هكذا تناولت الصحف الفرنسية أحكام القضاء السعودي بقضية خاشقجي

12

طباعة

مشاركة

اهتمت الصحافة الفرنسية، بالأحكام التي أصدرها القضاء السعودي بحق مرتكبي جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتبرئة مقربين من ولي العهد محمد بن سلمان تدور حولهم التهم بالوقوف وراء إعطاء الأوامر لتنفيذ العملية في سفارة الرياض بإسطنبول.

وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية: إن الأحكام الابتدائية التي أصدرها القضاء السعودي في قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، لم يستهدف سوى منفذي العملية، فيما تم تبرئة المتهمين الرئيسيين المقربين من محمد بن سلمان ولي العهد.

تبرئة الحاشية

وأوضحت أنه بعد أكثر من عام بقليل من تبرئة ولي العهد السعودي، من أي مسؤولية في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، برأت المملكة، أمس الاثنين، اثنين من المقربين له يشتبه في إشرافهم على العملية، التي نفذت في أكتوبر/ تشرين أول 2018 في مدينة إسطنبول التركية.

وأشارت "لوموند" إلى تبرئة نائب رئيس الاستخبارات أحمد العسيري، وهو متحدث سابق باسم التحالف العربي الذي يتدخل عسكريا في اليمن، "لعدم كفاية الأدلة"، وهو الشخص الذي جرى تقديمه كمهندس للفريق منفذ العملية التي تحولت إلى فضيحة عالمية، حيث كان يخضع للمحاكمة مع عشرة أشخاص آخرين منذ شهر يناير/ كانون ثاني.

وفيما يتعلق بسعود القحطاني، المستشار الإعلامي لولي العهد السعودي، قالت الصحيفة: إن "الادعاء قد أضفى الطابع الرسمي على ما تم تسريبه بالفعل منذ فترة طويلة، أي أنه كان موضع التحقيق، لكن لم تتم محاكمته، رغم أنه يشتبه في كونه لعب دورا مركزيا في عملية القتل، وقد اختفى من المشهد العام منذ وقوع الحادث".

وأوضحت أنه في ذلك الوقت، قام جمال خاشقجي، الكاتب الشهير الذي ذهب إلى المنفى في عام 2017 للولايات المتحدة، بنشر مقالات في صحيفة "واشنطن بوست" عن الانجراف الاستبدادي محمد بن سلمان، حيث قُتل عندما ذهب إلى قنصلية بلاده لإكمال بعض الإجراءات الإدارية، ولم يتم العثور على جثته التي قطعت إلى اليوم.

وذكرت "لوموند" أن الأشخاص الذين صدرت بحقهم أحكام في نهاية المحاكمة هم أعضاء الفريق الذي وجد في تركيا، إذ أدين خمسة منهم "بالمشاركة بشكل مباشر في قتل الضحية"، وحكم عليهم بالإعدام دون الكشف عن هويتهم.

ونوهت إلى أن ماهر مطرب، ضابط الاستخبارات الذي يعتقد أنه قاد الفريق، وصلاح الطبيقي، الخبير في الطب الشرعي الذي قطع جثة الصحفي، من المحتمل أن يكونا من بين الخمسة، لافتة إلى صدور أحكام بالسجن على ثلاثة متهمين آخرين يمثلون ما مجموعه 24 عاما "لدورهم في إخفاء الجريمة".

ورأت الصحيفة الفرنسية أن هذه الأحكام لا تثير الدهشة، لأنها تؤكد الرواية التي قدمتها الحكومة السعودية في السابق، وتقول إن عملية الاغتيال لخاشقجي نفذها عملاء قاموا بها من تلقاء أنفسهم.

ونقلت "لوموند" تعليق أجنيس كالامارد، المقررة الأممية الخاصة لشؤون الإعدام خارج إطار المحكمة والمحققة الخاصة من الأمم المتحدة بقضية مقتل خاشجقي، على الأحكام السعودية الصادرة، بالقول: "تلك الأحكام كانت نقيض للعدالة ومثار للسخرية".

وأضافت على "تويتر": أن "خلاصة القول إن من قتلوا حكم عليهم بالإعدام، والعقول المدبرة ليس فقط تم تبرئتهم بل بالكاد تأثروا بالتحقيق والمحاكمة، وهذا هو نقيض العدالة وإنه بمثابة سخرية".

