودية في مصر تُوشك على الانقراض، بعد أن أصبح عدد أفرادها 6 نساء في عام 2016، يتعرضن للتناقص كلما توفيت منهم امرأة.
وجاء ذلك فيما تشن السلطات المصرية حملة شرسة على المساجد، وتعمل على هدم أعداد ملحوظة منها خلال السنوات الماضية، مع تشويه متعمد من وسائل الإعلام المحسوبة على النظام، والتي ربطت المسجد بالعنف والإرهاب.
إلياهو هانبي
الصرح اليهودي، هو كنيس يقع في شارع النبي دانيال وسط مدينة الإسكندرية شمال مصر، ويعد من أقدم وأشهر معابد اليهود هناك.
أسس عام 1354 وتعرض لهجمات من الحملة الفرنسية على مصر، عندما أمر نابليون بقصفه لإقامة حاجز رماية للمدفعية بين حصن كوم الدكة والبحر، وأعيد بناؤه مرة أخرى عام 1850 بتوجيه ومساهمة من أسرة محمد علي باشا.
يحتوي الكنيس على مكتبة مركزية قيمة تضم نحو 50 نسخة قديمة من التوراة، ومجموعة كتب أخرى يعود تاريخ بعضها إلى القرن الخامس عشر.
وبحسب وزارة الآثار المصرية، تبلغ مساحة المعبد 4200 مترا، وهو مكون من طابقين، أحدهما للرجال والثاني للسيدات، ويضم صفوفا من المقاعد الخشبية تسع 700 شخص، وصناديق من الرخام مخصصة لجمع التبرعات وعدد من المكاتب الخدمية الخاصة باليهود.
وفي 3 أغسطس/ آب 2017، تسلمت شركتا أوراسكوم والمقاولون العرب المكلفتان من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، المعبد اليهودي، وذلك تحت الإشراف الكامل من وزارة الآثار، ورصدت لمشروع الترميم تكلفة 100 مليون جنيه مصرى (4 ملايين دولار)، ممولة من الحكومة المصرية.
ومعبد "إلياهو هانبي" أحد أربعة معابد يهودية بدأت وزارة الآثار المصرية تسجيلها لتشمل بقانون حماية الآثار.
وكانت مدينة الإسكندرية المطلة على البحر المتوسط موطنا لنحو 40 ألف يهودي، لكن عدد أفرادهم تقلص بشكل كبير، حيث هاجروا خلال الخمسينيات بعد إنشاء دولة إسرائيل عام 1948.
إسرائيل شاكرة
في 10 يناير/ كانون الثاني الجاري، وجهت صفحة السفارة الإسرائيلية في مصر، على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، الشكر للحكومة المصرية على إعادة إحياء الأثر اليهودي.
وقالت: إن "معبد إلياهو هانبي تمت إعادة ترميمه على مدار العامين الماضيين.. المعبد جرى إنشاؤه عام 1354، ويعد من أهم وأقدم المعابد في الإسكندرية".
وفي اليوم التالي الموافق 11 يناير/ كانون الثاني الحالي، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية: إن "كنيس إلياهو هانبي الذي افتتحته السلطات المصرية بالإسكندرية، لن تقام الصلاة فيه بشكل منتظم، كون المدينة لا تضم سوى 20 يهوديا معظمهم نساء".
وأكدت الصحيفة العبرية في تقريرها، أن الصلاة لم تقم في الكنيس المذكور الذي يتسع لنحو 700 مصلٍ، منذ سنوات، لعدم اكتمال النصاب.
ويشترط كركن أساسي في الصلاة اليهودية، ألا يقل عدد المصلين عن 10 أشخاص بالغين (فوق 13 عاما)، وأن يكونوا جميعهم رجالا.
وانتقدت الصحيفة غياب أي ممثل إسرائيلي أثناء افتتاح الكنيس، مع تأكيدها أن حفل افتتاح خاصا بالجالية اليهودية، سينظم لاحقا بمشاركة ممثلين إسرائيليين.
أما ماغدا هارون، إحدى قادة الجالية اليهودية المصرية، فقد أجهشت بالبكاء بعد حفل الافتتاح، وقالت: "هذا اعتراف بيهود مصر الذين جرى إهمالهم لأكثر من 60 عاما".
إعادة الترميم
وبدوره، قال الداعية الإسلامي أحمد نصر لـ"الاستقلال": إن" إعادة ترميم ما تهدم من دور العبادة الخاصة بأهل الكتاب، من واجبات الدولة، إذا ضاقت عليهم أماكن العبادة، أو سقطت بفعل الزمن، ذلك من الجانب الفقهي".
