مع بداية العام الجديد.. لماذا شرعت تونس في تدريس التربية الجنسية؟

12

طباعة

مشاركة

قررت وزارة التربية التونسية إدراج التربية الجنسية في المناهج الدراسية مع بداية العام الجديد، وستكون هذه المادة موجهة للأطفال ما بين 5 و 15 عاما، بدعوى "تعدد جرائم الاعتداء الجنسي والتحرش التي كان ضحاياها من الاطفال".

القرار الذي تم اتخاذه بالتعاون مع المعهد العربي لحقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة للسكان بتونس والجمعية التونسية للصحة الإنجابية، قوبل بموجة من الرفض والاحتجاج من عدد من الأطراف متسائلين عن جدواه، مبدين تخوفهم مما قد تتضمنه هذه المادة من أفكار تعتبر غريبة على المجتمع التونسي.

تقارير أشارت إلى تضمن هذه المادة على عدد من المضامين المتعلقة بالهوية الجنسية القائمة على مقاربة الجندر، بالإضافة إلى العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وعدم الالتزام بالأطر الأخلاقية العامة في تونس.

ومابين تبرير الوزارة وتخوف عدد من مؤسسات المجتمع المدني، فإن هذا الموضوع يعيد من جديد الحديث عن عدد من الجمعيات والمبادرات الممولة من الخارج خاصة بعد الثورة من أجل الترويج لمثل هذه الأفكار الغربية.

حقيقة المناهج

لم تكن المناهج التي تخطط وزارة التربية للانطلاق في تدريسها بعد عودة التلاميذ من عطلة الشتاء واضحة لأولياء الأمور، ولا للأطراف ذات الصلة بالعملية التعليمية، كما لم تكن متاحة أمام المجتمع المدني التونسي.

وهو ما جعل مواقع التواصل الاجتماعي تتحول لمنصة للجدل المفتوح حول محتوى هذه المناهج، حيث تم تداول وثائق قيل أنها لمواد سيتم تدريسها أثارت غضبا واسعا.

وسارعت وزارة التربية إلى الرد عما يروج، حيث قال الناطق باسم الوزارة محمد الحاج طيب: إنه تم تداول وثيقة "مفبركة" على مواقع التواصل توحي بأن وزارة التربية استلهمت بعض التجارب الأجنبية التي تتحدث عن المثلية الجنسية في مقاربة إدماج التربية على الصحة الجنسية في البرامج التعليمية في تونس.

وأكد بأن هذه التجارب لم تطرح داخل اللجان المشرفة على إعداد مرجعية في مجال التربية على الصحة الجنسية "لكونها لا تتماشى مع خصوصية المجتمع التونسي"، مشيرا إلى أن اللجان المعنية تستند في عملها إلى "معايير علمية متأصلة في منظومة القيم المجتمعية التونسية المترسخة في هويتها العربية والإسلامية".

وجاء في بيان وزارة التربية، أنه سيتم عرض هذه المرجعية التي تساهم في إعدادها خبرات تونسية مختصة في المجالات العلمية والطبية والنفسية والاجتماعية، على مختلف الفاعلين التربويين ومكونات المجتمع المدني قصد مناقشتها وتطويرها.

وكانت النائبة عن حركة النهضة يمينة الزغلامي، قد تقدمت بمقترح لوزيرة المرأة والأسرة والطفولة نزيهة العبيدي، تتعلق بتدريس حصص في الثقافة الجنسية للأطفال في المدارس والمعاهد، ابتداء من عمر 6 سنوات وذلك في بداية العام 2018.

واعتبرت دعوة عضو البرلمان من أول المبادرات الداعية لإدراج المادة في المناهج التعليمية، حيث اعتبرت الزغلامي أن إدراج هذه المادة يعتبر أولوية قصوى "نظرا لوجود أرقام مفزعة تعبر عن تفشي جرائم الاعتداء على الطفولة والمرأة، من تحرش واغتصاب".

وأضافت في حديث لـ"الاستقلال": "من بين الأسباب التي أدت لهذا الوضع، عدم قيام الأسرة بدورها في الحوار والتأطير لأبنائها، إما لفهم خاطئ لهذا الموضوع والتعلل بالمحافظة بحجة أن هذه المواضيع محرمة، أو لعدم إدراك وقلة وعي أو غياب الوالدين عن البيت نظرا لصعوبة الحياة، أو نتيجة التفكك الأسري..". 

وأكدت القيادية في حركة النهضة أنه "لكل هذه الأسباب أصبحت هناك أرضية خصبة لتفشي الاعتداءات وكل مظاهر العنف الجنسي، وهو ما يفرض على الدولة تحمل المسؤولية".

تخوفات مشروعة

هذا الغموض والسرعة في اتخاذ قرار تدريس مادة التربية الجنسية في المدارس التونسية، أثار الكثير من التساؤلات والتخوفات التي وصفها البعض بـ"المشروعة".

الرفض شمل المعلمين أنفسهم، الذين لا يرونها ضرورة بل يستغربون كيف استطاعت وزارة التربية بهذه السرعة إعداد برنامج لهذه المادة وتكوين المربين فيها، ويرون أنه إملاء من أطراف أخرى وهو ما دفع بنقابة متفقدي التعليم الابتدائي للتظاهر بالعاصمة واستنكارهم لعدم إشراكهم في صياغة هذا البرنامج وإطلاق هذه المادة بهذه التسمية.

