لماذا تغيرت مواقف أوروبا من العملية التركية في شمال سوريا؟

12

طباعة

مشاركة

لم تكن اجتماعات القمة السبعين لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي عقدت مؤخرا بالعاصمة البريطانية لندن، عادية بالنسبة لتركيا، حيث شهدت تغييرا في الموقف الأوروبي المتعلق بالعملية العسكرية التي نفذتها أنقرة في الشمال السوري قبل شهرين.

التغيير كان بارزا عبر الاعتراف الواضح من قيادات الحلف بأن العملية العسكرية نجحت في وقف العنف، أو بالأحرى تراجعه بشكل كبير في الشمال السوري، وأن الحل السياسي بات مطلوبا وبشدة بعد أن أوقفت تركيا العملية.

ولم يقف التغيير عند هذا الحد، بل إن رئيس الوزراء البريطاني، أكد على حق تركيا في مخاوفها المتعلقة بالأحزاب الكردية التي تنتهج العنف.

ورغم أن الحلف لم يتخذ قرارا بوضع حزب العمال الكردستاني (PKK) على قائمة الإرهاب، إلا أنه اعترف بالمخاطر التي تواجهها تركيا، وهو ما كان سببا في التوصل لاتفاق على جولة جديدة بين الحلف وأنقرة لمزيد من التباحث حول مخاوف الأخيرة ومطالبها المتعلقة بتعريفات الإرهاب التي ينتهجها الحلف.

حلحلة أوروبية

ما سبق تدلل عليه تصريحات "ينس ستولتنبرغ" الأمين العام لحلف "الناتو" بأن تركيا أوقفت عملياتها العسكرية في سوريا، وأن العنف تراجع في المنطقة بشكل كبير، وأن المرحلة الحالية تتطلب الإسراع في الحلول السياسية.

وحسب ما نشرته وكالة الأناضول التركية، فإن الدول الكبرى في أوروبا تجاوزت الأزمة التي جرت بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والفرنسي إيمانويل ماكرون حول تعريف الإرهاب، بالاتفاق على مزيد من المباحثات مع أنقرة، كما صرح رئيس الوزراء البريطاني في ختام أعمال القمة.

ووفق تصريحات جونسون فإن الدول الأوروبية الكبرى على علم بما وصفه بـ "الضغوط الهائلة" التي تتعرض لها أنقرة، سواء في مشكلة اللاجئين أو التهديد الإرهابي الذي وصفه جونسون بـ" الحقيقي جدا" الذي يمثله حزب العمال الكردستاني (PKK). وأضاف جونسون: "ولذلك فقد اتفقنا على مواصلة منتدى (إي 3 + تركيا)".

وعبر جونسون أن اللقاء الذي جمعه والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي، مع أردوغان، على هامش قمة حلف شمال الأطلسي، كان محاولة لفهم خطط تركيا لمستقبل هذا الشريط في شمال سوريا، مطالبا بتجنب سوء فهم نوايا أنقرة.

لماذا القلق؟

تشير دراسة موسعة للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بألمانيا، أن الدول الأوروبية في بداية العملية العسكرية كانت تشعر بالقلق من الوجود التركي فى شمال سوريا، تخوفا من موجة نزوح جديدة للاجئين السوريين الفارين من العمليات العسكرية.

بالإضافة لتخوفات أخرى من زحف مقاتلي تنظيم الدولة الفارين من السجون الكردية إلى أوروبا نتيجة العمليات التركية، وهما الملفان اللذان شكلا نقاط خلاف واضحة مع تركيا في بداية العملية.

وترى الدراسة أن أردوغان استطاع اللعب بورقة المهاجرين بشكل جيد مع أوروبا، وهو أكثر ما تخشاه الأخيرة في ضوء تفاقم مشاكلها الاقتصادية ومخاوفها من تغير النمط المجتمعي، بالإضافة للتهديدات التي نقلتها "قوات سوريا الديموقراطية" لأوروبا، من خطورة عملية نبع السلام على الأمن القومي الأوروبي نتيجة هروب مقاتلي تنظيم الدولة من السجون الكردية.

ويصل عدد أولئك المقاتلين جميعا 12 ألف، من بينهم 100 مقاتل ألماني، وفي حال توجههم لأوروبا، سيكون لذلك تأثيرات خطيرة للغاية.

وتشير تقارير أخرى نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية لمحللين مختصين بمكافحة الإرهاب أن أوروبا ظنت في بداية الأحداث أنها قادرة على سد الفراغ الناجم عن الانسحاب الأمريكي من الأراضي السورية، وأن ما تقدمه من دعم لوجستي لمحاصرة مقاتلي تنظيم الدولة، يمكن أن يحافظ على الأمور دون التدخل التركي.

إلا أن المعطيات على الأرض خالفت ذلك، خاصة مع الانسحاب الأمريكي قبل بدء العملية العسكرية التركية، ما جعل قوات سوريا الديمقراطية المعروفة باسم "قسد" في مواجهة مباشرة وغير متكافئة مع الجيش التركي.

وبالعودة إلى دراسة المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بألمانيا، فإن أوروبا تراهن على الخيار السياسي لكل أزمات الشرق الأوسط، وهو ما ترجمته بعد ذلك تصريحات الأمين العام لحلف الناتو في القمة السبعين، والتي أكد فيها على ضرورة البدء في الحل السياسي للأزمة السورية.