أما فيما يخص الوضع المصري الحالي، يتابع نصر: "فالأمر له منحى مختلف، يتجاوز فكرة تسهيل إقامة الشعائر، إلى التقارب مع كيان مغتصب عدو، يقتل المسلمين، ويستولي على مقدساتهم، بل يحاول أن يهدم المسجد الأقصى أول القبلتين، وثالث الحرمين، من أجل إقامة الهيكل المزعوم".
وتساءل: "لماذا يسعى السيسي حاليا إلى ترميم المعابد، وإعادة إحياء التراث اليهودي؟ في بلد لا يتجاوز فيها عدد اليهود أصابع اليد الواحدة!، وهو سؤال إجابته واضحة، حيث يتقرب من إسرائيل، التي يطبع معها منذ بداية حكمه، ويجعل لهم موضع قدم في مصر".
وأردف الداعية الإسلامي المصري: "للمفارقة، إذا عقدنا مقارنة بين الملايين التي يتم صرفها على معابد اليهود، وهدم المساجد، والتضييق على أنشتطها في مصر، سيكون الوضع مأساويا".
ويتابع في السياق: "عشرات المساجد هدمت على مدار السنوات الماضية بحجج مختلفة، فضلا عن منع الدروس والأنشطة الاجتماعية والثقافية بداخلها، تحت حجة مكافحة الإرهاب والتطرف، وهو ما أدى إلى خلل مجتمعي، وابتعاد الناس عن تعاليم دينهم، إرضاء لرغبات وتوجيهات الحاكم".
وفي حين يصور النظام نفسه في العالم بأنه راعي الحريات الدينية، ويعلي قيم التسامح، إلا أن الواقع، بحسب نصر، معاكس لتلك الادعاءات، "فملايين المسلمين في مصر مضيق عليهم، ولا يستطيعون ممارسة شعائرهم بأريحية في بلدهم الإسلامي الهوية والجذور".
توثيق العلاقات
إحياء التراث، وتشييد المعابد، لم يكن جل ما قدمه السيسي لإسرائيل، ففي فبراير/ شباط 2019، أعلنت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، أن رئيس النظام المصري أبلغ وفدا أميركيا أن حكومة بلاده ستبني مؤسسات مجتمعية يهودية إذا رغب اليهود في تأسيس طائفة في البلاد.
وذكرت الصحيفة أن اللقاء الذي عقد في القاهرة جمع بين السيسي ووفد من أعضاء اللجنة اليهودية الأميركية، وعد بإجراء عملية تنظيف وتنظيم لمقابر اليهود بمنطقة البساتين في القاهرة، التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع ويُعتقد أنها ثاني أقدم مقبرة يهودية في العالم.
وقالت الصحيفة العبرية: إن "السيسي في ذلك اللقاء عبر عن مخاوفه من استعادة جماعة الإخوان المسلمين السلطة إذا لم يحصل هو على دعم أميركي".
ونقلت عن أعضاء الوفد اليهودي الأمريكي "من الواضح أن السيسي يبحث عن الدعم في الولايات المتحدة، وأعتقد أنه من واجبنا الأخلاقي دعمه إلى أقصى حد ممكن".
وقد عمد السيسي منذ صعوده إلى الرئاسة في مصر إلى تعزيز العلاقات مع إسرائيل، والتوسع إلى لقاءات مستمرة مع الحركة الصهيونية العالمية، وتلقّي الدعم الكامل منهم، وتحديدا في الولايات المتحدة.
وتوالت الزيارات المتبادلة بين السيسي وقيادات صهيونية رسمية وغير رسمية، حيث التقى في الفترة ما بين 2015 وحتى 2018 بنحو عشرين وفدا صهيونيا، ما بين جمعيات أو لوبيات أو حتى قيادات رسمية، وبعض هذه اللقاءات كانت سرية، ولم تعلن عنها الحكومة المصرية، وإنما أعلنتها وسائل إعلام تابعة للدولة العبرية.
المؤتمر اليهودي
ومن أبرز هؤلاء، الملياردير اليهودي الأمريكي "رونالد لاودر"، الذي التقاه السيسي 5 مرات في 3 أعوام، وهو الرجل الذي يرأس منظمة "المؤتمر اليهودي العالمي"، وهو من أهم المؤسسات والجمعيات الصهيونية في العالم.