وكانت المحققة الأممية أكدت في تقريرها حول هذا الحادث أن "هناك الكثير من الأدلة التي تكشف عن دور لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في مقتل خاشقجي"، مشيرة إلى وجود تقاعس من الأمم المتحدة في أداء واجبها تجاه هذه الجريمة.

خيبة أمل تركية

وانتهى التقرير الذي نشرته خبير الأمم المتحدة في يونيو/ حزيران الماضي أن الجريمة كانت متعمدة ودعت إلى فتح تحقيق دولي حول "مسؤولية القادة السعوديين الكبار، بما في ذلك ولي العهد".

كما ذكرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، من جانبها، في وقت مبكر من نوفمبر 2018، أن مقتل الصحفي لم يكن من الممكن أن يتم دون موافقة محمد بن سلمان، الذي له اليد العليا على جهاز الأمن السعودي.

ولفتت "لوموند" إلى أن تركيا من جهتها، رأت أن أحكام القضاء السعودي "بعيدة عن تلبية توقعاتها"، خاصة أن أنقرة كشفت الحقيقة من خلال محتويات تسجيلات صوتية من داخل القنصلية.

وقالت وزارة الخارجية التركية: "مصير جثة خاشقجي وتحديد هوية المحرضين على القتل والمتعاونين المحتملين من الداخل كلها أسئلة لم يتم الإجابة عنها بعد".

ونوهت الصحيفة إلى عدم تعليق وزارة الخارجية الفرنسية على أحكام القضاء حتى صباح الثلاثاء 24 ديسمبر/ كانون أول، رغم السماح لدبلوماسيين فرنسيين وكذلك ممثلي الأعضاء الأربعة الآخرين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، روسيا، الصين) بحضور جلسات المحاكمة التسع، والتي لم يكشف أي منهم عما حدث داخلها، مما أثار غضب منظمات حقوق الإنسان، التي شجبت الإجراءات المغلقة.

وأكدت أن السعودية التي تولت الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين، تأمل من خلال هذه الأحكام، أن تضع حدا لهذه الدراما المأساوية التي أضرت كثيرا بصورتها، ومنعت محمد بن سلمان من السفر إلى أوروبا والولايات المتحدة خلال العام الماضي.

الطائش القاتل

من جهتها، قالت صحيفة "لا كروا": إنه إلى جانب ردود الفعل والإدانات والعقوبات التي سبق أن قررتها بعض الدول ضد مسؤولين سعوديين بسبب مقتل خاشقجي، هناك العديد من الإجراءات القانونية الممكنة ضد الرياض.

وأوضحت أنه بعد نشر تقرير الأمم المتحدة، دعا السيناتور الديمقراطي تيم كين مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى "فتح تحقيق"، كما أبدت تركيا بالفعل اعتزامها مقاضاة بعض الجناة حتى لو كان ذلك يعني إدانتهم غيابيا. 

وذكرت "لاكروا" بما أن اغتيال جمال خاشقجي يشكل "جريمة دولية"، فإن أجنيس كالامارد دعت دولا مثل فرنسا، باسم "الولاية القضائية العالمية"، إلى محاكمة المسؤولين الذين يقيمون على أراضيها.

أما صحيفة "كورييه إنترناسيونال" الفرنسية، فذكرت أن القرار لم يقنع "واشنطن بوست" على الإطلاق، التي كان جمال خاشقجي متعاونا معها.

وأوضحت أنه في مقال افتتاحي، تستنكر الصحيفة اليومية "الصورة المخزية للعدالة" لأنه يمثِل "إهانة لعائلة خاشقجي ولجميع الذين طالبوا بمساءلة حقيقية في القضية، بمن في ذلك أغلبية أعضاء الكونجرس الأمريكي".

وأشارت إلى تبرئة اثنين من المقربين للأمير محمد بن سلمان على الرغم من مشاركتهما في العملية "ربما بناء على طلب من الأمير، الذي وفقا لوكالة المخابرات المركزية هو الجاني الحقيقي"

وحسبما نقلت، فإن "واشنطن بوست" حذرت من أن قبول الحكم "لن يكون خطأ أخلاقيا فحسب، بل خطير أيضا" لأنه سيكون بمثابة رسالة لولي العهد السعودي مفادها أنه: "لن يُحاسب على نزعته الطائشة القاتلة".