المسلمون في إسبانيا.. جذور أندلسية وحضور متصاعد وتحديات مستمرة

"خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة تضاعف عدد المسلمين في إسبانيا ليبلغ 2.5 مليون نسمة"
لامين يامال، نجم كرة القدم المسلم، للمنتخب الإسباني، ونادي برشلونة، قرر صيام شهر رمضان عام 2025، بالتزامن مع استعدادات منتخب بلاده لمباراتي ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية ضد هولندا.
وستكون هذه المرة الأولى في التاريخ التي يواجه فيها المنتخب الإسباني موقفا يتعلق بنظام غذائي خاص لأحد لاعبيه بسبب الصيام، بحسب صحيفة "ماركا" الإسبانية في 19 مارس/ آذار 2025.
ويعبر لاعب كرة القدم الشهير عن المجتمع المسلم في إسبانيا، الذي يمارس طقوسه الدينية، كجزء متميز من شعب إسبانيا متعدد الطوائف والأعراق.
ويسعى المسلمون في إسبانيا إلى الاندماج ومحاولة إثبات الذات ومواجهة التحديات المتعلقة بالعنصرية أو حصر عقيدتهم في صورة المهاجرين فقط.
خاصة أن جذورهم ضاربة في شبه الجزيرة الإيبيرية عموما (إسبانيا والبرتغال وأندورا ومنطقة جبل طارق)، وإسبانيا خصوصا، حيث حكموها وعاشوا فيها لثمانية قرون.
مسلمو إسبانيا
ففي مطلع يناير/ كانون الثاني 2025، قدرت منصة "ستاتيستا" العالمية للبيانات (مقرها برلين)، أن عدد المسلمين الإسبان يقدر بمليون و85 ألفا.
كذلك يبلغ عدد المسلمين الإسبان من أصول مغاربية نحو 880 ألفا، وذوي الأصول الباكستانية مئة ألف، ومن السنغال 83 ألفا.
ورغم ذلك فإن المسلمين في إسبانيا يواجهون تحديات جمة، على رأسها موجات العنصرية والإسلاموفوبيا، ففي 9 فبراير/ شباط 2025، نشرت "الجمعية المغربية لإدماج المهاجرين في إسبانيا"، دراسة تحت عنوان "العنصرية والتمييز البنيوي في إسبانيا.. تحليل تقاطعي للسكان من أصل عربي".
وأشارت إلى أن 47.5 بالمئة من المسلمين الذين شملهم استطلاع للرأي قالوا إنهم كانوا هدفا لاعتداءات عنصرية في إسبانيا، لكن 6 بالمئة فقط تجرأوا على تقديم شكوى رسمية.
وأظهرت النتائج أن حالات التمييز بسبب العنصرية وكراهية المسلمين، خاصة المغاربة التي يعاني منها المهاجرون العرب لا تزال مثيرة للقلق.
ومن أشكال التمييز أنه تم استبعاد ست من كل عشر نساء مسلمات من عروض العمل بسبب عدم خلع الحجاب لحضور مقابلة مع مدير الموارد البشرية.
كذلك تم رفض سبعة من كل عشرة مسلمين يقدمون طلبات إلى وكالات العقارات في مناطق مختلفة من إسبانيا بسبب لهجتهم.
ورصدت الجمعية أنه في مناطق مختلفة من البلاد، قام أعضاء هيئة التدريس في المراكز التعليمية، بجعل الشباب المسلمين يشعرون بالنقص، مما يقوض أداءهم الأكاديمي أو يحد من تطلعاتهم التعليمية.
كما اعترف سبعة من كل عشرة أشخاص، بأنهم شعروا بالتوتر والقلق وانخفاض احترام الذات والشعور بعدم الانتماء، أو الإحباط بعد تعرضهم للهجوم بسبب الإسلاموفوبيا في مرحلة ما من حياتهم.
وذكرت الجمعية المغربية أنه تم تمويل هذه الدراسة من قبل وزارة الحقوق الاجتماعية والاستهلاك الإسبانية، ضمن ما يعرف بأجندة 2030.
تحديات كبيرة
وترفض المجتمعات المسلمة هناك حصرهم في صورة (دين المهاجرين فقط)، فخلال الأعوام الثلاثين الأخيرة تضاعف عدد المسلمين في إسبانيا 10 أضعاف، ليبلغ 2.5 مليون نسمة، بحسب أمين المفوضية الإسلامية في إسبانيا، محمد أجانة الوافي.
وقال الوافي في تصريحات لوكالة "الأناضول" التركية، في 26 مارس 2023: إن "التقديرات غير الرسمية لعدد المسلمين تقدرهم بنحو 3 ملايين نسمة".
وأضاف: "في الماضي كان غالبية المسلمين من المهاجرين، أما الآن فيشكل المسلمون نسبة كبيرة من عدد الإسبان".
وأردف الوافي بأنه “يوجد نحو مليون مواطن إسباني من المسلمين، حصل قسم منهم على الجنسية الإسبانية وقسم آخر هم من أصول إسبانية”.