وهذا المؤتمر عبارة عن اتحاد دولي للمنظمات اليهودية مؤلَّف من أكثر من 70 منظمة، ويسعى إلى تقوية الوحدة بين اليهود، والحفاظ على العادات الثقافية، والدينية، والاجتماعية لديهم.
وفي فبراير/ شباط 2017، التقى السيسي بمؤتمر الرؤساء وهو تحالف يضم عددا كبيرا من المنظمات الصهيونية العاملة في الولايات المتحدة، والتي تُنفذ أجندة اللوبي اليهودي هناك، وعلى رأسها منظمة "إيباك" اليهودية.
كما التقى جمعية "أصدقاء قوات الدفاع الإسرائيلية"، المهتمة بتفعيل المبادرات التعليمية والتدريبية للجيش الإسرائيلي، وتخفيف الضغوط المادية والعاطفية عن الكتائب المقاتلة، وتقديم المساعدات المادية وتنظيم الرحلات للجنود، بالإضافة إلى رعاية أرامل وأيتام القتلى من الجيش واستحضار شركات راعية للبرامج الطبية لمصابيه.
ويضم المؤتمر أيضا منظمة "الحركة الصهيونية"، وهي تعمل على دعم الهوية اليهودية للأراضي الفلسطينية المحتلة، والدفاع عن مواقف إسرائيل الرسمية في الولايات المتحدة، وإعداد أجيال جديدة من القادة للعمل في تل أبيب.
كما يضم أيضا مؤسسة الإصلاح الصهيونية التي تتقدم الدعم المادي للمنظمات الشريكة في إسرائيل، وتشجع السفر والرحلات السياحية إلى الأراضي المحتلة.
هدم المساجد
في يونيو/ حزيران 2014، وإبان تولي عبد الفتاح السيسي منصب رئاسة الجمهورية، بلغ عدد المساجد والزوايا التي صدرت قرارات بإغلاقها في الإسكندرية وحدها 909 مساجد، وزاوية بدعوى مخالفتها الشروط والضوابط المنصوص عليها في القانون.
وفي مايو/أيار 2015 تعرضت خمسة مساجد للهدم في محافظة شمال سيناء بإشراف مباشر من الجيش، هي مساجد "الوالدين"، و"الفتاح"، و"النصر"، و"قباء"، و"قمبز".
أما في يوليو/تموز 2016، وافق وزير الأوقاف محمد مختار جمعة على هدم 64 مسجدا على مستوى الجمهورية، لوقوعها ضمن نطاق توسعات مزلقانات هيئة السكك الحديدية، بينها 12 مسجدا في مركزي طلخا وشربين بمحافظة الدقهلية.
وفي مارس/ آذار 2019، جرى هدم ثمانية مساجد في محافظة الإسكندرية وحدها، كان آخرها مسجد "الإخلاص" ، لينضم إلى مساجد "عزبة سلام"، و"فجر الإسلام"، و"التوحيد"، و"عثمان بن عفان"، و"نور الإسلام"، و"الحمد"، و"العوايد الكبير".
ويسعى نظام السيسي، إلى ربط المساجد بالإرهاب عبر سياسته القائمة، ووسائل الإعلام، ففي يوليو/تموز 2016 وبحضوره، نفذت طائرات حربية مصرية مناورة تحاكي عملية لـ"محاربة الإرهاب" تضمنت قصف مجسم مسجد بحجة أنه يؤوي إرهابيين، واستخدمت في المناورة مروحيات عدة من أنواع مختلفة، إضافة إلى مجموعات قتالية من وحدات المظلات.
المصادر
- لن تقام فيها الصلاة.. لماذا يجدد السيسي المعابد اليهودية بمصر؟
- يديعوت: الصلاة في كنيس الإسكندرية لن تنتظم لعدم توفر"النصاب"
- شاهد.. إسرائيل توجه الشكر للحكومة المصرية بعد هذا الأمر
- فصل جديد ليهود مصر.. افتتاح معبد بعد ترميمه بالإسكندرية
- ترممه مصر.. ما الذي يميز معبد الإسكندرية اليهودي؟
- ماذا تبقى من معابد اليهود في مصر؟
- ترميم معابد اليهود بمصر.. صفقة القرن تتسلل عبر التراث
- تعليمات السيسي بـ"هدم المساجد" تثير غضب المصريين
- عدد اليهود في مصر يتراجع إلى 6 نساء بعد وفاة «لوسي»
- مصر.. افتتاح أقدم معبد يهودي بالإسكندرية بعد ترميمه.. والسفارة الإسرائيلية تُعلق