هل هو ابتزاز؟

وسائل الإعلام الغربية تحدثت عن تصريحات أردوغان قبل انعقاد القمة وأثنائها، بأنه لن يوافق على مشروع الحلف الخاص بحماية بولندا ودول البلطيق، إلا إذا صنفت أوروبا حزب العمال الكردستاني (PKK) كمنظمة إرهابية، بأنها كانت محاولة لابتزاز الدول الأوروبية المشاركة في الحلف، وخاصة الثلاثة الكبار، مؤكدين أن أردوغان يسوق دوليا لإقامة المنطقة الآمنة في شمال شرق سوريا.

ووفق ما نقلته وكالة رويترز، عن دبلوماسيين غربيين لم تسمهم، فإن حالة التساهل التي تبديها واشنطن وباقي الشركاء الأوروبيين حيال تصرفات أردوغان وسياساته تجعله يفرض رأيه وأطروحاته على قادة الناتو، الذين تجاوبوا مع مطالب أردوغان وفقا للعبة المصالح المشتركة.

وحسب المتابعين فإن تصريحات الرئيس الأمريكي المتواصلة عن نجاح المنطقة الآمنة التي أنشأتها تركيا في الشمال السوري، كان سببا في تخفيف الضغط الأوروبي على تركيا فيما يتعلق بعملية نبع السلام، كما أنها كانت سببا كذلك في تغيير مواقفهم من العملية وإعلانهم الصريح عن تفهمهم لمخاوف تركيا من الإرهاب الذي تمثله منظمة PKK.

ويستند أصحاب هذا الرأي على تصريحات ترامب بعد لقائه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على هامش اجتماعات الناتو الأخيرة بلندن، والتي قال فيها: إنه أجرى لقاء غير مجدول مع أردوغان، واصفا إياه بالـ"جيد جدا"، وأنه ناقش نظيره التركي "كل شيء"، بما في ذلك مسائل "سوريا والأكراد"، وأكد أنه وأردوغان يتفاهمان مع بعضهما بصورة "جيدة للغاية".

وأعرب ترامب عن رضاه عن سير عملية إقامة المنطقة الآمنة، والحالة الأمنية الراهنة على الحدود الجنوبية بين تركيا وسوريا، وقال بشكل محدد: "الحدود والمنطقة الآمنة تعملان بشكل جيد جدا، أقدر حقا تركيا على ذلك، ووقف إطلاق النار صامد".

انتقادات تركية

ووفق تحليل نشره السياسي التركي "أوزان جيهون"، فإن الدول الأوروبية، يجب أن تقدم الشكر لتركيا بدلا من انتقادها، لأنها واجهت تنظيم الدولة الذي هدد الاتحاد الأوروبي، وهي الدولة الوحيدة التي تحارب الإرهابيين، كما أن الفضل في عدم وصول ملايين اللاجئين السوريين إلى أوروبا يعود لتركيا أيضا.

وتحدث جيهون عن تصريحات الرئيس أردوغان التي قال فيها: "دعونا نشكل منطقة آمنة حتى يتمكن اللاجئون من العودة الطوعية إليها"، وقال للدول التي لا تدعم تلك المنطقة: "بما أنكم لا تدعمون المنطقة الآمنة، فلم يعد بإمكاننا استقبال اللاجئين، وسنسمح لهم بالرحيل، لذلك سيتوجهون إليكم، وستضطرون للعناية بهم".

وردا على ذلك، ادعى بعض السياسيين الأوروبيين أنهم هُددوا، قائلين: "الرئيس التركي يهددنا". 

وحسب جيهون فإن الاتحاد الأوروبي وبرلمانه لا يريدان سماع "الحقيقة" عندما يتعلق الأمر بتركيا، لأنهما يجيدان حقا لعب دور "القرود الثلاثة" التي لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم عندما يقال إن "ي ب ك، وبي كا كا" هما وجهان لعملة واحدة وتتم قيادتهما من مركز واحد.

شعبية أردوغان

ويربط البعض بين المرونة التي أبدتها الدول الأوروبية تجاه عملية نبع السلام، وبين التقرير الموسع الذي نشرته وكالة رويترز قبل أيام من عقد قمة الناتو، والذي أكدت فيه ارتفاع شعبية أردوغان، وظهور شروخ بين خصومه، بسبب نجاحه في العملية التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي شمالي سوريا.

وقالت الوكالة: إن العملية التركية، منحت أردوغان دفعة في استطلاعات الرأي، ورأت أن العملية في شمال شرق سوريا، جاءت "بعد شهور شهدت ركودا في شعبية أردوغان الذي بدا أنه في موقف ضعيف بعد أن خسر حزبه (العدالة والتنمية) السيطرة على أكبر مدينتين في تركيا للمرة الأولى منذ ارتقى مقاعد السلطة في 2003".

وأظهرت استطلاعات الرأي أن ثلاثة أرباع الأتراك يؤيدون العملية في سوريا، رغم الإدانة الدولية بما فيها إدانات حلفاء أنقرة في حلف شمال الأطلسي.

وأكد استطلاع أجرته مؤسسة "متروبول" أن شعبية أردوغان ارتفعت في الشهر الماضي إلى 48 في المئة لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ فترة قصيرة قبل ذروة أزمة العملة العام الماضي. وبلغ معدل استهجان أدائه أدنى مستوياته منذ محاولة الانقلاب التي وقعت في العام 2016.


المصادر