وذكر أن "53 اتحادا إسلاميا ينشطون في إسبانيا 15 منها ذات نشاط واسع، كما يبلغ عدد المساجد نحو ألفين".
ويحتفي المسلمون في إسبانيا مثل المسلمين في كل أرجاء العالم، بقدوم شهر رمضان المبارك، وينظمون فيه برامج الإفطار ويتجمعون في صلاة التراويح في المساجد والمراكز الإسلامية الكبرى، حسب الوافي.
وأكد أن في برامج المفوضية الإسلامية في إسبانيا، المخصصة لشهر رمضان، هناك دعوة لغير المسلمين من جيراننا لمشاركتنا في الاحتفالات والإفطار.
وتابع: "هذا التكافل الذي نظهره معا في هذا الشهر، نعطي من خلاله رسالة بضرورة نشر هذه الأجواء كنموذج للتعايش على مدار العام".
واستشهد الوافي بتقرير المفوضية الذي رصد أن مدن إشبيلية وقرطبة وبرشلونة، تشهد زيادة ملحوظة في عدد الإسبان الراغبين في دخول الإسلام.
ولفت إلى أن الإسبان الذين يعيشون في مدينتي سبتة ومليلية، اللتين تتمتعان بغالبية مسلمة من السكان، هم أيضا يقبلون على اعتناق الإسلام.
آثار عظيمة
وتعد المفوضية الإسلامية من أكبر الجهات التي تمثل المجتمع الإسلامي في إسبانيا.
وعام 1992 وقعت المفوضية وجمعيات تمثل الإنجيليين واليهود مع الدولة، اتفاقية تعاون، تمكنوا من خلالها ضمان الحقوق القانونية والاجتماعية للمسلمين.
وشكلت الاتفاقية إنجازا مهما في الاعتراف بحقوق الجالية المسلمة المتنامية في إسبانيا، حيث تناولت جوانب مختلفة، بما في ذلك التعليم، ولوائح بناء المساجد، والزواج، والأعياد الدينية، وغيرها.
ومع ذلك، تجادل المفوضية الإسلامية في إسبانيا بأن الدولة الإسبانية لم تتوقع المدى الكامل لما سيتطلبه الحفاظ على هذه الحقوق، منها حق تعليم الأجيال الجديدة للتعاليم الدينية الإسلامية في المدارس.
وأوضح منسق التعليم في المفوضية، إيهاب فهمي، لموقع "العربي الجديد" في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أنه "كان عدد المسلمين في إسبانيا آنذاك أقل من 200 ألف نسمة، ولم يكن هناك طلاب مسلمون في المدارس تقريبا. ولذلك وضعوا المادة رقم 10 -المتعلقة بالتعليم الديني الإسلامي- كأمر يصعب تحقيقه".
وخلف المسلمون الأوائل الذين سكنوا أرض إسبانيا آثارا عظيمة، منها جامع قرطبة الذي تأسس على يد عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) عام 170 هجرية.
وهو من أكثر المعالم الأثرية الإسلامية شهرة، حتى إنه تصدر قائمة كنوز إسبانيا الـ12 عام 2007، وتأثر كثير من الإسبان بهذا الجامع وهذا التراث، ما دفع بعضهم لاعتناق الإسلام بعد أن بحثوا في الجذور.
ومنهم رئيس جمعية الجالية المسلمة في إسبانيا، عمر دل بوثو، الذي حكى عن جامع قرطبة وتاريخ المسلمين العظيم في أرض الأندلس.
وقال بوثو لموقع "الجزيرة نت" في 8 مايو/ أيار 2021، إنه “لا بد من تغيير هذه الصورة التي تصور الإسلام في إسبانيا وأوروبا دينا للمهاجرين فقط”.
وذكر أنه نشأ في عائلة إسبانية مسلمة، وأنه يشهد إسلام أحدهم في كل جمعة تقريبا بالمسجد الكبير الذي يديره في غرناطة، مشيرا إلى وجود حوالي 3 آلاف مسلم إسباني يعيشون بغرناطة.
كما أشار إلى وجود زيادة ملحوظة في عدد الإسبان المقبلين على اعتناق الإسلام في كل من مدن إشبيلية وقرطبة وبرشلونة أيضا.
العودة للجذور
ومن آن إلى آخر يتعرض المسلمون لموجات وهجمات عنصرية، مثل التي حدثت عام 2020، عندما أعلنت أكثر من 30 جمعية حقوقية في الجيب الإسباني "سبتة" تنظيم مظاهرات حاشدة.
وذلك بسبب أغنية وصفوها بالعنصرية ضد المسلمين الذين يشكلون نصف سكان المدينة، وفق وسائل إعلام إسبانية.
واستخدمت الأغنية التي كتبها شرطي وعضو في حزب "بوكس" اليميني المتطرف، للدفاع عن المدينة ضد المسلمين، مضيفة أن تربة سبتة هي تربة إسبانية.
وفي 26 أغسطس/ آب 2024، فرضت حكومة "إقليم كاتالونيا" غرامة مالية على رئيسة بلدية بالإقليم بعد تصريحاتها المعادية تجاه المسلمين.