وسبق للجمعية الوطنية للمعلمين أيضا أن استنكرت واستغربت عدم اكتراث الوزارة بالمشاغل الحقيقة للتربية والتعليم في تونس ومنها الانقطاع المبكر لآلاف التلاميذ عن الذهاب للتعليم سنويا، وانتشار ظاهرة المخدرات بين التلاميذ وما يسببه من جريمة وانحراف وتدني النتائج إضاف إلى البنية التحتية المهترئة للمؤسسة التربوية والوضع الصحي بها.

وتمحورت جل الانتقادات للمشروع، حول تضمنه حسب ما يروج على مفهوم النوع الاجتماعي وعلاقته بالجنس، حيث ذكرت عبارة "الجنس والنوع الاجتماعي" في أكثر من موضع خلال الحديث عن تدريس هذه المادة.

والمقصود بالنوع الاجتماعي أو الجندر هو الجنس من حيث الذكورة والأنوثة من خلال الدور الاجتماعي الذي يختاره الشخص بإرادته بناء على شعوره بالانتماء لجنس معين.

حسب الموسوعة البريطانية عُرِّف الجندر بأنه "شعور الإنسان بنفسِه كذَكَر أو أنثى ولكن هناك حالات لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافُق بين الصفات العضوية وهُويته الجندرية، إن الهُوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة؛ بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهُوية الجندرية، وتتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية، كلما نما الطفل".

ووفق اتفاقية سيداو (اتفاقية نبذ جميع أشكال التمييز تجاه المرأة) جاء المصطلح في المادة الخامسة منه، وطالبت هذه المادة بتغيير الأنماط الاجتماعيَّة والثقافية لدور كل من الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيُّزات والعادات العرفية.

ووفقا لمفهوم الجندر ولكتاب "الأسرة وتحديات المستقبل" من مطبوعات الأمم المتحدة فإن الأسرة يمكن تصنيفها إلى 12 شكلا ونمطا، ومنها أسر الجنس الواحد، أي أسر الشواذ، وتشمل أيضا النساء والرجال الذين يعيشون معا بلا زواج، والنساء اللاتي ينجبن الأطفال خارج إطار الزواج ، ويطلق عليهن تسمية الأمهات العازبات.

النائبة البرلمانية يمين الزغلامي قالت: "لتجنب التخوفات من الممكن الابتعاد عن تسمية التربية الجنسية بمادة التربية الصحية وهذا معمول به في عدة دول، وأضافت "للوصول لهذا الهدف لا بد من فتح حوار مع المختصين دون إقصاء مثلا مدرسي التربية الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني والمختصين في علم الجنس ( sexologue) كما يجب أن يتم عرض المشروع على اللجان المختصة بالبرلمان".

واعتبرت الزغلامي "مناخ الحريات بتونس الآن لا يسمح بفرض أي مشروع، فلا بد من الحوار والتشاركية وعدم الاستعجال، صحيح أن عدة منظمات دولية تمول وترصد دعم وتمويل هائل لمثل هذه القضايا، والعديد من الجمعيات يكون هدفها الحصول على التمويل لا العمل على برامج هادفة وصالح المجتمع، خاصة حماية الفئات الهشة، أما الحديث عن مفاهيم الجندر وغيرها فأعتقد أنها فوبيا تنتشر كلما تم طرح مواضيع هامة".

من وراءها؟

خرجت جهات ممثلة عن الجمعية التونسية للصحة الإنجابية وصندوق الأمم المتحدة للسكان والمعهد العربي لحقوق الإنسان للإعلان عن مبادرتها المتمثلة في إدراج التربية الجنسية في المناهج التربوية في تونس وتدريسها بداية من السنة التحضيرية للأطفال الذين تبلغ أعمارهم من 5 ـ 15 سنة.

تندرج ضمن توصيات الاتحاد الأوروبي التي جاءت بالقرار الصادر عن البرلمان الأوروبي بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2016 حول العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتونس وتحديدا بالنقطة 21 التي يدعو فيها البرلمان الأوروبي الدولة التونسية إلى إصلاح المجلة الجزائية (القانون) التونسية وتحديدا إلغاء المادة 230 التي تعاقب على المثلية الجنسية بالسجن من جهة، وتوصيات منظمة الأمم المتحدة بإدراج مقاربة النوع الاجتماعي في التشريعات الوطنية من جهة ثانية.

منذ مؤتمر بكين 1995 أصبح مفهوم تمكين المرأة والجندر من المفاهيم المتداولة في مؤتمرات الأمم المتحدة لينتقل طرحها من دراسة "المرأة والتنمية" الى دراسة "الجندر والتنمية".

وتشكل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة إطارا قانونيا دوليا لإقرار مساواة الجندر أو المساواة بين المرأة والرجل على أساس النوع الاجتماعي عوضا عن المساواة بين المرأة والرجل بالمفهوم المتداول.

وفق مراقبين، تعمل المنظمة الدولية على فرض إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في التشريعات الوطنية وقوانينها حيث تعطي لنفسها الحق في فرض الوصاية التشريعية على الدول لتطبيق المساواة المطلقة بين الأنواع (ذكورا وإناثا وشواذا) بدءا بتغيير الدساتير ثم القوانين والتشريعات ثم التطبيق ومراقبة التطبيق.

المادة 9 – ب من مسودة الاستنتاجات الصادرة عن الاجتماع 60 للجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة المنعقد في مارس/آذار 2016 تنص على "إلغاء القوانين والأحكام التمييزية في الدساتير، والتأكد من أن القوانين والسياسات غير التمييزية والمراعية منظور الجندر والتدابير الخاصة المؤقتة التي تعمل على استقواء النساء والفتيات مفعلة دون تأخير، مع مراقبة تنفيذها على نحو فعال".