وبلغت الغرامة المالية 10 آلاف يورو (11 ألف دولار) على "سيلفيا أوي رولز"، رئيسة بلدية ريبول في غيرونا بكتالونيا بعد توجيه إهانات للمسلمين، خلال برنامج تلفزيوني.
وفرضت الغرامة على سيلفيا وفقا لقانون يهدف إلى مكافحة الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب في إقليم كاتالونيا.
لكن هذه الأمور لا تنفي إقبال مواطنين إسبان على اعتناق الدين الإسلامي، ففي 27 أبريل/ نيسان 2022، أجرت وكالة "الأناضول" التركية مقابلات مع بعض الإسبان الذين أسلموا.
منهم "جادية مارتينيز"، ذات 77 عاما، التي قالت: "إنها إسبانية مسلمة منذ 42 عاما، وإن اعتناقها الدين الإسلامي كان نتيجة عملية طويلة من البحث عن الذات والجذور في ظل حالة الاستياء التي تعيشها داخل الثقافة الغربية".
ومما تحدثت به أنه عادة ما يكون مفاجئا بالنسبة للغربي أن يجد الإسلام في سعيه لتحقيق السلام الداخلي، ويمكن القول إنها نتيجة غير متوقعة في ظل الضغوط التي تمارسها الصحافة والمجتمع على الإسلام.
وأشارت مارتينيز التي تعرف اللغة التركية وزارت تركيا عدة مرات، إلى أن الجامع الكبير الواقع مقابل قصر الحمراء التاريخي (في غرناطة) يعد أحد أهم المباني التي يرجع تاريخ بنائه للفترة الإسلامية في الأندلس، وأنه يمثل لمسلمي إسبانيا "نقطة التقاء الماضي والحاضر" على حد قولها.
أصوات عاقلة
ورغم ذلك، فإن هناك أصواتا تشيد بالمسلمين وحضارتهم، ومنهم مخرجة الفيلم الوثائقي "بناء قصر الحمراء"، الإسبانية إيزابيل فرناندي، قالت خلال حفل افتتاح الفيلم في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2023، "إنه لو لم يكن هناك مسلمون في إسبانيا، لكان تاريخ أوروبا مختلفا".
وأشارت إلى أن "الفترة الأندلسية مهمة جدا لأنها جلبت المعرفة إلى القارة الأوروبية".
وفي 21 أكتوبر 2024، أقيم المعرض الدولي للسياحة (فيتور 2024) بنسخته الـ44 في مدريد، وشاركت فيه الأكاديمية الإسبانية إنكارنا غوتيريز، أمينة مؤسسة الثقافة الإسلامية ذات الطابع العلمي والثقافي.
وقالت في كلمتها: "للأسف، في المدرسة لا يعلمونك إلا في صفحتين ما حدث في 8 قرون من التاريخ، لذلك أردنا استعادة ذلك ومعرفة تاريخنا وذاتنا الأندلسية، وهذه كانت قضيتنا الرئيسة".
وتابعت غوتيريز: "حدث لدى الإسبانيين حالة تشبه انفصام الشخصية؛ لأنهم من ناحية، فخورون جدا بالآثار التي تركت لهم من الأندلس، فتلك الآثار تنشط القطاع السياحي وتجلب العديد من السياح من حول العالم، فلدينا الحمراء، غرناطة، ألميريا، القصور الأندلسية، إشبيلية.. وغيرها".
وأكملت: "من ناحية أخرى، لم تلتحق إسبانيا إلا متأخرة بركب أوروبا بسبب ماضيها وإرثها الإسلامي، لذا فهذا الوضع معقد بشدة".
ومما أوردته غوتيريز: "لا يعرف كثيرون تاريخ مدريد الإسلامية، أو لا يتذكره إلا القليل، فهم لا يتذكرون أن (مجريط) هي العاصمة الأوروبية الوحيدة التي أسسها المسلمون".
المصادر
- سابقة تاريخية.. كيف يتعامل منتخب إسبانيا مع لامين يامال في رمضان؟
- In Spain, Islamic education is overlooked despite increasing demand and need for inclusivity in schools
- بلغ 2.5 مليون.. عدد مسلمي إسبانيا يتضاعف 10 مرات في 3 عقود
- غرناطة.. ازدياد عدد الإسبان المعتنقين للإسلام
- مخرجة إسبانية: لولا وجود المسلمين في بلادنا لكانت أوروبا مختلفة
- أمينة مؤسسة الثقافة الإسلامية بإسبانيا: "مجريط" عاصمة أوروبية أسسها المسلمون
- 47% من المسلمين في إسبانيا يقولون إنهم يعانون من العنصرية و6% فقط يبلغون عنها
- Number of Muslims in Spain in 2023, by nationality
- الحكم بتغريم رئيسة بلدية إسبانية بسبب إساءتها للمسلمين
- "أغنية عنصرية" ضد المسلمين في إسبانيا تتسبب في تنظيم تظاهرة